رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المقصود بالأجنبي هو كل فرد يوجد في دولة لا يكون من رعاياها، والأجنبي هو كل فرد لا تتوافر فيه الشروط اللازمة للتمتع بجنسية الدولة.
وفقاً لقانون الجنسية القطرية فإن الأجنبي هو كل من لا يتمتع بالجنسية القطرية، وينقسم سكان أي دولة حديثة إلى طائفتين الأولى تضم الأفراد الذين تربطهم بالدولة رابطة قانونية وسياسية يعبر عنها بالجنسية، وهؤلاء هم المواطنون، والطائفة الثانية تضم مجموعة الأفراد الذين يتواجدون على إقليم الدولة بقصد الإقامة المؤقتة التي قد تمتد مددا طويلة دون أن يكتسبوا جنسية هذه الدولة، ولكنهم فقط يقيمون ويتواجدون على إقليمها ابتغاء العمل في المصالح العامة أو المؤسسات الخاصة التجارية والصناعية أو مباشرة مهن حرة، ويدخل ضمن هذه الطائفة الأفراد الذين يوجدون على إقليم الدولة بقصد الإقامة العابرة مثل السياح والزائرين لفترات قصيرة، وهؤلاء هم الأجانب سواء أكانوا من الأفراد أو من الأشخاص المعنوية مثل الشركات والمكاتب الدولية والبنوك الأجنبية وغيرها.
من هنا فإن سكان الدولة يتكونون من شعبها والذين يطلق عليهم وصف رعايا الدولة أو الوطنيين والذين يرتبطون بها برابطة الولاء، وكذلك من أشخاص آخرين لا ينتسبون إلى الدولة ولا تربطهم بها سوى رابطة الإقامة على هذا الإقليم، وهم من يطلق عليهم وصف الأجانب أو الوافدين.
وتقسيم السكان إلى وطنيين وأجانب له أهميته البالغة من ناحية مدى الحقوق التي يتمتع بها كل من الوطني والأجنبي على إقليم الدولة والأعباء التي تفرض عليه، فممارسة الحقوق السياسية محظور على الأجانب، إذ تقصر الدول عامة هذه الحقوق على الوطنيين باعتبارها تنطوي على المشاركة في حكم الجماعة الوطنية ومن ثم تتصل بكيان الدولة السياسي، وقد قصرت معظم التشريعات حق الانتخاب والترشيح على الوطنيين، كما قصرت تولي الوظائف العامة على الوطنيين، إذ لا يجوز بصفة عامة في غالبية التشريعات العربية والمقارنة تولي الوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية إلى أجنبي إلا في أحوال استثنائية إذا ثبت أنه لا يوجد مواطن يستطيع القيام بتولي هذه الوظيفة، إذ الأولوية دائماً بالنسبة لتقلد الوظائف العامة للوطنيين، أو في حالة ما إذا ثبت أن الوظيفة تتطلب مؤهلات علمية أو عملية خاصة لا تتوافر في الوطنيين، كما أن احتراف بعض المهن لا يسمح به للأجانب أو يحاط بالنسبة لهم ببعض القيود، وتملك العقارات قد يقصر على رعايا الدولة ويحرم منه الأجانب وفقاً لضوابط معينة.
من هنا فإن من حق جميع الدول بصفة عامة ألا تسمح للأجانب الوافدين إلى الدولة بالإقامة على أراضيها سوى لمدة معينة يتوقف تحديدها على سلطة الدولة التقديرية ومن حقها أن تحرم الأجانب من ممارسة نواح معينة من النشاط الاقتصادي والمهني.
وبالطبع فإن الدول لم تغفل مدى حاجتها في عصرنا الحالي – عصر العولمة- إلى اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية لتدعيم اقتصادياتها الوطنية فعمدت إلى تيسير دخول رؤوس الأموال الأجنبية ، وعقد الاتفاقيات الدولية لتلافي الازدواج الضريبي الذي قد يحد من انتقال رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدولة وهذا ما سارت على نهجه دولة قطر إذ صدر القانون رقم (13) لسنة 2000 بتنظيم استثمار رأس المال الأجنبي في النشاط الاقتصادي.
لقد فرض التعاون الاقتصادي الواسع بين جميع الدول، واطراد التجارة الدولية وتعدد وسائل الاتصال الحديثة ضرورة تدفق رؤوس الأموال، وبالتالي حرية الأفراد بالتنقل بين جميع قارات الأرض بما فرض على جميع الدول تيسير دخول الأجانب وخروجهم وتنقلهم.
ومن المتفق عليه أنه من الطبيعي أن يتميز رعايا كل دولة في دولتهم عن الأجانب فهم فضلاً عن كونهم عنصر دولتهم الأول يتحملون في سبيلها من الأعباء ما لا يتحمله الأجانب فإنهم الملتزمون دائماً بالمحافظة على كيانها وسلامتها والعمل على تقدمها ورفاهيتها وولاؤهم يفرض عليهم تلبية كل نداء للدفاع عنها ومن بينهم وحدهم تجند الدولة القوات اللازمة لهذا الدفاع، ذلك أن تكليف الأجنبي ببذل دمائه في سبيل الدولة التي يقيم فيها يتنافى مع انتمائه إلى دولة أجنبية ويتعارض مع رابطة الولاء التي تربط بينه وبين الدولة التي يتمتع بجنسيتها.
والقاعدة العامة هي أن حقوق الوطني تجاوز كثيراً الحقوق التي يلزم الاعتراف بها للأجنبي من جانب الدولة التي يقيم على إقليمها، ولا اعتراض على ذلك في القانون الدولي العام.
والأصل أن علاقة كل دولة بالأفراد المقيمين في إقليمها سواء كانوا من رعاياها أو من الأجانب تخضع لقانون الدولة الوطني، على اعتبار أن تنظيم هذه العلاقة وما يتصل بها من حقوق وواجبات مظهر من مظاهر السيادة التي تنفرد بها كل دولة على إقليمها، وأكد الدستور القطري على وجوب احترام الدستور والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة، والالتزام بالنظام العام والآداب العامة، ومراعاة التقاليد الوطنية، والأعراف المستقرة، واجب على جميع من يسكن دولة قطر أو يحل بإقليمها (المادة 57)، ذلك أن القوانين وضعت لكي يصدع الناس بأحكامها ويمتثلون لأوامرها وهم إن لم يفعلوا ذلك طوعاً، فعلوه جبراً بواسطة السلطة التي تملكها الدولة ... والنظام العام والآداب العامة والأعراف المستقرة والتقاليد المرعية كلها تكون جزءاً من النسيج الوطني والاجتماعي، وتكون منظومة يتعين مراعاتها والحرص عليها من كل مواطن قطري، ومن كل من يعيش على أرض قطر، حتى ولو لم يكن من مواطنيها، بل إن العابرين المارين العارضين هم أيضاً يلتزمون بكل ما تقدم.
صفوة القول أنه على الأجانب الوافدين ضرورة مراعاة القوانين النافذة في الدولة التي يقيمون أو يوجدون فيها ويحترمون عادات وتقاليد شعب هذه الدولة.
وبالنظر إلى تطور العلاقات والاتجاهات الدولية بالاهتمام الواسع بمبادئ حقوق الإنسان، وتنمية العلاقات الودية بين شعوب الأمم المتحدة أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان المتعلق بحقوق الأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه وقد أكد هذا الإعلان على أحقية الدولة في إصدار قوانين وأنظمة تتعلق بدخول الأجانب وأحكام وشروط إقامتهم، وحقها في وضع تفرقة بين المواطنين رعايا الدولة وغيرهم من الأجانب، على أن تكون هذه القوانين والأنظمة متفقة مع الالتزامات القانونية الدولية لهذه الدولة بما في ذلك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان. كما أن هذا الإعلان الموافق عليه من الجمعية العامة لا يمس بالحقوق التي يمنحها القانون المحلي وبالحقوق التي تلزم دولة ما بمنحها للأجانب حتى ولو كان هذا الإعلان لا يعترف بتلك الحقوق أو يعترف بها بدرجة أقل.
وأوجبت المادة الرابعة من هذا الإعلان على الأجانب المقيمين في دولة غير دولتهم ضرورة مراعاة القوانين النافذة في الدولة التي يقيمون أو يوجدون فيها ويحترمون عادات وتقاليد شعب هذه الدولة.
ووفقاً لهذا الإعلان فإن الحقوق التي يتمتع بها الأجانب على وجه الخصوص هي الحق في الحياة، والأمن الشخصي، وألا يتعرض أي أجنبي للاعتقال أو الاحتجاز على نحو تعسفي، ولا يحرم أي أجنبي من حريته إلا بناء على الأسباب المحددة في القانون، ووفقاً للإجراءات الواردة فيه، ويتمتعون أيضاً بالحق في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصيات أو العائلة أو السكن أو المراسلات وأيضاً الحق في المساواة أمام المحاكم بأنواعها وأمام سائر الهيئات والسلطات المختصة بإقامة العدل، والحق عند الضرورة في الاستعانة مجاناً بمترجم شفوي في الإجراءات القضائية والإجراءات الأخرى التي ينص عليها القانون وللأجانب الحق في حرية الرأي والفكر والضمير والدين ولا يخضع الحق في الجهر بدينهم أو معتقداتهم إلا للقيود التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية لحماية الأمن العام أو النظام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، والحق في الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم وتقاليدهم، ولهم الحق في تحويل المكاسب والمدخرات أو غيرها من الأصول النقدية الشخصية إلى الخارج، مع مراعاة أنظمة النقد المحلية.
وفي رأينا أن جميع الدول أصبحت ملزمة في عصرنا الحالي والذي يعتبر بحق عصر حقوق الإنسان والحريات الأساسية بلا تمييز بين بني البشر واحترام هذه الحقوق وعلى هذه الدول بوصفها عضواً في الإنسانية أن تعترف للأجانب المقيمين على أراضيها بحق ممارسة الحقوق والحريات الخاصة التي يتطلبها كيانهم الإنساني وكفالة حريتهم الفردية وأمنهم الشخصي وأن تكفل للأجنبي حرية العقيدة والحق في ممارسة الشعائر كل ذلك في الحدود التي لا تتنافى مع النظام العام في الدولة المضيفة.
وقد أكد الدستور القطري في المادة 35 على أن جميع المقيمين على إقليم الدولة متساوون أمام القانون لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين . وقد ساوى الدستور القطري بين الناس جميعاً في الحرية الشخصية وفي الكرامة الإنسانية وفي عدم جواز القبض عليهم أو حبسهم أو تفتيشهم أو غير ذلك من مقيدات الحرية إلا وفق أحكام القانون.
حق الدولة في إبعاد الأجنبي:
الإبعاد هو تكليف الشخص بمغادرة الإقليم أو إخراجه منه بغير رضاه.
ويستند حق الدولة في ذلك إلى حقها في حفظ أمنها وكيانها وصيانة النفس.
والدولة مثلما من حقها أن تمنع أي شخص من دخول أراضيها لها كذلك أن تبعد أي أجنبي يكون في وجوده خطر عليها.
والإبعاد عن الدولة لا يتناول إلا الأجانب، أما المواطنون فلا يجوز إبعادهم، وهذا ما قرره الدستور القطري في المادة (38) من أنه ( لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها. )
ويتعين في حالة ما إذا قررت الدولة إبعاد أي أجنبي ألا تتعسف في هذا وتراعي حسن النية في تطبيق الإجراء.
والإبعاد لا يعتبر عقوبة وإنما هو إجراء من إجراءات الأمن الهدف منه بالدرجة الأولى دفع ضرر الأجنبي الذي يعتبر بقاؤه في الدولة خطراً على سلامتها أو أمنها.
ويصدر أمر الإبعاد من وزير الداخلية، إذ إنه وفقاً لنص المادة 37 من القانون رقم (4) لسنة 2009 بتنظيم دخول وخروج الوافدين، للوزير أن يصدر أمراً بترحيل أي وافد يثبت أن في وجوده في الدولة ما يهدد أمنها أو سلامتها في الداخل أو الخارج أو يضر بالاقتصاد الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وقد تضمن قانون العقوبات القطري في المادة ( 65 ) عقوبة إبعاد الأجنبي من البلاد في حالة ارتكابه جناية أو جنحة طبقاً لقانون العقوبات إذ نصت المادة (77) على أنه مع عدم الإخلال بحق الجهات الإدارية المختصة في إبعاد أي أجنبي وفقاً للقانون، يجوز للمحكمة إذا حكمت على الأجنبي بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو جنحة، أن تحكم بإبعاده عن الدولة بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة.
فإذا كان الحكم بعقوبة على الوجه المبين في الفقرة السابقة صادراً في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة وجب على المحكمة أن تحكم بإبعاد الأجنبي عن الدولة بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة أو سقوطها.
ويجوز أيضاً للمحكمة في مواد الجنح أن تحكم بإبعاد الأجنبي عن البلاد بدلاً من الحكم عليه بالعقوبة المقررة للجنحة.
ويجوز لوزير الداخلية عند الضرورة توقيف الوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بترحيله من البلاد لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة.
ويجوز للوزير أن يفرض على الوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بترحيله وتعذر تنفيذه، الإقامة في جهة معينة لمدة أسبوعين قابلة للتجديد بدلاً من توقيفه لمدة أو مدد أخرى مماثلة.
وعلى الوافد أن يتقدم إلى الإدارة الأمنية التي تقع هذه الجهة في دائرتها في المواعيد التي يحددها الأمر الصادر في هذا الشأن، وذلك إلى حين إبعاده وترحيله.
ولا يجوز للوافد الذي صدر حكم قضائي بإبعاده أو أمر بخروجه أو ترحيله، العودة إلى الدولة إلا بقرار من الوزير.
ويغادر الوافد الدولة إذا لم يحصل على ترخيص بالإقامة أو إذا انتهى هذا الترخيص، ويجوز له العودة إذا توافرت فيه الشروط اللازمة للدخول، وفقاً لأحكام هذا القانون.
ويجوز للوزير أو من ينيبه، أن يمنح الوافد الذي صدر أمر بترحيله أو خروجه، وله مصلحة في الدولة تقتضي وقتاً لتصفيتها، مهلة لا تجاوز تسعين يوماً قابلة للتجديد بشرط تقديم كفالة مقبولة.
نخلص من جميع ما سبق إلى أنه إذا سمحت الدولة للأجنبي بالدخول إلى إقليمها فإنه يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها الفرد في علاقته بالجماعة التي يعيش فيها وهذه الحقوق تتفرع عن وجوب احترام كيان الفرد الإنساني كما تقوم على ضرورة توفير الأسباب اللازمة لمعيشته بإقليم الدولة على النحو الذي سبق بيانه.
وبالمقابل فإن الدولة تملك بما لها من حق في سلامتها وأمنها أن تضع على حقوق الأجنبي في هذا الصدد كافة القيود اللازمة لحماية كيانها السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
الدجاجة التي أسعدت أطفال غزة
دخل على أولاده بدجاجة فهللوا وسجدوا لله شاكرين! هذا كان حال عائلة غزاوية من قطاع غزة حينما أقدم... اقرأ المزيد
231
| 28 أكتوبر 2025
كم تبلغ ثروتك؟
أصبحنا نعيش في عالم تملأه الماديات، نظرة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا نرى أثر الحياة السريعة المادية... اقرأ المزيد
243
| 28 أكتوبر 2025
التواصل الذي يفرقنا
جلست بالسيارةِ وحتى البحر عبرتُ وخلال مجلسي في الاستراحةِ نظرتُ لكل من يجلس حولي حتى ذلك الطفل الصغير... اقرأ المزيد
195
| 28 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3126
| 23 أكتوبر 2025