رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عدل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن استقالته بعد أن تمكن "بعملية" لا تزال غامضة من مغادرة مقر إقامته الجبرية في صنعاء ليمارس مهامه من عدن التي اعتبرها الدستور عاصمة شتوية واقتصادية، أصدر هادي فور وصوله بيانا اعتبر كل الإجراءات التي تمت منذ 21 سبتمبر الماضي باطلة، واستقبل بعد ذلك محافظي المحافظات الرافضة للانقلاب الحوثي والأحزاب السياسية التي تتمسك بالشريعة الدستورية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي تعد الطريق الأسلم لتعافي البلاد من عبثية الصراع على السلطة، وفي المقابل شهدت عواصم الكثير من المدن مدا شعبيا مؤيدا للشرعية، إذ خرجت مظاهرات حاشدة، كانت أهمها في صنعاء، حيث تفرض جماعة " أنصار الله " الحوثية سلطتها على القصر وفي الشارع وعلى منازل أعضاء الحكومة والمناهضين لوجود المليشيات، لكن وجود الرئيس هادي في عدن ستكون له تداعيات ودلالات عدة أهمها : -
- تحرك المجتمع الدولي ومجلس الأمن تحت الفصل السابع لضمان تقدم العملية السياسية السلمية.
- أصبح الحوثيون والرئيس المخلوع في زاوية ضيقة معزولة، خاصة بعد ورود أنباء تفيد بأن دولا عدة تدرس نقل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية إلى عدن.
- تزايد الدعم الشعبي والقبلي للرئيس المنتخب، خاصة بعد أن شعر الجميع بحجم الخطر الذي يهدد البلاد في ظل عدم وجود رئيس شرعي، الأمر الذي جعل هــادي صمام أمان رغم أخطائه السياسية الكارثية السابقة التي مكنت الحوثيين من دخول صنعاء والسيطرة على القصر الرئاسي وكل مؤسسات الدولة.
- قد يلجأ الرئيس هادي إلى تشكيل حكومة طوارئ مصغرة لإدارة الأقاليم الرافضة للانقلاب وهي ذات ثقل بشري ونفطي وبالتالي ستكون البلاد أمام حكومتين، حكومة حوثية في صنعاء غير معترف بها وحكومة شرعية في عدن تعمل وفق المتاح من الموارد والإمكانات.
- المضي في الحوارات السياسية في تعز أو عدن في أجواء آمنة وربما يصبح الحوثيون طرفا في الحوار لكن بدون فوهات مدافع تهدد المتحاورين، الأمر الذي سينعكس على الاتفاقات وضمانات التنفيذ على الأرض.
- هناك مزاج شعبي ودعوات تطالب بأن تكون عدن عاصمة اليمن الجديد، خاصة بعد وصف منظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية لصنعاء "بالعاصمة المحتلة" وربما يطول هذا الوضع.
وفي هذا الصدد كنت قد نشرت مقالا في شهر أبريل عام 2009 في صحيفة "الشرق" بعنوان: عدن.. عاصمة اليمن الجديد. تعليقا على خبر تناقلته آنذاك وسائل إعلام يمنية بإمكانية نقل العاصمة إلى عدن، وأرى إعادة نشر أهم ما ورد فيه.
حقيقة الفكرة ليست جديدة، فلقد راودت مناضلي الحركة الوطنية الذين غرسوا بذور الثورة الفعلية في عدن وأثمرت في صنعاء عام 1962 وكانت عدن بالنسبة لهم وأغلبهم من سكان محافظات شمالية مدينة معززة بقيم الحداثة والتنوع الثقافي واحترام سيادة القانون بينما كانت صنعاء مدينة يسكنها الأئمة بفكرهم المتخلف ومن حولها يتربص زعماء قبائل يوالون من يدفع أكثر إلا من رحم الله ويرون في الانصياع للقانون انتقاصا من كرامتهم، إلا أن جعل فكرة عدن عاصمة اليمن الكبير واقعا حالت دونها عوامل سياسية واستعمارية قاهرة.
أما اليوم وقد توحد اليمن فإن تبعات هذه المسؤولية تقتضي التفكير بجدية بشأن نقل العاصمة اليمنية إلى عدن وذلك للاعتبارات التالية:
- تمثل صنعاء عاصمة قريبة من مخاطر عدم الاستقرار ولذلك تنفق الدولة أموالا طائلة لإيجاد حزام أمني قوي يحمي رموز السلطة ولم تلق الدعوات المطالبة بإخراج المعسكرات من العاصمة أي استجابة، بل تم استحداث أجهزة أمنية جديدة إلى درجة أن الزائر الأجنبي للعاصمة صنعاء يشعر وكأنه زار شعبا من العسكر... وهذا يجعلني أجزم أن نقل كرسي الحاكم إلى عدن يجعله في منأى عن تهديد الثعابين التي ربما تصبح أليفة عندما تسافر مئات الكيلو مترات وتبتعد عن فضاءات الفوضى ومخيال الحياة الثأرية.
- تعاني العاصمة صنعاء من مشاكل كبيرة في البنية التحتية وانفجار سكاني يقابله تضاؤل فرص التوسع واستيعاب ملايين آخرين من البشر، حيث أصبحت العاصمة محاصرة بين جبلين أسودين، الأمر الذي زاد من حدة الصراع على الأراضي وبسببها يسقط القتلى والجرحى بشكل مستمر وهذا يجعل عدن المكان الأنسب للتوسع العمراني والتطور الصناعي والسياحي، حيث بإمكانها أن تستوعب نصف سكان اليمن بسبب موقعها الممتد من سواحل محافظة أبين وحتى لحج والضالع، كما أن طبيعة ملكية الأراضي ستمكن الدولة من تنفيذ أي مخططات تنموية عصرية دون أي صعوبات تذكر.
- لأن صنعاء مهددة بالجفاف فلن يكون باستطاعة الدولة بإمكانياتها المحدودة اللجوء إلى تقنية تحلية مياه البحر لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، حيث إنها تبعد مئات الكيلو مترات عن البحر وترتفع عن سطحه بنحو ألفين وخمسمائة متر ولذلك فقد يأتي يوم تصبح فيه صنعاء مدينة أشباح.
- تتمتع عدن بمستقبل اقتصادي وسمعة دولية تجعلها في حال الاهتمام بها منافسا لعدد من مدن المال والأعمال والتجارة.
- اليمنيون منذ التاريخ القديم ليست لديهم عاصمة مقدسة، بل إن أغلب مدنهم كانت عواصم لدول وهي لا تقل من حيث الأهمية التاريخية والحضارية عن صنعاء. كل تلك الاعتبارات تبرر لصانع القرار السياسي بأن تكون عاصمة اليمن الجديد عدن.
أرى أن الرئيس هادي من قصره الجديد في العاصمة عدن لا تزال في يده أوراق كثيرة لتفكيك الانقلاب الحوثي ومنها مصارحة الشعب الثائر بكل ما جرى، وأن يستفيد من الدعم الإقليمي والدولي وأن ينسف سلوكه السياسي السابق الذي وضع البلاد على شفا جرف هار، لكن هل يصدق هذه المرة في قيادة مواجهة فعلية لاستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها وبناء الدولة المدنية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6606
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3237
| 23 أكتوبر 2025