رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جابر الحرمي

مساحة إعلانية

مقالات

30

جابر الحرمي

الاستثمار في التعليم ضمانة لمستقبل أجيال قطر

22 أكتوبر 2025 , 02:26ص

رؤية متكاملة قدمها سمو الأمير لركائز التنمية والإنجازات..

الاستثمار في التعليم ضمانة لمستقبل أجيال قطر

الخطاب السامي السنوي لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أمام افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى يحظى بترقب شديد محليا وخارجيا، لما يتميز به من طرح ورؤى ثاقبة، وما يحمله من خريطة طريق لعمل مؤسسات القطاعين العام والخاص، وهو خطاب يستأثر باهتمام كبير من قبل أبناء قطر الذين يتلمسون من رؤية سمو الأمير وتوجيهاته ورسائله المتضمنة بالخطاب استرشادا للحاضر والمستقبل، لاستكمال مسيرة النهضة والتنمية الشاملة.

لقد قدم سمو الأمير المفدى صورة ناصعة لما تحقق من إنجازات جديرة بالفخر والاعتزاز وتشكل بوابة عبور نحو المستقبل المزدهر، تنتقل فيه قطر إلى مرحلة جديدة من التطور والنمو. 

ولهذا حرص سموه على الدعوة لحمد الله وشكره على النعم التي أنعم بها على قطر، حيث توجه إلى أبناء قطر قائلا:"علينا أن نحمد الله على نعمه وأن نتذكر أن هذه النعم لا تدوم إلا من خلال الجهد الدؤوب في الحفاظ عليها وتطويرها والاستثمار فيها لخير المجتمع والأجيال القادمة". 

هذه النعم تتطلب أن يتحمل الجميع مسؤوليته تجاه الحفاظ على المكتسبات والإنجازات والارتقاء بالإنسان وقيمه وهويته الحضارية، ولذلك دعا سموه إلى" تشجيع الشباب على البحث عن معنى وهدف لحياتهم من خلال العمل وتطوير أنفسهم والإسهام في خير الوطن والمجتمع."

ومع دخول قطر مرحلة جديدة من التطور في جميع المجالات فقد نبه سمو الأمير المفدى إلى أن "للتطور مقتضياته وتتطلب المرحلة الارتقاء بدور المواطن وإدراكه لمسؤولياته، كما تتطلب الانفتاح على الأفكار الجديدة ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي والثقافي على المستوى العالمي."

إنها مسؤولية كبرى تقتضي إدراك المواطنين لواجباتهم تجاه هذه المرحلة الجديدة التي يدخلها الوطن لمواكبة التطور والانتساب بجدارة إلى العصر، تتطلب وعيا وانفتاحا وتفهما للأفكار الجديدة التي ينتجها التطور العلمي والتكنولوجي.

فالحفاظ على الهوية الوطنية والقيم والالتزام بالمبادئ جزء أساسي لتقدم المجتمعات، وهو ما يتطلب اليوم من الأسرة أن تغرس هذه الأمور في أبنائها من الصغر، فهي تشكل حصانة للأجيال في الكبر.

وتعتبرالمرحلة الجديدة التي تدخلها قطر ثمرة من ثمار الإنجازات التي تحققت في اقتصادنا الوطني والتي حرص سمو الأمير المفدى أن يبدأ الخطاب بالإشارة إلى أن اقتصادنا الوطني واصل أداءه الإيجابي في ظل بيئة اقتصادية عالمية تتسم بالتقلبات، وحافظ على استقراره وثقة المستثمرين بقدرتنا على إدارة مواردنا بكفاءة عالية، كما أن كل المؤشرات تؤكد "أداء اقتصادي واعد، حيث يحافظ الاقتصاد القطري على وتيرة نمو قوية فقد سجل نسبة نمو بلغت 2.4% في العام 2024 ونسبة 1.9% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من عام 2025، ولعبت القطاعات غير الهيدروكربونية دورًا أساسيًا وداعمًا للتنمية المستدامة."

هذا النجاح الاقتصادي يستند إلى رصيد من الإنجازات في القطاع المالي، وقد تطرق سمو الأمير إلى هذا النجاح المالي، مشيرا إلى" أن القطاع المالي حافظ على متانته، مدعومًا بارتفاع الاحتياطيات الدولية والسيولة بالعملات الأجنبية لمصرف قطر المركزي في نهاية العام 2024، بزيادة قدرها 3.7% على أساس سنوي مقارنةً بنهاية العام 2023، مع بقاء التصنيف الائتماني للاقتصاد القطري عند مستويات مرتفعة لدى كبرى وكالات التصنيف العالمية، لتؤكد بذلك مرونة دولة قطر وجاذبيتها المستمرة كوجهة استثمارية آمنة ومستقرة." 

وكان الإنجاز المهم على هذا الصعيد التمكن من خفض الدين بنسبة كبيرة، حيث أوضح سمو الأمير أن "نسبة الدين إلى الناتج المحلي تراجعت من 58.4% في عام 2021 إلى 41.5% بنهاية النصف الأول من عام 2025."

ما تحقق في المجالين المالي والاقتصادي يتكامل مع إنجازات قطاع الطاقة الذي واصل نموه الواثق رغم التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، حيث أكد سمو الأمير أن " قطاع الطاقة تجاوز آثار الصراعات الإقليمية واستمر بالإمدادات العالمية للطاقة دون انقطاع." منوها بالإنجاز الكبير في افتتاح محطتين للطاقة الشمسية في رأس لفان ومسيعيد تأكيدا لالتزام قطر بالاستدامة البيئية. 

ونظرا لأهمية القطاع الخاص ودوره في التنمية الاقتصادية فقد أكد سمو الأمير أن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بدعم وتحفيز القطاع الخاص، مشيرا إلى تقديم حزمة واسعة من برامج التمويل والتأمين والضمان، لدعم القطاع الخاص، معلنا عن برنامج لفتح مجالات استثمارية في مشروعات وأصول منتقاة تخلق فرصًا للقطاع الخاص مما يعزز جذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع كفاءة التشغيل والإنفاق في قطاعات حيوية مختارة.

 واستكمالا لعملية جذب الاستثمار وتوفير أفضل بيئة أعمال في قطر فقد توقف سموه عند أهمية تطوير أنظمة العدالة ووضع الآليات اللازمة لضمان سرعة الفصل في الدعاوى معتبرا أن "العدالة البطيئة نوع من الظلم".

لقد نجحت دولة قطر بجميع مؤسساتها في العمل كمنظومة متكاملة لتحقيق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة لترجمة رؤية قطر الوطنية 2030 إلى واقع ملموس، حيث أكد سمو الأمير المفدى التزام مؤسسات الدولة بتحقيق التطلعات التنموية المستدامة والشاملة، مشيرا إلى القفزات النوعية التي تحققت في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي، مما عزز مكانة قطر كوجهة جاذبة للاستثمارات في القطاعات التنافسية والتكنولوجيا.

وبقدر ما تعتبر هذا القفزات نوعية ومهمة بقدر ما حرص سمو الأمير المفدى إلى التوجيه بأنه "ثمة حاجة لمضاعفة الجهود لتحقيق مزيد من الإنجازات في هذه المجالات." تلك هي إرادة القائد الذي يوصي بحاجتنا إلى المزيد من الإنجازات وعدم الاكتفاء بما تحقق. فالطموح كبير والتطلعات بحجم الطموح لمستقبل مزدهر لقطر وأجيالها المتعاقبة.

لعل النقطة الأكثر أهمية التي وردت في خطاب سمو الأمير المفدى هي الاستثمار في التعليم، حيث قال سموه: الاستثمار في التعليم هو الأساس الذي تقوم عليه نهضتنا، وهو الوسيلة التي نصنع بها مستقبلنا مؤكدا" أن رأس المال البشري هو الثروة الحقيقية لأي دولة، ولذلك فإننا ماضون في تطوير منظومة التعليم والتدريب، وتأهيل كوادرنا الوطنية للمستقبل، لاستيعابهم في سوق العمل على أساس التحصيل والكفاءة والإنجاز".

 وعندما نسمع هذه النظرة الثاقبة من سمو الأمير المفدى يحق لنا أن نطمئن إلى مستقبل أجيال قطر، وأن نزهو فخرا بقائد جعل من الاستثمار في التعليم أولوية وأساسا في النهضة.

لقد خاطب سمو الأمير المفدى كعادته المجتمع القطري بكل شفافية وصراحة، فمثلما أشاد سموه بالإنجازات والانتقال إلى مرحلة جديدة، كان حريصا أن ينبه المجتمع ويحذره من بعض المظاهر السلبية التي تبرز مع الارتقاء بمستوى المعيشة والرفاه الاجتماعي، والتي تصاب بها المجتمعات الاستهلاكية، ولذلك حذر سموه من تفاقم نزعة الاتكال على الدولة، داعيا إلى تشجيع الشباب على البحث عن معنى وهدف لحياتهم من خلال العمل وخدمة الوطن والمجتمع.

وعلى الرغم من تناول سمو الأمير في خطابه أمام مجلس الشورى قضايا كثيرة، إلا أن سموه حفظه الله خصص حيزا مهما لموضوع الأسرة وتماسكها، التي أساسها التربية الأسرية والتي أثبتتها كل دراسات العلوم الاجتماعية، حيث قال سموه "أشدد على أهمية التربية الأسرية وضرورة اضطلاع الوالدين مباشرةً بتربية الأطفال". وفي هذه النقطة توجيه سامٍ يستدعي اهتمام الأسر القطرية والأخذ بهذا التوجيه، لأنه ضمانة للاستقرار الاجتماعي وبناء الأجيال القادرة والناجحة.

كان خطاب سمو الأمير شاملا ومتكاملا في جميع جوانب الشأن المحلي، مما يجعله دليلا يسترشد به أبناء المجتمع القطري وبرنامج عمل للمؤسسات في القطاعين العام والخاص. لكن الشأن الخارجي لم يغب عن خطاب سموه، حيث كانت وقفته المهمة عند الشأن الفلسطيني الذي يعتبر الثابت الدائم في سياستنا الخارجية، فقد جدد سموه دعم قطر الثابت للقضية الفلسطينية، والتأكيد على كون غزة جزءًا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية الموحدة، مشيرًا إلى التزام دولة قطر بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وسيادته الوطنية، وحث المجتمع الدولي على حماية الشعب الفلسطيني وضمان عدم إفلات مرتكبي الإبادة من المحاسبة.

 لقد جدد سمو الأمير التزام قطر في الإسهام بفاعلية للتصدي لما تواجهه أمتنا العربية والإسلامية من تحديات بما يحقق لشعوبنا طموحاتها في الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة فضلًا عن تحقيق السلم والأمن الدوليين.

إن دولة قطر الوفية تجاه قضايا أمتها العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين تواصل دورها المشهود في الوساطة وحل النزاعات، حيث أشار سموه إلى أن جهود قطر في هذا المجال أسهمت في تعزيز مكانة قطر العالمية وربط اسمها بدورها الإيجابي والفاعل هذا. وإضافة لما في هذا الدور من فائدة في حل النزاعات وحقن الدماء لصالح الإنسانية جمعاء، فإنه يعزز مكانة الدولة ومنعتها، وشعبنا يدرك ذلك.

إلا أن هذا الدور الفاعل والمؤثر لدولة قطر كان له ثمن باهظ عندما تعرضت قطر لاستهدافين وانتهاكين مستنكرين، أحدهما من إيران والآخر من الكيان الإسرائيلي، إلا أن قطر خرجت منهما أكثر قوة وحصانة، واثبت مجددا المكانة التي تتبوأها في المجتمع الدولي، الذي انتفض رافضا للاعتداءات التي تعرضت لها.

قضية فلسطين ليست قضية إرهاب، بل هي قضية احتلال مديد.. هكذا وصف سمو الأمير المفدى، القضية الفلسطينية العادلة، وهو وصف دقيق لا يحتاج إلى كثير من الشرح أو البحث عن اقناع.. الحل إنهاء الاحتلال وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

 لقد تضمن خطاب سمو الأمير المفدى، حفظه الله ورعاه، بشائر الخير لأهل قطر، مثلما تضمن التزاما بثوابت السياسة الخارجية لجهة الاستمرار بدور الوساطة لحل النزاعات بالطرق السلمية خدمة للإنسانية جمعاء.

مساحة إعلانية