رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


Khawla.life@outlook.com
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

411

خولة البوعينين

من أسر الفكر إلى براح التفكُّر

16 ديسمبر 2025 , 04:00ص

من الجميل أن يُدرك المرء أنه يمكن أن يرتقي بحكمته حين يتعهد نفسه بالدُّربة والمِران على الابتعاد عن القوالب الجاهزة، والأحكام المُطلقة، وأن يتحرر من أسر الفكر إلى براح التفكّر، ومن ضيق الإجابات الماضية السريعة إلى سعة التأمّل الرحب العميق. فالحكمة تُولد من الاستعداد الدائم لإعادة النظر، ومن شجاعة الإقدام على مساءلة المسلّمات دون خوفٍ أو وجل، ومن القدرة على تجاوز اليقين الصلب المتحجر، والارتحال إلى سعة المرونة في التطلّع وفضول السؤال.

ومن الانتقال من محدودية الألوان إلى إبصار تدرّجاتها، فلا يرى الأشياء بحدّيتها القاسية، ولا يختصر البشر في مواقف عابرة، بل يتأمل السياقات التي صنعت أقوالهم، والظروف التي شكّلت اختياراتهم، واللحظات التي دفعتهم إلى ما قالوا و ما فعلوا، فالفهم العميق ينشغل بالفهم والتفسير لابالحُكم والتأويل، وينتظر استكمال أجزاء الصورة قبل استعجال الإدانة ! 

ولا يكون ذلك إلا حين يعي أن لكل أمرٍ سياقه الذي يناسبه، وأن ما يُعد مقبولاً محموداً في سياقٍ زمني أو مكاني أو ظرفي معين، قد يكون مذموماً في سياقاتٍ أخرى، لاختلافٍ وتنوّع في الشروط والملابسات، وتغيّر في موازين الضرورة، وتبدّل في أولويات الإنسان وحاجاته. فالسياق إطار الفهم، وحُجة التفسير، ومن دونه تفقد الأحكام عدالتها ومعناها. وهنا تتجلّى (الحكمة) في تعريفها الأصيل، فهي: (وضع الشيء في موضعه)، وهو تعريف بسيط في لفظه، عميق في مضمونه، يختصر مسافة طويلة من الجدل وسوء الفهم، إذ يفسّر لم يستغرب البعض من تبدّل الأقوال أو تلوّن الآراء، ويعدونها من باب النفاق أو قلّة الوضوح، أو يميلون لقراءتها كتناقضٍ واضطراب، ولا يرونه من باب النضج والحكمة والتعقل، ويستنكرون الإفاضة والتفصيل فيما يعدّونه من البديهيات، وكأن الحقيقة واحدة جامدة لا تتأثر بالزمان، ولا تتلوّن بالمكان، ولا تتغيّر بتغيّر الإنسان نفسه، وسياقات الظرف والحال، وغفلوا أثناء حكمهم ذاك عن إدراك أن رحابة الرؤية توجب التفصيل، وأن الاتساع في الفهم لا يسمح دائماً بالاختزال، ولا يحتمل العبارات القاطعة أو الأحكام الجازمة الباتّة. 

لحظة إدراك: 

كما قيل: (كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة)، وكلما نضج الفهم، احتاط المرء في إصدار حكمه، حتى يرى يقيناً أن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وأن التريّث أصدق من الحسم والجزم. 

مساحة إعلانية