رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بصفته مفكرًا وشاعرًا كبيرًا، أنشأ محمد عاكف أرصوي مجلة أسبوعية دولية كبرى تسمى «الصراط المستقيم» مع صديقه أشرف أديب في 1908 وكان المحتوى يتماشى مع السياسات الإسلامية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني. كان شعار المجلة «صحيفة أسبوعية تتناول الدين والفلسفة والأدب والقانون والعلوم». وفيما بعد، تمت إضافة عبارة «تتناول السياسة وبخاصة الشؤون السياسية والاجتماعية والمدنية في العالم الإسلامي» ضمت هذه الجماعة القوية من الكتاب والمفكرين أيضًا الفيلسوف والسياسي المصري عبدالرحمن عزام، الملقب بـ «شيخ العرب».
أجبرت حكومة الاتحاد والتقدم على تغيير اسم المجلة من «الصراط المستقيم» إلى «سبيل الرشاد». وتمكنت المجلة من الوصول إلى جمهور واسع، حيث انتشرت الاشتراكات في جميع أنحاء العالم الإسلامي من الهند إلى العالم العربي، نظرًا للفهم الواسع للغة العثمانية بين العلماء والمفكرين المسلمين في ذلك الوقت. وكمنبر للحوار الفكري، نجحت المجلة في توجيه أجندة العالم الإسلامي. وكان العلماء والشخصيات البارزة الزائرة إلى اسطنبول يترددون على مقر المجلة. وخلال تلك الفترة، كان العديد من الحجاج من البلقان والقوقاز وحتى آسيا الوسطى يزورون اسطنبول قبل الذهاب لأداء الحج أو العمرة، إما عبر البحر أو عبر سكة حديد الحجاز.
خلال حرب الاستقلال ضد اليونان والمستعمرين الآخرين في الأناضول، تم طبع بعض العدد من مجلة «سبيل الرشاد» في مدن قسطموني وأنقرة. ومع ذلك، تم إغلاق المجلة بقوة يد الحكومة الكمالية القمعية في عام 1925. بالإضافة إلى مجموعته المشهورة من القصائد المعنونة «صفحات»، قام بترجمة عدة كتب، بما في ذلك كتاب سعيد حلمي باشا المعنون «الأسلمة» من الفرنسية إلى التركية العثمانية. يُعتبر هذا التعاون دليلاً على الصداقة الوثيقة بين هاتين الشخصيتين البارزتين. على الرغم من إخلاصه، قرر محمد عاكف وقف مشروع ترجمة القرآن إلى التركية، خوفًا من أن يُستخدم كبديل للقرآن الأصلي حسب سياسة التتريك.
ظهر محمد عاكف كشخصية بارزة في الدوائر الفكرية العثمانية بفضل شعره العميق وبلاغته. كان يؤمن بوحدة المسلمين ويعارض القومية العرقية والعنصرية، سواء كانت تركية أو عربية أو ألبانية. لم يكن عاكف يحب التشاؤم أيضا، بل كان دائمًا ملهمًا للنشاط، وفي بعض قصائده كان يعبر عن غضبه تجاه التشاؤم السائد والثقافة الغربية في المجتمعات الإسلامية. في أحد أشعاره قال: «الحضارة الغربية كائن غريب، فقد كذبت وأوهمت ضمير العصر الحديث. إننا بحاجة إلى الوحدة كداعم ودافع» كان يعتقد بشغف أن الإسلام دين يوحد مختلف الأعراق والشعوب، وحذر من أن القومية ستدمر جذوره، وأن من ينسى ذلك سيعاني إلى الأبد.
كانت أفكاره مشابهة إلى حد كبير لأفكار مصطفى كامل المصري، حيث كان يدافع عن الوحدة تحت الخلافة العثمانية. كانت نداءاته واضحة وملهمة: «استيقظوا! بدون وحدة، سنفقد كل شيء، بما في ذلك العروبة والقومية التركية. إننا، نحن المسلمين، أصبحنا متجاهلين لحقيقة أن القومية ليس لها مكان في الإسلام» فهو يعترف بالفروق العرقية والجغرافية ولكنه يرفض المبالغة في هذه الجوانب، يحث المسلمين على التمسك بالهوية الإسلامية وتحقيق الوحدة.
قضى محمد عاكف الكثير من جهده في صياغة مفهوم الجيل المثالي الذي أطلق عليه اسم «جيل عاصم». يمثل هذا الجيل الشباب المسلم بشكل عام، واستلهم محمد عاكف هذه الفكرة من الشهيد عاصم بن ثابت الذي شارك في غزوة أحد. يحدد عاكف صفات هذا الجيل العاصم بشكل واضح، حيث يركز أولاً على الصحة البدنية، ثم على الشخصية القوية والنجاح والإنتاجية والمسؤولية. كان عاكف نفسه رجلاً رياضياً، ويشجع الشباب على الحفاظ على صحة جسدهم، مع التأكيد على البنية القوية، والصدر المرتفع، والعضلات المشدودة، والعظام القوية، والكتفين والأذرع العريضة، والطول المناسب مع رأس متناسب ومرفقين ويدين قويتين.
روحانيًا، يتمتع جيل العاصم بإيمان قوي ومعرفة جيدة، وأفكار ديناميكية مختلطة بالحكمة، ومشاعر عميقة، والتزام بالعدل، ولا يخشى الموت لأنه يتمتع بروح العطاء، وهو ماهر ورحيم ولطيف. يقوي إيمانه الشباب ضد جميع أنواع الصعوبات والمشكلات، إذ يتغذى على الأخلاق والمعرفة المفيدة. «للتقدم، يجب على الأمة أن تجمع بين المعرفة والأخلاق معًا» هو من مدرسة الفكر التي ترغب في دمج الإنجازات العلمية المعاصرة مع الأخلاق الإسلامية، بدلاً من العودة إلى الماضي الذهبي.
عاكف كان يتخيل شبابًا متفائلًا ونشطًا وطنيًّا: «لو أظهروا لنا شعاعًا واحدًا، لمزقنا الظلام. لم يستطع الشباب الازدهار خلال القرون القليلة الماضية بسبب فقد إيمانهم بالمستقبل» يحث الشباب على العمل والنشاط والإنتاجية بدلاً من الجدل الدائم: «اعمل ألف مرة من أجل قضيتك، حتى لو فزت مرة واحدة فقط في حياتك». وينصحهم بالاعتدال ويحذرهم من التطرف. وبالتالي، تظل رؤية عاكف الطموحة والبناءة للشباب المسلم مصدر إلهام للعديد من الناس في تركيا.
قضايانا المتسارعة تباعاً
السودان يستغيث وسوريا تستغيث وفلسطين تستغيث واليمن يستغيث وليبيا تستغيث وماذا بعد؟! وأنا جادة في السؤال لأنني بتُّ... اقرأ المزيد
204
| 29 أكتوبر 2025
قطر.. حين تتحدث الحكمة في زمن الحرب
في زمنٍ ارتفعت فيه أصوات الصواريخ، اختارت قطر أن يكون صوتها سلاماً يعلو على الضجيج، ليُثبت للعالم أن... اقرأ المزيد
258
| 29 أكتوبر 2025
المثقف في محكمة التاريخ.. الحقيقة أم الولاء؟
منذ أقدم الأزمنة، كان المثقف يقف على خط النار بين السلطة والجماهير، بين إغراء الولاء وضغط الضمير. وفي... اقرأ المزيد
102
| 29 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6549
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6429
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3156
| 23 أكتوبر 2025