رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ أكثر من ستة أشهر والمظاهرات في سوريا مستمرة رغم تصاعد القمع الوحشي الرهيب، وولوغ النظام في حمام دم، لا يبدو أنه متوقف عنه لصالح الشعب بكل أفانين العذابات والآلام التي لم تستثن أي بؤرة في الوطن ليلاً أو نهاراً حيث ارتفع عدد الشهداء والمعتقلين والمهجرين في حرب لم تجر مثلها حتى مع إسرائيل أبداً، ومع كل هذا التفاقم الرعيب فإن الثورة السورية تسير في اتجاه الطلعة من دون الرجعة إلا بإسقاط هذا النظام الذي أعلن فقدان شرعيته من أول قطرة دم أراقها ظلماً في بلاد الشام، وقابل الورد بالبندقية، ولم يختر عبر دهائه المزعوم غير اللا حسم الأمني الذي عبر المحتجون بكل إصرار تحديهم له حتى كان شعارهم للجمعة الماضية "ماضون حتى إسقاط النظام"، فعجباً لهؤلاء الأبطال الصامدين المصطبرين الذين شيدوا ذاتية متميزة لشخصياتهم حملت أروع البنود من خلال الوقائع التي شهدت وتشهد لهم على الأرض فكانوا بذلك أنجح معارضة فعالة ارتفع سقفها إلى كل الطموحات التي يطلبها الشعب من حرية وكرامة وتفان عظيم في سبيل البلوغ إلى تلك المرامي حيث يهون كل شيء من أجل الله والوطن، ثم إنها برهنة الرفض المشروع للنظام واللامشروع الذي جثم على صدر الأمة بلا شرعية التوريث من جهة ووقف عاجزاً أمام إدارة الأزمة الخانقة في البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في الداخل، كما وقف عاجزاً وباسم المقاومة والممانعة أمام تحقيق أي طموح بموقف مشرف حيال الصراع مع إسرائيل وتحرير الجولان منذ قرابة أربعة عقود من جهة أخرى، حيث لم يتحمل مسؤولياته باقتدار.
ولدى مقارنة منطقية بين وضع سوريا وتركيا مثلاً نجد أننا في عهد بشار قد تأخرنا كثيراً على مختلف الصعد على مدى أحد عشر عاماً، بينما تقدمت تركيا في المدة نفسها لتفرض حالها على العالم كشبه دولة عظمى سياساً واقتصادياً واجتماعياً، وعلى أية حال فقد كان لابد للمعارضة الفطرية التي انتفضت كزلزال وبركان كانت النار فيه تحت الرماد بزخم شعبي عارم أن تجد لها صدى في الخارج من معارضات تقليدية لم تفتأ تناجز النظام على فترات متلاحقة مع اختلاف منسوب وفعالية كل حركة أو حزب أو هيئة فيها، ومع الاعتراف بأن الكثيرين إنما يمموا وجوههم قبل الخارج مضطرين بسبب قمع النظام لكل طرف لا يغني مع سربه ويقع تحت سيطرته سياسياً وفكرياً أو خرجوا بسبب سوء الوضع الاقتصادي الذي تسبب فيه النظام مغلباً حظ العائلة على الشعب، ولا ننسى أن بعضاً كثيراً من المعارضين كجماعة إعلان دمشق والإسلاميين كان نصيبهم السجن والبعض الآخر خفتت معارضته، ولكنه منذ بدأت الثورة أخذ مع فريقه الذي أخرج بعضهم يعمل بجد ونشاط لنصرة الانتفاضة والتضحية عبر مختلف الوسائل لدعم المحتجين والمطالبة بدولة المواطنة والقانون ومع اشتداد هذا الحراك لدى المعارضين في الخارج والداخل، فقد ظهرت مؤتمرات ومبادرات متعددة وتزايدت مؤخراً بدءاً من مؤتمر استانبول، ثم أنطاليا، ثم بروكسل، ثم مؤتمر العلماء في استانبول، ومؤتمر الإنقاذ الوطني كذلك فيها، ثم المجلس الوطني الذي تم تشكيله مؤخراً كذلك في استانبول واعترف به من عدة دول أوروبية، وكذلك مبادرة الدوحة التي انطلقت من أنقرة ومؤتمرات وتجمعات أخرى في القاهرة قرأنا عنها وتابعنا واقعها من حيث المبادرين والرموز الوطنية المشاركة فيها، وكل ذلك دون أن ننسى لجان التنسيق واتحادها وهيئتها في الداخل إضافة إلى مؤتمرات دمشق الموالية والمعارضة،إلا أن الذي أصبح لافتاً جداً للنظر كثرة هذه المؤتمرات والتجمعات والندوات القائمة في هذا الصدد وهي وإن أجمعت كلها تقريبا على التغيير بل والتخلص من نظام الاستبداد والاستعباد ورؤوسه المتخلفة إلا أنها كلها تقريبا لم تصل إلى الحد الذي يتواكب مع حراك الشارع وتطلعاته من حيث النشاط والتوثب ففي حين ترى تنسيقيات الداخل والشعب عامة أن السلطة الباغية في سوريا تتحرك بسرعة انطلاقة الصاروخ لقمع الشعب والوطن فإنها لا تجد حركة قوية وثابة من المعارضة إلا ما يساوي بالبطء سرعة السلحفاة! وهذا ما يزيد من أزمة الثقة بين معارضة الداخل والخارج، مع أن الكثرة الكاثرة من المعارضين حقا لا يستطيعون الجهر بصوتهم في الأحداث بسبب الخوف والقمع الجهنميين، ولذلك فالنظام يدرك ذلك إذ لو سمح لنفسه أن يسحب الجيش وقوى الأمن والشبيحة من كل ناحية في سوريا واستطاع الناس أن ينطلقوا في المظاهرات دون تعرض للقتل المؤكد فإنهم بالملايين سيملأون الساحات في العاصمة وبقية المدن وإنهم بتواصلهم وتأثرهم بثورات تونس ومصر وليبيا وانتصارها سوف لا يعودون في وقت قصير إلا بإسقاط النظام، وعلى أية حال فإن سياسة الاستئصال التي تقوم بها سلطة دمشق بالإفناء الكامل وهي السياسة المعروفة قبل ذلك لدى الشيوعيين والنازيين لن تجديهم وكان الأولى بهم أن يجيدوا فن التعايش مع المعارضة فيسلموا بوجودها وإعطائها حق المشاركة الفعالة منذ البداية وعند ذلك ما كانت هذه المعارضة لتصل في سقفها إلى إسقاط الرئيس بل إعدامه نتيجة سفك الدماء بل كانت سترضى بالإصلاحات والسير بالوطن في سفينة النجاة، أما وأن الموازين قد انقلبت ولم يعد واردا داخليا وخارجيا إلا إسقاط هذا النظام فما على المعارضة الناجحة إلا أن تتقن فعالياتها التنظيمية وتقوي فريقها السياسي القادر على التناغم مع الشارع ثم توحد الصف وتجمع كل وطني على هذا الهدف مستفيدة من مختلف الطاقات بلا تمييز اثني ولا طائفي وأن تهتم بالهيئات والمراكز والروابط المتحركة في المجتمع المدني وكذلك التجمعات العشائرية المشهود لها بالإخلاص والتضحية وتنزيل الناس منازلهم وأن تستعمل الديمقراطية الحقيقية المنسجمة مع تعاليم الإسلام الشورية وليس الدم قراطية المزيفة، وأن تعتمد العقلية المنظمة والمنهج العلمي في تعاطيها الحركي ولا تكون أسيرة اتجاهات تقليدية لا ابتكار فيها ولا تتناسب والمرحلة الجديدة التي تعايشها الثورة بل قد دخلت في مخاضها الصعب الذي يتطلب الاصطبار والمثابرة كما في الثورة الفرنسية التي دامت عشر سنوات حتى ولدت وذلك دون يأس، فاليأس انتحار القلب وهو كما يقول أحمد أمين لا يليق بكبار النفوس إذ لا حياة مع اليأس والحياة العقيمة موت مسبق كما قال غوتة ولكننا نقول: إن حياة الشهداء تخلق الأوطان، فيا أيتها المعارضة المخلصة لسوريا أديميها سلمية قدر المستطاع وانتزعي كل طائفية وانتظري النصر من الله وتأييد العالم الحر قريباً فلكل ظالم نهاية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1227
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
798
| 10 ديسمبر 2025