رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد أحمد بكري

كاتب ومؤلف
حساب X ( تويتر): @e6n

مساحة إعلانية

مقالات

0

محمد أحمد بكري

الحياة في كوب شاي

24 أكتوبر 2025 , 12:55ص

لم يكن صباحه مختلفاً عن أي صباح آخر، سوى أن الصمت كان أكثر كثافة. جلس أمام النافذة، يحمل كوب شاي ساخناً، يتأمل صعود البخار كمن يراقب طريقاً يُفتح ويُغلق في السماء. بدا المشهد عادياً، حتى خطر له سؤال بسيط:

هل يمكن أن تكون الحياة كلها مخبأة في هذا الكوب الصغير؟

أمسك الملعقة، وبدأ يحرك السكر ببطء. دوائر تتشكل وتختفي، تماماً كالأيام التي تتكرر ثم تنقضي. السكر لم يذب فوراً، بل قاوم قليلاً، مثل أحلامه القديمة التي تأخرت في التحقق. ومع كل جولة تحريك، كان طعمه يتغير، من المرارة إلى الحلاوة. ابتسم وهو يهمس لنفسه: «حتى الألم يحتاج وقتاً ليذوب».

رفع الكوب إلى شفتيه. الحرارة لامست جلده بحذر، تذكر أن الأشياء لا تُؤخذ دفعة واحدة، لا الحب ولا الفرح ولا حتى النجاح. كل شيء يحتاج أن نقترب منه بحساب ونرتشفه على مهل، وإلا احترقنا.

نظر إلى البخار وهو يتلاشى في الهواء. أيّ شبه أقوى من هذا؟ تلك اللحظات التي نعتقد أنها أبدية ثم تتبخر أمام أعيننا. كم من أصدقاء مرّوا في حياته مثل هذا البخار، ظهروا بدفء ثم اختفوا بلا أثر. ومع ذلك، لم يكن في الأمر خسارة كاملة، لأن جمال البخار ليس في بقائه، إنما في حضوره الخاطف.

كان يتأمل الكوب وكأنه يرى نفسه داخله: سائل بُنيّ ويحمل مرارة أولى ويذوب فيه السكر شيئاً فشيئاً وتعلوه طبقة بخار لا تُمسك بيد. فجأة أدرك أن كل ما فعله في سنواته الماضية، بكل تعبها وخيباتها، لم يكن سوى محاولات متكررة لإيجاد الطعم المتوازن بين المر والحلو.

توقف لحظة، وضع الكوب أمامه وأغمض عينيه. كأن شريط حياته كله مرّ أمامه: الخسارة الأولى التي كسرت قلبه والحب الذي لم يكتمل والنجاحات الصغيرة التي بدت بلا قيمة في وقتها لكنها كانت مثل قطرات سكر ذابت لاحقاً لتُعدل الطعم. كل ذلك كان حاضراً في هذا الكوب المتواضع.

ضحك بصوت خافت وهو يرفع الكوب من جديد، كأنه يكتشف سراً عظيماً خفي عنه طويلاً. لم تكن الحياة في السفر البعيد ولا في الأهداف الضخمة التي أرهق نفسه لتحقيقها. كانت مختبئة هنا، في ركن صغير من صباح هادئ، في كوب شاي يُذكره أن كل ما يحتاجه الإنسان هو أن يعرف كيف يتذوق ما بين يديه. أنهى الكوب حتى آخر رشفة ووضعه على الطاولة بهدوء. ومن وراء الزجاج، كان الضوء يتسلل بخجل إلى الغرفة، كما لو أنه يبارك هذا الاكتشاف المتأخر.

ابتسم وقال لنفسه:

«الحياة ليست في الكوب نفسه، إنما في الطريقة التي نرتشفها بها. فمن يبتلعها بعجلة يحترق، ومن يتذوقها بروية ينجو ويستمتع».

 

اقرأ المزيد

alsharq التعاونيات الإنتاجية الذكية

في كل أمة لحظة فارقة، تُعيد فيها تعريف التنمية: لا كأرقام في تقارير، بل كقيمة يعيشها الناس. وفي... اقرأ المزيد

3

| 24 أكتوبر 2025

alsharq الحياة في كوب شاي

لم يكن صباحه مختلفاً عن أي صباح آخر، سوى أن الصمت كان أكثر كثافة. جلس أمام النافذة، يحمل... اقرأ المزيد

3

| 24 أكتوبر 2025

alsharq كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال وما يُكتم، وبين ما يُروى وما يُستر، يبرز خُلُق كريمٍ... اقرأ المزيد

15

| 24 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية