رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ. د. أحمد جاسم الساعي

كلية التربية – جامعة قطر
al-saai@qu.edu.qa

مساحة إعلانية

مقالات

6178

أ. د. أحمد جاسم الساعي

التدريس .. والميثاق الأخلاقي!!

23 ديسمبر 2013 , 12:00ص

نبدأ مقالتنا هذه بالسؤال عن ماهية الميثاق الأخلاقي وطبيعته وخصائصه، وكيانه وكينونته، ووجوده الرسمي أو غير الرسمي على أرض الواقع في مؤسساتنا التعليمية بكل أنواعها العامة والخاصة، وحضوره أو استحضاره في الممارسات التعليمية ومواقفها اليومية، فما هو الميثاق الأخلاقي للمهنة، وأي مهنة؟ فهل لكل مهنة ميثاق أخلاقي؟ أم أنه قاصر على بعض المهن دون غيرها من المهن العملية، سواء أكانت علمية خالصة، أم فنية خالصة، أم ما يجمع بين العلم والفن من المهن الراقية والسامية، كالطب والمحاماة والهندسة والتعليم أو التدريس وغيرها؟ وهل يقتصر الأمر على المهن المدنية دون العسكرية، أم يشمل القطاعين المدني والعسكري؟ وأسئلة كثيرة تتعلق بالميثاق الأخلاقي للمهنة بغض النظر عن نوعها.

ولكل من هذه الأسئلة وغيرها إجابة واحدة على أقل تقدير، ولا يتضح المعنى الحقيقي لهذه الإجابات إلا بالتعرف على المعنى الحقيقي للميثاق الأخلاقي للمهنة، وارتباطه بسلوكيات وأخلاق أفرادها الممارسين لها والمستفيدين منها، ومن هنا تأتي الحاجة إلى إلقاء الضوء على مفهوم الميثاق الأخلاقي للمهنة بشكل عام. فالميثاق الأخلاقي كما يراه الخبراء التربويون هو عقد رسمي أو غير رسمي، يتعلق بتنظيم العلاقة بين صاحب المهنة وزملائه، والمستفيدين منها، وقد يكون هذا العقد مُعلناً أو غير مُعلن، وسواء كان موقعا من الطرفين أو غير موقع.. فإنه مُلزم أخلاقي وأدبي، خصوصا من قبل أصحاب المهنة فيما بينهم وبين زملائهم في المهنة، وبينهم وبين إدارة المؤسسة المهنية على أقل تقدير.

واستناداً إلى التعريف السابق، فتكمن أهمية الميثاق الأخلاقي في دوره في تنظيم العلاقة بين الممارس للمهنة والمستفيد منها من حيث الحقوق والواجبات، فالطب على سبيل المثال له ميثاق أخلاقي، يحدد العلاقة بين الطبيب والمريض فيما يتعلق بحقوق المريض وواجبات الطبيب نحوه، وحقوق الطبيب وواجبات المريض، وذلك لضمان هذه الحقوق للطرفين، وكذلك الحال مع المجالات المهنية الأخرى كالمحاماة، والهندسة، والسياسة، والاقتصاد، والتربية والتعليم، والشرطة والجيش، وغيرها من المجالات المدنية والعسكرية. فلكل مجال ميثاقه الأخلاقي الخاص به، سواء أكان ميثاقاً مكتوباً في شكل قانون، أم عرفاً شائعاً غير مكتوب يقوم أخلاقياً وأدبياً على احترام وتقدير العلاقات بين المنتسبين للمهنة والمستفيدين منها. ولذا، فيتصف الميثاق الأخلاقي بشموليته وعموميته، حيث ارتباطه بجميع المجالات المهنية، فالميثاق الأخلاقي بصفته العامة يشمل جميع المهن المدنية والعسكرية دون استثناء، ولا يقتصر على مهنة دون أخرى. ويتعلق الميثاق الأخلاقي في ضوء مسماه بأخلاق وآداب المهنة والمنتسبين إليها، ووجوب الالتزام بها والتخلق والتأدب بما يتماشى معها من مبادئها الخلقية، وآداب مهنية ترتبط بطبيعة المهنة وخصائصها، التي تشكل في مجملها ميثاق شرف للمهنة. ولذا، فالميثاق الأخلاقي - في نهاية المطاف - هو شرف المهنة الضامن لبقائها وعدم اندثارها.

وأما فيما يتعلق بالتعليم والتدريس، فشأنه في ذلك شأن الميادين والمجالات الأخرى كالطب والهندسة وغيرها، فله ميثاق أخلاقي ينظم العلاقات بين كل منتسبيه مثل العلاقة بين المعلم والطالب، والطالب وزملائه الطلاب، والمعلم وزملائه المعلمين والإداريين التربويين، وعلى رأسهم مدير المدرسة أو المؤسسة التعليمية، ويحدد حقوقهم وواجباتهم نحو بعضهم البعض. ولكن أين شرف مهنة التعليم والتدريس وميثاقها الأخلاقي مما يُثار ويُلاحظ ويُلمس ويُستشعر لما يحدث في أيامنا هذه في بعض مؤسساتنا التعليمية حين يُعلن الطعن صراحة ودون خجل ولا استحياء في الزملاء المعلمين، والتشكيك في قدراتهم العلمية والمهنية، والاستخفاف بنشاطهم العلمي والأكاديمي، وتوجيه اتهامات لهم من هنا وهناك، وتعميم تخاذلهم وتقاعسهم وتكاسلهم دون وجه حق، ودون مراعاة لمشاعرهم النفسية من قبل زملائهم المعلمين من أهل بيتهم، ومن بني جلدتهم، ومن يلبس ثوبهم، ويتحدث بلغتهم التربوية والتعليمية؟ وأين هذا الميثاق من تطاول بعض المعلمين الذين أتيحت لهم فرص تقييم وتحكيم البرامج التعليمية المصممة من قبل زملائهم في المهنة والعاملين معهم في نفس المؤسسة التعليمية بالتشكيك في إمكانات زملائهم - أصحاب هذه البرامج – الأكاديمية، وقدراتهم على تنفيذ هذه البرامج مما دفعهم إلى رفض هذه البرامج، وعدم إيجازها، ليس لضعف البرامج في ذاتها، بل بحجة عدم قدرة مصمميها والقائمين على تطويرها على تنفيذها والقيام بتدريسها. وأي شرف هذا، وأي أخلاق هذه التي يمكن أن تنسب لهذا الميدان التعليمي في ظل هذه التجاوزات، والأخطاء، والانتقاصات، والاستهتارات، والاتهامات، والإهانات، والتصغير، والتحقير، والتغييب، وكل هذا القذف المقصود وغير المقصود فيما بين منتسبي هذه المؤسسات التعليمية من أفراد وجماعات. فهذا لا يجوز ذوقاً وأدباً وأخلاقاً، ولا ينبغي أن تُلبد أجواء هذه المؤسسات بغيوم وسحب المشاحنات المنقصة على العملية التعليمية والمعرقلة لها، حيث تأثيراتها السلبية على نواتج هذه العملية ومخرجاتها وإن كانت مؤقتة، فلها انعكاسات سلبية ستظهر عاجلاً أم آجلاً. فوجود مثل هذه الأجواء يعني غياب الميثاق الأخلاق، وتغييبه لغة وشرعا، واصطلاحا، مما يعني إلغاءه مادياً ومعنوياً. وهذا بالضرورة يؤثر على صفو العلاقات بين منتسبي المؤسسة التعليمية الواحدة، مما ينعكس على سمعة المؤسسة داخل المجتمع الواحد، وهي التي تنبغي المحافظة عليها نظيفة براقة شاهقة لا يدنسها شيء، ولا تشوبها شائبة. والمحافظة على سمعة المؤسسة التعليمية مطلب ومستحق من مستحقات الميثاق الأخلاقي لمهنة التعليم والتدريس التي ينبغي أن يحرص عليها كل منتسبي المؤسسة.

مساحة إعلانية