رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعل أكثر أمر أصاب السودانيين وسكان العاصمة الخرطوم الى جانب الحرب التي اندلعت بالإحباط والحزن، هو الإعلان عن حالات الإجلاء الواسعة لطواقم السفارات الأجنبية والعربية فى الخرطوم الى جانب العاملين الأجانب في المنظمات الدولية والشركات. هذا الأمر على كونه امراً يخص تقديرات تلك الدول وسعيها المفهوم في الحفاظ على سلامة طواقمها الدبلوماسية ومواطنيها فى الخرطوم والسودان، لكنه فى نفس الوقت أرسل رسالة نفسية سيئة للغاية للسودانيين ورسالة مبكرة تقول بأن هذه الحرب لن تنتهي قريبا حسب تقديرات هذه الدول وبالأخص الدول الكبرى منها مثل امريكا وبريطانيا ومجموعة الترويكا، الى جانب بعثة الأمم المتحدة نفسها المعنية بالمهام الفترة الانتقالية والتى أصبحت فيما بعد الجهة المسيرة للتفاوض بين الكتل السياسية المتنازعة ومعها الاتحاد الأفريقي وهى البعثة الأممية الاستشارية برئاسة المبعوث الأممي السيد فولكر الالماني الجنسية والذي يجيد التحدث باللغة العربية تسمى هذه البعثة (بيونتامس).بالنسبة لي ولآخرين جاء الإحباط من أن المجتمع الدولي الممثل فى البعثة الأممية والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية كانت تشكل تواجداً كثيفاً فى الأزمة السياسية السودانية التى أوصلت تداعيات طابعها الأزموي وانغلاق افق حلولها لانفجار الحرب فى قلب الخرطوم هذا التواجد وضع إحساسا زائفا لدينا وربما اضفينا عليه بعدا عاطفيا ما.. بأن هذه المنظومات من دول ومنظمات أممية مهتمة معنا في الوصول لحل سلمي وستبقى معنا فى (السراء والضراء) وكأننا الدولة الوحيدة التي يصحو العالم على مشاكلها وينام على فكرة حل ازمات ومشاكل فرقاء العملية السياسية فيها. ولكن كانت المفاجأة مع انطلاق أول رصاصة أو بالأحرى صوت مدفع الرشاش فى قلب الخرطوم شاهدنا كل اولئك يركضون باتجاه المطارات والمواني طلباً للنجاة من بلد يحرقها ابناؤها. شخصياً كنت وزوجتي ضيوفا على الإفطار الرمضاني الذي أقامه السفير البريطاني في الخرطوم قبل ايام قليلة من الحرب للقوى السياسية والفاعلين فى حقل العمل وكان معظمهم من عضوية كتلة الحرية والتغيير أو القريبين منها فى القناعات والرؤى الداعمة للاتفاق الإطاري الذي وقع بين القوى السياسية والأطراف العسكرية. لكن بشكل مفاجئ حدث الاختلاف حول توقيت اجراءات الدمج بين قادة الجيش والدعم السريع وتوقيتها وبالتالي ثم لاحقاً أسقطت كل الإجراءات السياسية التي اقترحها الاتفاق الإطاري لتحل محلها لغة الحرب والقوة. غادرت سكني في اليوم العاشر للحرب ووسط الأشلاء والجثث الملقية على الشارع الذي خرجت منه من مسكني فى الخرطوم بحري حي كافوري وهو نفس الشارع الذي كنت قبل ايام قليلة فقط أمارس فيه رياضة المشي مطمئناً لأحوال الحياة وألقي فيه التحايا على بعض المارة الذين أعرفهم ها هو الآن يكشف لي عن الفرق بين الحرب والسلام. أخذت أنا وزوجتي طريقاً شاقاً ومكلفاً باتجاه مدينة كوستي على الحدود من جنوب السودان بغرض عبور حدود الجنوب لكن الوضع كان أيضاً لا يبشر بالخير مع أعداد النازحين من الخرطوم من مواطني جنوب السودان والأثيوبيين والأرتريين الذين غادروا العاصمة الخرطوم باتجاه جوبا عاصمة جنوب السودان المفارقة أن وضعهم نفسه فى السودان كان تحت مسمى لاجئ.
بعد أيام فقط سمعنا بأن دولة قطر قررت إجلاء المقيمين في دولة قطر من السودان عبر طائراتها التي بدأت فى نقل الإغاثة والمعونات من أدوية وتجهيزات طبية حيوية تحتاجها مستشفيات السودان. أخذت زوجتي وطفلتي الصغيرة وتحركت باتجاه ميناء بورتسودان حيث تحط الطائرات القطرية هناك وكانت أيضاً رحلة طويلة استغرقت يوماً كاملاً بالباص ثم مع وصولي مساءً ذهبت للتسجيل بفندق يسنى (شقق السواحلي الفندقية) فى مدينة بورتسودان حيث تقيم البعثة هناك ووصلت متعباً وفى بالي أنني سأحتاج الى إجراءات معقدة للوصول للطاقم الدبلوماسي القطري لأتفاجأ بالسيد السفير نفسه السيد محمد ابراهيم السادة ومعه طاقم سفارته يقف في الشارع أمام الشقق الفندقية وسط الجموع يضحك مع هذا وينصت باهتمام لهذا ويقوم بنفسه بإجراءات أخذ البيانات بدا لي وقتها أن السفير كان وكأنه يقوم بحالة مواساة طيبة لنا ويخفف من صدمة فقداننا لوطننا ويربت على حالة الجرح النفسي الذي حمله القادمون معهم من الخرطوم ومن كل مدن السودان. نفس طاقم هذه السفارة ستجدهم فى مطار بورتسودان وفى وسط منطقة الإقلاع تحت شمس صيف حارقة يشرفون على إنزال مواد الإغاثة العاجلة ويطمئنون على إجلاء العائدين الذين بلغ عددهم أكثر من الف شخص توزعوا بين أكثر من ثماني رحلات أو أكثر. لم يكن هذا الأمر سهلاً إنزال الإغاثات وإجلاء العائدين بالنظر للطاقم الصغير لسفارة قطر فى الخرطوم كان جُهداً يتطلب جيشا كاملا للإشراف على الترتيبات اللوجستية ولم يجلس السفير ولا طاقم السفارة في مكاتبهم بل نزلوا وسط الناس حتى إنك لولا الزي والسمت الخليجي القطري ما كنت لتميز فى زحام العائدين بين السفير وغيره ممن ينتظرون الإجلاء.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
4650
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1398
| 14 نوفمبر 2025