رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس بوسع المتابع أن يحكم على قدرة أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة في مصر والتي ستجرى اليوم وغدا على التعامل بفعالية مع التحديات أو بالأحرى سلسلة الإشكاليات التي تواجه المحروسة والناتجة عن تراكمات أكثر من أربعة عقود بدت تجلياتها منذ تطبيق الرئيس الراحل أنور السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي بدون اعتماد على أسس ومرتكزات منسجمة مع قواعد الاقتصاد الحر وإنما استند إلى ما وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين آنذاك بأنه انفتاح "السداح مداح" وهو تعبير يقصد به قمة الفوضى والعشوائية الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تفاقمت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على مدى السنوات الثلاثين التي حكم فيها مصر واتسعت قاعدة هذه المشكلات في زمن حكم جماعة الإخوان المسلمين والذي استمر لمدة عام واحد لكنه شهد صعودا واضحا باتجاه الهاوية ومن ثم فإن التعاطي مع هذه التحديات والإشكاليات سيبدأ فعلا بعد أن تطأ أقدام الرئيس المنتخب قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، فحينها سيقرأ الواقع الحقيقي وقد يكون مغايرا بمسافة شاسعة عن فترة ما قبل تولي السلطة.
ومن الواضح في ضوء قراءة المعطيات المحيطة بالحملات الانتخابية لكل من المرشحين الرئاسيين أن المشير عبد الفتاح السيسي سيحصل على المنصب الرفيع المقام في المحروسة بنسبة عالية من أصوات المقترعين - وهو ما أكدته أصوات المصريين بالخارج التي حصل عليها على نحو بدا أشبه بالاكتساح. ومن ثم سيكون هو الأقدر على التعامل بدرجة عالية من الحسم مع التحديات المطروحة في الواقع المصري وهي عديدة ومتنوعة وتطال مختلف القطاعات، من سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وغيرها، مما يشكل عبئا واضحا على أي قيادة جديدة وأظن أنه بدا جاهزا لهذه المهمة من خلال إعداده مخططات وتصورات وبرامج عمل محددة بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع خبراء مصريين، سواء بالداخل أو بالخارج ولكن تبقى المعضلة كامنة في الآليات والقدرات والمهارات التي يمكن أن يتكئ عليها والتي تتمثل في المؤسسة البرلمانية القادمة ومدى تعاونها معه، فضلا عن نوعية الحكومة التي سيشكلها بناء على الأغلبية التي ستسفر عنها انتخابات مجلس النواب التي ستعقب الانتخابات الرئاسية، فضلا عن المناخ الإقليمي والدولي، خاصة أنه سيكون في حاجة إلى تمويل لمشروعاته التي سيطرحها عقب صعوده إلى السلطة والذي ستكون الاستثمارات العربية والأجنبية مصدرا مهما للحصول على التمويل المطلوب.
وإن كنت شخصيا أدعو إلى البدء في تطبيق سياسات تعمل على تعظيم المكون الاستثماري الوطني والاعتماد على القدرات الذاتية وهي ضخمة وهائلة ولكنها في حاجة إلى التوظيف الأمثل وتطبيق قواعد الشفافية والنزاهة، بما يقضي على مؤسسة الفساد التي استشرت خلال العقود الأربعة الأخيرة على نحو شديد الخطورة كاد يطال مختلف قطاعات الدولة المصرية التي لم تنج منه خلال حكم الإخوان وكان يتم تحت عباءة إسلامية للأسف.
والمؤكد أن مواجهة هذه التحديات لن تتم في غضون عام أو عامين أو حتى أربعة أعوام وهي الفترة الزمنية الأولى المحددة لبقاء الرئيس بقصر الاتحادية وفقا للدستور الجديد ولكنها ستحتاج إلى متسع من الوقت ومن ثم سيكون مطالبا - أي الرئيس القادم - بإجراء تغييرات في هيكل الجهاز الإداري للدولة على نحو يجرده من حالة الترهل والخمود التي يعيشها منذ سنوات مبارك وإجراء تعديلات جوهرية في الأجور والمداخيل تنحاز أساسا للطبقة المتوسطة والفقراء والمهمشين حتى يمكنهم تحمل عبء مشروع النهوض، فضلا عن الاعتماد على التخطيط والتوزيع العادل للمشروعات بين مختلف محافظات مصر وربما يتطلب الأمر تعديل الخارطة الجغرافية بما يضيف محافظات جديدة أو خلق أقاليم اقتصادية تتكامل فيما بينها والأهم من كل ذلك البدء فورا في خطط لإنقاذ التعليم في مصر بما يجعله منسجما مع روح العصر والتطورات المتسارعة في العالم ثم القيام ببدء تنفيذ خطة إنقاذ للقطاع الصحي الذي يكاد يكون أقرب للهاوية، خاصة المستشفيات الحكومية والجامعية والتي استسلمت للقطاع الخاص الذي يهيمن على هذا القطاع لحساب من يمتلكون القدرة على دفع الكلفة شديدة الارتفاع التي يطرحها دون رقيب أو متابعة.
وبعيدا عن الاستغراق في التفاصيل فإنه من الضروري للرئيس القادم أن يبدأ بملفات تعيد الاطمئنان للشارع في مصر والذي يعيش مرحلة خلل أمني غير مسبوقة في تاريخ المحروسة الحديث ويمكن القول إن مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 افتقرت إلى حضور الأمن، مما جعل الأقوى هو الذي يفرض إرادته، حيث تمت في ظل غياب الدولة سيطرة عصابات أو ما يسمى بالبلطجية على شوارع وسط القاهرة والتي باتت من الضيق بمكان بعد أن تمدد فيها الباعة الجائلون وضاعت ملامح وقسمات واحدة من أجمل مناطق القاهرة وللأسف لم تقترب حكومات ما بعد الثورة من هذه المنطقة، ربما لأنها جميعا مشغولة بالشق الأمني، خاصة حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي سقطت قبل حوالي ثلاثة أشهر. ومن ثم فإن استعادة الأمن تعد الأولوية الملحة للرئيس القادم، لأنه بذلك سيتمكن من الولوج إلى المعضلات الأخرى وفي مقدمتها المعضلات الاقتصادية والتي تبدو مستعصية، بيد أنها في حاجة إلى قيادة تحرك الجماهير وتدفعها للعمل وفق أنظمة وخطط جديدة.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه من الأهمية بمكان إعادة إنتاج تجربة المرحلة الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت والتي تمكنت من تحفيز الجماهير في ظل وجود مخططات لمشروعات حقيقية كان في مقدمتها مشروع السد العالي الذي شكل مشروعا قوميا حشد طاقات الناس في بلادي وسرعان ما امتد الأمر إلى قطاعات أخرى مهمة، كالتصنيع والزراعة وغيرها، فانطلقت المحروسة خاصة مع الخطة الخمسية الأولى ثم الثانية إلى آفاق أكثر رحابة اقتصاديا واجتماعيا ونتيجة لمكابدات الشعب خلال السنوات الثلاث المنصرمة فإن الرئيس القادم مطالب بأن يعطي مؤشرات إيجابية تصب باتجاه تلبية الاحتياجات اليومية وفق منظومة عادلة من الأسعار والتي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا غير مبرر طال معظم السلع الرئيسية وهناك تقارير تتحدث عن رفع سعر البنزين والسولار والكهرباء والغاز الطبيعي والأخير بدأ تطبيق الزيادة فيه اعتبارا من الشهر الحالي وقد تقدم الحكومة الحالية على هذه الارتفاعات قبل مجيء الرئيس القادم وبالتالي لن يوصف بأنه هو من رفع الأسعار وإذا تحقق ذلك فإنه سيكون مطالبا بقوة بإظهار انحيازه للأغلبية من الشعب من خلال السعي بإلحاح إلى تخفيض الأسعار أو جعلها تنسجم مع طبيعة الدخول المتواضعة التي تحصل عليها هذه الأغلبية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
12795
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2463
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1770
| 21 نوفمبر 2025