رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ أن استلمت حركة النهضة السلطة في تونس، رفعت في وجه المعارضة الليبرالية واليسارية وتكوينات المجتمع المدني الحديث شرعية الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأنها هي الحركة التي حازت على الشرعية الانتخابية بواسطة الديمقراطية التي عبدت لها الطريق للوصول إلى السلطة. وإذا كانت صناديق الاقتراع منحت حركة النهضة فوزاً كبيراً في الانتخابات، فإنه لا يجوز للإسلاميين أن يعتبروا الديمقراطية بأنها مجرّد صناديق الاقتراع فقط، وبالتالي يسمحون لأنفسهم التبجح بأنهم أصبحوا حائزين على الشرعية المطلقة أو الشرعية المقدسة، وينسون، بالطبع، شرعية الثورة على حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، التي أتاحت لهم السيطرة على مفاتيح السلطة، رغم أن دورهم في الثورة كان هامشياً، بل إنهم ركبوا موجات هذه الثورة.
وكان واضحاً منذ بداية الثورة على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أن هناك قوى ثلاثاً نجح تناغمها في إنهاء عهده: الحركة الشبابية، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب اليسارية والقومية، والاتحاد العام التونسي للشغل، والجيش. وكان دور الجيش إيجابياً، في انحيازه للشعب رغم دعوات ابن علي إلى التدخل ضد ثورة الشعب، أما دور الإسلاميين، فاتسم بالانتهازية. والحال هذه، كانت الشرعية الثورية في معظمها من نصيب الحركة الشبابية التي لم تكن مؤطرة لا أيديولوجيا ولا سياسياً ولا تنظيمياً، لكن المشكلة كانت عدم التناسب بين قوة الحركة الشبابية الثورية وقوتها الانتخابية، لاسيَّما في ظل ضعف وتشتت أحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية. ولكل هذا، فإن آخر من يحق له الحديث عن الشرعية والديمقراطية والانتخابات والصناديق هم إسلاميو حركة النهضة في تونس.
ولكن حتى بمقاييس موازين القوى بين مكونات الثورة، فإن الانتخابات التي جرت في 23 أكتوبر2011 التي شكلت أساس الشرعية لحركة النهضة الإسلامية، لاحقا، لم تفز فيها النهضة في وجه معارضيها سوى بنحو 20في المائة، حيث إن 80 في المائة من الشعب التونسي ليسوا مع النهضة، من هنا فإن الحديث عن الشرعية الانتخابية لحركة النهضة في وجه المعارضة الليبرالية واليسارية، وحركة الشبيبة الثورية، والاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمات المجتمع المدني، يفقد الكثير من شرعيته.
بالتالي، فإن ما يحدّد الديمقراطية لا يقتصر على صناديق الاقتراع، أو الشرعية الانتخابية فقط، كما تروج لذلك حركة النهضة الإسلامية، بل إنه يقوم بالدرجة الرئيسية على احترام المشاريع والتطلعات الفردية والجماعية التي تقرن بين التأكيد على الحرية الشخصية وبين الحق بالتماهي مع الشعب التونسي، من أجل تحقيق أهداف ثورته: بناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونصرة القضايا العربية، وفي مقدمتها تحرير الأرض العربية السليبة في فلسطين.
لقد كان من الواضح في ذهن الإسلاميين الذين ينتمون لحركة النهضة، أنهم يستغلون لحظة تاريخية لن تتكرر، ليس لإرساء نظام ديمقراطي جديد في تونس باعتباره مطلباً ثورياً، وإنما لبناء دولة إسلامية بالتدرج، بعد أن تكون حركة النهضة قد «تمكنت » من السيطرة على مفاصل الدولة، وضرب القضاء، والإعلام، والصحافة، والاتحاد العام التونسي للشغل، والمنظمات النسائية الديمقراطية، لتعود بعدها إلى تصفية الحساب مع الجيش.
بيد أن قبول حركة النهضة الإسلامية لنتائج الانتخابات التي فازت فيها، قد لا يتعدى فهمها الشكلي للديمقراطية بوصفها صناديق الاقتراع، ولم تع جيدّاً أن النظام الديمقراطي الجديد الذي تسعى الثورة التونسية إلى إرسائه هو كل متكامل، وصناديق الاقتراع واحدة من هذا الكل، لكن النظام الديمقراطي الذي يصبو إليه الشعب التونسي هو صيغة الحياة السياسية القائمة على الثقافة الديمقراطية، التي تزود العدد الأكبر من المواطنين بأكبر قسط من الحرّية، وهو الصيغة التي تحمي أوسع تنوع ممكن وتعترف به.
لقد واجهت الديمقراطية الناشئة في تونس، تهديداً أولا من قبل سلطة حركة النهضة التي استخدمت نتائج صناديق الاقتراع لفرض إطاحتها بكل الانتماءات المجتمعية والثقافية، قاضية بذلك على الثقافة الديمقراطية التي تحترم الحريات العامة، والشخصية، والتنوع المجتمعي، قاضية بذلك على كل رديف أو عديل لسلطة الإسلاميين. وأصيبت الديمقراطية الناشئة بالانحطاط من خلال ممارسة الإسلاميين الانحراف الديمقراطي الذي يُعرِّفُ بالاستبداد المنتخب أو الانتخابي، عبر اعتقادهم بأنهم يمتلكون الشرعية الانتخابية، وأنهم يشكلون الغالبية المطلقة، وعلى أنهم يمثلون كل «الشعب»، وهم يحكمون باسمه، ويعتبرون المعارضة الليبرالية واليسارية، وتكوينات المجتمع المدني الحديث، والنقابات العمالية، أعداء وهامشيين من غير المواطنين، وأنهم منساقون وراء أفكار أجنبية أو رعاة للغرب. ثم هاجم الإسلاميون الديمقراطية الناشئة على جبهة ثالثة، من قبل نزعة ثقافية أصولية إقصائية تدفع إلى عدم احترام الأقليات السياسية إلى حدّ إلغاء فكرة الأكثرية ذاتها، وإلى حدّ الاختزال لفكرة الديمقراطية إلى شكلية صناديق الاقتراع، والعمل على تعزيز نشأة السلطة الإسلامية البديلة، وصوغ دستور يناسب أو بالأحرى على مقاس حركة النهضة الإسلامية.
ولو كانت حركة النهضة الإسلامية راغبة فعلاً في إقامة نظام ديمقراطي ينقلها من مرحلة حركة نزلاء السجون إلى الحركة الشريك في السلطة، أو في المعارضة، كان عليها أن تتبنى برنامج الحد الأدنى للقاء القوى الليبرالية، والثورية، والنقابات العمالية، لتجسيد القطيعة المنهجية مع العنف السياسي، وحل ميلشيات «رابطات الثورة »، والكشف عن الجهة التي اتخذت قرار اغتيال الشهيد شكري بلعيد، والتوجه الصادق نحو صوغ دستور ديمقراطي توافقي، والعمل على إرساء نظام ديمقراطي جديد، ولا يشمل ذلك إطلاقاً أن تكون الجمعية التأسيسية وكراً للإسلاميين، لإعادة إنتاج نظام ديكتاتوري جديد في ثوب إسلامي، وبالتالي تنفيذ مخططاتهم المعادية لتطلعات الشعب التونسي في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.
هذه التوجهات غير الصادقة من جانب الإسلاميين، وغير المؤمنة بالثقافة الديمقراطية في أبعادها المختلفة، التي تؤكد على الإيمان بالتعددية، والتداول السلمي للسلطة، واحترام الرأي والرأي الآخر المعارض، وتبني وجهات نظر الآخرين، والاستعداد لتقبل الحلول الوسط والتوفيقية، هي التي أوجدت جوّاً من عدم الثقة والشك المتبادل بين حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، وأحزاب المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، الأمر الذي يجعل نتائج عملية التحول الديمقراطي في تونس، محلّ صراع، وعدم قبول من جانب المعارضة ومكونات المجتمع المدني.
يستعير إسلاميو حركة النهضة من الديمقراطيات الغربية الراسخة تقديسها للانتخابات، مثلما يستعيرون حزمها مع أي قوة تريد قلب الأوضاع من خارج «اللعبة الديمقراطية». لكنهم يتجاهلون أمرين: المسار التاريخي الذي أدّى إلى هذا «التقديس» للعملية الانتخابية، والقواسم المشتركة للقوى السياسية التي تتداول السلطة فيما بينها، منذ أن استقرت هذه الديمقراطيات. لكن الإسلاميين لم يعوا جيداّ، أنه كل ما لجأوا إلى بناء الدولة الإسلامية وتنكروا لبناء الدولة المدنية الديمقراطية التعددية، كلما أدّى هذا اللجوء باسم أيديولوجيا إسلامية ما إلى تعزيز سلطة حركة النهضة، وبالتالي كل ما أدّى إلى القضاء على استقلالية النظام الديمقراطي الوليد وإلى فرض علاقة مباشرة بين سلطة حركة النهضة وأيديولوجيتها الإسلامية الإخوانية، وعلى الأخص على فرض العلاقة بين الدولة التونسية والدين، كل هذا يقضي على الديمقراطية الناشئة.
والأمر الذي لا يقبل الجدل هو أنه لا يجوز إطلاق صفة الديمقراطية على حركة النهضة الإسلامية لمجرّد أنها وصلت إلى السلطة بوساطة صناديق الاقتراع، لأنها حوّلت الشرعية الانتخابية إلى قناع لفرض ديكتاتورية دينية جديدة في تونس، مثلما لا يجوز إطلاق صفة الديمقراطية على ستالين "باني النظام التوتاليتاري" لمجرّد أنه كان « ثورياً»، أو على هتلر"باني النظام النازي" لمجرّد أنه فاز في الانتخابات عام 1933.
لذلك قبل أن تستقر في تونس الديمقراطية الراسخة، التي تشتمل على قواعد التداول السلمي للسلطة، والفصل الحقيقي بين السلطات، ينبغي أن تظهر المساحة المشتركة بين الإسلاميين من حركة النهضة وباقي أطراف المعارضة الليبرالية واليسارية والقومية، لجهة الإيمان الحقيقي بصوغ دستور ديمقراطي جديد يليق بالثورة التونسية، والتوجه الحقيقي نحو باء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تلك هي المساحة المشتركة التي يمكن اعتبارها الشرعية الحقيقية للنظام الديمقراطي الجديد الناشئ.
وعلى هذا الصعيد، لا يَنْفَع «لإخوان » تونس من حركة النهضة، نَعْتَ المعارضة التونسية بأنها مجرّد قوى متشرذمة وضعيفة تنظيمياً. فهي تمتلك قوة جماهيرية، ونخبوية، غير منظمة، بل إنها تمتلك الشرعية الشعبية، هذا ما أكدته جنازة الشهيد شكري بلعيد. وهذا ما يفسر الاضطراب الذي تلاقيه محاولات النهضة لفرض حكم إسلامي على تونس.
أمام حركة النهضة الإسلامية في تونس، اليوم، خياران مكلفان: إما التوجه نحو فرض شرعية إسلامية جديدة على الطريقة الإيرانية، وهذا من باب المحال في واقع تونس، وإما القبول بإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تجعل خصومهم يقبلون بالاحتكام لصناديق الاقتراع.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
10074
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1542
| 21 نوفمبر 2025