رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يحكى أنه في زمن ما كانت هناك بلدة كبيرة،، تعرف "بأم المقابر" وقد اشتهرت بهذا الاسم لأن بها عددا هائلا من المقابر الراقية، المتطورة، فهي تتباهى بالطرز المعمارية الحديثة واستخدام آخر ما توصل إليه المعماريون في هندسة وتشكيل المقابر والقبور، وتوظف أحدث ما توصل إليه العلم في التكنولوجيا والتقنيات الحديثة ونظم المعلومات في تصنيف الموتى وتجهيز القبور، وتعتبر هذه المقابر الحديثة معالم بارزة وفريدة تُميز البلدة، ورغم ذلك، فعندما تدخل هذه البلدة فإنك تتعجب من الهدوء الذي يسيج أجواءها، فبالكاد تسمع أصوات الطيور، وبالكاد تشعر بهفهفات النسيم، السكون يخيم على المدينة، الجميع يتحرك في صمت، الوجوه يعلوها البؤس، والأجساد يعتريها قيح الكآبة وصديد البلاء، ولا عجب، فجميع أهل البلدة يعيشون في رعب الانتظار، وفي ذعر الترقب.
كان حارس المقابر مزهواً بنفسه، وبمكانته التي آلت إليه بعد أن رحل حارس المقابر السابق، الذي نهب وظلم، وطغى وتجبر، ولكن لم يستطع أحد أن يثبت عليه شيئاً، لأنه كان من ذوي السطوة والنفوذ، وكان يمثل واجهة لمجموعة أشد خطراً وفتكاً، تحيك الدسائس، وتنتهك الحرمات، وتقترف أنواع الظلم والاضطهاد والعنصرية، كانت وظيفته مقتصرة على تحقيق رغباتهم الجائرة، وإبداء الموافقة الرسمية على كل ما يحدث منهم، بصورة مبطنة لا تكشف حقيقة نواياهم، فلو نظرت إلى أياديهم الناعمة خدعت بها، ولو قلبتها لوجدتها مضجرة بالقسوة وبشاعة الأوزار، وهكذا كان عهد حارس المقابر السابق، وعندما رحل أخذ معه بطانته التي راحت تعيث فساداً في مكان آخر.
كانت الطبقة العاملة في المقابر والتي تنقسم إلى أقسام متعددة، تتنافس فيما بينها، لتنال رضا وقبول حارسها الجديد، الذي لا يختلف كثيراً عن سابقه، فكان يُقرّب منه كل من تجمعه بهم المصالح، والصداقات، وصلة القرابة، أما فئة المغضوب عليهم، وهم بقية المتنافسين الطامحين، العاملين بجد وإخلاص في خدمة المقابر، فهم يتسابقون على فتات القاع، بعد أن وعدهم بالتغيير والتجديد وإحقاق الحق، ورد المظالم، ولكن فعلياً لم يتغير شيء في عهده، فهو يسير على خطى سابقه، والعذر في ذلك حاضر دائماً، كأعذار غيره الرثة، فالتغيير يحتاج إلى مزيد من الوقت لحصد نتائجه، حجة بالية أخرى يتحجج بها الضعفاء، وهكذا يمضي الوقت يجر الوقت إلى حيث لا طريق!
ولا يخفى أن الحارس القوي يتمتع بفكر نير، ومستقبل ورؤية، يضعها في مخططات متسلسلة ومتلاحقة، مرتبطة بالوقت، وتعتمد آليات واضحة، وخريطة للطريق مفهومة لدى الجميع، فهي ليست خرائط سرية، يطلع عليها البعض وتُخبأ عمداً عن البعض الآخر - فالكل يستقل ذات المركب، والكل حريص على نجاته - كما يشارك فيها كل إدارات وفرق المقابر، فكل فرد منهم له دور لا غنى عنه، حتى لا تنعم بعض الإدارات المحظية، بالعمل والسمعة الطيبة والمكافآت، وتُغيب إدارات أخرى عن المشهد، ويوارى جثمانها التراب، وتُقرأ على أرواح عامليها الفاتحة!! كما أن القوي لا يخشى الآخرين الذين قد يفوقونه ذكاءً وإبداعاً، لأنه حتماً سوف يستثمر جهودهم لصالح العمل في تحسين الجودة، ورفع كفاءة العمل في المقابر الراقية !! ولكن من الواقع المر أن لا يحرس هذه المقابر من كان كفئاً لها، وأن يكون دائما الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب، حيث إن التعيين دائماً لا يكون على أساس الأنسب والأكفأ، وإنما تتدخل فيه عوامل أخرى، قد نعلم معظمها وقد نجهل البعض.
ومما يثير الدهشة، وجود فئة من العاملين الذين ساقهم القدر للعمل في هذه المقابر قد حكم عليهم بالموت وهم أحياء، فتجدهم يتظللون تحت الأشجار المتفرقة هنا وهناك، يتحدثون إلى الموتى، علهم يستمعون إلى شكواهم، أو يخففون عنهم ألم شعورهم بأن لا جدوى من بقائهم أحياء، بعد ما سلبت منهم طاقتهم وشبابهم ومهاراتهم الفكرية والجسمانية، ويئسوا من أن تستجاب مطالبهم، فهم معلقون ليسوا مع الأحياء ولا تحت التراب مع أموات المقابر.
وفي يوم من الأيام انتقل إلى المقبرة عامل جديد مليء بالحيوية والنشاط والطموح، لديه من الخبرة والعلم الكثير، فكان يحاول أن يبعث الأمل في قلوب الآخرين، بينما كانوا ينظرون له في شفقة على علمه وخبرته، التي سيواريها التراب بعد أن يتيقن من حقيقة ما يجري في مقابرهم، وعندما أدرك هذه الحقيقة المؤلمة، وبأن المطاف سينتهي به إلى محادثة الموتى، وانتظار الموت، طلب مقابلة حارس المقابر، فلم يسمح له، لأن سعادته ليس لديه الوقت ليقابل عاملا بسيطا يعمل تحت إمرته، فما كان من العامل إلا أن ينتظره في لحظة خروجه، وعندما خرج حارس المقابر، محاطاً بزبانيته، صرخ العامل بأعلى صوته منادياً: يا خادم المقابر! يا خادم المقابر ! فالتفت حارس المقابر نحو الصوت متعجباً، فاستطرد العامل: نعم أنت، ألست بخادم للمقابر ! ألست مكلفاً بالعمل على راحتها ؟! ألست مناطاً بتقديم الخدمات لها وبمن يعمل فيها ؟ ! ماذا لو غُير لقبك إلى لقب أقرب لحقيقتك ؟! ماذا لو تنادى كما أناديك الآن بخادم المقابر؟ وتستبدل اللافتة التي عليها اسمك من حارس المقابر وسيدها إلى خادم المقابر ؟! هل سترغب في ذلك ؟! هل ستتهافت لتكون خادماً للمقابر وليس حارسها ؟ هل ستجد هؤلاء يلتفون من حولك ويتسابقون لخدمتك ؟! وماذا لو علمت أن جميع من في إمرتك لهم الحق في اختيارك؟! وتقييم عملك؟! وبقاؤك مرتبط بمدى رضاهم عن خدماتك؟! وأن مقامك لن يطول هنا، وإنك راحل ٌ بعد عامين من خدمتك ؟! فهل ستقسو وتظلم وتنهب؟! هل ستظهر نفسك ومن حولك في مقام أفضل منهم؟! أم أنك ستتودد لهم، وتطلب رضاهم، وترد مظالمهم، وتستمع لهم،لأنك ستعلم حينها أن بقاءك مرهون بكل هذا !!
عندها امتعض حارس المقابر، ونظر إلى العامل ووجهه يزمجر غضباً، فمن ذا الذي يملك الجرأة بأن يتحدث إليه هكذا؟! فأمر زبانيته بحفر قبر للعامل الجديد الذي قال كلمة حق عند خادم جائر.
دمتم بود
موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية
تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد
78
| 13 ديسمبر 2025
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
156
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
111
| 13 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2385
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2265
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025