رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نقرأ في القرآن الكريم قول الله عز وجل: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، كما نقرأ - أيضا - قوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، وهناك آيات أخرى وردت في هذا المعنى، فالله سبحانه كان قادرا على جعل جميع خلقه يؤمنون بدين واحد أو مذهب واحد أو فكر سياسي واحد، ولكن إرادته اقتضت تبيين الحق لكل الناس ثم ترك لهم حرية اختيار ما يريدونه لأنفسهم بكامل إرادتهم وهم محاسبون على هذا الاختيار.
هذه القاعدة هي التي أوجدت التعددية في سائر المجتمعات البشرية، فهناك تعددية في الأديان، وهناك تعددية في المذاهب بين أبناء الدين الواحد، كما أن هناك تعددية فكرية وسياسية وهي التي تقود أصحابها إلى طريقة إدارة بلادهم وطريقة التعامل مع شعوبهم وشعوب الأمم الأخرى.
هذه التعددية وُجدت مع أول دولة إسلامية وهي دولة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد تجاور في المدينة المسلمون مع اليهود، كما أن نصارى نجران دخلوا ضمن الدولة الإسلامية الوليدة، ويحدثنا التاريخ كيف أن رسولنا الكريم كان يتعامل بالحسنى مع أتباع الديانات الأخرى؛ فقد سمح لوفد نصارى نجران بالصلاة في مسجده، كما كان يتصدق على فقراء اليهود، ومعروف أنه - عليه الصلاة والسلام - قام واقفا لجنازة مرت به، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: أليست نفسا؟ وأيضا عندما توفيت أم الحارث بن أبي ربيعة وهي نصرانية شيعها صحابته الكرام.
أما الدولة الإسلامية بعد عهد الرسول الكريم فقد ضمت كل الأطياف وكل أصحاب الملل والنحل الصالح منها والفاسد، وقد تمتعوا في ظل هذه الدولة بكامل حرياتهم، ولولا هذه الحريات لما بقى النصارى واليهود في معظم البلاد التي حكمها المسلمون إلى اليوم، ولولا هذه الحريات - أيضا - لما بقي الهندوس في الهند وقد حكمها المسلمون عدة قرون، وكذلك غيرها من الديانات والملل الأخرى وكل ذلك يؤكد احترام المسلمين للحريات الدينية للآخرين وعدم إجبارهم على اعتناق الإسلام.
أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أن الاختلاف - مهما كان نوعه - يجب أن يُوظف لخدمة الدولة وبناء حضارتها وصناعة مستقبلها، كما فهموا - أيضا - أن تحقيق مصالحهم المشتركة لا يمكن أن تتحقق ما لم يتعاون كل أفراد المجتمع مهما كانت انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية، وهذا الفهم هو الذي ساعد على بناء الدولة الإسلامية في عصورها الزاهرة.
واليوم وقد أصبح حال المسلمين مؤسفا على معظم الصعد بسبب تفرقهم واختلافهم وتصارعهم وتفشي الجهل بينهم والأهم من هذا كله فقدانهم لمفهوم الاختلاف بينهم فبدلا من الاستفادة من هذا الاختلاف في تحقيق تنوع حضاري وفكري يقويهم جميعا جعلوه مصدرا كبيرا للاقتتال والتفرق وإساءة بعضهم للبعض الآخر فقدموا للآخرين صورة مشوهة عن دينهم استغلها أعداؤهم للإساءة لهم جميعا!!
لا أريد أن أضرب مثلا بدولة (داعش) التي دأبت على قتل المسلمين وقطع الرؤوس بطريقة همجية، وكذلك ملاحقة أصحاب الديانات الأخرى بالقتل أو الطرد من بلادهم بحجة عدم دفع الجزية!! فهذه دولة إلى زوال، ولكني أنظر إلى دول أخرى عربية وإسلامية فأرى فيها صراعا بين مكونات مجتمعها ما كان له أن يوجد أصلا لو أدرك هؤلاء قيمة التسامح والعدل والوفاء بالعهد الذي جاء به الإسلام وجعله جزءا من أساسياته!! وما كان له أن يوجد لو أدرك هؤلاء وأدركت قياداتهم السياسية والفكرية أن هذا الصراع قد يودي بهم جميعا وقد كان بإمكانهم أن يجعلوه مصدر قوة وعزة لهم جميعا!!
هناك صراع بين السنة والشيعة في العراق وفي البحرين وفي لبنان، ونراه وإن كان بشكل أقل في الكويت والسعودية وباكستان، وتختلف الأسباب المعلنة بين هذه الدولة أو تلك، وبغض النظر عن كل ما يقال فإن تحقيق العدالة بين الجميع أمر ممكن بل ولابد منه!! قد يقال: إن الشعوب هي المسؤولة عما يحدث وقد يقال إن الدول هي المسؤولة ولكني أعتقد أن الطرفين يشتركان في المسؤولية، وأعتقد أن هذا الصراع المقيت يجب أن يزول إذ لا مصلحة فيه إلا لأعداء المسلمين وهنا تبرز مسؤولية الدول أولا وثانيا وأخيرا.
وفي بعض بلادنا صراع من نوع آخر؛ فهناك صراع مقيت بين أصحاب التيارات الفكرية المنتمية لمذهب واحد وخذ على سبيل المثال ما نقرؤه ونسمعه عن الصراع بين: الإخوان المسلمين والسلفيين - الجهاديين والحركيين - وكذلك الصحويين والحركيين منهم - شخصيا لا أعرف معنى هذين المصطلحين حتى الآن فكل واحد يتحرك ويقف ويصحو وينام - هذا بالإضافة إلى التبليغيين والصوفية والوهابية والقبوريين والتحريريين إلى آخر القائمة وهي طويلة، ثم يأتي في القائمة: الليبراليون والعلمانيون ومن على شاكلتهم.
ولنا أن نتخيل كيف سيكون وضع المجتمع الذي يعيش فيه كل هؤلاء في ظل الصراع القائم بينهم؟ بعض هؤلاء وقف إلى جانب الصهاينة ضد المسلمين في غزة وكان الفرح عنوانهم كلما ازداد القتل بين الغزاويين!! وبعض هؤلاء وقف إلى جانب الصهاينة ضد حزب الله الذي قاتل الصهاينة عام ٢٠٠٦ م!! وقد تناسى هؤلاء أن الصهاينة هم من احتل فلسطين وهم من شرد وقتل أهلها وتذكروا فقط: خلافهم مع الشيعة أو الإخوان، وكأن آلاف القتلى والجرحى هم ممن يحملون حقدا أعمى عليهم!!
ونرى صراعا في مصر وفي العراق وفي لبنان بين مكونات مجتمعاتهم مات بسببه الكثيرون، وأجج أحقادا قد يصعب زوالها، وكل ذلك فتح طريقا لأعداء الأمة دخلوا معه لإضعافها من جهة وتحقيق مكاسب لهم على حسابها من جهة أخرى!!
الخلاف هو الوضع الطبيعي لكل المجتمعات البشرية، وكان الأجدر بمجتمعاتنا الإسلامية التي أعطى دينها للخلاف مساحة واسعة أن تستفيد منه في تطوير ذاتها ولكنها للأسف حولته إلى اختلاف مقيت فتك بها وأضعفها!! هذا الاختلاف إذا لم نجعله قوة لنا سيتحول إلى خنجر في ظهورنا!! ستنشأ بسببه تيارات عنف وإرهاب كما ستوجد جماعات تكفر بكل القيم والأعراف الإنسانية وسترتد إلى مجتمعاتها تفتك فيه وبكل الطرق المتاحة لها.
مازالت الفرص متاحة لترميم النفوس وتقليل الأحقاد ولم الشمل بين كل طوائف الأمة التي وصفها خالقها بأنها (أمة واحدة) فهل تطيع ربها وتصبح واحدة؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
786
| 10 ديسمبر 2025