رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يحكى أنه في زمن ما كانت هناك بلدة كبيرة،، تعرف "بأم المقابر" وقد اشتهرت بهذا الاسم لأن بها عددا هائلا من المقابر الراقية، المتطورة، فهي تتباهى بالطرز المعمارية الحديثة واستخدام آخر ما توصل إليه المعماريون في هندسة وتشكيل المقابر والقبور، وتوظف أحدث ما توصل إليه العلم في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة ونظم المعلومات في تصنيف الموتى وتجهيز القبور، وتعتبر هذه المقابر الحديثة معالم بارزة وفريدة تُميز البلدة، ورغم ذلك، فعندما تدخل هذه البلدة فإنك تتعجب من الهدوء الذي يسيج أجواءها، فبالكاد تسمع أصوات الطيور، وبالكاد تشعر بهفهفات النسيم، السكون يخيم على المدينة، الجميع يتحرك في صمت، الوجوه يعلوها البؤس، والأجساد يعتريها قيح الكآبة وصديد البلاء، ولا عجب، فجميع أهل البلدة يعيشون في رعب الانتظار، وفي ذعر الترقب.
كان حارس المقابر مزهواً بنفسه، وبمكانته التي آلت إليه بعد أن رحل حارس المقابر السابق، الذي نهب وظلم، وطغى وتجبر، ولكن لم يستطع أحد أن يثبت عليه شيئاً، لأنه كان من ذوي السطوة والنفوذ، وكان يمثل واجهة لمجموعة أشد خطراً وفتكاً، تحيك الدسائس، وتنتهك الحرمات، وتقترف أنواع الظلم والاضطهاد والعنصرية، كانت وظيفته مقتصرة على تحقيق رغباتهم الجائرة، وإبداء الموافقة الرسمية على كل ما يحدث منهم، بصورة مبطنة لا تكشف حقيقة نواياهم، فلو نظرت إلى أياديهم الناعمة خدعت بها، ولو قلبتها لوجدتها مضجرة بالقسوة وبشاعة الأوزار، وهكذا كان عهد حارس المقابر السابق، وعندما رحل أخذ معه بطانته التي راحت تعيث فساداً في مكان آخر.
كانت الطبقة العاملة في المقابر والتي تنقسم إلى أقسام متعددة، تتنافس فيما بينها، لتنال رضا وقبول حارسها الجديد، الذي لا يختلف كثيراً عن سابقه، فكان يُقرّب منه كل من تجمعه بهم المصالح، والصداقات، وصلة القرابة، أما فئة المغضوب عليهم، وهم بقية المتنافسين الطامحين، العاملين بجد وإخلاص في خدمة المقابر، فهم يتسابقون على فتات القاع، بعد أن وعدهم بالتغيير والتجديد وإحقاق الحق، ورد المظالم، ولكن فعلياً لم يتغير شيء في عهده، فهو يسير على خطى سابقه، والعذر في ذلك حاضر دائماً، كأعذار غيره الرثة، فالتغيير يحتاج إلى مزيد من الوقت لحصد نتائجه، حجة بالية أخرى يتحجج بها الضعفاء، وهكذا يمضي الوقت يجر الوقت إلى حيث لا طريق!
ولا يخفى أن الحارس القوي يتمتع بفكر نير، ومستقبل ورؤية، يضعها في مخططات متسلسلة ومتلاحقة، مرتبطة بالوقت، وتعتمد آليات واضحة، وخريطة للطريق مفهومة لدى الجميع، فهي ليست خرائط سرية، يطلع عليها البعض وتُخبأ عمداً عن البعض الآخر - فالكل يستقل ذات المركب، والكل حريص على نجاته - كما يشارك فيها كل إدارات وفرق المقابر، فكل فرد منهم له دور لا غنى عنه، حتى لا تنعم بعض الإدارات المحظية، بالعمل والسمعة الطيبة والمكافآت، وتُغيب إدارات أخرى عن المشهد، ويوارى جثمانها التراب، وتُقرأ على أرواح عامليها الفاتحة!! كما أن القوي لا يخشى الآخرين الذين قد يفوقونه ذكاءً وإبداعاً، لأنه حتماً سوف يستثمر جهودهم لصالح العمل في تحسين الجودة، ورفع كفاءة العمل في المقابر الراقية !! ولكن من الواقع المر أن لا يحرس هذه المقابر من كان كفئاً لها، وأن يكون دائما الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، حيث إن التعيين دائماً لا يكون على أساس الأنسب والأكفأ، وإنما تتدخل فيه عوامل أخرى، قد نعلم معظمها وقد نجهل البعض.
ومما يثير الدهشة، وجود فئة من العاملين الذين ساقهم القدر للعمل في هذه المقابر قد حكم عليهم بالموت وهم أحياء، فتجدهم يتظللون تحت الأشجار المتفرقة هنا وهناك، يتحدثون إلى الموتى، علهم يستمعون إلى شكواهم، أو يخففون عنهم ألم شعورهم بأن لا جدوى من بقائهم أحياء، بعد ما سلبت منهم طاقتهم وشبابهم ومهاراتهم الفكرية والجسمانية، ويئسوا من أن تستجاب مطالبهم، فهم معلقون ليسوا مع الأحياء ولا تحت التراب مع أموات المقابر.
وفي يوم من الأيام انتقل إلى المقبرة عامل جديد مليء بالحيوية والنشاط والطموح، لديه من الخبرة والعلم الكثير، فكان يحاول أن يبعث الأمل في قلوب الآخرين، بينما كانوا ينظرون له في شفقة على علمه وخبرته، التي سيواريها التراب بعد أن يتيقن من حقيقة ما يجري في مقابرهم، وعندما أدرك هذه الحقيقة المؤلمة، وبأن المطاف سينتهي به إلى محادثة الموتى، وانتظار الموت، طلب مقابلة حارس المقابر، فلم يسمح له، لأن سعادته ليس لديه الوقت ليقابل عاملا بسيطا يعمل تحت إمرته، فما كان من العامل إلا أن ينتظره في لحظة خروجه، وعندما خرج حارس المقابر، محاطاً بزبانيته، صرخ العامل بأعلى صوته منادياً: يا خادم المقابر! يا خادم المقابر ! فالتفت حارس المقابر نحو الصوت متعجباً، فاستطرد العامل: نعم أنت، ألست بخادم للمقابر ! ألست مكلفاً بالعمل على راحتها ؟! ألست مناطاً بتقديم الخدمات لها وبمن يعمل فيها ؟ ! ماذا لو غُير لقبك إلى لقب أقرب لحقيقتك ؟! ماذا لو تنادى كما أناديك الآن بخادم المقابر؟ وتستبدل اللافتة التي عليها اسمك من حارس المقابر وسيدها إلى خادم المقابر ؟! هل سترغب في ذلك ؟! هل ستتهافت لتكون خادماً للمقابر وليس حارسها ؟ هل ستجد هؤلاء يلتفون من حولك ويتسابقون لخدمتك ؟! وماذا لو علمت أن جميع من في إمرتك لهم الحق في اختيارك؟! وتقييم عملك؟! وبقاؤك مرتبط بمدى رضاهم عن خدماتك؟! وأن مقامك لن يطول هنا، وإنك راحل ٌ بعد عامين من خدمتك ؟! فهل ستقسو وتظلم وتنهب؟! هل ستظهر نفسك ومن حولك في مقام أفضل منهم؟! أم أنك ستتودد لهم، وتطلب رضاهم، وترد مظالمهم، وتستمع لهم،لأنك ستعلم حينها أن بقاءك مرهون بكل هذا !!
عندها امتعض حارس المقابر، ونظر إلى العامل ووجهه يزمجر غضباً، فمن ذا الذي يملك الجرأة بأن يتحدث إليه هكذا؟! فأمر زبانيته بحفر قبر للعامل الجديد الذي قال كلمة حق عند خادم جائر.
دمتم بود
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025