رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

مساحة إعلانية

مقالات

552

الشيخ د. سعود بن ناصر آل ثاني

ماذا خسر المسلمون بانحطاط العرب 2

31 أغسطس 2025 , 02:33ص

هذا هو الجزء الثاني من مقالي السابق، حيث إن الموضوع لن يكفيه مقال في بضع كلمات، بل إن الموضوع يتطلب تأليف المؤلفات تلو المؤلفات ولن يكفيه لتنهض الأمة من جديد. فكل هذا التخطيط للغزو المعنوي والمادي عبر الأدوات الفكرية والثقافية وحتى السلطوية والمجتمعية عبر مئات السنين لن يذهب بين ليلةٍ وضحاها. فتاريخ الاستشراق واضح جلي منذ فترات مبكرة من القرن العاشر الميلادي، حيث اهتمامه بالدراسات الإسلامية والعربية في الأندلس ومع اشتداده بالحروب الصليبية، وحتى تطوره خلال فترة ما يسمى «بالاستعمار» الاحتلال، وذلك لأهداف سياسية واقتصادية واضحة. وليست كما يزعم اليوم من البعض أن المستشرقين الذين ساهموا في نقل العلوم والحضارة الإسلامية إلى الشرق! بل إن الحقيقة هي أنهم هم السبب الرئيسي للنهضة الأوروبية والعصر الصناعي للغرب بعد عصور الظلومات التي كانوا فيها.

صرنا نعدو وراء كل أُطر العمل الغربية بعد أن كنا نُؤطر لهم قوانينهم. فتأثير القانون المدني الفرنسي على سبيل المثال لا الحصر، خاصة قانون نابليون، تأثر بشكل كبير بالفقه الإسلامي؛ لا سيما المذهب المالكي. والذي يطلق عليه الأب الروحي للقوانين الحديثة، وذلك لتأثيره الواسع على الأنظمة القانونية في المجالات المدنية والتجارية والإنسانية اليوم. إن أصالة العرب لن تكون إلا من خلال دينهم الذي نهض بهم من عصور الظلومات الجاهلي إلى عصور الفتوحات الذي أنار العالم في كل مناحيه كما نراه في عز تطوره اليوم.

إن اسم العالم الجغرافي الأول محمد الإدريسي المتوفى ١١٦٦م يعتبر أشهر من نار على علم، والذي رسم للعالم خريطته الأولى للعالم بل وأطلساً شاملاً له، إلى أن أصبح من يرسم للعرب سايكس وبيكو خارطتهم « خطاً بالرمل» كما شاع ١٩١٦. ولكن ما أن تغيرت البوصلة التي يعرفها العالم للمسلمين وسقوط هيبة قدسياتهم عن قبلة عرب الجزيرة العربية والمسلمين الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، ولكن ليس لأولى القبلتين المسجد الأقصى المبارك في فلسطين! بل إلى جميع الاتجاهات في شتى بقاع العالم خلال عصور الانحطاط، وتغير شكل الوقت بناءً على كل خطوط الطول والعرض الإغريقية على هذه الأرض وإلى أن ترسخ الوقت بتوقيت غرينتش، وتغير التاريخ من الهجري النبوي إلى التاريخ الميلادي البابوي الغريغوري ١٥٨٢. بل إننا أول من عرف السماء بنجومها وفلكها وحسابها وأول من غزا السماء من خلال عباس بن فرناس والذي فشل بمحاولته ولكن ليس كما يشاع بموته بل إنه عاد إلى حياته بعد أن شفي، والذي أسس لعلوم غزو الفضاء من بعده. ولكن المفارقة هي رغم اختلاف المؤرخين بتأصيله ونسبته للعربية أو انه من أصول مغربية أو بربرية أو أمازغية فهي شاهدة على تأصل ونسبة العربية للإسلام وليس العكس كما يحدث في عصورنا المتخلفة اليوم.

إن أول وآخر إسفين في نعش العصبية للنسب العربي كانت في عصر النبوة، حين رسّخ العصبية للإسلام وآخى بين الأوس والخزرج وأصبحوا الأنصار وحيث قال « دعوها فإنها منتنة» لا كما يحدث في عصورنا الجاهلية اليوم! من الطعن بالأنساب والافتخار والاحتقار بها وعليها، وحتى وصولنا للحمية للقومية القُطرية وليس للنسبة الأممية لهذا الدين.

إن العرب أصبحوا في عصر من التيه كما حدث مع بني إسرائيل في سيناء خلال ٤٠ سنة بعد نجاتهم من فرعون. حيث أصبحنا بعد أن نجونا بهدى نبينا في ضلالٍ لعدم التزام تعاليمه وتوصياته! فها نحن أصابنا الوهن لنحب الدنيا بمادياتها ونؤثر مصالحنا الدنيوية الخاصة على مصالحنا الأخروية الباقية، وكراهية الموت؛ أي التضحية في سبيل تحقيق رفعة ونهضة الأمة. وحق لنا الهلاك بمصداق حديث نبينا «أنهلك وفينا الصالحون.. قال نعم! إذا كثر الخبث» وهذا هو الخبث في جميع مناحي الحياة منتشر. ولكني أختم مقالي بالحذر وأبشر بالعودة ونهضة العرب بشرط العودة إلى هدي نبيهم. فمن قال «هلك الناس فهو أهلكهم.» رواه مسلم

مساحة إعلانية