رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت قريش تتولى منذ قديمٍ أمر سقاية الحجيج الذين كانوا يفدون على مكة المكرمة، في المواسم، لزيارة الكعبة، البيت العتيق، أول بيت وضعه الله للناس، بأيدي إبراهيم وولده إسماعيل، عليهما الصلاة والسلام، اللذين رفعا قواعد البيت، وأسسا بنيانه. وكان الذين يباشرون شرف وفخر مهمة السقاية من قريش هم بنو هاشم، خير وأشرف العرب نسبا، وأكرم أهل الأرض حسبا، وكيف لا وهم رَهْط النبي المصطفى عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، وكانت مكرمة السقاية انتهت حين ظهر الإسلام إلى العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله. كان العباس من أجود فتيان قريش، وخيرهم عملا، وأحكمهم عقلا، تلوح على وجهه مخايل الفطانة والنجابة، ولم يكن يكبر ابن أخيه، رسول الله، إلا بسنوات قليلة، نحو ثلاث سنين، لم تباعد بينهما في العمر، بل جعلتهما متقاربين في السن، بحيث كانا كأنهما من جملة اللِّدات والأتراب، الذين لا فرق بينهم في الأعمار، فنشأ من ثم العباس، ورسول الله، في زمن واحد يكنُّ كل منهما للآخر مشاعر القرابة، وعواطف الصداقة، مما جعل الأواصر بينهما تتوثق وتتأكد بالمودة والمحبة والتقدير، وإنه ليحسن هنا ذكر ما قاله العباس حين سئل ذات يوم بعد أن ابتعث الله محمدا بالرسالة: أيكما أكبر، أنت أم رسول الله؟ فأوحى إليه ظَرفه وفطنته، أن يجيب بهذا الجواب الذي ينمُّ عن أدبه وخلقه: (هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله).
من كان مثل العباس في قربه وصلته برسول الله، ومحبته له، لا شك أنه سيصدقه فيما يقوله ويدعو إليه، مما أرسله الله به لتبليغه الناسَ، ولا شك أنه سيكون من الذين يتبعونه وينصرونه ويحمونه، من أعداء الدين المكذبين به، والمحاربين له، وهذا ما كان من العباس، فقد أسلم وتبع محمدا رسول الله، بيد أنه كتم إسلامه، وأخفاه عن قريش، وكان في ذلك فائدة ومصلحة ترجع على الإسلام بالخير والنفع، ليظل من موقعه الخفي يخدم الإسلام من غير أن يشعر به أحد، كالجندي المجهول، الذي يعمل بصمت في موقعه، لذلك بقي العباس في مكة ولم يهاجر مع النبي إلى المدينة مع من هاجروا معه. في السنة الثانية للهجرة حدث للعباس ما لم يكن في حسبانه، ولم يخطر له ببال، إذ عزم مشركو قريش على الخروج لمواجهة المسلمين في موقعة بدر، وجمعوا لذلك جمعهم وعدتهم وأخذوا يحثون من في مكة على القتال، وتولى ذلك زعماؤهم الكبار، كأبي جهل، وأمية بن خلف، واتخذوا ذلك فرصة ليعلموا ويميزوا من لا زال على دينهم ودين آبائهم ممن صبأ واتبع الدين الجديد، وبينما هم كذلك، نظروا إلى العباس، فأحدقوا به وأكرهوه على الخروج معهم، ودفعوه على ذلك دفعا، حتى ما استطاع الخلاص منهم.
علم النبي بما حدث مع عمه العباس فقال لأصحابه قبل أن يلتقي الجمعان في المعركة، يوم بدر: (إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم، قد أُخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا... فمن لقي العباس بن عبد المطلب، فلا يقتله، فإنه إنما أُخرج مستكرَها). ثم دارت رحى المعركة، وكتب الله للمسلمين نصرا عظيما، إذ ألحقوا بعدوهم هزيمة شنيعة، سقطوا فيها ما بين قتلى وأسرى، مما هو معلوم، وشاءت الأقدار أن يقع العباس أسيرا، ويوثق في الوَثاق، مشدود اليدين، كسائر الأُسارى، فبات ليلة لم يبت مثلها من قبل.
تُرى كيف كان شعور رسول الله، وما وجده في نفسه الشريفة، وما ألم بها، وقد علم أن عمه العباس، شقيق أبيه، وصديق الصبا، ورفيق الشباب، أسير مكبل، لا يطيق حراكا، ولا يملك من أمره شيئا، قد آذاه القيد، وشق عليه وأتعبه، والعباس مع كل ذلك مسلم، يدين لله ولرسوله، لم يؤذِ أحداً من المسلمين، ولا يحمل في صدره لهم إلا خيرا ومعروفا، ولكن لا يعلم بذلك أحد من الناس، لا يعلم بذلك إلا الله ورسوله، وكفى بالله وليا ونصيرا وشهيدا. لقد أَرِق الرسول واشتد أرقه، وبات الليل ساهرا، وطال فكره في عمه الأسير، منذ أول ليلة باتها في الأسر، ولم يهنأ له نوم، ولم يهدأ به حال، حتى لم يستطع أن يخفي ذلك بل بدا ظاهرا عليه، وحين سئل عما به، ولا سيما وقد فتح الله للمسلمين، وأيدهم بنصره، قال عليه الصلاة والسلام: (سمعت أنين العباس في وَثاقه). آه، ومن يطيق ويحتمل سماع أنين عزيز عليه، حبيب لديه، إن ذلك لمن أشد البلايا، وأقسى الرزايا، وخاصة على من أنعم الله عليهم برقة الإحساس، ولين الفؤاد، ممن يحيون الحياة بقلوب سليمة، ونفوس صحيحة، فتتجسد فيهم بحق وصدق، حقيقة الإنسان، في صورته الأصيلة الأولى، التي شاء الله خلق الإنسان عليها، ليكون مخلوقا ممتازاً بفطرته، عن سائر المخلوقات، مكرما في عالمه الذي يعيش فيه، بعواطفَ ومشاعرَ تمثل الوجدان الذي يشهد له بأنه إنسان.
علم بعض الصحابة بحال رسول الله تلك، وما يعانيه من أجل العباس، فبادر إلى حيث حُبس فأرخى وثاقه المشدود حتى كاد يحلّه، ثم انطلق ليخبر الرسول بذلك فقال: يا رسول الله، إني أرخيت من وثاق العباس شيئا. أراح هذا الخبر النبي، ولكنه قال: (اذهب فافعل ذلك بالأسرى جميعا). أجل، هذه هي أخلاق النبي الكريم، التي علمها الناس، وبثها فيهم، ودعا إلى العمل بها، بحيث تكون مبادئَ وقيما تحكم سلوك المسلم، وتمثل دعوة الإسلام التي يقوم أصلها على أساس مكارم الأخلاق، الظاهرة في المعاملة، قال:(اذهب فافعل ذلك بالأسرى جميعا)، فما كان رسول الله ليعاملَ الناس إلا على السواء، بالقِسطاس المستقيم، الذي يزن للناس كلِّهم أجمعين، بميزان واحد، هو ميزان العدل والإنصاف، بلا محاباة ولا اصطناع.
لما استقر الأمر عند المسلمين في شأن الأسرى بأخذ الفداء منهم، مقابل إطلاقهم، قال رسول الله، لعمه العباس: (يا عباس، افتدِ نفسك، وابن أخيك، عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو، فإنك ذو مال). فقال العباس: (يا رسول الله، إني كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني)، لكن النبي لم يقبل منه إلا بدفع الفدية، كما لم يَمنّ عليه بإطلاقه بغير عوض، ما دام العباسُ ذا مال، لئلا يمتاز عن غيره من الأسارى في المعاملة، فما كان من العباس إلا أن فدى نفسه، ومن معه، فخرجوا من قيد الأسر، وأنزل الله تعالى من ثم قوله:(يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى، إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم). قال العباس فيما بعد: ما أُحِب أن هذه الآية لم تنزل فينا، وإن لي الدنيا، لقد قال الله:(يؤتكم خيرا مما أخذ منكم)، فقد أعطاني خيرا مما أخذ مني مائة ضعف، وقال:(ويغفر لكم)، وأرجو أن يكون قد غفر لي. وكذلك الله لا يخلف الميعاد. ظل العباس بعد وفاة النبي، معروف الفضل، محفوظ المنزلة، عند المسلمين، وكيف لا يكون له ذلك الفضل، وتلك المنزلة، وقد قال فيه رسول الله:(إنما العباس صِنْوُ أبي، فمن آذى العباس فقد آذاني)، والشاهد على معرفة المسلمين بقدره، ما حدث في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يوم أصيب المسلمون بقحط شديد في المدينة، فدعا عمر الناس للخروج لصلاة الاستسقاء، فخرجوا وهم يتلفتون بحثا عن العباس بن عبد المطلب، الذي كان وهو في مكة يتولى سقاية من في الحرم، كما أسلفا في أول الحديث، فقدموه مع عمر، فلما صلوا أخذ عمر بيد العباس، مستقبلا القبلة وقال: (اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك وهو بيننا، اللهم وإنا اليوم نستسقي بعم نبيك، فاسقنا)، فما قَفَل الناس إلى منازلهم حتى أمطرت السماء بغيث طيب مبارك مدرار، فارتوَوْا منه، وسقَوْا أنعامهم، ثم قصدوا العباس يصافحونه ويقبلونه، شاكرين لله على أن جعل فيهم بركة العباس، واستجاب لهم شفاعتهم به، وقد أطلقوا على العباس يومئذٍ لقب (ساقي الحرمين)، واستنطق هذا الحادث شاعر رسول الله، حسان بن ثابت، رضي الله عنه، فقال:
سألَ الإمامُ وقد تتابعَ جدبُنا فَسَقَى الغمامُ بغرَّةِ العباسِ
عمُّ النبي وصِنو والده الذي وَرِثَ النبيَّ بذاك دون الناسِ
أحيا الإلهُ به البلادَ فأصبحتْ مخضرَّةَ الأجناب بعد الياسِ
المصاب العظيم
في خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنه، سنة اثنتين وثلاثين، فقد المسلمون العباس بن عبد المطلب، فجزعوا وحزنوا على قدر هذا المصاب العظيم، إذ ودّعوا البقية الباقية من آباء رسول الله، ليلحقَ رضي الله عنه بمن سبقه من الصالحين الأبرار، عليهم جميعاً سلام الله.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2559
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2322
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2079
| 03 نوفمبر 2025