رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الجلسة السابقة لمجلس الشورى القطري، تم تداول سبعة مشروعات قوانين تتعلق بتطوير آليات التقاضي وتمت إحالتها إلى لجنة الشؤون القانونية والتشريعية في المجلس. مشروعات القوانين هذه جاءت لتعديل أحكام بعض القوانين الحالية كقانون السلطة القضائية، وقانون المرافعات المدنية والتجارية، وقانون حالات الطعن بالتمييز في غير المواد الجنائية، وقانون تحديد دية المتوفى عن القتل الخطأ وقانون الإجراءات الجنائية وقانون النيابة العامة، علاوة على مشروع قانون جديد بشأن مراكز التوفيق والمصالحة في المنازعات المدنية والتجارية.
هذه الحزمة من التشريعات جاءت نتيجة ما أكد عليه سمو الأمير في افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى السادس والأربعين من ضرورة العمل على تطوير أنظمة العدالة بما يكفل ترسيخ استقلال القضاء وعدم إطالة أمد التقاضي. لجنة الشؤون القانونية والتشريعية في مجلس الشورى التي أحيلت إليها هذه التشريعات المهمة، استطاعت إنهاء دراسة سبع تشريعات في جلستين اثنتين فقط، الأولى في 11 ديسمبر والثانية 21 ديسمبر حيث استكملت دراستها كما نقلت الصحف المحلية. لكننا لا نعلم عن ماهية هذه المشروعات ولا حجم التعديلات التي أتت بها وهل فعلًا تحقق التطوير المنشود الذي يتمناه سمو الأمير لهذا الجهاز الهام، وقد طالب بعض الزملاء تزويدهم بهذه المشروعات لكن تم الاعتذار لهم.
الحديث عن صعوبة الحصول على المعلومة يعيدني بالذاكرة إلى العام الماضي حين طلبْت الكتاب السنوي الذي يطبع وتجمع فيه محاضر اجتماعات مجلس الشورى سنويًا، غير أن طلبي لم يحقق أي نتيجة إيجابية رغم زياراتي المتكررة إلى المجلس لمتابعة الطلب، مما دفعني في نهاية المطاف إلى الذهاب إلى دار الكتب القطرية لأتفاجئ ثانيةً بأن آخر عدد للكتاب السنوي لمحاضر اجتماعات مجلس الشورى كان في عام 1999 أي توقف تزويد دار الكتب بهذا الكتاب المطبوع للمحاضر منذ 18 سنة، كما لم تفلح زيارتي لمكتبة الأمانة العامة لمجلس الوزراء من الحصول على مرادي لعدم اقتنائهم أعداد هذا الكتاب.
الكثير من برلمانات دول العالم اليوم اعتمدت التشريع الإلكتروني، إذ تدار وتنظم جميع إجراءات التشريع وسن القانون إلكترونيًا ابتداء من مسودة الاقتراح إلى نشر القانون في الجريدة الرسمية، فجميع وثائق التشريع علاوة على المناقشات والمداولات والاقتراحات والمحاضر وجداول الأعمال تكون في متناول يد الجميع إلكترونيًا. كما يمكن للمهتمين أن يتابعوا سير مشروع القانون عبر محطاته المختلفة.
وفي المسار ذاته، يدلي الاتحاد البرلماني الدولي وهو منظمة دولية أنشئت عام 1889 ومقرها جنيف اهتمامًا كبيرًا بموضوع تكنولوجيا المعلومات والاتصال في برلمانات العالم مما ينعكس على تطوير أدائها من خلال استخدام التقنية في إدارة الوثائق بشكل أفضل وفي الإعداد الفعال لسن التشريعات ونشر تقارير اللجان والتفاعل مع المواطنين والتقارب منهم ونشر المعلومات والوثائق وفيديوهات الجلسات السابقة والنقل الحي المباشر للجلسات الآنية في الموقع الإلكتروني، بل تمتلك بعضها قنوات خاصة بها. وفي تقرير الاتحاد البرلماني الدولي لعام 2016 بشأن البرلمان الإلكتروني في العالم يظهر بوضوح اعتناء برلمانات الدول بشأن التكنولوجيا رغم أن العائق الأول الذي يواجه الكثير منها هو نقص الموارد المالية، وهو مشكلة 58% من البرلمانات محل الدراسة البالغ عددها 114 برلمانًا ومجلسًا تشريعيًا. أما بشأن توفير المعلومة إلكترونيًا فقد بين التقرير تطور نسبة نشر المعلومات للمواطنين في البرلمانات محل الدراسة من 19% في عام 2012 إلى 55% في عام 2016، وارتفاع نسبة التفاعل مع المواطنين من 23% في عام 2012 إلى 48% في عام 2016.
مجلس الشورى القطري هو أحد أعضاء الاتحاد البرلماني الدولي البالغ عددهم 173 دولة كما يظهر في موقع الاتحاد، وبمراجعة سريعة لمواقع البرلمانات والمجالس التشريعية يكاد يكون مجلس الشورى القطري الوحيد الذي لا يمتلك موقعًا إلكترونيًا.
وعودة إلى مشروعات القوانين المتعلقة بتطوير التقاضي وهي مشروعات ذات أهمية بالغة، فإنني كنت أرجو أن يتم نشرها على موقع إلكتروني يخصص لمجلس الشورى، به خاصية استقبال الملاحظات يمكن للمعنيين كالمحامين والقضاة وأعضاء النيابة العامة وأساتذة القانون والقانونيين وغيرهم، إرسال ملاحظاتهم خلال فترة معينة، فيستفيد أعضاء المجلس واللجان المعنية منها، فقد تسد ثغرة أو تجنبهم تناقضًا بين موادها أو تمنع انحرافًا تشريعيًا. وأخيرًا أتمنى أن يكون مجلس الشورى إلكترونيًا في أقرب وقت وأن ينافس مجالس وبرلمانات دول العالم في استخدام التكنولوجيا وإتاحة المعلومة والتفاعل مع المواطنين، كما أتمنى غياب ثقافة منع المعلومات واعتبارها أسرارًا، ففي مجال سن التشريعات والقوانين لا مجال للسرية، و الله من وراء القصد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1230
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025