رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مصطفى الغزاوي

مصطفى الغزاوي

مساحة إعلانية

مقالات

569

مصطفى الغزاوي

سيولة الإرادة العربية

21 ديسمبر 2010 , 12:00ص

العرب قرروا الخروج من التاريخ وانشأوا لانفسهم عشرات من حوائط المبكى

الأحداث الجارية فوق الأرض العربية باختلاف أقطارها "تُنَطَقْ الأخرس" كما تقول أغنيات المقاومة "لأولاد الأرض" بالسويس. ولكن الحالة العربية الآن أفقدت الكلام مضمونه، وأهملت الفعل وحلت مكانه جلسات النواح والبكاء والحياء المنبوذ والتجاوز البذيء على شاشات الفضائيات، والكل يحيا الفوضى ويقبل بها.

مواكب الوارثون ليست جديدة على المجتمع العربي، فقد سبق أن انطلقت وتحت أسماء مختلفة في عامي 1967 و1970 عامي هزيمة يونيو، ورحيل جمال عبد الناصر إلى رحاب ربه. لم يكن الوارثون في حينها أفرادا، وأبناء أو قادمين من المجهول، ولكنهم كانوا تنظيمات وأنظمة، والكل يرفع رايات الثورة العربية، وينشد أناشيد الثأر والتحرير، ويحمل أموالا ينثرها هنا وهناك، انتبهوا وتفرغوا لوراثة جمال عبد الناصر، وتركوا أرض المعركة خالية، وكأني بهم قد هبطوا من جبل أحد، فاستدارت خيل العدو وأحاطت بهم، وكان هذا فعلهم في أقرب لحظات الأمة العربية إلى تحقيق الذات في معركة عسكرية تضع إسرائيل في حدود حجمها الطبيعي وكونها عدوا غير خارق، وأن العمل الاحترافي الجاد يمكنه أن يكشف القدرات لكل الأطراف.

لم تخسر الأمة العربية حالة الحشد من بشر وثروة وقوة وعتاد التي حققتها في 1973، ولكنها خسرت معاييرها، وكأنها قد انتقلت إلى المدينة الفاضلة، وألقت السلاح إلا فيما بينها، وتركت العروبة العقيدة التي وحدتها، وتغاضت عن فلسطين قضيتها المركزية، بل الأدهى من ذلك، أنها وأدت كل الأحزاب والتنظيمات التي احتشد فيها كوادر الأمة السياسية، وتهاوى حزب البعث وجبهة التحرير الجزائرية وطليعة الاشتراكيين والطليعة العربية والأحزاب القومية والشيوعية، ولم يبق منها إلا أسماء خالية من المضمون، وخرجت من الأوكار تنظيمات بديلة سواء قادمة من زمن الاحتلال أو هي قادمة بإدعاءات دينية، وغير كل هذا أنتج الغرب للكوادر العربية عبوات جاهزة، استعاضت عن الفكر السياسي بما يسمى بحقوق الإنسان، ومن الإنسان حقوق المرأة، ومن الأوطان القوميات والأعراق والأديان، وشكلت لهم أوعية ما سمي بمنظمات المجتمع المدني، ولم تتركهم في العراء، بل أوجدت لهم مرجعيات في أوروبا الاسكندنافية وهولندا وأمريكا، وأوجدت لهم التمويل من أوروبا وأمريكا، ونجحت في استقطاب كوادر اليسار الشيوعي والقومي، وصنعت منهم نجوم إعلام، بعد أن تم ترويض الإرادات وتحويل الأفكار.

ولم يتوقف الأمر عند الأحزاب السياسية أيا ما كانت توجهاتها وتاريخها، ولكنه شمل منظمة التحرير الفلسطينية، وميثاقها، وقياداتها، وجرى تصفية كل هذا، وكأن منظمة التحرير الفلسطينية، قررت أن تتجرع السم بيدها وليس بيد إسرائيل. وكما قتلت إسرائيل أبو جهاد وهو قائد انتفاضة الحجارة، ليصنع أبو عمار ما أسماه "بسلام الشجعان"، أنقلب أبو مازن، والذي كان قابعا في هدوء وفي الظلام بينما رجال الثورة يمارسون المقاوم، انقلب على أبو عمار، وجلس في الظل حتى يتم تمهيد الأرض له، واجتمع الجميع على أبو عمار، فبينما كانوا يقررون مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، كان شارون يحاصر أبو عمار ويخنق الأرض من حوله حتى تم قتلة، ليأتي أبو مازن ويضع يده في يد قاتليه، وهو في الوقت ذاته يضرب المقاومة والمقاتلين في أعنف عملية تصفية بقيادة الجنرال دايتون.

هذه المشاهد جميعها أكدت أن عملية هدم البناء السياسي والشعبي داخل الأمة وفي أقطارها، لم تكن جملة مصادفات التقت في مجرى واحد، ولكنها بالقطع منهج جرى إعماله، وانساق الجميع بإرادتهم إلى تنفيذه.

انتهت خطط وراثة الأنظمة، وأنشأ المثقفون العرب، مؤتمرات تحت مسميات قوميه وإسلامية، والأسماء تحتوي علي كلمة "الحوار"، الكلام، وهي مؤتمرات يسمع المثقفون العرب فيها أنفسهم، ولو بحثت عن الأعضاء لوجدت الأسماء تتكرر في كافة المؤتمرات، وأصبحت هذه المؤتمرات مصدرا للبيانات، وليست معهدا لإنتاج كوادر سياسية مناضلة.

لدى الإسرائيليين حائط مبكى واحد، سرقوه من المسجد الأقصى تمهيدا للاستيلاء على كل المسجد، وأنشأ العرب لأنفسهم عشرات حوائط البكاء، في كل الأقطار، وحول كل القضايا، وتفرغوا للطم وشق الصدور، وقرروا الخروج من التاريخ، وفرطوا في الأرض، من العراق إلى الجولان إلى السودان إلى سيناء.

غياب المؤسسات السياسية، وغياب حالة الاستنفار بالمقاومة وغياب الفلسطينيين، وقد أنهت أمريكا دورها في الجنوب واستدارت الآن إلى دارفور، ولن يستطيع العرب مواجهة العدو، وغياب لغة محددة وواضحة تعبر عن الرؤية العربية دون نفاق الغرب باستخدام أدبياته، كل ذلك أصاب الإرادة العربية بحالة سيولة وأفقدها قوامها، وصارت قدرة الفعل العربية حديثا من أحاديث الذكريات.

حالة البشير في السودان وأبو مازن في رام الله، تدعو إلى الرثاء أكثر منها دعوة للإدانة. البشير يعرض على الجنوب حصة الشمال في البترول، مقابل خيار عدم الانفصال، والجنوبيون يرفضون ويقولون العرض جاء متأخرا، ولكن أعرض نفس العرض في أبييه، أي تنازل عن جزء آخر، ويخرج المتحدثون باسم المؤتمر الوطني يقولون ما قاله البشير عن الواقعية، إن الانفصال هو الاحتمال الأرجح. وأبو مازن يهرع إلى لجنة المتابعة يسألها ماذا يفعل، بعد الصفعة التي وجهها نتنياهو إلى أوباما، ورفضه إيقاف الاستيطان لـ 90 يوما مقابل 20 طائرة إف 35، وكأن لسان حاله يقول سأحصل على الطائرات من دون مقابل، وإسرائيل لن تتنازل عما في يديها من أرض، فماذا يمكن أن يفعل مجلس الأمن أو العرب لأبي مازن؟ الإجابة لا شيء.

لا يستطيع أحد أن يدين البشير وأبو مازن، فأي منهما لم يظهر في المسرح السياسي فجأة، بل كل مراحل الانهيار تمت أمام كل العرب بل وشاركوا فيها وكذلك جامعة الحكومات العربية، ومن يدين واجب عليه أن يعرض البديل خلال اللحظات الباقية، وهذا أمر يفوق قدرة خدمة "سليمان" من الجن.

يكاد يكون الأفق يحمل للأمة العربية بديلا واحدا هو الحرب الأهلية، ليس فقط في السودان وفلسطين، ولكن في كل القضايا المطروحة، حتى وإن بان للعيان أن هناك إشارات للانفراج، فالحقيقة أن شدة التناقض والتباين في الخيارات تجاه القضايا العربية، حشدت الشعوب في جانب، وكافة مؤسسات السلطة في الجانب الآخر. وصار الأمر جملة من العلاقات المشوهة، تربط كافة الأطراف، وكأن هناك إدارة خفية توجه العلاقات، وكل النتائج تؤدي إلى تفتيت المنطقة إلى شظايا.

محمود عباس لن يستطيع أن ينال شيئا، وهو غير مرشح لإتمام الوحدة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، لأن خياراته تتناقض كليا مع خيارات باقي الفصائل، ولن يستطيع العرب أن يقدموا جديدا يغير موازين القوى، والأمر مرشح لحرب أهلية بين القوى الفلسطينية.

والبشير غير قادر أن يحمي السودان ويمنع الانفصال برشوة مالية في اللحظات الأخيرة، وتكاد تكون رائحة الدم تزكم الأنوف في السودان، وقد أنهت أمريكا دورها في الجنوب واستدارت الآن إلى دارفور، والأمر كذلك مرشح لحرب أهلية إن لم تكن بين الشمال والجنوب فإنها ستكون بين شمال وشمال، لأن انفصال الجنوب سيترك آثاره الجانبية على متخذ القرار في الشمال.

وإن تركنا هذا ونظرنا إلى الوضع الداخلي في مصر في أعقاب الانتخابات، لا يجوز أن نقول إن هناك انسدادا، ولكن المتابع لحال الأحزاب والنخبة، يجد حالة من عدم وضوح الإرادة، سيولة، كل من يعن له أن يفعل شيئا يفعله، وكل ما يجري بعيدا عن احتياج الجماهير، وانطلق قطار القرارات الهادمة لمجتمع الشعب بداية من التأمين الصحي، وهو أمر يهدد بصدامات لا رادع لها خاصة أن القانون قد غاب، وأهدرت الأحكام القضائية، ولم يعد من سبيل سوى القوة بمعناها البدائي. وأعلن الرئيس المصري أمام المجلس المنتخب مقولة جديدة مفادها "كلنا كنا فقراء"، ووجب على الشعب أن يجد سبيله للانضمام إلى حزب "كنا فقراء"، وأيضا لم يعد من سبيل سوى القوة بمعناها البدائي.

بدأت الحرب الأهلية في مصر داخل الأحزاب، وحزبي التجمع والناصري على وشك الانفجار، والخاسرون في الانتخابات يقفزون فوق الأسباب، ومهام التغيير بإعلان البرلمان الموازي، هم مع أنفسهم، والشعب يرصدهم مع الحزب الحاكم في ذات الخندق، ويدفعون جميعهم الشعب ليتولى أمره بيده، فالأحزاب والجماعات والجمعيات جميعها، مسميات والمضمون ذاتي ولا علاقة له بالمجتمع.

هل لنا أن نساعد في نشوب حرب أهلية عربية عربية؟ هل هذا هو الحل؟ ليمسك من يبقى من العرب بالأمر وتنتهي معادلة اللا سلم واللا حرب، والتي صارت اللا مقاومة واللا دولة، ليس في فلسطين وحدها، ولكن باتساع الخريطة.

هل هناك من يملك تأسيس حركة عربية قادرة على تجاوز عجز الأحزاب؟ أم أن القدر يفرض العودة لنقطة بداية جديدة في الظلام.

اقرأ المزيد

alsharq عينُ المحتل الثالثة

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز... اقرأ المزيد

165

| 10 ديسمبر 2025

alsharq ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس 1 - 2

العنوان كان شعار “منتدى الدوحة“ الأخير في دورته 23، وأحيي نباهة الاخوة المسؤولين في دولة قطر وحكمتهم في... اقرأ المزيد

195

| 10 ديسمبر 2025

alsharq ومرت سنة على سـوريا

سنة منذ أن خُلع بشار الأسد، وسنة منذ أن تنفس السوريون الحياة، وسنة منذ أن ظهر للعالم بأن... اقرأ المزيد

96

| 10 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية