رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
قال القرطاس للقلم لولاي لما حفل بك الناس! فقال القلم: لولاي لما كان لوجودك معنى! كذلك الحاكم مع شعبه.. إنها حكمة أفادنا بها الداعية الكبير المجدد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في جملة حكم عديدة خصصها لمعالجة الحكام والشعوب والسياسة الصالحة أو الطالحة في كتابه النفيس "هكذا علمتني الحياة"، أجل فإن ألسنة الخلق أقلام الحق، وإن الجماهير في كل زمان ومكان هي تراجم حكامها فكما يكونون تكون، وقد قالوا: الناس على دين ملوكها، بمعنى أن الجميع يدورون في هذا الفلك صلاحا أو فسادا وكم شقيت رعية بشقاء راعيها وسعدت أخرى بطهارة هذا الراعي، وإذا أردنا أن نطوف قليلا ونحن نرى الكم الهائل من المفارقات بين الحاكم والمحكوم في وقتنا هذا بالذات والذي بدت مظاهره أخيرا في الانتفاضة الشعبية التونسية العارمة التي أراد الشعب فيها الحياة وما نحسه اليوم بالثورة الكبرى التي هبت عاصفتها في مصر كاسرة كأختها التونسية حاجز الخوف ناهضة بشبابها المتوثب بدمه المتدفق لدحر الطغيان والطغاة إذا تأملنا ذلك بوعي واتعاظ رأينا كيف يتأخر أو لا يكون على وجه الحقيقة فهم المستبدين والفراعنة لطبائع النفوس والحقائق والأشياء لأنهم غائبون عن السنن الإلهية وعبر التاريخ، فمثلاً بينما رأينا ابن علي في تونس بعد ثلاثة وعشرين عاما يخاطب شعبه بأنه الآن قد فهمهم وأخذ يعد بإعادة الديمقراطية والحقوق إليهم، ولكن بعد أن فات الأوان لكثرة ما جرب القوم عليه من الكذب والظلم والحقد، فكذلك رأينا حسني مبارك يطل بعد صمت مريب أو انتظار لأسياده حتى يسمحوا له بالكلام فيتشدق بكلام مكرر لا طائل تحته، مدعيا أنه صانع الديمقراطية والحرية وأنه لولاها لما استطاع المتظاهرون أن يقفوا في الساحة محتجين عند كل مدينة بدءاً بالقاهرة وهنا نعود مع شيخنا السباعي لنؤكد أن هؤلاء الطغاة لا يخرجون عن طبيعتهم في كل وطن وزمن لأنهم حين يدعون ينسون أو يتناسون مظالمهم للناس وكبت أنفاسهم ومنعهم حتى من التواصل فيما بينهم بتاتا وتسليط أوحش القوات القمعية لقتلهم وجرحهم يقول رحمه الله: إن من أكبر الخرافات التي يروجها الزعماء في عصرنا أن يسموا الديكتاتورية ديمقراطية وينادوا بالحرية من أجل أن يئدوها، وقد سبق أن أشرنا من قبل كيف أكد المفكر جان جاك روسو أن الديمقراطية السلبية هي التي يقتل الحكام خصومهم باسمها ويؤكد السباعي أن الديكتاتورية هي أبشع أنواع الردة في عصر الذرة هذا إلى عصر الاسترقاق الجماعي في العصر الحجري وهكذا فالشعارات الكاذبة إنما هي مطية الطغاة من الحكام، وهي لافتات أحزابهم الضيقة الرخيصة التي تدني وتقرب التحوت الأسافل اللئام وتنظر إلى الأشراف والأحرار من الجماهير نظرها إلى الأنعام. إن مثل هؤلاء المستبدين لهم علامة من جملة علامات الساعة كما جاء في الحديث الشريف "لا تقوم الساعة حتى يرتفع التحوت على الوعول قيل يا رسول الله من التحوت؟ قال: أسافل الناس، قيل فمن الوعول؟ قال: كرام الناس". إن أولئك الطغاة هم أسواق النفاق في كل عصر ومصر وإنهم مهما اعتمدوا على قوتهم الظاهرية فإنهم مغلوبون ومهما اعتمدوا على جاههم فإنهم مخلوعون لا محالة لأن ناموس الكون لابد أن يطولهم وإن المظلومين الذين قهروا من قبلهم لهم أهم جزء في هذا الناموس، إن الظلمة أساس نكبة هذه الأمة وهم أعدى أعدائها الحقيقيين لأنه كما قال السباعي: لا يبلغ الأعداء من أمة ما يبلغ منها استغلال ساستها لمثلها العليا، وليس ذلك غريبا فمن لم تملأ قلبه مشاعر الإيمان بالله ومراقبته كيف يؤمن على وطنه وشعبه ولا خير في سلطان لا يشعر بسلطان الله عليه ويمعن في الحقد على خيار الرعية مع أن المقنع الكندي ينصح في شعره: وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا بل عنترة بن شداد إذ يقول:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب
إن مثل هؤلاء الفراعنة يشعرون بأنهم يشيرون ولا يستشيرون ويستغلون العواطف البريئة لأغراض غير بريئة ويسبحون في بحور الظلمات كالسمك الكبير الذي يأكل السمك الصغير، انهم يدمرون البلاد والعباد تدميرا ويكفي أن يذلوا الأمة ويعزوا أعداءها بعد ذلك، ولكننا مع ذلك نقول: إن وجودهم وتماديهم هو السبب الحقيقي لبزوغ النور من بين الظلام ولولا الطغاة لما عرف أدعياء الحرية من شهدائها كما قال السباعي: إن هذا اليوم في مصر لهو يوم الفصل لا الهزل، يوم الانتفاض على الظلم والظالمين، يوم التضحية بأزكى الدماء التي بأياديها المضرجة تدق أبواب الحرية يوم الشروق الباسم بلا حدود فقد قال الشعب كلمته ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن ينظر اليوم إلى هذه الجموع المحتشدة بأكثر من 150 ألفا في ساحة التحرير في القاهرة وهم يصلون المغرب ساجدين لله وحده عبيداً له لا لسواه يجأرون بالدعاء أن يحفظ الله مصر العروبة والإسلام مترحمين على الشهداء الأبرار صارخين وحناجر عشرات الآلاف في جميع ربوع أرض الكنانة تشاركهم وداعا للقهر والاستعباد والطغيان والفساد، ورفضا للرأس اللامبارك وزبانيته من الأشرار وللسياسة الحمقاء الخرقاء التي دمرت البلاد دينيا وأخلاقيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلى جميع الأصعدة، إضافة إلى كل من آزرهم ويؤازرهم من مصريين ومتضامنين في أرجاء العالم أمام السفارات أو في الساحات والمراكز والمواقع إنه يوم الفرحة التي نرجو من الله أن يتمها على الأمة ويحفظها من أي انتكاسة ويصون الثورة من السراق واللصوص الداخليين والخارجيين، إذ المجرمون دوما يتربصون بنا الدوائر ولكن الحق معنا ما دمنا معه ومن أوضح هذا الحق ألا يسمح لذيول النظام إن ذهب رأسه بالبقاء وأن يجتهد الأحرار للعمل على إلغاء قانون الطوارئ والمطالبة بحل مجلس الشعب والشورى وإنقاذ البلاد بحكومة وطنية صادقة فعالة، إذ أن تغير الأشخاص مع بقاء سياسة الفساد يضر أكثر فأكثر وإن شأن الطاغية المفسد مهما زعم وادعى ووعد بالإصلاح فإنه يفسد أكثر مما يصلح كما كان قال البشير الإبراهيمي رحمه الله، إن ذلك مع الدعوة لانتخابات نزيهة وشفافة بعد المرحلة الانتقالية لكفيل بإذن الله أن يخلص البلاد من هذه الأزمة الظلماء وذلك بعد أن يرحل الرئيس لأن ذلك هو المدخل الأساسي لحل هذه المعضلة ويكفيه حكم 30 عاماً كما قال العلامة الشيخ القرضاوي فإن كانت هذه السنون غرما فحسبه ذلك وإن كانت غنما فما غنمه خلالها يفيض ويفيض، إن إسقاط النظام لابد منه وأن الجماهير لقادرة أن تفعل المستحيل بعون الله مهما طغى المتجبرون سيما أنهم غير مقبولين لا في الدنيا ولا الآخرة.
وإنه كما قال السباعي: يجب ألا نغتر بامتداد سلطان المفسدين فإن من حكمة الله ألا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم رحمهم الله، وإن لله سيوفا تقطع رقابهم ومنها أخطاؤهم وحماقاتهم، حيث إنهم كم آذوا الصادقين والدعاة والأحرار والوطنيين المخلصين فأمهلهم الله سنين لكن هذا يوم القصاص إذ انكشف أمرهم أكثر وأكثر فلا غرو أن يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فيا شباب مصر والعرب جميعاً لا تيأسوا فلابد لليالي أن تتمخض عن أملكم المنشود وعلى الباغي تدور الدوائر، فمتى يفهم الطغاة؟
khaled_hindawi@hotmail.com
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
24
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
33
| 13 ديسمبر 2025
ذوو الهمم في حياتنا
يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. ذلك اليوم الذي يدعو... اقرأ المزيد
63
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2325
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025