رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نقرأ في القرآن الكريم قول الله عز وجل: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، كما نقرأ - أيضا - قوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، وهناك آيات أخرى وردت في هذا المعنى، فالله سبحانه كان قادرا على جعل جميع خلقه يؤمنون بدين واحد أو مذهب واحد أو فكر سياسي واحد، ولكن إرادته اقتضت تبيين الحق لكل الناس ثم ترك لهم حرية اختيار ما يريدونه لأنفسهم بكامل إرادتهم وهم محاسبون على هذا الاختيار.
هذه القاعدة هي التي أوجدت التعددية في سائر المجتمعات البشرية، فهناك تعددية في الأديان، وهناك تعددية في المذاهب بين أبناء الدين الواحد، كما أن هناك تعددية فكرية وسياسية وهي التي تقود أصحابها إلى طريقة إدارة بلادهم وطريقة التعامل مع شعوبهم وشعوب الأمم الأخرى.
هذه التعددية وُجدت مع أول دولة إسلامية وهي دولة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد تجاور في المدينة المسلمون مع اليهود، كما أن نصارى نجران دخلوا ضمن الدولة الإسلامية الوليدة، ويحدثنا التاريخ كيف أن رسولنا الكريم كان يتعامل بالحسنى مع أتباع الديانات الأخرى؛ فقد سمح لوفد نصارى نجران بالصلاة في مسجده، كما كان يتصدق على فقراء اليهود، ومعروف أنه - عليه الصلاة والسلام - قام واقفا لجنازة مرت به، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: أليست نفسا؟ وأيضا عندما توفيت أم الحارث بن أبي ربيعة وهي نصرانية شيعها صحابته الكرام.
أما الدولة الإسلامية بعد عهد الرسول الكريم فقد ضمت كل الأطياف وكل أصحاب الملل والنحل الصالح منها والفاسد، وقد تمتعوا في ظل هذه الدولة بكامل حرياتهم، ولولا هذه الحريات لما بقى النصارى واليهود في معظم البلاد التي حكمها المسلمون إلى اليوم، ولولا هذه الحريات - أيضا - لما بقي الهندوس في الهند وقد حكمها المسلمون عدة قرون، وكذلك غيرها من الديانات والملل الأخرى وكل ذلك يؤكد احترام المسلمين للحريات الدينية للآخرين وعدم إجبارهم على اعتناق الإسلام.
أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أن الاختلاف - مهما كان نوعه - يجب أن يُوظف لخدمة الدولة وبناء حضارتها وصناعة مستقبلها، كما فهموا - أيضا - أن تحقيق مصالحهم المشتركة لا يمكن أن تتحقق ما لم يتعاون كل أفراد المجتمع مهما كانت انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية، وهذا الفهم هو الذي ساعد على بناء الدولة الإسلامية في عصورها الزاهرة.
واليوم وقد أصبح حال المسلمين مؤسفا على معظم الصعد بسبب تفرقهم واختلافهم وتصارعهم وتفشي الجهل بينهم والأهم من هذا كله فقدانهم لمفهوم الاختلاف بينهم فبدلا من الاستفادة من هذا الاختلاف في تحقيق تنوع حضاري وفكري يقويهم جميعا جعلوه مصدرا كبيرا للاقتتال والتفرق وإساءة بعضهم للبعض الآخر فقدموا للآخرين صورة مشوهة عن دينهم استغلها أعداؤهم للإساءة لهم جميعا!!
لا أريد أن أضرب مثلا بدولة (داعش) التي دأبت على قتل المسلمين وقطع الرؤوس بطريقة همجية، وكذلك ملاحقة أصحاب الديانات الأخرى بالقتل أو الطرد من بلادهم بحجة عدم دفع الجزية!! فهذه دولة إلى زوال، ولكني أنظر إلى دول أخرى عربية وإسلامية فأرى فيها صراعا بين مكونات مجتمعها ما كان له أن يوجد أصلا لو أدرك هؤلاء قيمة التسامح والعدل والوفاء بالعهد الذي جاء به الإسلام وجعله جزءا من أساسياته!! وما كان له أن يوجد لو أدرك هؤلاء وأدركت قياداتهم السياسية والفكرية أن هذا الصراع قد يودي بهم جميعا وقد كان بإمكانهم أن يجعلوه مصدر قوة وعزة لهم جميعا!!
هناك صراع بين السنة والشيعة في العراق وفي البحرين وفي لبنان، ونراه وإن كان بشكل أقل في الكويت والسعودية وباكستان، وتختلف الأسباب المعلنة بين هذه الدولة أو تلك، وبغض النظر عن كل ما يقال فإن تحقيق العدالة بين الجميع أمر ممكن بل ولابد منه!! قد يقال: إن الشعوب هي المسؤولة عما يحدث وقد يقال إن الدول هي المسؤولة ولكني أعتقد أن الطرفين يشتركان في المسؤولية، وأعتقد أن هذا الصراع المقيت يجب أن يزول إذ لا مصلحة فيه إلا لأعداء المسلمين وهنا تبرز مسؤولية الدول أولا وثانيا وأخيرا.
وفي بعض بلادنا صراع من نوع آخر؛ فهناك صراع مقيت بين أصحاب التيارات الفكرية المنتمية لمذهب واحد وخذ على سبيل المثال ما نقرؤه ونسمعه عن الصراع بين: الإخوان المسلمين والسلفيين - الجهاديين والحركيين - وكذلك الصحويين والحركيين منهم - شخصيا لا أعرف معنى هذين المصطلحين حتى الآن فكل واحد يتحرك ويقف ويصحو وينام - هذا بالإضافة إلى التبليغيين والصوفية والوهابية والقبوريين والتحريريين إلى آخر القائمة وهي طويلة، ثم يأتي في القائمة: الليبراليون والعلمانيون ومن على شاكلتهم.
ولنا أن نتخيل كيف سيكون وضع المجتمع الذي يعيش فيه كل هؤلاء في ظل الصراع القائم بينهم؟ بعض هؤلاء وقف إلى جانب الصهاينة ضد المسلمين في غزة وكان الفرح عنوانهم كلما ازداد القتل بين الغزاويين!! وبعض هؤلاء وقف إلى جانب الصهاينة ضد حزب الله الذي قاتل الصهاينة عام ٢٠٠٦ م!! وقد تناسى هؤلاء أن الصهاينة هم من احتل فلسطين وهم من شرد وقتل أهلها وتذكروا فقط: خلافهم مع الشيعة أو الإخوان، وكأن آلاف القتلى والجرحى هم ممن يحملون حقدا أعمى عليهم!!
ونرى صراعا في مصر وفي العراق وفي لبنان بين مكونات مجتمعاتهم مات بسببه الكثيرون، وأجج أحقادا قد يصعب زوالها، وكل ذلك فتح طريقا لأعداء الأمة دخلوا معه لإضعافها من جهة وتحقيق مكاسب لهم على حسابها من جهة أخرى!!
الخلاف هو الوضع الطبيعي لكل المجتمعات البشرية، وكان الأجدر بمجتمعاتنا الإسلامية التي أعطى دينها للخلاف مساحة واسعة أن تستفيد منه في تطوير ذاتها ولكنها للأسف حولته إلى اختلاف مقيت فتك بها وأضعفها!! هذا الاختلاف إذا لم نجعله قوة لنا سيتحول إلى خنجر في ظهورنا!! ستنشأ بسببه تيارات عنف وإرهاب كما ستوجد جماعات تكفر بكل القيم والأعراف الإنسانية وسترتد إلى مجتمعاتها تفتك فيه وبكل الطرق المتاحة لها.
مازالت الفرص متاحة لترميم النفوس وتقليل الأحقاد ولم الشمل بين كل طوائف الأمة التي وصفها خالقها بأنها (أمة واحدة) فهل تطيع ربها وتصبح واحدة؟
موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية
تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد
36
| 13 ديسمبر 2025
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
48
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
63
| 13 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2334
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025