رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الاعتداء الإرهابي على تونس الأربعاء الفائت، كان أسوأ عملية تخريبية تعرضت لها البلاد منذ اندلاع الثورة نهاية العام 2010 .. مقتل عشرين سائحاً أجنبيا في الهجوم الذي وقع على يد تونسيين ينتميان إلى كتيبة عقبة بن نافع.. يوم دام بكل ما للكلمة من معنى .. حزن وقلق وغضب عمّ البلاد، فنوع وشكل الهجوم والمكان الذي حدث فيه شكل صدمة كبيرة للمراقبين فضلا عن المواطن التونسي البسيط الذي كان يأمل أن يكون الإرهاب قد تقهقر بعد الانتخابات الأخيرة، وتوصل الفرقاء السياسيون إلى تسوية أنتجت حكومة تشبه إلى حد ما حكومات الوحدة الوطنية حيث كانت نظرية الشيخ راشد الغنوشي تقول إن البلاد بما تمرّ فيه من مخاضات وتحولات مصيرية صعبة وسط محيط ملتهب وإصرار من فئات مجتمعية ونخبوية فاسدة على إرجاع التاريخ إلى الوراء قسرا، تتطلب دولة قوية لا تتأتى إلا عبر حكومة وطنية تؤمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي.
لعل نظرة الشيخ الغنوشي كانت بعيدة المدى بحيث إننا لو افترضنا اليوم أن النهضة لم تشارك بالحكومة الحالية لا رمزيا كما هو واقعها اليوم من حيث عدد الوزراء قياسا على حجمها في البرلمان، وكانت في المعارضة لتوجهت إليها الاتهامات فورا على أنها تريد إجهاض حكومة الحبيب الصيد وتكريس الفشل الأمني لإرباك أي تحول سياسي بعد أن خرجت من الحكومة السابقة مزعنة وسلمتها إلى جهات مستقلة لإدارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ثم إن ضرب الإرهاب في تونس مجدداً أكد بما لا يدع مجالا للشك أن التطرف والعنف الأمني لم يكن من نتاج حركة النهضة ولا من سياساتها، وأن سجله مزمن وهو يعود لحقبة زين العابدين بن علي ثم للفوضى التي خلفتها الثورات على كافة الصعد، وهي ما زالت منتجة لظاهرة الإرهاب طالما أن الدول التي ضربتها هذه الثورات لم تنتج بعد نظم سياسية متكاملة تلبي مطالب الثورة، وتتمكن من مسك مفاصل الدولة كما كانت النظم السابقة تفعل.
ما حدث مثّل خرقاً أمنياً كبيراً وطرح تساؤلات عديدة تبدأ من الحديث عن مدى نجاعة الحكومة الحالية والإجراءات التي تتبعها لحماية البلاد بعد التهديدات التي طالتها من قيادات في التنظيمات المتطرفة، وعن الخلل الذي تقع فيه الحكومة في مواجهة الإرهاب أو القضاء عليه لا سيما أن تونس تتميز عن محيطها العربي بأنها تعيش استقرارا سياسيا ومستوى مقبولا من الديمقراطية. ماذا عن سياسات تونس الخارجية وجميعنا يعلم أن أحد أوجه تغذية الإرهاب في تونس هو الاضطراب الأمني في ليبيا.. فهل تملك الحكومة التونسية مقاربة متكاملة لحل الأزمة الليبية، وأين وصل التنسيق بين تونس والجزائر ومعلوم أن كتيبة عقبة بن نافع تتمركز في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر؟
خطورة العمل الإرهابي بقدر ما هي كبيرة لناحية الخسائر في الأرواح والجسم الاقتصادي هي مقلقة أكثر من أن تنزلق البلاد مرة أخرى للفوضى السياسية بحيث تتخلى الجهات الحاكمة عن المسار الديمقراطي في حال وجهت السهام – وهو أمر متوقع على المدى المنظور- إلى حكومة الصيد وسياسات الرئيس الباجي قايد السبسي، قائلة إنكم أخفقتم في محاربة الإرهاب، وإن السياسات المعتمدة في التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان لن تنفع مع كل هذا التحديات الأمنية التي تتعرض لها البلاد، وإن دفعة جديدة من القبضة الأمنية كفيلة على الاٌقل بتهدئة الشارع الذي يبحث عن الاستقرار والأمن.
الأمن المجتمعي ومن ثم الأمن الاقتصادي قد يكونان من أولويات المواطن التونسي اليوم ومقدمين على الاستقرار السياسي أو زيادة جرعة الحريات السياسية.. والنظريات التي تقول إن إقصاء حركة النهضة عن الحكم كان بسبب عجزها عن لجم ارتفاع الأسعار والحد من التطرف الذي بدأ بضرب أسس الدولة ويؤسس لفوضى مجتمعية مدمرة، لها وجاهتها العلمية.
وقد تخلى الناخب التونسي فعلاً عن قلقه المشروع من عودة المنظومة الأمنية البائدة مقابل أن يحظى بقليل من الاستقرار الأمني والاقتصادي، وبما أن الإرهاب اليوم ضرب المجالين معا من خلال استهداف الاقتصاد التونسي القائم على السياحة وترويع المجتمع التونسي قاطبة بعد أن نجح باختراق البرلمان والضرب بقوة في عمق العاصمة الثقافية والاقتصادية للبلاد يعني هذا أن حكومة الصيد أمام خطر السقوط، كما كان حال حكومة الترويكا. كما أن نداء تونس الذي يمسك بزمام الأمور هو في دائرة الخطر إذا ما استصحبنا الأزمة السياسية التي تضرب الحزب والتي توشك أن تودي به قبل أن يحقق شيئا على أرض الواقع بما أنه تشكل على عجل ومن تيارات فكرية وسياسية وعمّالية يجمعها التضرر من التغير السايسي بعد الثورة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025