رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بداية.. لا بد من الاعتراف، دون حدوث اختلاف، قد يؤدي إلى خلاف، أن أمتنا العربية، تواجه خطراً وجودياً، وتهديداً جوهرياً، ومأزقا مصيرياً، يستهدف أمنها، ويمس حدودها، وينال من حقوقها، وينتقص من سيادتها، ويؤثر في ثوابتها.
وعلى وجه الخصوص، ثوابت القضية الفلسطينية، المهددة بالتصفية، المستهدفة بمخطط تهجير الفلسطينيين، خارج وطنهم، وطردهم بعيداً عن ديارهم، لكي يهيموا في القفاري، وينزحوا نحو البراري، ويتشردوا في الصحاري!
ولتنفيذ هذا المخطط الاستعماري، تحاول إسرائيل، بدعم من ترامب، وإسناد من اللوبي الصهيوني، وتشجيع من قوى الاستكبار العالمي، وتحريض من الإدارة الأمريكية، تشريد الفلسطينيين، أهالي قطاع غزة، وتهويد ما تبقى من أراضي فلسطين المحتلة!
ولعل ما يثير القلق، ويسبب الأرق، ويبعث على الحنق، في مختلف الأوساط العربية، أن الإدارة الأمريكية، المنحازة لإسرائيل بأقوالها، والمساندة لها في أفعالها، والمتبنية لها في مواقفها، تتبنى دبلوماسية «الجمرة المشتعلة» مع الفلسطينيين!
وتستخدمها حتى ضد أطفال فلسطين، ومن بينهم «حنظلة»، الذي يقف حافي القدمين، مرتدياً لباسه المقطع، الذي يشهد على فقره المدقع، ويكتب على الجدران المدمرة، والبيوت المحطمة، عبارة «ثورة حتى النصر»، وهذا في المفهوم الأمريكي، تحريض على «الإرهاب»!
وعلى هذا الأساس، فهي تناهض «حماس»، وغيرها من حركات المقاومة الوطنية، وتمارس خلال تعاملها مع الشأن الفلسطيني، بمختلف مكوناته، وكل توجهاته، وجميع اتجاهاته، سياسة كرة النار المتدحرجة، مما يشكل ضيقاً فظيعاً، وضغطاً رهيباً، على النظام الرسمي العربي.
ومع تواصل هذا الضغط الأمريكي، الضاغط على العرب العاربة، والمستعربة، نشعر أننا أمام مشهد طويل لا ينتهي، محذوف بقرار من الرقابة، من صالات العرض السينمائي، من فيلم «الأب الروحي»، الذي تم إنتاجه وعرضه عام 1972، ويجسد القصص المروعة، والجرائم المريعة، التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظمة، في الولايات المتحدة.
وخلال الواقع الفلسطيني، يؤدي الرئيس ترامب شخصية «فيتوكورليوني»، زعيم عصابة المافيا، التي تسيّدت المشهد الإجرامي، في نيويورك، من خلال أداء دور الممثل «مارلون براندو» في الفيلم الهوليودي.
لكن رئيس الإدارة الأمريكية، أضاف لهذه الشخصية السادية، بعداً إجرامياً عالمياً، عبر قيامه بالتحريض العلني المباشر، لفتح أبواب الجحيم على الفلسطينيين، مما يشكل جميع أركان الجريمة العالمية المنظمة، التي تعاقب عليها القوانين الدولية، وتدينها الأعراف الإنسانية.
والملاحظ أن الولايات المتحدة، في عهد رئيسها ترامب- بعد عودته الرئاسية الثانية- تحاول فرض وقائع استعمارية في المنطقة، يتم استحضارها من أزمنة العصور الوسطى، وأيام القراصنة، والمستعمرين، الذين ينتهكون حقوق الآخرين، بشكل لا ينسجم مع روح العصر، ولا يتفق مع سيادة القانون الدولي.
ووفقاً لهذه المعطيات الخطيرة، تقف الأمة العربية، من أقصاها، إلى آخر مداها، حائرة، أمام مفترق طرق خطير، تتأرجح خلالها أقدامها على حافة الهاوية السحيقة:
- فإما أن تتخذ القرار، وتتحرك بعيداً عن الانحدار، وتتوجه لدعم الفئات الفلسطينية المسحوقة، وتتضامن لوقف الأطماع الصهيونية، المدعومة بالتصريحات «الترامبية» المسمومة..
- وإما أن تسير في طريق الانهيار، ليشهد التاريخ على نجاح الرئيس الأمريكي، في إجبار العرب، على تنفيذ مخططاته، التي تتجاوز القواعد القانونية، وتتخطى الحدود السياسية، وتنتهك المعايير الحقوقية، ليتم بعدها إعادة ترسيم الحدود الجغرافية، لصالح الحركة الصهيونية ومشروعها الجديد - القديم، المتمثل في تهجير الفلسطينيين خارج ديارهم، وطردهم باتجاه مصر والأردن وغيرهما.
والمؤسف، أن الإدارة الأمريكية، تعمل على إلغاء الواقع الجيوسياسي الحالي في قطاع غزة، دون مراعاة حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة في أرضهم، ودون احترام سيادة الدول العربية، المجاورة للقطاع الفلسطيني، ودون اعتراف بالشرعية الدولية، ودون التزام بتطبيق القرارات الأممية، بكل حيثياتها القانونية، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وهذه التحديات الخطيرة كلها، وكل المخططات والتهديدات المنبثقة منها وعنها، تستوجب وقفة عربية جماعية - جامعة، تحت سقف الجامعة العربية للتأكيد على أن ما يتم ترويجه حالياً في واشنطن، وما يتم النفخ فيه، بالأبواق اليهودية، في «تل أبيب»، هو أمر مرفوض عربياً، ومدحوض قانونياً، وغير مقبول سيادياً، وغير مبرر سياسياً، وغير مرحب به.. لا أخلاقياً ولا إنسانياً.
ومع مواصلة النفخ اليهودي الكثير، وإطلاقه في ذلك الكير، والتكلم بالكلام الكبير، عن مخطط الهجرة والتهجير، تدفعني وحدة المصير، إلى التنبيه والتحذير، من ذلك التحدي الخطير.
ولكل هذا، أواصل الكتابة، واستطرد في التعبير، مستنكراً بشدة، تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، الاستفزازية، التي يحاول من خلالها تمرير أفكاره الشيطانية، بشأن إقامة دولة فلسطينية في السعودية، أو غيرها من الدول العربية، لأن ذلك يشكل انتهاكاً متعمداً للقرارات الدولية، وخرقاً متعدداً لميثاق الأمم المتحدة، ويؤدي إلى نسف مساعي السلام المتعثرة في الشرق الأوسط.
وما من شك، في أن السلام العادل والشامل والمستدام لن يتحقق في المنطقة، إلا بعد تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وفرض سيادة الفلسطينيين على أراضيهم المحتلة.
وفي هذا السياق، أجدد الإشادة، بصفتي واحداً من أبناء الشعب القطري، بموقف قطر التاريخي، الثابت، والداعم لصمود الشعب الفلسطيني..
المناصر لقضية فلسطين العادلة، المؤيد لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، التي تضمن إقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ولا أنسى، دعم المشروع القومي الأكبر، في تاريخ الأمة العربية، وهو إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، مع بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، دون تهجيرهم خارج وطنهم..
وتوفير فرص عمل للشباب الفلسطيني المقهور، والعمل على إخراجه من حالة القهر، وانتشاله من المعاناة والفقر، ليتمتع كغيره من شعوب الأرض، بالرخاء، ويحس بالعدالة، وينعم بالحرية، ويعيش الاستقلال، بعيداً عن تسلط الاحتلال.
وهذا يتحقق، من خلال الشروع في مشاريع الإعمار، التي ينبغي إنجازها بالسواعد العربية، والكفاءات العربية، والقرارات العربية، بمشاركة دول العالم الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
وإنفاذاً لكل ذلك، جاء تحديد موعد انعقاد القمة العربية، المقرر عقدها في «أم الدنيا»، في الرابع من مارس المقبل، بعد تأجيلها الصادم لبضعة أيام، ليعيد الزخم القومي، في عروق القضية الفلسطينية، ويشعل جذوة التفاؤل بإمكانية توحيد الجهود السياسية العربية، لتحقيق التضامن العربي المفقود، والوقوف صفاً واحداً، في مواجهة التهديدات الصهيونية المدعومة من الإدارة الأمريكية.
ولعل ما يميز القمة المرتقبة المصيرية، التي ستلئم في الرحاب المصرية، أنها ستعقد في شهر رمضان، هناك في القاهرة، العاصمة العربية، التي قهرت جميع الأعداء الطامعين.
ولا يحتاج الأمر إلى التذكير، بأن أعظم البطولات العربية، ارتبطت بشهر الصيام، وأعظمها انتصار العاشر من رمضان، الذي تحقق على العدو الإسرائيلي، في السادس من أكتوبر عام 1973.
وفي هذا النصر المبين، كان جنود الجيش المصري الباسل، بمختلف تشكيلاته، وجميع قطاعاته يحاربون على جبهات القتال، هناك على ضفاف القنال، وهم في حالة صيام، وألسنتهم تلهج «الله أكبر».
ومع هذا التكبير، نجحوا في تحطيم «خط بارليف» الذي كان يوصف، بأنه أكبر وأصلب وأقوى خط دفاعي إسرائيلي، عرفه التاريخ المعاصر.
ومن ذلك التاريخ المطرز بالانتصارات، إلى هذا الحاضر المستهدف بالمخططات، لا أنسى مع الإعلان عن عقد القمة العربية، في شهر رمضان، أن أكبر الفتوحات الإسلامية، تحققت في هذا الشهر العظيم، بداية من غزوة بدر، وهي المعركة الفاصلة في تاريخ المسلمين، مروراً بفتح مكة المكرمة، وصولاً إلى فتح الأندلس.
إضافة إلى المعارك الحاسمة، وأبرزها معركة حطين، وعين جالوت، وعمورية، والزلاقة، وغيرها.
وهذا يؤكد، أن في شهر رمضان تنبثق روح النصر، وأنه وسط التهديد الوجودي، تولد إرادة الفخر، ونأمل أن يتحقق ذلك، في القمة العربية المصيرية، التي ستعقد في العاصمة المصرية.
هناك في القاهرة، العاصمة القاهرة، التي قهرت عبر تاريخها الكثير من التحديات، وأبطلت الكثير من التهديدات، وأفشلت العديد من المؤامرات الخارجية.. هناك ستعقد القمة العربية، في أمسية رمضانية، تحت عنوان واحد، هو إفشال المخططات الصهيونية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتشكيل جبهة عربية صلبة تتصدى للمشروع الصهيوني وتعمل على إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه وأهله.
.. هناك في القاهرة، حيث ترتفع المآذن، وتعلو المنارات، وحيث يسكن الإيمان في القلوب، والأزقة، والدروب، والعمارات، وحيث يرتفع الأذان إلى العنان، في شهر رمضان، عندما يصدح «الله أكبر»، بصوت الشيخ أبو العينين شعيشع، الذي «يشعشع» الأمل، في النفوس المحبطة، ويطرد الإحباط الذي «يعشعش» في القلوب المحطمة، ويزيل الاضطراب، الذي «يشوش» العقول المرتبكة.
.. هناك في القاهرة الظافرة، ستعقد القمة العربية، في عاصمة انتصار العاشر من رمضان، حيث تسمع «شقشقة» عصافير الأمل في الصباح، وحيث الديك «بيدن كوكو كوكو» في الفجرية، على طريقة سيد درويش، ملحن النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي»، والذي ألّفه محمد يونس القاضي.
.. هناك يقف الديك المصري، فوق برج القاهرة، يوجه النداء القومي، إلى أمتنا العربية، لتستيقظ من سباتها العميق، وتدافع عن تاريخها العريق، وتتوحد أمام الهجمة الصهيونية الوحشية، المدعومة من الإمبريالية الأمريكية.
.. هناك في القاهرة العريقة، صاحبة القصص، والمليئة بالحكايات، والزاخرة بالروايات المدهشة، التي كتبها نجيب محفوظ، والقصائد التي صاغها الأبنودي، والألحان، التي هندسها بليغ حمدي.
.. هناك في القاهرة، سنسمع خلال انعقاد القمة العربية، لحن الانتصار المدوي، الذي لحنه الموسيقار العبقري، بليغ (ملك الموسيقى)، وكتبه الشاعر عبدالرحيم منصور «بسم الله، الله أكبر، بسم الله، بسم الله».
.. هناك في القاهرة الشعبية العتيقة، بكل حواريها، وجميع حوانيتها، وكافة أزقتها، ومشربياتها، ومقاهيها سنسمع خلال القمة العربية، نشيد:
«حلوة بلادي، السمرا بلادي الحرة».
.. هناك وسط مبانيها، سنسترجع قصة بانيها «الحلواني»، الذي أضاف اللمسة الحلوة، على شخصيتها الحلوة، وأضاف الحلاوة على ناسها الرايقين، وأهلها الطيبين، وسكانها الحلوين.
.. هناك في القاهرة، التي تشتهر بأجوائها الروحانية، في الليالي الرمضانية، ستعقد القمة العربية، بينما تتهادى على المسامع ابتهالات الشيخ «النقشبندي»، وهو يبتهل بصوته الرنان، منشداً روائع البيان، التي تحرك جذوة الإيمان، في داخل الإنسان، وتعتبر أشهر ملامح شهر رمضان، وأشهرها ابتهال «مولاي إني ببابك قد بسطت يدي».
ومع تلك اليد «المبسوطة»، أو الممدودة إلى السماء، والألسن التي تلهج بالدعاء، في كل صباح ومساء، لا يمكن أن ننسى صوت محمد عبدالمطلب، الذي يعتبر أيقونة شهر الصيام، وهو يعبر عن مشاعر الناس، التي تتصاعد مع حركة الأنفاس، ويترجم بكل إحساس، فرحة المصريين بقدوم الشهر الكريم، خلال أغنيته الشهيرة:
«رمضان جانا، وفرحنا به بعد غيابه، وبقاله زمان».
.. هناك في القاهرة، التي تجمع العرب تحت مظلتها، وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية، دعوة حماسية، لحركة حماس، وطالبها بشكل حماسي، بالتخلي عن إدارة قطاع غزة.
ولأن هذه الحركة الفلسطينية، التي تقود المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، لا تحتاج إلى دعوة «أبو الغيط» لتأكيد أنها لا تتمسك بحكم القطاع، ما دام ذلك يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، في هذه المرحلة المصيرية.
من الواجب على «أبو الغيط»، المتحمس بشدة للموقف الحماسي، إثبات أن موقفه السياسي، ينبع من قناعة ذاتية، وليس من توجيهات خارجية!
وهذا لن يتحقق، إلا من خلال تطبيق «نكران الذات»، على نفسه أولاً، والمبادرة بالتخلي عن منصبه القيادي في الأمانة العامة، التي تشهد في عهده حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن والهوان، والانفصام عن الواقع.
ويكفي أن «الأمين العام»، لم يكلف نفسه بزيارة قطاع غزة، ولم يبادر بزيارة مدينة «العريش» المصرية المتاخمة للقطاع الفلسطيني، لتفقد أحوال الجرحى الفلسطينيين الذين يتلقون العلاج في مستشفى المدينة.
ولم يفكر ـ مجرد التفكير ـ بالوقوف من بعيد، أمام بوابة «معبر رفح»، والتقاط صورة «سيلفي» أمام المعبر، عند الجانب المصري، وهو يمسك بعلم فلسطين، ويلوح به بيده اليمنى، أو علم الجامعة العربية، أو علم «نيكاراغوا»، التي بادرت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، واحتجاجاً على استمرار العدوان الإسرائيلي، ورداً على الإبادة الجماعية الوحشية، التي ترتكبها الحكومة الصهيونية الفاشية، ضد الفلسطينيين!
وكان يمكنه الذهاب إلى هناك، وفي يده «كوباية» شاي، أو صينية «بسبوسة»، أو «ربطة خبز»، في دلالة رمزية تعبر عن تضامنه مع أطفال غزة وأهاليهم، ورفضه لتجويعهم، ووقوفه إلى جانبهم، وسعيه لكسر وطأة الجوع، الذي تعاني منه تلك الجموع، التي لم تعرف «الهجوع»، ولا كيفية الرجوع الآمن إلى منازلهم والعودة الى بيوتهم المدمرة، ويعانون الحرمان، ويحتاجون إلى الدعم والرعاية وتوفير الأمان، والكثير من الحنان من الجامعة العربية.
لكن «أبو الغيط» اكتفى بإرسال، مساعده «حسام زكي» لزيارة المعبر في منتصف الشهر الجاري، بعد مرور أكثر من عام على إطلاق الصاروخ الإسرائيلي الأول، على قطاع غزة!
وهذا يؤكد إشكالية القصور، ومشكلة التقصير، في تعامل الأمانة العامة، مع مأساة الفلسطينيين، بسبب اتباعها الأسلوب الإداري السقيم، والأداء العقيم، الذي لا يستقيم، مع معاناة الشعب الفلسطيني العظيم.
وربما لا يعلم «أبو الغيط»، أن «أنطونيو غوتيرش» الأمين العام للأمم المتحدة، حضر خصيصاً من نيويورك، للتضامن مع الفلسطينيين، وقام بزيارة تضامنية في شهر مارس الماضي، إلى رفح الواقعة على بعد أمتار، من الخاصرة الرخوة في قطاع غزة، وتوقف أمام بوابة المعبر، ووجه حديثه لأهالي القطاع قائلا:
«لستم وحدكم».
كل هذه المواقف، وتلك الوقفات، تؤكد أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تعيش في عهد أمينها العام، حالة مأساوية، من الترهل الإداري، والانتفاخ الذاتي، والانفصال التام عن قضايا الأمة، الذي يستوجب على «أبو الغيط» التخلي الفوري، والتنازل الطوعي عن المنصب القيادي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4245
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1983
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1773
| 04 ديسمبر 2025