رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  Falghazal33@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

1092

فاطمة بنت يوسف الغزال

عندما يتحول المعروف إلى حق مكتسب

28 مايو 2025 , 02:00ص

يقال إن العطاء بلا انتظار مقابل هو أسمى صور الإنسانية، لكن ماذا لو تحول العطاء إلى واجب مفروض، وأصبح الامتنان شيئًا نادراً؟ هذه الظاهرة الاجتماعية يعاني منها كثيرون ممن يقدّمون المعروف بلا حساب، ليجدوا أنفسهم يومًا مطالبين به وكأنه حق للآخرين وليس فضلاً منهم، العطاء قيمة عظيمة، لكن الأهم أن يكون موزوناً، محاطاً بالتقدير والاحترام المتبادل، لا أن يتحوّل إلى واجب مفروض لا امتنان فيه، الكثير منا مر بهذه المنحنيات الصعبة في حياته، وهناك مثل عربي يقول (جزاء المعروف بعشرة كفوف)، هذا يدل على أن الذي يعطي يلاقي جزاءه، والأمر خلاف ذلك تماماً، لأن المعروف هو عطاء لا يمكن أن يتحول إلى واجب، وإلا تنعدم المروءة بين الناس، ولكن بعض الذين لا يستحقون المعروف الذي منحته إليهم من خاطر نفسك.

* العطاء عندما يصبح عادة يُساء فهمها*

في حياتنا اليومية، هناك مواقف كثيرة تدل على هذه الظاهرة، حيث يعتاد البعض على الحصول على خدمات أو دعم دون تقدير أو شكر، بل وفي بعض الأحيان يتحول ذلك إلى استحقاق غير مبرر، وعند غياب العطاء لمرة واحدة، ينقلب التقدير إلى غضب أو استياء.

 قصص من الواقع تروي الحقيقة

تمر على كل واحد منا مواقف حقيقية يومية تجسد كيف أن البعض يحول المعروف إلى واجب لابد من عمله لأنه اعتاد ذلك منك، وبالتأكيد الأمثلة التي أسوقها هنا مرت على الكثير منا، فنتعلم منها كيف نعطي معروفا متوازناً في حياتنا.

عندما شحن أحد الآباء هاتف ابنه يوماً، شكره الابن بحرارة، لكن بعد أيام من تكرار الفعل، لم يعد يعتبره فضلًا بل أمرا مسلمًا به، وعندما نسي الأب فعل ذلك يومًا واحدًا، واجه العتاب بدل الامتنان والشكر.

كانت إحدى الأمهات تحرص على تجهيز حقيبة ابنها المدرسية كل صباح، تضع فيها كتبه وأدواته بعناية، في البداية، كان يشكرها، لكنه بعد فترة أصبح يعتبر الأمر تلقائياً دون امتنان، وفي يومٍ واحد، انشغلت الأم ونسيت أن تفعل ذلك، فاستيقظ ابنها غاضباً، متهماً إياها بالإهمال.

زميل العمل المتأخر أحد الموظفين كان يتحمل مهام زميله المتأخر يوميًا، حتى في العطل والأعياد، لكن حين اعتذر عن عدم تغطية عمله ليوم واحد، تفاجأ باتهامه بعدم التعاون.

شاب يصطحب صديقه كل يوم إلى العمل دون أن يطالب بأي مقابل، وفي البداية كان الصديق ممتناً لهذا المعروف، لكن بعد فترة، أصبح يرى الأمر وكأنه واجب لا فضل فيه، وعندما اضطر الشاب إلى تغيير طريقه يوماً واحداً، تفاجأ بأن صديقه استاء بشدة وكأنه خذله.

سيدة اعتادت شراء هدية صغيرة لعمتها عند كل سفرة، لكن عندما نسيت مرة من المرات، لم تلقَ الترحيب المعتاد، وكأن الهدية أصبحت شرطًا للمودة والمحبة.

أحدهم كان يُقرض صديقه المال بلا تردد، لكن عندما اعتذر مرة واحدة، لاحظ تغيراً في معاملة صديقه وكأنه خذله تمامًا، ونسي كان يقدمه له الصديق سابقاً كأنه واجب عليه وليس تقديرا واحتراماً.

شخص اعتاد تخصيص مكان لصديقه في المجلس كلما حضر متأخراً، لكنه عندما لم يفعل ذلك مرة واحدة، لاحظ نظرات الاستياء من صديقه وكأنما ارتكب خطأ جسيما في حقه لأنه اعتبر ذلك واجبا عليه وليس معروفا كان يمنحه له صديقه تقديرا واحتراماً.

 الحكمة في العطاء المتوازن

العطاء سلوك راق، لكنه لا يجب أن يتحول إلى عبء أو حق مكتسب للآخرين دون مقابل، فحين تعطي بلا حساب، يجب أن تتذكر أن ليس الجميع سيحفظون الجميل، وبعضهم سيركز فقط على غيابك وليس حضورك.

 كسرة أخيرة

العطاء جميل، لكن لابد أن يكون موزوناً، حتى لا يتحول إلى واجب يُنتظر منك دائمًا دون تقدير، الناس يعتادون على المعروف بسرعة، لكن قليل منهم من يحفظه ويدرك قيمته، الحكمة هنا ليست في التوقف عن العطاء، بل في إدارته بحكمة، بحيث يكون في مكانه الصحيح ومع من يقدّره حقّاً. فلا ترهق نفسك بمحاولات تغيير من اعتادوا الأخذ دون شكر، لأن إصلاح الطباع أصعب من إصلاح الطباعة بالفعل، مقولة أعجبتني في هذا الخصوص تقول: (فلا تذبح للبخيل خروفًا، ولا تُكرم من لا يقدر المعروف، ضع ميزانًا لعطائك، ولا تُتعب نفسك في محاولة تغيير طباع الناس، لأن إصلاح الطباع أصعب من إصلاح الطباعة)، فيجب على الإنسان أن يستثمر وقته في الأشخاص الذين يدفعونه إلى الأمام، وليس الذين يسحبونه إلى الخلف، والتخلص من الأشخاص السلبيين لا يعني القسوة بل هو انتقاء لدائرة علاقاتك الشخصية لكي تعيش حياة أكثر توازناً.

مساحة إعلانية