رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ينعقد غدًا الثلاثاء «ملتقى الإعلام الوقائي شريك في القيم المجتمعية والتماسك الاجتماعي»، بتنظيم من مركز دعم الصحة السلوكية وبالتعاون مع تلفزيون قطر. الملتقى يأتي ليضع مفهوم الإعلام الوقائي موضع النقاش والتأطير المؤسسي، من خلال جلسات تشاركية تسعى إلى الإجابة عن سؤال محوري: كيف يمكن للإعلام أن يتحول إلى منصة تمكين؟ سؤال يشمل بالضرورة مدى استيعاب أدوات الإعلام التقليدية والرقمية لطموحات الشباب بما يرسخ ثقتهم كشركاء في التنمية، ورسم ملامح الغد.
قد تكشف الملاحظة المباشرة حقيقة لا تحتاج إحصائية لإثباتها، وهي أن صناع المحتوى الرقمي لا يتحققون كلهم من المعلومات قبل نشرها، وقد لا نبالغ في القول بأن غالبيتهم لا يقومون بذلك. لنتخيل بصورة عامة، حجم المعلومات الخاطئة، بما فيها المضللة، التي قد تتسلل من هذه الفجوة، حتى وإن كنا نضع في الحسبان أن نسبة كبيرة من صناع المحتوى، تُبدي رغبة صادقة في تعلم مهارات التحقق والتوثيق.
وكما نردد دائما، فإن الضرر لا يمكن تداركه طالما قد حصل بمجرد نشر معلومة مضللة، لذلك تقترح فكرة «الإعلام الوقائي» مقاربة تستلهم من علم المناعة قدرته على التحصين قبل المرض، ويكون المبدأ في ذلك قائما على «التلقيح المعرفي» الذي يسلح وعي الجمهور الإعلامي بأدوات الكشف والتمييز التي تجعله خط الدفاع الأول ضد التضليل. وبناء مناعة مستدامة، يعني أن الاستثمار في التربية الإعلامية والتحصين المعرفي ضرورة حتمية لبناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة ووعي.
من هذا الفهم ينبثق تحول جذري في النظرة إلى دور الشباب، من «فئة مستهدفة» تحتاج للحماية من التضليل إلى «شركاء حقيقيين» في التصدي له، على نحو تتشكل فيه أسس «البنية التحتية المجتمعية» التي تقاس في أهميتها بأهمية الطرق والمستشفيات والمدارس، إذ إن ما يضع الإعلام في مرتبة البنية التحتية الحيوية للمجتمع هو أن منظمة الصحة العالمية تصنف «التواصل حول المخاطر والمشاركة المجتمعية» كإحدى القدرات الأساسية التي يجب على الدول تطويرها، حيث تصبح المنصات الإعلامية مساحات لتداول المعرفة وبناء الوعي الجماعي وتطوير قدرات المواجهة.
وفي هذا الصدد تشهد دولة قطر جهوداً متصاعدة لبناء قدرات مجتمعية في مواجهة التحديات الإعلامية المعاصرة، سواء على صعيد الجهود والمبادرات المؤسسية داخليا، والتي تعكس توجهاً نحو تطوير التربية الإعلامية والمعلوماتية كركيزة أساسية لبناء مجتمع قادر على التعامل مع التحولات الرقمية المتسارعة، أو على صعيد المبادرات المشتركة كان آخرها مشاورات نظمتها اليونسكو بالشراكة مع وزارة التعليم العالي ومعهد الجزيرة للإعلام جمعت حوالي 75 مشاركاً من قطاعات حكومية وأهلية وتعليمية وإعلامية متنوعة، حيث خلصت المشاورات إلى وضع خطة عمل شاملة تهدف إلى تعزيز قدرات المجتمع في مواجهة التضليل الرقمي وخطاب الكراهية عبر الإنترنت، مؤكدة على أهمية بناء بيئة رقمية آمنة.
ولا شك أن هذا التوجه يشكل جزءاً من حراك عالمي يسعى لتجاوز النهج التقليدي في التعامل مع المعلومات المضللة من مجرد الرد عليها إلى بناء مناعة مجتمعية مسبقة تمكن الأفراد من التمييز والتقييم النقدي للمحتوى الذي يواجهونه في الفضاء الرقمي. وهو توجه يجد تطبيقات ملموسة في مبادرات تدريب المؤثرين على التحقق، والتجارب والبرامج الإعلامية الشبابية في المنطقة العربية تؤكد أن الشباب قادرون على أن يكونوا خط الدفاع الأول ضد التضليل، شريطة توفر الأدوات والثقة والمساحة للمشاركة الفاعلة.
تمكين الشباب بالإعلام وفي الإعلام مسار لا ينتهي، وهو محكوم ببيئة إعلامية متسارعة. وغدا محطة أخرى ضمن هذا المسار، سيطرح الملتقى خلالها تصوراته حول استراتيجيات التمكين، بدءًا من تشكيل وعي جمعي قائم على القيم والاحترام والمسؤولية، وصولًا إلى ابتكار برامج موجهة للنشء والشباب تغرس فيهم السلوكيات الإيجابية وتعزز المواطنة الصالحة، وانتهاءً ببحث السبل العملية لتسخير الإعلام في توفير محتوى تثقيفي يواكب احتياجات الشباب ويوجههم نحو خيارات رشيدة ومسارات حياة مستقرة.
يبقى الرهان الحقيقي هو تحويل كل مواطن إلى حارس أمين للحقيقة، مسلح بالمعرفة والوعي. وفي هذا التحول من الحماية إلى التمكين الفعّال تكمن بذور إعلام وقائي قادر على بناء مجتمع مؤمن بأن المناعة بالمعرفة هي حصنه الذي يقف سداً منيعاً أمام كل أشكال التضليل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
MohammedSelaan@
doha_qatar@msn.com
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
786
| 10 ديسمبر 2025