رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تعد الرقابة على الأداء أحد أهم الأدوات المستخدمة لضمان حسن إدارة المال العام وحمايته من الهدر والضياع، وذلك من خلال المحاور الثلاثة الرئيسية التي تقوم عليها هذه الرقابة، وهي تقييم الكفاءة والاقتصاد والفعالية، ومع تزايد حجم الإنفاق الحكومي وتنوع المشاريع التي تمولها الدولة، خاصة الخدمات ومشاريع البنية التحتية أصبحت الحاجة إلى الرقابة على الأداء أمرًا بالغ الأهمية لضمان تحقيق فعالية الإنفاق الحكومي من خلال قياس تحقيق الأهداف المطلوبة، وأيضًا لضمان كفاءة واقتصادية هذا الإنفاق من خلال تقييم حسن استغلال الموارد المتاحة والحصول على المخرجات المطلوبة بالجودة والتكلفة الملائمة، وذلك لتحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030، وأهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024-2030).
والرقابة على الأداء هي فحص مستقل وموضوعي وموثوق لما إذا كانت المنشآت أو الأنظمة أو العمليات أو البرامج أو الأنشطة أو المنظمات الحكومية تعمل وفقًا لمبادئ الاقتصاد والكفاءة والفعالية وتحديد مجالات التحسين المقترحة، حيث تعتبر الكفاءة هي حسن استغلال الموارد المتاحة، ويعتبر الاقتصاد هو ترشيد التكلفة مع الحفاظ على الجودة المطلوبة، وأخيرا تعتبر الفعالية هي مدى تحقيق الأهداف، وهي تختلف بذلك عن الرقابة المالية التي تركز على النواحي المالية والمحاسبية، وعن رقابة الالتزام التي تركز على الالتزام باللوائح والقوانين المعمول بها.
وتعتمد الرقابة على الأداء على مجموعة من المعايير، من أهمها مؤشرات الأداء (KPIs) المحددة بخطط الجهات الخاضعة للرقابة، وأيضا معايير الصناعة أو النشاط، ومعايير المقارنات المرجعية (benchmarks) الدولية والإقليمية، كما أن التحول الرقمي مكن من تطوير نظم رقابية إلكترونية تعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لمراقبة الأداء في الوقت الحقيقي مما سيتطلب تطوير أدوات ومعايير الرقابة على الأداء.
ولا تقف الرقابة عند حدود الكشف عن الأخطاء بل تتعداها إلى تحسين الأداء الحكومي وتطوير السياسات العامة. فنتائج الرقابة توفر تغذية راجعة حيوية تساعد صانعي القرار في تعديل الاستراتيجيات، وإعادة توزيع الموارد بما يحقق أكبر قدر من الكفاءة والاقتصاد ويحفظ المال العام.
وتعزز الرقابة ثقافة المساءلة في إدارة المال العام، حيث يدرك الموظفون في القطاع الحكومي أن تصرفاتهم المالية خاضعة للمتابعة الدقيقة، مما يدفعهم إلى الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية وعدم التهاون أو الإسراف في استخدام الموارد العامة، مما يساهم بشكل مباشر في منع الهدر المالي والغش والفساد، ويضمن أن توجه الأموال العامة لخدمة الصالح العام بكفاءة ونزاهة مما ينعكس في النهاية إيجابيا على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ويعزز الثقة في مؤسسات الدولة وحرصها على حماية المال العام.
وتواجه الرقابة على الأداء عدة تحديات، منها نقص البيانات، ومقاومة التغيير من قبل الموظفين، أو غياب الأنظمة الفعالة لقياس الأداء. لذلك من الضروري بناء ثقافة تنظيمية داعمة للرقابة على الأداء وتوفير التدريب الكافي للقيادات والعاملين على تطبيقها بشكل فعال.
إن تطوير الأساليب التي يستخدمها ديوان المحاسبة سواء أكانت أنظمة تحليلية للبيانات الضخمة تعتمد على أدوات للذكاء الاصطناعي وشمول الرقابة على الأداء لكل من الأداء المؤسسي والذي يقيم أداء المؤسسات الحكومية ككل أو على مستوى البرنامج والمشاريع والمرتبطة باستراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر قد ساهم في تحقيق الأهداف المرتبطة بأدائها بأعلى درجة من الكفاءة والاقتصاد.
وختامًا فإن الرقابة على الأداء ليست مجرد إجراء إداري بل هي ركيزة أساسية لضمان حسن استخدام المال العام بكفاءة واقتصاد وفعالية، ومن خلال تفعيل هذه الرقابة وتطوير أدواتها يمكن للدول أن تحقق مستويات أعلى من الكفاءة والشفافية وتوجه الموارد نحو تحقيق التنمية المستدامة. ولذا يجب أن تكون الرقابة على الأداء جزءا لا يتجزأ من منظومة العمل الحكومي، مدعومة بإرادة سياسية وتشريعات واضحة وكوادر مؤهلة، كما أن تطوير أدوات الرقابة وتفعيلها بشكل جاد يعزز من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13596
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1797
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1173
| 20 نوفمبر 2025