رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعض الطامحين والمتطلعين للمناصب، يحلمون ويهيمون بالمراكز العليا والسلطة، ويلهثون ليديروا ويقودوا الآخرين وربما ليرهقوهم ويضيقوا الخناق عليهم!، فيتهافتون ويتسابقون على كرسي الرئاسة والإدارة، وإن تمكنوا منه عضوا عليه بالنواجذ! وكثيراً ما يرددون "هذا كرسي حلاق" ولسان حالهم يقول "لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا".
ولا يختلف اثنان على حب السلطة وشهوة المنصب والنفوذ وتمني الخلود فيها، فالإنسان مجبول على حب السلطة حتى قيل "أعطني إمارة حتى على كومة حجارة!".
ولا مانع أن يأخذ الفرد فرصته في ممارسة هذا الحب المشروع غير أنه من الواجب أن يدأب على تنمية ذاته ومهنته حتى يستحق كل هذا الحب!.
بينما الواقع يقول غير ذلك فأكثر المناصب قد آلت إلى أصحابها إما بالصدفة أو بالتزكية أو بالضرورة والحاجة مع وجود معايير أخرى، ولكنها لم تطبق بالشكل الصحيح في بعض الأحيان.
ومهما كانت الطريقة التي وصل بها المسؤول إلى منصبه، إلا أننا نجد أن هناك ثلاثة أنوع أساسية من المسؤولين يختلفون في حبهم للسلطة، فمنهم المحب، المخلص لوطنه وعمله، القائم على أمور الناس وتقديم الخير لهم، وهذا ينال تأييد الجمهور والرأي العام له، والآخر، الذي يستعمل منصبه في التسلط والتربح والثراء والوجاهة والبحث عن الامتيازات، مهملا في شؤون الناس وخدمتهم، فتتفاقم مشكلاتهم ولا يجدون صدى لمطالبهم مما يعرضه لسخط وحنق الجمهور.
أما النوع الثالث فذلك النوع السلبي الذي يحتفظ بصفته كمسؤول رسمي شرعي، أما حقيقةً فهو يدار بفعل أصحاب القوة وأصحاب القدرة في جهة عمله، لذا فهو أقرب إلى اللوحة المزركشة التي تتصدر مشاهد الاحتفال والاجتماعات والمناسبات وتأخذ حقها في التصوير والانتشار.
ولا يقتصر أثر هذه الأنواع الثلاثة من الرؤساء والمديرين على مكان عملهم وحسب، فالأثر الجيد أو السيئ يظهر في مدى حب الناس لهم وتمني بقائهم أو زوالهم.
وأرى فيما أرى أن يؤخذ رأي الجمهور بعين الاعتبار، خصوصاً في اختيار المسؤولين الذين يترأسون هيئات ووزارات حيوية ذات احتكاك عال بالجمهور، فلن يُجمع الجمهور على إقصاء واستبدال مسؤول ما عبثاً؛ بل هو رأي قد تفجر من مخاض التجارب والمواقف التي لم يحسن هذا المسؤول احتواءها ومعالجتها بالشكل المرضي، والعكس هنا صحيح.
فلم لا يكون هناك ترشيحات لأي منصب إداري، حيث تؤول النسب في التصويت للجمهور والموظفين والجهات التنفيذية؟. ولم لا تحدد سنوات شغل المنصب للمسؤول بثلاث أو أربع سنوات قابلة للتجديد بعد أن ينتخب مرة أخرى من قبل الثلاثة الآنف ذكرهم؟.
فللجمهور حق اختيار الأنسب في نظرهم إذا كان المنصب الشاغر في مكان ذي علاقة عالية بشؤون أساسية تمس حياة الأفراد اليومية وتؤثر على نمط معيشتهم، أو يعنى بتقديم الخدمات وتسهيل المنافع لهم! فلا يمكن أن يكون الجمهور وقوداً يحترق ليضيء بعض الجهات! بينما يمكن إشراكه في اتخاذ القرار فيمن سيكون قائماً على مصالحه.
وللموظفين الحق أيضاً في اختيار من يجدونه مناسباً لرئاستهم فإرادة الجماعة هي مصدر من مصادر السلطة، فترضى الجماعة وتقتنع به كقائد لهم، فيتجدد فيهم الأمل وترتفع لديهم الرغبة في إنجاز الأعمال بل تتعزز فيهم الثقة ويزداد ولاؤهم، وتتسع لهم المجالات للإبداع والتميز.
وهنا فرصة للمسؤول أيضاً؛ لإثبات جدارته وكفاءته لموظفيه، وللجمهور، وللجهات التنفيذية.
كما أنه يعلم حق العلم بأنه محاسب أمام هؤلاء، وأنهم سيساهمون في بقائه أو رحيله، فسوف لا يدخر جهدا في تطوير ذاته وقدراته وسلوكياته وأخلاقياته أولاً، وثانياً: التفاني في تحقيق مطالبهم وحل مشكلاتهم ضمن اللوائح والتشريعات والسياسات المعمول بها في جهته.
فلا يعقل أن يمتد بمسؤول البقاء في منصبه أكثر من ذلك إلا إن كان يستحق ذلك بالفعل، أولاً: لمنح الفرصة لغيره من قيادات الصف الثاني وبالتالي بث دماء جديدة ومتنوعة، وثانياً: إذا كان أداؤه غير مرضٍ بالنسبة للمرؤوسين أو للجمهور فبقاؤه رغماً عنهم يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على أداء الموظفين وعلى تعاون الجمهور مع هذه الجهات.
إن إشراك المرؤوسين والجمهور في اختيار الرئيس أو المدير يحقق نوعاً من الديمقراطية والمشاركة المجتمعية، ويخلق إحساساً شديداً بالانتماء، ويشكل جوا من التنافس الفعال بين المسؤولين والموظفين، الذين يأملون تقلدهم أحد المناصب يوما ما؛ فالموظف الطموح سوف يعد العدة، ويبذل أقصى طاقته طوال مدة خدمته ويعمل بتفاني وإخلاص، كما سيرغب في رفع أدائه وإنتاجيته وتحسين مهاراته وخبراته وصقل شخصيته بما يتوافق مع آداب وأخلاقيات المهنة، وسوف يتخذ كل السبل في الاهتمام بتنمية علاقاته وكسب ود واحترام الآخرين له حتى يكون مؤهلاً لهذا المنصب، حيث سيتضح لديه أن هذا المنصب هو مسؤولية عظيمة وعليه أن يكون في مستوى حِرفي عالٍ، وعلى درجة من الاتقان والموضوعية تليق بهذا التكليف، فسيفكر ألف مرة قبل أن يطالب به أو يسعى إليه بأي شكل من الأشكال.
لابد أن نبدأ بتغيير المفاهيم القديمة والمتوارثة عن الإدارة والسلطة التي تَلِدت في تلابيب وتجاويف أذهاننا ووجداننا، وأن نبتعد عن النفاق الاجتماعي في تطبيق المهنية، فنؤمن بأنها تكليف وليست تشريفا، وأنه لابد من تطبيق مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص، فإما أن يتم استغلالها الاستغلال الأكمل الذي يحقق نجاحها وتطورها، وتأثيرها الفاعل في المجتمع، وتقديم المصالح والمنافع العامة، وإما أن يتاح المجال لشخص آخر قد يكون أكثر جدوى في هذا المكان. فقديماً قالت العرب "أَعطِ القوس باريها".
فالهدف المرجو في نهاية الأمر هو خدمة الوطن والمواطن بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، وبالتالي لن يتردد الجميع في تسليم المسؤولية لمن هو أقدر على المساهمة في المصلحة العامة لرفعة هذا الوطن الغالي في القلوب.
alkhatershaika@gmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1218
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025