رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أنا أحب الخرائط كثيرًا، وأنصح الجميع بامتلاك خرائط في منازلهم أو أماكن عملهم لدورها في فهمنا للعالم. سنحتاج الآن إلى خريطة للشرق الأوسط بما في ذلك البحر المتوسط، من أجل فهم الأزمة الحالية، إضافة إلى مسطرة وقلم رصاص.
اعثروا على المنطقة التي تشكل مصب نهر النيل بالبحر المتوسط، والتي تعرف باسم "دلتا النيل" شمالي مصر، وارسموا خطًا بينها وبين مدينة أنطاليا التركية، المطلة على البحر المتوسط.. هذه هي المنطقة التي تسمى شرقي المتوسط. سنقوم بتصغير الرقعة قليلًا، ارسموا خطًا يصل بين جزيرة قبرص ومدينة اللاذقية السورية، (المنطقة الممتدة ما بين مدينة اللاذقية السورية وحتى الحدود مع تركيا، تسمى منطقة بايربوجاق ذات الغالبية التركمانية أرجو منكم تذكرها جيدًا).
والآن، أرجو منكم هذه المرة، رسم خط من جزيرة قبرص إلى الجنوب، إلى ساحل شبه جزيرة سيناء المصرية. إن المنطقة الموجودة داخل هذا الحيز والتي تضم سواحل كل من إسرائيل ولبنان وسوريا وقطاع غزة ومصر، تسمى ساحل منطقة بلاد الشام.
اكتشافات من شأنها أن تغير التوازنات في الشرق الأوسط
ضعوا إصبعكم على هذه المنطقة، لقد أعلنت دائرة المسح الجيولوجي الأمريكية، في تقرير نشرته عام 2013، أن هذه المنطقة البحرية الصغيرة تحتوي على 3 تريليونات و450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الذي لم يستخرج بعد.
تمتد تلك المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي ما بين مناطق (سواحل) حيفا وتمار في إسرائيل، وزوهر في مصر (قبالة سيناء)، والمنطقة الممتدة ما بين مدينة اللاذقية وجزيرة قبرص.
إن هذه الكمية من الغاز الطبيعي، كفيلة بتغيير كفة الموازنات في منطقة الشرق الأوسط وبلدانه.
ليس هذا فحسب، بل إن هذا الاكتشاف العلمي، يعني أن منطقة شرق المتوسط تعتبر مركزًا مهمًا للثروات الأحفورية، ووجود الغاز الطبيعي يعني وجود كميات ضخمة من النفط، ما يضيف ثروات مضاعفة على الثروات المكتشفة.
دعونا نعد الآن مجددًا إلى الخريطة، ونقوم برسم خط يبدأ من اللاذقية السورية مرورًا بالحدود مع تركيا باتجاه شمال العراق، ومرورًا بإيران، باتجاه بحر قزوين. المناطق الواقع تحت هذا الخط وحتى اليمن جنوبًا، تعتبر أغنى مناطق العالم بالنفط والغاز، وقد أضيف الآن إلى هذه المنطقة الكميات الضخمة المكتشفة في شرق المتوسط. والعالم بالنتيجة، بحاجة ماسة لهذا النفط والغاز.
لقد ترك البريطاني "مارك سايكس" والفرنسي "فرانسوا جورج بيكو"، (اللذان قسَّما الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى) لتركيا منطقة قاحلة من ناحية الثروات النفطية، فيما تتدفق تلك الثروات في جميع المناطق المجاورة. وفي الوقت الذي ستنتعش فيه بلدان شرق المتوسط، نتيجة الكميات الضخمة المكتشفة من الغاز الطبيعي، لن تتمكن تركيا وشمال قبرص (بسبب عدم وجود اعتراف رسمي بها) من الاستفادة ولو "بقرش واحد" من تلك الثروات. فما هذا التقسيم غير العادل لجغرافيا المنطقة؟
الطاقة سبب كل الأزمات
لننظر مجددًا إلى المناطق التي تشهد الحرب الأهلية في سوريا، وأزمة سقوط المقاتلة الروسية، وأزمة العراق والموصل، والأزمات مع إيران، وحتى الانقلاب العسكري في مصر.
إن منطقة شرق البحر المتوسط وشمال العراق، غنية بالغاز الطبيعي والنفط، لدرجة أن يسعى لإرسال سفن حربية وقطع عسكرية إلى تلك المنطقة، من أجل الحصول على حصة من تلك الثروات.
إن القضية في الحرب الأهلية السورية ليست قضية تنظيم "داعش" الإرهابي، أو جبهة النصرة، أو الشيعة والسنة، بل قضية استخراج تلك الثروات الهائلة من النفط والغاز، والحصول على حصة من تلك الثروات، ومد خطوط أنابيب جديدة لنقلها، وجنسية الشركات التي ستشارك في تلك العملية.
وإذا ما تم نقل ذلك النفط والغاز إلى أوروبا عبر تركيا، فإن سلطة أنقرة وأهميتها الاستراتيجية ستكبر وتصبح أضعاف ما هي عليه الآن، وأي بلد لا يرغب بذلك؟ وكل ما تكابده تركيا في هذه المرحلة هو بسبب ذلك.
لنفهم الأمور بشكل صحيح، ونسمِّ الأسماء بمسمياتها.
تشن في هذه الأوقات عمليات واسعة النطاق من أجل عزل تركيا وشمال العراق (بارزاني) الغني بالنفط، عن التطورات الجارية فيما يتعلق بالثروات الجديدة في المنطقة، ودفعهما للقبول بحصص أقل من تلك الثروات، و لتقديم تنازلات كبيرة في هذا الصعيد. وعليه نستطيع تقييم قضايا من قبل سقوط المقاتلة الروسية قرب الحدود التركية، وأزمة القوات التركية في الموصل، ومشكلة إرهاب منظمة "بي كا كا"، ورديفتها في سوريا المتمثلة بمنظمة وحدات حماية الشعب، وقضية الدولة الموازية في تركيا، ومزاعم اتجاه تركيا نحو حكم ديكتاتوري، ضمن الإطار ذاته.
ليس هذا فحسب، بل إن منطقة بايربوجاق التركمانية شمالي اللاذقية السورية، تقع أيضًا على قمة هرم قضية اكتشاف حقول الغاز الجديدة في البحر المتوسط، وتشكل نقطة استراتيجية مهمة في هذا السياق. يتساءل كثيرون عن سبب تركيز روسيا على قصفها لتلك المنطقة ذات الغالبية التركمانية والخالية من عناصر تنظيم داعش، إن السبب الرئيسي وراء ذلك، هو دفع سكانها التركمان على الهجرة من المنطقة التي يُمهَّد فيها لإقامة دويلات صغيرة للأسد، خالية من التركمان، ومركزها اللاذقية، والتي ستكون في المستقبل مركزًا أيضًا للطاقة.
لنفهم الأمور بشكل صحيح، ونسمِّ الأشياء بمسمياتها، إن ما نشهده من أحداث حالية هي حرب البحر المتوسط، وسببها هي احتياطيات الغاز والنفط المكتشفة حديثًا في المنطقة.
حولت إيران المنطقة إلى ساحة حريق كبيرة، من خلال دعم روسي واضح وصريح ومعلن، من أجل تدعيم موقعها وزيادة نفوذها وتأثيرها في المنطقة بأكملها، فيما تواصل تركيا التصدي لهذا المشروع التوسعي الجاري على حدودها.
لا تغرقوا أنفسكم في البحث مطولًا ومناقشة الكثير من التفاصيل الأخرى، فقط انظروا إلى الخريطة وسترون الصورة الكاملة ماثلة أمامكم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1221
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025