رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طلعت رميح

طلعت رميح

مساحة إعلانية

مقالات

904

طلعت رميح

كلينتون تعمق أزمة أمريكا.. وترامب يعيدها إلى داخل حدودها

21 أكتوبر 2016 , 02:39ص

بعيدًا عن حرب الديوك الجارية بين كلينتون وترامب، وعن لغة التسطيح الجارية في الحملات الانتخابية لكلا المرشحين، فلكل منهما برنامج وخيار استراتيجي جد متناقض مع الآخر، وفوز أي منهما سيشكل علامة فارقة في الوضع الاستراتيجي الدولي للولايات المتحدة. وهكذا، فبعيدا عن حكاية طرد المهاجرين وإهانات ترام للمسلمين، وعن قصص حروب الروايات والاتهامات الجنسية التي تشنها هيلاري، فالخلاف الجوهري بين مرشحي الرئاسة الأمريكية -أو بالأحرى بين القوتين الداعمتين لكلا منهما- يتعلق بالوضع الاستراتيجي الدولي للولايات المتحدة الذي هو العامل الحاسم في مجمل أوضاعها الداخلية. وتلك إحدى مفارقات الانتخابات الأمريكية، التي تجري جوهريا حول أوضاع واستراتيجيات أمريكا بالخارج، فيما تجري في الإعلام وفق نمط الاتهامات المتبادلة والتجريح الشخصي بين المرشحين.

ترامب هو التعبير عن الانتقال الثالث في الوضع الاستراتيجي الأمريكي بعد الحرب الباردة، فيما تمثل كلينتون محاولة لامتداد الانتقال الثاني الذي مثله أوباما. قاد أوباما استراتيجية أزمة تحول أمريكا من فكرة وخطة الدولة "المهيمنة"، إلى فكرة وخطة الدولة "القائدة"، وذلك ما يفسر كل مواقفه. لقد سعى سلفه جورج بوش لفرض "الهيمنة" الأمريكية على العالم، مستخدما كل أدوات القوة العسكرية والضغط السياسي والدبلوماسي على دول العالم، تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، لكنه فشل، إذ انتهت معاركه في الشرق الأوسط إلى قرار الانسحاب من مغامرتي العراق وأفغانستان، بعد معركة شرسة بين الجمهوريون والديمقراطيين، توافقوا في ختامها على تقرير مشترك (بيكر-هاملتون) قرر هذا الانسحاب، كما انتهت تجربة بوش إلى بروز أقطاب دولية جديدة أهمها الصين وروسيا والهند، وإلى ظهور مؤثر للدولة الإقليمية (إيران وتركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل) بما أحدث تغييرات في وضع الولايات المتحدة فلم تعد قادرة على الهيمنة، فجاء أوباما برؤية وخطة تحول أمريكا إلى دولة قائدة، لا تتحرك خارج مجلس الأمن (كما فعل بوش)، ولا تخوض معارك صراعية أكبر من طاقتها (ونموذج سوريا والشرق الأوسط واضح عند مقارنته بغزو العراق وأفغانستان) وهو ركز جهوده على دفع الدول الأخرى للمشاركة في إدارة العالم تحت القيادة الأمريكية، أو بالأحرى على تحمل نفقات وتكاليف مواجهة الأزمات الدولية، فلم تعد الولايات المتحدة تتصدى لقيادة وإدارة الأزمات وحدها.

والآن يتنافس مرشحان هما الأضعف شعبية عبر تاريخ الانتخابات الأمريكية والأقل على مستوى قدرات القيادة. ما يطرحه ترامب باختصار هو انكفاء أمريكا على نفسها، وضرورة الاعتراف بتراجعها كإمبراطورية، وإنهاء خرافة التفرد الإمبراطوري لها على الصعيد الداخلي، بإنهاء فكرة الحلم الأمريكي والتوقف عن قبول المهاجرين... إلخ، وعلى الصعيد الخارجي هو يدعو لمواجهة تأثيرات العولمة على أمريكا ذاتها وإلى تقليص دور منظمات دولية (منظمة التجارة العالمية)، وإلغاء اتفاقيات مثل النافتا، وبأن تدفع دول مثل ألمانيا واليابان تكاليف حمايتها من أعدائها... إلخ. فيما تطرح كلينتون الاستمرار في خط أوباما، الذي نجح في إدارة أزمة تراجع أمريكا بالتحول من الهيمنة إلى القيادة، لكن الأوضاع الدولية تجاوزت استراتيجيته، إذ فقدت أمريكا القدرة على قيادة العالم بنفس الطريقة ولذات الأسباب التي فقدت بها قدرتها على فرض الهيمنة على العالم في زمن بوش، مضافا إليها أسباب تتعلق بمكاسب التموضع الجديد للدول الكبرى التي لم تشارك في إدارة العالم مجانا طوال سنوات حكم أوباما.

فوز هيلاري كلينتون سيعمق أزمة أمريكا، فيما يعيد ترامب أمريكا إلى داخل حدودها، لتصبح دولة كبرى لا مهيمنة ولا قائدة على أمل العودة إلى قيادة العالم أو الهيمنة عليه مجددا.

مساحة إعلانية