رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تتعرض المنطقة ومجلس التعاون الخليجي تحديدا لمخاطر جمة، وتحديات كبرى، وهو أمر تستشعره القيادة القطرية وقيادات مجلس التعاون في هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها، ما يستوجب مزيدًا من التلاحم، والترفع عن الاختلافات الجانبية، وهو أمر تؤكد عليه القيادة القطرية على الدوام، فما يجمعنا أكبر بكثير مما قد نختلف عليه ، والتحديات التي نواجهها بحاجة إلى وحدة الصف الخليجي أكثر من أي وقت مضى.
في كل مناسبة تؤكد قطر بالأفعال أنها مع أي توجه يدعم الوحدة الخليجية والعربية، ويعزز مسيرة التعاون، ويدفع بتداخل أكبر بين أبناء دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يشكلون أسرة واحدة، وهو ما يفرض عدم إسقاط أي اختلافات سياسية أو في وجهات النظر حيال ملفات خارجية على الشعب الخليجي الواحد.
لقد جاء ترحيب مجلس الوزراء بالأمس بالقرار الذي أصدره سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بالإفراج عن المواطنيْن القطرييْن اللذين كانا موقوفيْن بدولة الإمارات، مثمنا المجلس هذا القرار، ومشددا على أن هذا الإفراج أنصف المواطنيْن، معربا عن سعادة دولة قطر أميرا وشعبا بعودة المواطنين.
وجدد مجلس الوزراء حرص دولة قطر الحفاظ على علاقات أخوية متينة مع الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة في ضوء الظروف التي تمر بها المنطقة، والتي تستدعي التلاحم والتسامي على الخلافات العابرة.
إن قرار سمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بالتأكيد أنصف المواطنين القطريين، وهو بالمناسبة كان إفراجا وليس عفوا، حسب البيان الذي صدر من سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ولم يتضمن البيان كلمة عفو، كما حاولت بعض وسائل الإعلام الترويج لذلك.
لقد تجاوزنا في قطر هذه القضية ـ قضية اعتقال المواطنين القطريين ـ وألقينا ذلك خلف ظهورنا، ونعتبر ما حدث من الماضي، ونفكر معا ـ قطر والإمارات ـ للمستقبل، يدًا بيد.
نعم سعدنا بإغلاق هذا الملف الذي أحدث احتقانا في العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين، فالبلدان والشعبان تربطهما علاقات تاريخية متجذرة، نحرص في قطر قيادة وشعبا على بقائها نقية صافية، بعيدا عن أي توتر قد يعترض هذه العلاقات الأخوية الأسرية، المتداخلة شعبيا، فلا يكاد يوجد منزل في الإمارات أو قطر إلا وتربطهما علاقات بصور شتى، وهكذا الحال مع بقية شعوب مجلس التعاون الخليجي، فنحن في الخليج أسرة واحدة نعيش في دول ست، تمثل هذا الكيان الخليجي الصامد رغم كل الظروف والعواصف التي تعرضت لها المنطقة، إلا أن إيمان القادة وتلاحم الشعوب، كانا ضمانة حقيقية لبقاء هذا المجلس.
اليوم تتجدد العواصف بالمنطقة، وترتفع وتيرة التحديات والمخاطر التي تواجه كياننا الخليجي، ونحن في دول المجلس قادة وشعوبا مطلوب منا الترتفع والتسامي عن الاختلافات العابرة التي قد تبرز على السطح في هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها، فالتهديدات والمخاطر لا تستثني دولة، وإذا لم نكن صفا متراصا ويدا واحدة، فإننا لن نستطيع التصدي لهذه التحديات والمخاطر، ما يستوجب مزيدا من التلاحم ورص الصفوف، وعدم الإنصات لمستشاري "السوء"، الذين يحاولون ضرب الوحدة الوطنية الخليجية، باختلاق مشاكل بين أبناء مجلس التعاون الخليجي قادة وشعوبا، فنحن أدرى بمعالجة قضايانا، حتى تلك التي قد نختلف في وجهات النظر حيالها، إلا أننا متفقون على أن مصيرنا واحد، وهو ما يدفعنا لكي تتصدر الأولويات مساعينا الحميدة، بعيدا عن الأمور الثانوية، التي يجب ألا نعطيها الأهمية.
مجلس التعاون اليوم مستهدف، وهو ما يفرض علينا الالتفات إلى هذا الخطر، بل المخاطر المتعددة، وألا يشغلنا عن ذلك صغائر الأمور، فالوقت لا يسمح بأن نضيعه في الاختلافات الجانبية، بل يجب التركيز على كل ما يدعم ويعزز المسيرة الخليجية، وكل ما يقوي التلاحم بين أبناء هذا الكيان، لكي نتصدى مجتمعين لتلك المخاطر والتهديدات التي تتطاير حولنا.
هناك أطراف خارجية تراهن على إذكاء خلافات بين دول المجلس، وهو ما ينبغي على دول المجلس تفويت الفرصة على تلك الأطراف التي تريد الوقيعة بيننا، عبر اختلاق أزمات لا مبرر لها، لخلخلة الصف الخليجي، الذي استعصى حتى اللحظة على الانهيار أو التفكك، كما حصل مع تجمعات عربية أخرى.
الشعوب الخليجية تؤمل دائما على حكمة قادتها في تجاوز كل الأزمات أو الاختلافات في وجهات النظر، والمضي قدما من أجل مصلحة هذه الشعوب، التي منحت قادتها الثقة لكل ما من شأنه الارتقاء بمجتمعاتها، وتعزيز صفها الخليجي بمزيد من التلاحم والوحدة.
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى تجاوز الاختلافات العابرة والثانوية التي قد تكون بيننا في تعاطينا مع ملفات خارجية، وأن نركز جهدنا بكل ما استطعنا من قوة للدفع بعجلة التقدم والنهضة والتنمية، وتوحيد مواقفنا بالفعل وليس القول للتصدي للتهديدات التي تطرق أبوابنا، فاليوم لا وقت لدينا لكي نضيعه في اختلاق أزمات فيما بيننا، في وقت نرى فيه ترقبا من أطراف خارجية لاقتناص فرصة للنيل من منظومة مجلس التعاون الخليجي.
إن إفراج الأشقاء بدولة الإمارات العربية المتحدة بأمر من صاحب السمو رئيس الدولة لهو خطوة إيجابية، نؤكد ترحيبنا بها في قطر، وحرصنا على علاقات أخوية متينة مع أشقائنا، والعمل معا يدًا بيد من أجل مستقبل أكثر تلاحمًا وتعاضدًا بين البلدين والشعبين الشقيقين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاستثمار تبنّت دولة قطر نموذجًا قانونيًا لمنح فرص الإقامة للأجانب بضوابط قانونية محددة، أبرزها ما ورد في المادة (7) من قرار مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2020 والذي ينظم منح الإقامة للأجانب من خلال التملك العقاري في قطر، فقد فتحت الباب أمام غير القطريين للحصول على الإقامة عبر تملك العقارات أو الانتفاع بها، وفق شروط دقيقة. ويأتي هذا التوجه ضمن سياسة الدولة في تشجيع الاستثمار العقاري، وضخ المزيد من الاستثمارات في السوق العقارية المحلية، ويساهم في تحقيق رؤية قطر التنموية التي تسعى لجعل البلاد وجهة إقليمية رائدة للاستثمار والعيش الكريم. من شروط الحصول على الإقامة العقارية في دولة قطر لملاك العقارات غير القطريين، وأن يكون مؤهلاً للحصول على إقامة دائمة، كما وضع القانون شروطا واضحة ولابد من توافرها، بأن يشترط أن يقيم المستثمر داخل دولة قطر مدة لا تقل عن 90 يومًا في السنة، سواء كانت إقامة متصلة أو متقطعة حتى تستمر الإقامة في سريانها، ولاسيما أن تكون قيمة العقار لا تقل 730 ألف ريال قطري ويتم تقييم العقار وفقًا للقيمة السوقية المعتمدة من إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل ولا يقتصر ذلك فقط على قيمة الشراء المتفق عليه بين الطرفين، وإضافة على ذلك إذا بلغت قيمة العقار 3 ملايين و650 ألف ريال قطري أو أكثر فإن المالك المنتفع به يُمنح امتيازات إضافية لحاملي الإقامة الدائمة وتشمل التعليم الحكومي والرعاية الصحية وبعض التسهيلات الاستثمارية، وتظهر هذه الشروط ضمان جدية المستثمر. ويشدد القانون على أهمية إقامة مالك العقار في الدولة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر من كل عام متصلة أو متواصلة، ويُقصد من هذا الشرط ضمان ارتباط حامل الإقامة العقارية فعليًا بدولة قطر، وعدم الاقتصار على التملك من الخارج دون تواجد فعلي، وفي الحالات الاستثنائية التي يتعذر فيها على المالك تحقيق شرط الـ90 يومًا بسبب ظروف قاهرة أو ضرورات خاصة تتيح اللوائح إمكانية تقديم طلب استثناء أو عذر رسمي للجهات المعنية، على سبيل المثال يمكن للمالك التقدم بطلب “تصريح عودة مقيم” لدى وزارة الداخلية إذا اضطر للبقاء خارج قطر مدة طويلة تتجاوز المسموح به، وذلك حفاظًا على صلاحية إقامته، يمنح تصريح العودة للمقيم فرصة عدم إسقاط إقامته عند تجاوز المدة المحددة للبقاء خارج البلاد والتي تكون عادة 6 أشهر كحد أقصى للإقامة العادية، حيث يتم توضيح أسباب الغياب وتقديم المستندات الداعمة للحصول على موافقة استثنائية، وبهذا الإجراء القانوني يمكن للمالك الحفاظ على إقامة العقار الخاصة به رغم عدم استيفائه شرط 90 يومًا في السنة في بعض الحالات الاستثنائية، شريطة موافقة الجهات الرسمية المختصة على العذر المقدم وفق الأصول القانونية. وفي سياق تحديد قيمة العقار المعتمد لهذا الغرض، أوضح القانون أن المرجعية تكون للقيمة السوقية التي تعتمدها إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، وليس فقط سعر الشراء المُعلن، بمعنى آخر تحتسب أهلية العقار لمنح الإقامة بناءً على تقييم رسمي يعكس القيمة السوقية الحقيقية للعقار، هذا الإجراء يهدف إلى ضمان النزاهة وعدم التحايل في تقدير قيمة العقارات المطلوبة للحصول على الإقامة، وفي حال اختلف التقييم الرسمي عن سعر الشراء بشكل يؤثر على استيفاء شرط الحد الأدنى للقيمة، يمكن للمستثمر العقاري التقدم بطلب اعتراض أو إعادة تقييم لدى الجهات المختصة، لتصحيح أي تفاوت محتمل في تقدير قيمة العقار، وتتم عملية الاعتراض عبر تقديم المستندات والبيانات اللازمة لإعادة تقييم العقار من قبل إدارة التسجيل العقاري، حرصًا على أن يحصل المالك على حقه في التقييم العادل الذي يؤهله للإقامة العقارية إذا انطبقت الشروط. أما في حال قيام المالك ببيع العقار الذي منح بموجبه الإقامة، فإن رخصة الإقامة العقارية المرتبطة بهذا العقار تصبح مهددة بالإلغاء تلقائيًا لزوال سبب منحها، ولتفادي فقدان الإقامة فورًا حددت السلطات مهلة زمنية تمنح للمالك السابق من تاريخ بيع العقار، وذلك ليقوم خلالها إما بشراء عقار بديل يستوفي الشروط أو بتغيير وضع إقامته إلى كفالة أخرى مشروعة، وتبلغ مدة المهلة الممنوحة 3 أشهر من تاريخ بيع العقار، فإذا تمكن خلالها من شراء عقار بديل للقيمة المحددة 730 ألف ريال قطري على الأقل ونقل ملكيته باسمه، يستطيع حينها نقل الإقامة العقارية إلى العقار الجديد والاستمرار بالتمتع بها دون انقطاع، أما إذا انقضت المهلة دون شراء عقار جديد للشروط أو ترتيب كفالة إقامة بديلة مثل الانتقال لكفالة عمل، فإن الإقامة العقارية تُلغى بانتهاء تلك المهلة لانتهاء سبب استحقاقها، هذا التنظيم يمنح المستثمر الجاد فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه دون إخلال فوري باستقراره في البلاد، وفي الوقت ذاته يضمن عدم بقاء الإقامة بدون أساس قانوني مستمر. الجدير بالذكر أن القانون نفسه ميّز امتيازات إضافية للمستثمرين العقاريين الذين تبلغ قيمة ممتلكاتهم العقارية حدًا أعلى، فبحسب المادة (7) سالفة الذكر، إذا وصلت القيمة السوقية للعقار الذي يمتلكه الأجنبي إلى 3,650,000 ريال قطري أو أكثر ما يعادل مليون دولار أمريكي تقريبًا، فإن مالك العقار يحظى بامتيازات إقامة دائمة مماثلة لتلك التي يتمتع بها حامل بطاقة الإقامة الدائمة، وتشمل هذه الامتيازات التعليم والصحة المجانية في المؤسسات الحكومية لأفراد أسرته، إضافة إلى تسهيلات في مجال الاستثمار والمعاملات التجارية، وبذلك يعد حافزًا كبيرًا للمستثمرين الراغبين في مزايا طويلة الأمد.
9984
| 13 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2436
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1368
| 14 نوفمبر 2025