رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تمثل العلاقات القطرية -التركية تجربة مميزة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، كونها حققت مكاسب معتبرة للجانبين وبلغت مدى كبيرًا في الدفع بعجلة التعاون السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي. هذه الديناميكية عززت من قوة البلدين على الصعيدين، الإقليمي والدولي، في الظروف الحساسة التي مرَّت بها المنطقة منذ 2011.
وقد عُقدت الدورة الخامسة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية في الدوحة، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، برئاسة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وناقش الزعيمان القضايا الإقليمية وكذلك العلاقات الثنائية. وللتذكير، فإن هذه اللجنة تأسست في ديسمبر/كانون الأول 2014. وخلال الاجتماعات الأربعة السابقة للجنة الاستراتيجية العليا، تم توقيع أكثر من 45 اتفاقية في مختلف المجالات. وتجدر الإشارة إلى أن اجتماعات اللجنة كانت تُعقد دائمًا وفقًا للجدول الزمني المتفق عليه، مع وجود وفود مهمة من الجانبين، وعادة ما يتم توقيع اتفاقيات مهمة نتيجة لذلك.
ويقع في صميم اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية تحفيز التبادلات الاقتصادية. ويحرص الجانبان على تعميق العلاقات الاقتصادية. وتأتي معالجة الأداء الاقتصادي على رأس جدول الأعمال الوطني بالنسبة للجانب التركي، خاصة في أعقاب الاضطرابات المالية الصعبة منذ النصف الثاني من عام 2018 التي تمثلت في مضاربات العملات من قبل مستثمرين خارجيين إلى جانب الضغوط السياسية الأمريكية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية والعقوبات التي أدت إلى انخفاض كبير في قيمة الليرة التركية، التي فقدت حوالي 35%من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال المدة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2018. وقد اتخذت الحكومة التركية منذ ذلك الحين سلسلة من الإجراءات كان لها أثر إيجابي وترتب عليها عودة الاقتصاد التركي إلى مجراه الطبيعي.
كان لقطر دور معتبر خلال أزمة العملة التركية؛ ففي 15 أغسطس/آب 2018، زار صاحب السمو تركيا والتقى بالرئيس أردوغان ووعد بتقديم المساعدة المالية لبلاده. وتعهدت قطر بتقديم مجموعة من المشروعات الاقتصادية والاستثمارات والودائع بقيمة إجمالية قدرها 15 مليار دولار بالإضافة إلى خط ائتمان بقيمة 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد التركي. لم تستلم أنقرة سوى جزء من هذه الحزمة، وقد أُشير لاحقًا بعد انعقاد اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية الخامسة إلى أن 7 مليارات دولار من الاستثمارات القطرية في طريقها إلى تركيا.
ويعد هذا التعاون الاقتصادي إيجابيًّا لكلا الطرفين؛ حيث ارتفعت صادرات تركيا إلى قطر إلى 1.1 مليار دولار في عام 2018 من 650 مليون دولار في العام السابق، وهو ما يمثِّل زيادة سنوية. ومن ناحية أخرى، ارتفعت صادرات قطر إلى تركيا بنسبة 27%، من 264 مليون دولار إلى 335 مليون دولار. وتسهم الشركات التركية في الاقتصاد القطري، وخاصة في مجال البناء والبنية التحتية، حيث يقدر حجم استثمارات هذه الشركات في قطر بحوالي 17 مليار دولار، وتستعد هذه الشركات لتعزيز وجودها تحسبًا لكأس العالم 2022 لكرة القدم. وبالمثل، تعد قطر واحدة من أهم المستثمرين في تركيا، حيث بلغت استثماراتها 22 مليار دولار، وتجاوز حجم التجارة بين البلدين ملياري دولار، حيث تركز الاستثمارات القطرية بشكل خاص على القطاع المصرفي التركي، والطاقة، والتصنيع، والسياحة، والعقارات، والزراعة، بالإضافة إلى الصناعات العسكرية. كما ارتفع عدد السياح القطريين إلى تركيا إلى 970.000 في عام 2018، ومن المتوقع أن يزداد في عام 2019 بنسبة 30%.
بشكل عام، يعد الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا القطرية-التركية؛ علامة فارقة أخرى مهمة في العلاقات بين البلدين، حيث إن مسار العلاقة أخذ منحى تصاعديًّا منذ عام 2002. ومن وجهة النظر التركية، كان هذا بسبب عاملين أساسيين: أولًا: الأجندة السياسية لحزب العدالة والتنمية، والذي جاء إلى السلطة من خلال برنامج تحويلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي بالإضافة إلى الإصلاحات التي تم إجراؤها على المستوى الوطني. وقد غيَّر حزب العدالة والتنمية رؤيته المتعلقة بالسياسة الخارجية؛ فعلى النقيض من سياسة "التوجه إلى الغرب"، التي تم ترسيخها خلال الحقبة الكمالية، حيث تجاهلت تركيا الشرق الأوسط لعقود من الزمن، سعى حزب العدالة والتنمية إلى إعادة تشكيل سياسته الخارجية وإعادة التوازن إليها، وأسهم التغيير اللاحق في العلاقات المدنية-العسكرية وتحييد التدخل الكبير للجيش في السياسة في إعادة توازن السياسة الخارجية التركية بشكل كبير، وعكس مسار السياسة المتَّبعة سابقًا.
ازدادت أهمية الشرق الأوسط في أجندة السياسة الخارجية لتركيا بشكل تصاعدي. وكان من بين أبرز التطورات في هذا السياق: العلاقات القطرية-التركية. حيث تمت الزيارات رفيعة المستوى خلال العقدين الماضيين، وزادت التبادلات الاقتصادية في مجالات مختلفة مثل قطاع الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، كانت مواقف كلتا الدولتين متماثلة في أدوار الوساطة المختلفة التي اضطلعوا بها.
مع بدء الانتفاضات العربية في المنطقة من عام 2011 فصاعدًا، سعت كل من تركيا وقطر إلى تحقيق التوازن في المنطقة، في حين أدركت الدولتان أنه من الضروري "القيام بأدوار إقليمية جديدة". نتيجة لذلك، حاولت كلتا الدولتين في المراحل المبكرة تقديم وساطتهما بطرق مختلفة، سواء في البحرين أم ليبيا أم سوريا أم اليمن. ومع ذلك، في معظم الحالات، لم تنجح هذه الجهود بسبب المقاومة الشديدة للتغيير من الأنظمة القائمة. وبالتالي، دعمت كل من تركيا وقطر المطالب الشعبية
وفي سوريا، حاول الجانبان التوسط بين النظام والمعارضة دون جدوى. ومع تصاعد العنف في كل هذه المواقع، قدمت كل من تركيا وقطر للسوريين مساعدات سياسية ودبلوماسية وإنسانية ولوجستيكية. فتحت تركيا حدودها للاجئين السوريين، خاصة بعد استخدام الأسلحة الكيماوية، وأطلقت بعد ذلك أنقرة ثلاث عمليات كبرى لتأمين حدودها من الحركات التي تصنفها إرهابية.
يرى العديد من المراقبين أن الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وقطر لها مقومات الاستمرار والنمو، فقد طور قادة البلدين تعاونًا قويًّا على أعلى مستوى من عملية صنع القرار في البلدين. وباعتبار أن صاحب السمو والرئيس أردوغان التقيا 26 مرة على مدى 5 سنوات، فإن هذا يكشف عن عمق الرابطة بين الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجانبين يحتاجان إلى بعضهما البعض، خاصة بالنظر إلى المنعطف الدولي الحالي ذي الانسيابية الكبيرة. فتركيا تواجه العديد من الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، وليس أقلها الملف السوري، كما أن الدوحة تواجه أيضًا بيئة معقدة في الخليج.
وتطمح القيادة التركية إلى ترسيخ العلاقات الاقتصادية مع الدوحة بشكل أعمق. من المؤكد أن الجانب التركي يتطلع إلى الحصول على جهد استثماري أكثر ديناميكية ومستويات أعلى للتبادل التجاري.
مدير مركز البحوث في تي. آر. تي. العالمية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4242
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1944
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1773
| 04 ديسمبر 2025