رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تحتضن الدولة هذه الأيام حدثاً رياضياً جديداً في سلسلة الأحداث الكبيرة التي تستضيفها وتحتضنها على مختلف الأصعدة، وكعادتها قطر، لا ترضى سوى بالنجاح الذي يُجمع عليه الجميع، ودائماً ما يتكرر السؤال عما ستقدمه الدوحة في أي فعالية قادمة، وهذا هو التحدي الأكبر للمسؤولين والمنظمين في أي فعالية قادمة، الذين يرون في ذلك دافعاً لهم لتقديم الأفضل، وهم من أبناء قطر الأوفياء الذين لا يألون جهداً في سبيل إظهار أي حدث بالحجم الذي يتناسب واسم دولة قطر في جميع المحافل الإقليمية والعالمية.
كان حفل الافتتاح بحضور حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وذلك مساء الخميس الماضي في صالة لوسيل متعددة الاستخدامات، وكان الحفل حديث وسائل الإعلام في العالم أجمع، وقد رأينا تعليقات الرياضيين والمهتمين بالرياضة في وسائل التواصل الاجتماعي وحجم الانبهار به، وكل من شاهد الحفل من خلال القنوات الفضائية تمنى لو أن الفرصة سنحت له لحضوره، إلى درجة أن هناك من وصفوه بـ"الخيال"، ونحن نقول لهم إن ذلك ليس خيالاً، بل واقع ملموس على أرض التحدي والإنجازات، دولة قطر، التي لم يذخر أبناؤها جهداً ووقتاً في سبيل كسب غمار التحدي والمنافسة، ولا يرضون إلا بالنجاح الكبير، وأستذكر هنا قول حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى حفظه الله "إن أهل قطر عُرفوا بالإقلال من الكلام والإكثار من الأفعال"، وهذا ما حدث ويحدث في أي عمل تقوم به الدولة في جميع المجالات، الرياضية أو الاقتصادية أو السياسية، أو أي مجال آخر، وأكبر دليل على ذلك أن العمل على استضافة بطولة كأس العالم لكرة اليد تمت، وافتتحت صالة لوسيل متعددة الاستخدامات، دون أن يدور حولها الكثير من الكلام، وكان الفعل أن حفل الافتتاح كان مبهراً، والفعل أبلغ من الكلام وأحبّ إلى كل من يهوى التحدي ومجابهة الصعاب في سبيل إعلاء اسم الدولة عالياً، وهذا ما يتم العمل عليه ومن أجله.
دولة قطر تحاول، بل تعمل جاهدةً على أن تترك أثراً وبصمة في كل ما تقوم به، ويأتي في هذا الباب ما أعلنه سعادة الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني رئيس اللجنة المنظمة لبطولة العالم لكرة اليد في كلمته أثناء حفل الافتتاح، وهو التبرّع بريع البطولة لأطفال العالم، وذلك عبر مبادرة "علّم طفلاً"، وهي الرسالة التي تثبت قطر للعالم من خلالها بأن شرف الاستضافة لم يأتِ بحثاً عن الشهرة، ولا عن أي مردود آخر، بل كان وسيلة تساهم من خلالها ولو بجزء يسير في دعم فقراء العالم، والمساهمة في كل ما يمكن أن يعمل على النهوض بالشعوب الفقيرة والمحتاجة، وهذه قطر وهذا نهجها وسياستها وهدفها الذي تعمل من أجله دوماً، لا تنسى الفقراء، وتعمل على إراحة البسطاء، وإرضاء العقلاء.
نعم هذه قطر، الدولة الوحيدة التي اهتمت بجميع المجالات بطرق متميزة، ومن ذلك أنها جعلت يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني من شهر فبراير يوماً رياضياً، ويصادف هذا العام العاشر من فبراير إن شاء الله، أي بعد انتهاء البطولة بعشرة أيام تقريباً، وما هذا اليوم سوى دليل على اهتمامها بالرياضة التي تنهض بالإنسان وتساهم في الحفاظ على صحته، واهتمامها بالرياضة واضح للعيان من خلال إنشاء الملاعب والمواقع الرياضية التي ترقى للمستوى العالمي، ومجمع أسباير يشهد على ذلك، وكذلك صالة لوسيل متعددة الاستخدامات التي احتضنت حفل افتتاح بطولة اليد.
وفي نهاية المقال أتوجه بالشكر للجنة المنظمة، وعلى رأسها سعادة الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني رئيس اللجنة المنظمة، وجميع القائمين عليها، لاهتمامهم بكل ما من شأنه أن يساهم على إبراز هذه البطولة، ولإنشائهم موقعاً إلكترونياً خاصاً بالبطولة باللغتين العربية والإنجليزية حتى يتسنى للجميع متابعة جميع الأخبار والتفاصيل المتعلقة بها www.qatarhandball2015.com.
لقد نجحت قطر في الافتتاح والتنظيم كعادتها، وهو ما يشكل تحدياً لمن سيستضيف البطولة بعدها، فقد أجمع عدد من الإعلاميين الأجانب أنما قدمته قطر وضع الدول التي ترغب في استضافة البطولة مستقبلاً في حرج، لأن الجميع سيضعها في مقارنة مع هذا التنظيم، لكن التحدي الأكبر بالنسبة إلينا هو إقامة كأس العالم في قطر عام 2022 إن شاء الله، وهو ما سنقدم عليه بهمة وعزيمة لا تلين، وسيشكل مفاجأة مهمة يتحدث الجميع عنها، وفي كل بطولة هناك تحدٍّ وإنجاز، والمهمة الصعبة ستكون لمن ينظم بطولة بعد دولة قطر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025