رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا أخفيكم.. فأنا حينما أكتب أتمنى أن يفهمني من يقرأ لي ولكني على ثقة في نفس الوقت بأنني لست عبقرية لتتحقق هذه الأمنية باعتبار ان زمن عباقرة القلم والفكر قد مضى وانقضى!.. فحينما كتبت عن ثورات تونس ومصر وليبيا بلغة الإنسانة الفخورة بما صنعت هذه الشعوب في دولها واستثنيت اليمن والبحرين من دائرة هذا الفخر واعتبرت ان ما يجري فيهما استنساخاً مشوهاً لما شهدناه في تونس والقاهرة فقد كانت لي من الأسباب والمبررات الوجيهة التي تعفيني من قراءة ما يصلني من تقديح وتجريح من بعض القراء الذين يرون في قلمي الباطل الذي أريد من مداده الحق فما جرى في مصر بالذات كان على أسس وثوابت وقواعد وخطط مرسومة قادها شباب وضع لنفسه منهاجاً قويماً استقى منه بنود الثورة وتكوين لجان شعبية منظمة وممثلين لانتفاضته المباركة التي أطاحت برؤوس وزارية كبرى أولاً ولتنتهي بإقصاء مبارك وزمرته عن سدة الحكم ومتابعة تشكيل حكومة ترتفع لآمال الشعب وليس على الشعب الارتقاء لها فقد كانت الخطوات مرسومة مدروسة حتى إلى ما بعد مبارك لكن في اليمن أين هذه النظرة الثاقبة التي ترسم مستقبل اليمن الجديد لما بعد إسقاط الحكومة وأين تلك العقول الحكيمة التي يستنير بها الشعب في تلمس الجانب المضيء من وراء ما يعدونها ثورة وأعدها أنا شخصياً فوضى؟!.. فالصراخ الذي يعلو الآن هو (إرحل يا علي) ولكن ماذا بعد الرحيل فلا يستطيع أي يمني بسيط كان من الذين يغرر بهم للتظاهر ضد الحكومة أو من الذين انشقوا عنها وأعني الرأس المخرب (حميد الأحمر) الذي يقود هذه الغوغائية غير الموجهة لأجل مصالحه الشخصية، أن يرسم مستقبل اليمن الذي من المفترض أن يكون زاهراً واعداً بعد الحكومة الحالية؟!..هذا هو الفرق الذي وضحته ولا أزال بين ثورتي تونس ومصر وبين ما يحدث في اليمن بالإضافة الى إن شعب اليمن يتداول السلاح كما نتداول نحن الريال في حياتنا اليومية، ولذا من الجنون أن ندعوه إلى ثورة تؤدي بطبيعة الحال إلى حرب أهلية بين موالين ومناوئين ويضيع الدم اليمني هدراً رغم ان اليمن بلد ثورات وبطولات ويعرف أهلها ان للثورة أسساً وخططاً وليست كما الحاصل الآن في عشوائية الاعتصامات التي للأسف اختارت لها أماكن مأهولة بالسكان والعائلات التي فقدت حريتها وأمانها لوجود هؤلاء الذين لا حياء لديهم ولا أخلاق أمام أبواب منازلها والتربص بالنساء والأطفال وإزعاجهم في الليل بينما يقضون النهار في (تخزين القات) والتمدد والاسترخاء وكأن واجهات هذه المنازل مستباحة لهم دون رادع أو حسيب أو حتى أخلاق تمنعهم من كشف عورات من حللوا لأنفسهم المكوث أمام بيوتهم وحاراتهم!.. كانت هذه هي الفروق التي تمنع اليمن أن تكون تونس أو مصر أخرى في جنوب شبه الجزيرة العربية، ناهيكم عن ان اليمن بطبيعتها وتكتلاتها وأحزابها وطوائفها وسياسة القبلية والسلاح التي تحكمها تجرها قسراً إلى لغة الحوار وطاولات النقاش وليس إلى ما نراه اليوم من فوضى وتخريب وتدمير بممتلكات الشعب فهل كانت ثورة مصر بهذا الشكل أم ان المصريين أنفسهم كانوا يحترمون مبادئ ثورتهم فلم يعتدوا على ممتلكات وموروثات دولتهم وإنما وقفوا وقفة الرجل المصري (الحمش) الذي يخاف على أرضه وعرضه وتاريخه، ورأينا ما فعل المصريون آنذاك وما هو حاصل الآن من بعض اليمنيين الذين ينظرون إلى ما يفعلونه على انه ثورة وهو في الحقيقة فوضى وهذا رأي أكرره للمرة الثانية دون تردد!..فهل بعد هذا يمكن أن نغذي ما يحصل في أرض بلقيس تحت مسمى الثورة وندعو لإشعالها والمضي بها؟!..وحده فاقد العقل والضمير من يمكن أن يفعل ذلك كما يفعل (حميد الأحمر) الذي ظل والده الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس النواب — رحمه الله — معارضاً للحكومة لكنه كان داعياً في الوقت ذاته للغة العقل وإلى الحوار والنقاش وعدم التعرض للأرواح والممتلكات العامة التي تأخذ في إعادة إعمارها من قوت الشعب نفسه فهل تعمل الثورة بنظر صانعيها اليوم على تخلف الوطن أم تطوره بربكم؟!.. فأين الولد من الوالد وأين العقل في تثوير شعب يعمل بعض رؤوس الفتنة فيه على (شراء الذمم) الفقيرة والوسيعة منه بوجبة غداء وحزمة قات ومبلغ يسير من المال لأجل الهتاف بما لا يفقه منه شيئاً ولا يؤمن بكلماته حرفاً؟!.. وعليه فإن هدوء اليمن يجب أن يعود إلى نصابه وأن تتحرر الأسر العالقة في ساحة الجامعة المحتلة من قبل هؤلاء الذين نعلم بحقيقة مجيئهم وسياستهم الجاهلة في مبادئ الثورة المنظمة التي يجب أن يرتقي أصحابها إلى احترام الغير.. ولعل هذا هو السبب الذي جعل من يوم الجمعة الماضي مذبحة راح ضحيتها أربعون شخصاً في حرب بين أصحاب البيوت وهؤلاء الذين وسعوا من نطاق اعتصامهم إلى داخل الحارات والساحات على غير رغبة من ساكنيها وفرضوا سياسة للدخول إليها والخروج منها.. وللأسف إن الدم اليمني يهدره اليمني نفسه لأن من صاغ هذه الفوضى لم يعمل لهذا الأمر حساباً مادام يسكن بيته آمناً ويحرك بيادق الشطرنج من منزله دون التفكير بالأرواح التي تذهب لأجل ماذا رحلت ومن أجل من غادرت الدنيا..هذا ما يجب أن نفهمه حينما نطالب ببساطة أن يزيد اليمنيون في اعتصاماتهم (غير السلمية) باعتبار ان الجميع مسلح ولا يعرف الجاني من المجني عليه ولا من يهاجم ومن يدافع وعليه فإن على دول الخليج الذين فزعوا فزعة الرجل الواحد للبحرين الغالية من مخربين أرادوا أن يدخلوا هذا البلد الصغير في حرب طائفية مهلكة وشتتوا شملهم وخيامهم أن يهبوا لنجدة الشقيقة اليمن الحامية لجنوب شبه جزيرتهم وأن يفتحوا قنوات فاعلة لرأب الصدع في الجدار اليمني وقطع رؤوس الفتنة التي نهبت مجدها وسلطانها من ظهر الحكومة وحينما اشتد عودها انشقت فكانت التي تنخر في عضد المجتمع لإحداث ما تراها ثورة وأعدها أنا فوضى.. الثالثة ثابتة!
فاصلة أخيرة:
"إن كنت عربياً فأنت الأحق بأن ترفع رأسك فقد حظاك الله بالعروبة.. وإن كنت يمنياً فاسجد لله شكراً فإن العرب يعودون بأصلهم إليك"!.. أفتخر انني صغت هذه الكلمات حباً لأهل اليمن وليس لمن يتأهل ليكون من أهلها!!.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
129
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
144
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
90
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
810
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025