رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد العزيز عبد الهادي الاحبابي

ماجستير الأديان وحوار الحضارات

مساحة إعلانية

مقالات

450

عبد العزيز عبد الهادي الاحبابي

الخطاب الديني للشباب.. فجوة الأجيال أم قصور التوجيه؟

25 مارس 2025 , 02:00ص

في عالم يفيض بالمؤثرات ويتسارع فيه إيقاع الحياة، يعيش شباب اليوم في مفترق طرق بين الموروث الديني والثقافي، وبين الحداثة الرقمية المتغيرة. ورغم تزايد حاجة الشباب إلى خطاب يرشدهم ويواكب واقعهم، إلا أن كثيرا مما يقدم لهم - دينيا وثقافياً - إما لا يلامس قضاياهم الحقيقية، أو يأتي بلغة لا تحسن مخاطبة عقولهم. وهنا يأتي التساؤل الجاد: هل نحن أمام فجوة طبيعية في تباين الأجيال، أم ان هناك قصورًا عميقًا في التوجيه والطرح؟.

إن الخطاب الديني والثقافي هو الجسر الذي يربط بين الجيل والموروث، وبين القيم والعصر. والقرآن الكريم قدم لنا نموذجاً خالدًا في مخاطبة النفس البشرية بمختلف طبقاتها. يقول الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل:125)، فجعل الحكمة والموعظة الحسن أساسًا في الخطاب، لا الوعيد وحده ولا الإلزام المجرد. وهذا ما نفتقده اليوم في كثير من الطروحات التي تقدم للشباب، إذا تتسم أحيانا بالوعظ الجاف، أو التكرار، أو ضعف المصداقية.

فالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم من خاطب الشباب، لم يكن يقدم لهم الخطاب نفسه الذي يوجه للكهول، بل راعى طبيعة المرحلة، وعقلية المتلقي. ففي قصة الشاب الذي جاء يستأذن النبي في الزنا، لم يصرخ فيه النبي أو يهنه، بل خاطب عقله وقلبه، وقال له: «أترضاه لأمك؟». فكان رد الشاب: «لا والله، جعلني الله فداءك». قال: «ولا الناس يرضونه لأمهاتهم» (رواه أحمد). فكان أسلوبه قائمًا على الحوار والإقناع والتفهم، لا الإدانة والصدام.

أما اليوم، فكثير من شبابنا يشكو من فجوة واضحة في الخطاب الموجه اليه، سواء في المساجد، أو على المنابر، أو حتى في الفضاء الرقمي. بعض الخطباء يتحدثون بلغة الماضي البعيد، ويغيب عنهم فهم التحولات الذهنية والنفسية لدى هذا الجيل. فيما يقدم آخرون خطابًا استعراضياً يفتقر إلى العمق، فيزداد النفور وتضعف الثقة. وكما أن الخطاب الثقافي لا يقل أهمية، فالثقافة هي الإطار العام الذي تتشكل فيه نظرة الشاب للعالم، ولذاته، ولمجتمعه. فإذا غاب الخطاب الثقافي الذي يعزر الهوية، ويقدم نماذج فاعلة من التراث والمعاصرة، انجرف الشاب نحو ثقافات هجينة تروج للفردانية، والانفصال عن القيم، وتزين له أشكالاً من التمرد تحت شعارات الحرية والتميز.

ومن الواقع، نرى أثر غياب الخطاب المتوازن في اتساع ظاهرة الإلحاد الناعم، أو الغرق في الاستهلاك المادي، أو حتى الهروب إلى عوالم الألعاب والدراما التي تمنح الشاب عالمًا بديلاً يعوض فيه غياب المعنى الحقيقي في حياته. شباب يعيش القلق الوجودي في زمن الوفرة، ولا يجد من يجيبه بلغة واضحة، وبخطاب يواكب فكره، ويصالحه مع ذاته ودينه وثقافته.

* إن المطلوب اليوم ليس تجديد الدين، فالدين محفوظ، والحمد لله، بل تجديد الخطاب، وتجديد الوسيلة، وتجديد الفهم. أن نتعلم كيف نقدم الإسلام والثقافة العربية والإسلامية بلغة عصرية دون أن نفرط في الثوابت. أن نخاطب العقول والقلوب، وأن نعيد بناء جسور الثقة بين الشاب ومنابر الدين والثقافة. وهذا يتطلب تكاتفًا بين العلماء، والمفكرين، والمربين، والمؤسسات الإعلامية، والثقافية. فليس كافيًا أن نطلب من الشباب أن يستمعوا إلينا، بل علينا أن نستمع إليهم أولاً، أن نفهم تساؤلاتهم، أن نقترب من عوالمهم، ثم نقدم لهم ما ينير الطريق بلغة الحياة لا لغة الوعظ الجاف.

وقد آن الأوان لإطلاق مبادرات وطنية حقيقة تعنى بصناعة خطاب شبابي ديني وثقافي متكامل، يدمج بين المضمون الأصيل والوسيلة المعاصرة، ويمنح الشباب شعوراً بالانتماء لا الإقصاء، وبالفهم لا بالتلقين. فالشباب ليسوا خصماً ولا أزمة، بل هم الفرصة والطاقة الحقيقة لصناعة المستقبل.

 

مساحة إعلانية