رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"لكل مجتهد نصيب"، تثير هذه الجملة امتعاض البعض، على اعتبار أنها تنتمي للأقوال الرومانسية غير الواقعية، انطلاقا من أن التجربة خير برهان، وقد لا يحالف كل مجتهد الحظ لينال نصيبه، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى أن يتمكن منه الإحباط واليأس فيمتعض من سماع هذا القول المأثور؛ ناهيك عن أن الشروط الواجب تحققها لينال المجتهد نصيبه قد تكون كثيرة ومعقدة وصعبة المنال وتواجه طوفاناً جارفاً من مسببات الإحباط واليأس.
ربما تتحقق هذه الفرضية في أحيان وفق شروط محددة كما أسلفنا بجانب عوامل الحظ والصدفة، ولكن هل يمكن الركون إلى تحقق الشروط ومصادفة الأقدار لينال كل مجتهد نصيبه، خصوصا إذا ما تناولنا هذا الأمر في سياق المجال الوظيفي، وما يترتب عليه وفق منظور تنموي وبعد إستراتيجي، وهل نيل الحقوق الوظيفية أو الشعور بالرضى الوظيفي نتيجة حتمية للاجتهاد؟
يواجه الواقع الوظيفي في كثير من القطاعات، وفي أحيان كثيرة، إشكالية تتمثل في أن للاجتهاد والمثابرة وإنجاز ما يوكل إلى الموظف من مهام بكل "أمانة وصدق"، نتائج قد تكون عكسية ومحبطة منها أن من يثبت كفاءته، قد توكل إليه مهام أكبر وأكثر، وهو في كل الأوقات يُتوقع منه الأكثر والمزيد، وبما أن لكل جواد كبوة! فإن موظفنا المجتهد قد يتعرض للوقوع في الخطأ أو السهو، أو ينعم بنعمة النسيان، وبالنظر إلى أن مبدأ الثواب والعقاب يعد من مقومات العمل المؤسسي والحوكمة، فقد يواجه هذا الموظف تأنيباً وتأديباً، وقد يُنذر ليكون أكثر حيطةً وحذراً في المسقبل، ذلك المستقبل الوظيفي الذي يبذل جهدا جهيدا لتحقيقه؛ هذا إن لم يتمكن منه الإحباط ويأخذ منه كل مأخذ، ليسعى جاهدا لتحسين واقعه الوظيفي بالهرب إلى حتفه نحو مكان آخر ليواجه نفس المصير، أو قد يبتسم له الحظ ببساطة فيجد نفسه في "الأرض الموعودة".
في مقابل ذلك نجد المتقاعسين من الموظفين ممن لا يعيرون العمل أي اهتمام غير الآبهين بتطوير مهاراتهم وإثبات قدراتهم على إنجاز الأعمال بكفاءة ينعمون في الغالب بالراحة والاستقرار والأمان الوظيفي غير مهتمين بما يدور حولهم. وبما أن مهمتهم تتمركز حول الحضور والانصراف في أوقات محددة، فإنهم غير معرضين لارتكاب الأخطاء، وبما أنه "لا عقوبة إلا بنص"، فإنهم في حِلٍّ من القرارات التأديبية والإنذارات المكتوبه منها والشفهية، ولكن السؤال المهم هنا هو: ماهي الرسالة الضمنية التي نريد إيصالها للموظف أو يفترض بها أن تصل؟، هل هي " التقاعس هو الحل" أم " لكل مجتهد نصيب ولو بعد حين".
تؤثر تلك السلبية التي تطال قطاعات كثيرة، كما أسلفنا، في بيئة العمل وتجعل منها بيئة طاردة، كما أنها تؤثر على الإنتاجية المرتبطة بالتنمية والتطور، و إذا ما سعى الموظف لتحسين ظروفه الشخصية بالانتقال إلى بيئة عمل تقدر أصحاب الكفاءات "أو هكذا يتوقع" وترك البيئة المحبطة خلف ظهره، فإنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال اعتبار هذه الخطوة الجريئة، والتي قد يترتب عليها حل على المستوى الشخصي، بمثابة حل للمشكلة بصورتها الأشمل بتلك البساطة، حيث إن إهمالها في بعدها الإستراتيجي لن يحقق تقدما فيما يتعلق بتحسين بيئة العمل، والذي يؤدي بدوره إلى تحسين الإنتاجية وتحقيق التنمية على المستوى الوطني.
ومما يثير الامتعاض حقاً هو أن المتقاعسين والقواعد من الموظفين قد يشاركون الموظف المجتهد في الامتيازات والدورات والعلاوات والمكافآت والارتحال عن أرض الوطن في المهمات والزيارات، ولأن المتقاعس يسهل الاستغناء عنه، فإن طلباته بالابتعاد عن بيئة العمل تحت أي مسوغ مقبولة في غالبها؛ في حين أن صاحبنا المكافح الذي لا يمكن الاستغناء عنه يواجه مصيره في بحر متلاطم من الأمواج، فهو شعلة النشاط، وهو المهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وهو الشمعة التي تحترق لتنير دروب الآخرين، وفي نهاية المطاف قد يحصل على رسالة طبع في أوسطها "نشكركم على جهودكم التي بذلتموها" ليفاجأ أن زميله حصل على واحدة مثلها هو الآخر.
أستذكر هنا قول الشاعر (وإذا تكون كريهة أُدعى لها *** وإذا يحاس الحيس يُدعى جندبُ)، ولذلك فإن الحالة "الجندبية" -إذا صح التعبير- آخذة في الانتشار بكل أسف، ودون وضع تصور واضح لتصحيح المسار، فإن الرسالة التي سننقلها إلى الأجيال سيكون مفادها أن العمل والجد والمثابرة ذات مردود سلبي، في حين أن التقاعس إذا ما ارتبط ببعض المهارات الاجتماعية والمجاملات والمعارف وحسن إدارة العلاقات، فإن ذلك سيكون مفتاحا للنجاح المرتبط بالراحة والسكينة، ومن منا لا ينشد الراحة والنجاح.. و"السكينة"!.
عندما نتطرق للنجاحات التي حققتها كبرى الشركات وعمالقة التكنولوجيا ونحاول أن نحلل أسباب نجاحها، ونبحث عن العامل المهم الذي أدى إلى نجاحها لاستلهام التجربة منها، يتبادر إلى الأذهان سؤال: ما الذي يميز تلك الشركات وما هو العامل الذي أدى إلى نموها، هل هي الموارد ورؤوس الأموال؟ فذلك موجود لدى غيرهم، أم هي العقليات الفذة التي تديرها؟ فتلك أيضا تتغير مع مرور الزمن، إذاً ما الذي يميزها؟ أو ما الذي أدى إلى نجاحها؟
في الواقع، فإن الاستثمار في رأس المال البشري هو العامل المفصلي في تحقيق النجاح، وهو ما فطنت له كبرى الشركات، وشركات التكنولوجيا على وجه الخصوص، فتحقيق الرضا الوظيفي أمر حاسم ومهم في تحقيق النمو في قطاع الأعمال، عبر حسن إدارة المورد البشري، وهو من المفاهيم الحديثة في علم الإدارة، على اعتبار أن العنصر البشري يعد مورداً لابد من استثماره وتنميته والحفاظ عليه، ولتحقيق ذلك، لابد من تحقيق الرضا الوظيفي والأمن الوظيفي، وهو الأمر الذي لن يتم عبر تعليق المنشورات على حوائط مقر العمل من قبيل "عزيزي الموظف.. عزيزتي الموظفة"، فلا بد من معالجة كافة المعوقات التي تقف عقبه أمام تحسين ظروف العمل وفق منظور علمي، ووفق ما أثبتته أحدث الدراسات والأبحاث في هذا المجال، وليس عبر تغيير مسمى إدارة شؤون الموظفين إلى إدارة الموارد البشرية مع الإبقاء على العقلية ذاتها التي تتعامل مع الموظف كرقم وظيفي وحسب.
وأمام تلك الإشكالية وأمام الإحباط الذي يعيشه الموظف، هل يمكننا توجيه اللوم لمن اختار لنفسه النأي عن التميز وإبراز مهاراته والاكتفاء بالحد الأدنى من إنجاز الأعمال، أو انضم إلى فريق القواعد من الموظفين الذين لا يرجون تطورا ولا تحسنا، أو هل يقع اللوم على من نفذ بجلده بحثا عن بيئة عمل أنسب تحقيقا لمصلحته الشخصية متجاهلاً المصلحة الكبرى وأهداف التنمية بعيدة المدى؟ أم أنه غير مُلام بسبب المعطيات وما يفرضه عليه الواقع، وثم كيف يمكن للموظف في أسفل السلم أن يسهم في تقويم الوضع وتصويبه، وأن لا يكون ركنا من أركان "الجريمة"، وهل يمكننا التعويل على الدافع الشخصي للموظف للاستمرار في كفاحه واجتهاده، أم أن الدافع الشخصي عامل لا يمكن التعويل عليه بسبب الفروقات الشخصية بين البشر، وهل تتوافق إستراتيجيات الحوكمة ومفاهيم العمل المؤسسي مع الاعتماد على أمزجة ودوافع الموظف الشخصية لتحقيق تنمية شاملة وإصلاح المنظومة الوظيفية في أي مكان.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن النصيب قد لا يكون متعلقا بالإشادة أو التكريم أو الزيادة النقدية في "المرتب" أو تقلد المناصب القيادية، بل يكفي أن تهيأ البيئة الوظيفية وتصبح بيئة حاضنة مريحة ومحفزة على أداء العمل، وهذا هو الحد الأدنى من النصيب المنتظر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
1134
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1092
| 22 ديسمبر 2025
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
819
| 24 ديسمبر 2025