رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع احتفالات قطر بيوم وطني جديد في عمرها المجيد، يتراءى للعالم الكثير والكثير من الإنجازات والنجاحات التي حققتها على مر السنين. لكن هناك نجاحا بعينه لن ينتبه إليه كثيرون. ذاك هو نجاح قطر في أن تكون نموذجا فريدا في مقاييس الدول في القرن 21، بل ونموذجا للمستقبل، في عالم يتلاشى فيه شكل الدولة المعروف منذ تأسيس نظام الدولة الحديثة، الدولة ذات الحدود المعروفة والسلطات المحددة والعلاقات المحددة مع محيطها. لقد استطاعت قطر أن تعيد تعريف معنى الدولة ومفهوم السيادة، عبر مزيج من الاستقلال السياسي، والانفتاح الدبلوماسي، والتخطيط الإستراتيجي طويل المدى. فبنموذج قطر سيدخل إلى قاموس العلاقات الدولية مفاهيم جديدة منها "الدولة المتفوقة" و"الدول المفيدة".
منذ توقيع اتفاقية ويستفاليا عام 1648، تشكّل مفهوم الدولة القومية الحديثة بوصفها كيانًا سياسيًا مستقلًا، يمتلك سيادة واضحة وحدودًا معترفًا بها وسلطة عليا غير خاضعة لقوة خارجية. غير أن هذا النموذج، الذي هيمن على النظام الدولي لقرون، كما أوضحت سابقا، يواجه اليوم تآكلًا متسارعًا بفعل العولمة الاقتصادية، وتغوّل المؤسسات العابرة للحدود، والنزعة المتسارعة نحو تأسيس حكومة كونية للعالم تحت مسميات مختلفة، كالحوكمة العالمية أو النظام الدولي القائم على القواعد. في هذا السياق المضطرب، تبرز دولة قطر كنموذج لافت لدولة حديثة استطاعت، رغم صغر مساحتها الجغرافية، أن تحافظ على استقلال قرارها السياسي وتُعيد تعريف مفهوم السيادة في القرن الحادي والعشرين.
برغم كثير من التحديات، سارعت قطر إلى الحضور الفاعل في النظام الدولي، من إدراك واع بأن السيادة في العصر الحديث لا تُصان فقط بالقوة العسكرية، بل أيضًا بالقوة الناعمة، والدبلوماسية النشطة، وبناء شبكات مصالح متوازنة مع مختلف القوى الدولية. ومن خلال سياسة خارجية متعددة المسارات، استطاعت قطر أن تحجز لنفسها موقعًا فاعلًا في ملفات إقليمية ودولية معقدة، من الوساطة السياسية إلى أدوار إنسانية وتنموية، بل وحتى رياضية، وهو ما شاهدناه نموذجا يتجلى في عرس كأس العرب الرياضي الرائع.
اقتصاديًا، قدّمت قطر مثالًا على توظيف الموارد السيادية لا لتعميق التبعية، بل لتعزيز الاستقلال. فالاستثمار في الطاقة، وتحديدًا الغاز الطبيعي المسال، لم يكن مجرد مصدر للثروة، بل أداة إستراتيجية مكّنت الدوحة من بناء اقتصاد قوي، وصناديق سيادية مؤثرة، وقدرة على الصمود أمام الضغوط السياسية والاقتصادية التي استخدمها صانع القرار القطري لمصلحته وليس العكس. وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال فترات الحصار والتوتر الإقليمي، وحتى في النطاق الأوسع مع تفجر الحرب الأوكرانية الروسية، حيث أثبتت قطر أن الدولة الحديثة المفيدة القادرة على التخطيط الإستراتيجي يمكنها تجاوز محاولات الإخضاع أو العزل، وأن تجعل "الآخر" أيا كان في حاجتها.
وعلى المستوى الداخلي، عملت قطر على بناء مؤسسات حديثة، واستثمرت في التعليم والإعلام والبنية التحتية، إدراكًا منها أن الدولة القوية في زمن تآكل الحدود ليست تلك التي تكتفي بالرموز السيادية، بل التي تمتلك مجتمعًا متماسكًا، ونخبة معرفية، وقدرة على إنتاج خطابها الخاص بدل استيراده. وفي هذا الصدد، مثلا، كان الإعلام القطري، ولا يزال، وبفضل قناة الجزيرة، أحد أبرز أدوات هذا الحضور السيادي، حيث تحوّل إلى منصة مؤثرة في تشكيل الرأي العام العالمي، وهو أمر نادر في دول صغيرة الحجم.
وفي زمن تتعالى فيه الدعوات إلى تقليص دور الدولة لصالح كيانات فوق قومية أو حكومة عالمية واحدة، تقدم قطر نموذجًا مختلفًا: دولة لا ترفض الانخراط في النظام الدولي، لكنها ترفض الذوبان فيه؛ دولة تدرك قواعد اللعبة العالمية، لكنها تصر على أن تكون لاعبًا لا مجرد ساحة. وبهذا المعنى، لا تمثل قطر استثناءً جغرافيًا فحسب، بل تجربة فكرية وسياسية تعيد طرح سؤال الدولة الحديثة: كيف يمكن لدولة صغيرة أن تكون مستقلة، فاعلة ومتفوقة، وذات سيادة حقيقية في عالم يتجه نحو المركزية الكونية؟ إن تجربة قطر تؤكد أن تآكل الدولة ليس قدرًا محتومًا، وأن السيادة، وإن تغيّرت أدواتها، لا تزال ممكنة لمن يمتلك الرؤية، والمرونة، والإرادة السياسية. وهي بذلك تقدم درسًا مهمًا في زمن تتراجع فيه الدول، وتتصاعد فيه مشاريع ما بعد نظام ويستفاليا.
وهذه قصة واقعية تبلور كثيرا من المعاني السابقة.
في العام 2015، وتحديدا في نوفمبر من ذلك العام، قامت كريستيان لا جارد وكانت وقتها رئيسة البنك الدولي بجولة في دول المنطقة شملت الدوحة بالطبع. حملت لاجارد معها "توجيهات" النظام العالمي الذي يريد فرض الفقر وصناعة الأزمات على الحكومات والشعوب، لتسريع الوصول إلى الحكومة العالمية. كان من تلك المقترحات، رفع أسعار البنزين، إلى المستويات العالمية، وزيادة الضرائب غير النفطية (مثل ضريبة القيمة المضافة)، وخفض الإنفاق الحكومي (وخاصة الأجور)، ومراجعة المشاريع الكبرى، بزعم الرغبة في وضع قواعد مالية قوية لتحقيق الاستقرار في المستقبل. كانت قطر أقل الدول استجابة لتلك المطالب المجحفة بحق الشعوب وحافظت قيادتها على مستوى معيشة مجتمعها، بل وحسنتها برغم تعرضها لأزمة الحصار بعد ذلك بفترة وجيزة، وهو ما انعكس تلاحما بين القيادة الواعية المخلصة وبين شعب بمواطنيه ووافديه ممتن لقيادته الحكيمة، ومستعد للتضحية من أجلها بالغالي والنفيس، لتخرج منها قطر دولة فريدة على الساحة العالمية، تعيد بالفعل تعريف الكثير من مفردات قواميس العلوم السياسية.
عصام بيومي
essam7@gmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
2031
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1635
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1158
| 24 ديسمبر 2025