أعربت إدارة نادي الغرافة الرياضي عن استيائها من مستوى الحوار الذي دار بين محلل قناة الكأس وممثل النادي، معتبرة أنه لم يكن بمستوى...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
انتقل إلى رحمة الله تعالى في ألمانيا، الشيخ عبدالله بن جاسم بن عبدالعزيز آل ثاني عن عمر ناهز 59 عاما. يصلى على جثمان الفقيد عقب صلاة عصر يوم غد الثلاثاء في مسجد الشيخ سعود بن عبدالعزيز آل ثاني، وسيوارى الثرى بمقبرة المرخية . يقبل العزاء للرجال بمجلس الفقيد في المرخية . تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. "إنا لله وإنا إليه راجعون".
2663
| 01 أغسطس 2016
كتب الله الموت على بني آدم، قال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) العنكبوت، الآية: 57.. وفي يوم الخميس 25 رمضان المبارك 1376هـ يوافقه 25 أبريل سنة 1957م توفي الشيخ عبدالله بن جاسم (رحمه الله) بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال، وحميد الفعال. ويحدثني الوالد الشيخ فهد بن جاسم بن علي بن عبدالله آل ثاني، أنه كان هو ووالده عند الجد الشيخ عبدالله في قصره بالريَّان القديم عند وفاته، وكان طيباً فخرجا من عنده، وقت الظهر، وكان قد طلب قهوة من أحد الخدم، ثم سمعا الخادم يصرخ، فرجعا فإذا الشيخ عبدالله قد توفي وبيده فنجان القهوة ا.هـ. وكانت جنازته مشهودة، يقول الوالد الشيخ عبدالله بن محمد بن جاسم آل ثاني: صلَّى عليه أهل قطر كلهم، كل من كان حاضرًا صلَّى عليه، وعندما توفي كنا في الشمال فلما وصلنا كانت الصلاة قد صُلِّيت، فصلَّى عليه من تأخر مرة أخرى ا.هـ وسائل الإعلام تشيد بمواقفه بالمجاهرة في سبيل الحق والسعي نحو إعزاز العروبة والإسلامويقول عبدالرحمن المعاودة: ولقد مشت البلاد في موكبه الكريم يتقدم الجميع حضرة صاحب العظمة نجله المفدى الشيخ علي الحاكم الحالي، وكبار العائلة المالكة ورجال الدِّين والأعيان يشيِّعون أباهم الراحل ويبكون النجم الآفل. هذا وقد قَدِمت الوفود من أمراء وحكام البلاد العربية المجاورة، وعلى رأس الجميع الوفد الملكي الكريم الموفد من قِبَل صاحب الجلالة، الملك سعود بن عبد العزيز. خبر الوفاة تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاته؛ حيث أذاعه راديو مكة، ونشرته الصحف والمجلات في ذلك الوقت، فمن ذلك ما جاء في جريدة البلاد السعودية على النحو الآتي: توفي إلى رحمة الله بعد ظهر يوم الخميس 25/ 9 (رمضان) عَلَم من أعلام العروبة، ورجلٌ كريم من رجالات العرب الصادقين، هو حضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله بن ثاني تغمَّد الله الفقيد برحمته وأسكنه فسيح جناته، وسمو الشيخ عبدالله بن ثاني غنيٌّ عن التعريف لما لسموِّه الكريم من ماض مشرِّف في الثبات على الحقِّ والدِّين والبذل في سبيل الله، والوفاء والصدق وحسن الإخلاص. والمتتبع لتاريخ سموه العريق يعلم مدى فداحة المصاب بالنسبة للعالم العربي؛ الذي يعلم كيف كان الفقيد ـ رحمه الله ـ على تلك الروح الكريمة، والأخلاق العالية، والمجاهرة في سبيل الحق، والسعي نحو إعزاز العروبة والإسلام. أوقف مزارع في القطيف والريان في سبيل الله لا تورث ولا تباع وينفق ريعها في أعمال البرومما يخفِّف فداحة المصاب وهول المصيبة هو أن خلفه الكريم حضرة صاحب السمو الشيخ علي بن ثاني حاكم قطر سيملأ الفراغ الذي وجد بوفاة والده الكريم، تغمده الله برحمته.. فلقد عُرف سموه الكريم بما فُطر عليه سموُّه من الخير والصلاح، وما عُهد في سموه من كريم الصفات، وما جُبل عليه من حفاظ للدين وسعي لإحقاق الحق، وعمل في سبيل رفع كلمة التوحيد. وإن الروابط الوشيجة التي تربط البيتين السعودي وآل ثاني منذ قديم الزمان، هذه الروابط الأخوية الصادقة التي ازدادت وستظل مستمرة على مدى الأيام، لهي من أمتن وأوثق عُرى الصداقة والمحبة والإخاء، كما أنهما متفقان على كل ما يعود على العروبة والإسلام بالخير والصلاح. وإن جلالة الملك سعود المعظم إذ يقدم تعازيه لسمو الشيخ الكريم في والده العظيم، موقن بما سينال قطر البلد الشقيق من مستقبل مرموق زاهر، وعهد سعيد باهر، في عهد سموه الكريم. وإن جلالته الذي عَرَف سمو الشيخ علي بن ثاني عن كثب، ولما يُكنُّه في قلبه من روح الإخاء والمودة لسموه، فجلالته حفظه الله معجب بالروح الفاضلة والأخلاق الكريمة التي يتحلَّى بها سمو الشيخ علي بن ثاني. أوقافه الوقف من أجلِّ أعمال البر التي يبقى نفعها للإنسان بعد الممات، وقد ورد بيانها في الحديث الشريف ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة، إلا من: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). أوصى بـ10 آلاف روبية تنفق على مسجد القبيب (جامع والده الشيخ جاسم رحمه الله).. وخصص 40 ألف روبية لإنفاقها على الفقراء في رمضان مدة 15 عاماً بعد وفاتهوقد حرص الشيخ عبدالله — رحمه الله — على العمل بهذا الحديث الشريف، فنراه ضرب سهما في كل أمر منه، ففي الصدقة الجارية وقَّف كما ذكر في وصيته مزرعته في مدينة القطيف التي اشتراها من القصيبي، حيث جاء فيها: وملكي النخل الذي اشتريته من القصيبي كله أوقفته لا يورث ولا يباع، أرجو ثوابه عند الله تعالى، تُصرف ثمرته ومحاصيله في سبيل البر، يبدأ بالعطاء من ثمرته ومحاصيله المحتاج من ذريتي وذرية الوالد قاسم من بعد ذريتي، ويُصرف في عمل البر ليس مخصص لأحد يحتجز محاصيله، بل تُنفَق في أعمال البر، وقد جعلت الوكيل عليه والتصرف فيه وتدبيره في إصلاحه ونفقاته وجميع شؤونه على يد الولد علي بن عبدالله ا.هـ ومنها كذلك نخله بالريان؛ حيث جاء في وصيته: ونخل الريان وقْفٌ على يد الولد علي حفظه الله يأخذ له من الثلث ستة آلاف ربية تنفق عليه، وأنت يا علي يا ولدي أوصيك بمراعاة نخل الريان والاجتهاد في إصلاحه، أربه يبقى يلحقني من صدقته، ومن سكن الريان بدوهم، وأنت لك ما كليت وما أطعمت منه وأعطيته من ثمرته، ما لأحد عليك اعتراض في شأنه ا.هـ ومنها وقفه على مسجد والده الشيخ جاسم — رحمه الله —، وهذا من بره به؛ حيث يقول في وصيته: وعشرة آلاف ربية من الثلث تصرف على مسجد الجامع أبا القبب مسجد الوالد في تصليحه، أو يشرا له بها وقف صلاحيته راجعة إلى الله ثم إليك ا.هـ ومنها مبلغ من المال أوقفه للفقراء والمساكين لمدة خمسة عشر سنة؛ حيث جاء في وصيته: وأربعين ألف ربية تجعل طعام للفقراء في رمضان المبارك تقدر على مدة خمسة عشر سنة، زايد قاصر فطور وعشاء ا.هـ ومنها كذلك المساجد التي بناها ـ رحمه الله ـ كمسجد الريان، ومسجد الشيوخ وغيرهما.. فهذا كله من الصدقة الجارية التي وقَّفها ـ رحمه الله ـ راجيا قبولها من المولى سبحانه، وثوابها، وأما النوع الآخر مما ينتفع به الميت فهو العلم النافع، وقد مر معنا عند الحديث عن حياته العلمية، ما وقَّفه من كتب لوجه الله تعالى، يقول الزركلي: أمر بطبع عدة كتب، جعلها وقفا على طلبة العلم ا.هـ وكذلك العلم الذي بثه بين أبناء قطر والمنطقة، وذلك بإنشائه للمدرسة الأثرية التي امتد نفعها لتشمل أهل المنطقة كلهم، وخرَّجت علماء وأدباء ما زال علمهم ينتفع به إلى اليوم. وأما الولد الصالح، فقد قدم ـ رحمه الله ـ صابرًا محتسبًا اثنين من بنيه في حياته، وهما الشيخ حمد والشيخ حسن رحمهما الله تعالى، وقد عرف كلاهما بالصلاح والتقوى، وعاش بعده ابنه الشيخ علي ـ رحمه الله ـ، وقد عرفه القريب والبعيد بالصلاح والعبادة، وحب العلم، ونشره، وقد فصلنا ذلك عنه في كتابنا: الحلي الداني في سيرة الشيخ علي آل ثاني، وذرية الشيخ عبدالله ـ رحمه الله ـ باقية إلى الآن، وقد بارك الله له فيها بالعدد، وعرفوا بالصلاح والاستقامة، وقد امتدوا إلى خامس جيل، بمعنى أنه أصبح لبعضهم والد جد جده، وفيهم عمود الحكم، والذي يتولاه حفيد حفيده الآن، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة بن حمد بن عبدالله آل ثاني، حفظه الله تعالى ورعاه. وكذلك خرج منهم العالم والأديب والشاعر والطبيب والمؤرِّخ والسياسي والعسكري والاقتصادي، ذكورًا وإناثًا، وكلهم يدعون له بالرحمة والمغفرة، بل أعرف منهم من يتصدق عليه إلى الآن، أسأل الله تعالى أن يكتب حسناتهم في ميزان حسناته، وأن يعفو عنه وعنهم في يوم العرض. المراثي حزنت القلوب لوفاته ـ رحمه الله ـ، فكتبت الأقلام لنعيه، ونفثت الصدور لفراقه، فممن رثاه الشاعر عبدالرحمن المعاودة بقصيدة عنوانها: يوم الفجيعة، يقول فيها: "والموت موردنا وإن طال المدى أسفاً عليك أبا علي فإنما أسفاً عليك فأنت أكرم راحل أسفاً على شيخ العروبة قد قضى والخالدون بذكرهم وجميلهم أأبا علي جزيت في أخراك ما فلقد حكمت وقد عدلت ولم تكن ولقد حفظت كيان قطرك فاغتدى...." وقال الشاعر عبدالمجيد الخفاجي في رثائه وتعزية ابنه الشيخ علي بهذا المصاب قصيدة بعنوان: الدمعة الناطقة، يقول فيها: ثوى التُّقى والنهى والحلمُ والكرمُ والنبلُ والفضل والإحسان مجتمعا في حفرةٍ وقضى فخرُ الرجال ومن أبو علي قضى فلتقض واجبها نبكي أبا الشعبِ سيفاً ما نبا ذربا قضى ابنُ قاسمَ عبدُالله وا أسفا مضى إلى الله والتقوى له جُعلتْ في ليلةٍ من ليالي الصومِ قد شرُفتْ قضى نقياً وقضَّى عُمره ورعاً ما عاقه الداءُ عن وقتِ الصلاةِ وما ما غرَّه زخرف الدنيا وبهجتها تعشق الفخرَ في سنِّ الشباب كما ترجل المجد لما ناشَ فارسه قد كان ينطقُ تاريخاً مفصلةً فإن روى لك عن قومٍ وما ملكوا قد كان بحراً خضماً في شجاعته إذ أدَّب الشرَّ والباغين فيصله والنصرُ سار حثيثاً في كتائبه وفي ختام هذه الحلقات أدعو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في عرض شيء من سيرة هذا العَلَم، وأطلب من القراء الكرام العفو عما زل به القلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
10939
| 26 يوليو 2014
مرَّ معنا في الكتاب العديد من الأمثلة في مدح الشيخ عبد الله بن جاسم -رحمه الله- وذكر صفاته وأخلاقه، والثناء عليه بها، وفي هذه الحلقة والحلقة التالية نذكر بعض الأمثلة مما قيل في وصف وذكر صفات ومناقب الشيخ عبد الله ـ رحمه الله تعالى ـ ونبدؤها بمثالين على ذلك مما قيل في مدحه نثرًا، ممن لازم الشيخ عبد الله وعرفه عن قرب، وخبر صفاته وأخلاقه وتعامله مع من حوله، وهما: الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع ـ رحمه الله ـ، وهو من أعرف الناس بالشيخ عبد الله، وممن طالت معاشرته ومخالطته له، وكذلك الوجيه صالح بن سليمان المانع ـ رحمه الله ـ، وهو سكرتيره الخاص، وممن لازمه سنين طويلة، وعرفه في الرخاء والشدة، والسر والعلانية. فأما الشيخ ابن مانع فقد كتب مقالة بعد وفاة الشيخ عبد الله يقول فيها: في اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر المبارك شهر رمضان أمر جلالة الملك سعود ـ حرسه الله تعالى ـ بالصلاة على الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني، فنادى المبلِّغ بالصلاة عليه، فلما سمع هذا النبأ عارفوه حزنوا لذلك حزنًا شديدًا، وبادروا بالترحُّم عليه، والدعاء له، والاسترجاع؛ لأنهم علموا أنهم فقدوا بموته رجلاً عظيمًا، وسيدًا جليلاً من سادات العرب . كريم شمائله ونحن نذكر بهذه الكلمة الموجزة نبذة من أحواله، وبيان شيء من كريم شمائله وأخلاقه -رحمه الله- فهو الشيخ عبد الله ابن الشيخ المحسن الشهير قاسم بن ثاني التميمي المعضادي، وُلد -عليه الرحمة- قبل الثلاثمائة والألف في قطر بلاده وبلاد آل ثاني، وهم حكامها ورؤساؤها، كان الشيخ عبد الله - رحمه الله - رجلاً ذكيًا، حديد الذهن، سريع الفهم، محافظًا على القيام بشرائع الإسلام، عفيفًا نزيهًا، طاهرًا صالحًا، كريم الشمائل، يحفظ من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأشعار العربية المتعلقة بالشواهد والأمثال شيئًا كثيرًا، وكان -رحمه الله- محبًا لأهل العلم الصحيح العاملين به، معظِّمًا لهم، ومحسنًا إليهم، متأدبًا بالآداب الشرعية، سالكًا طريق والده في محبة أهل السنة والجماعة أرباب العقيدة السلفية السليمة، وكان -رحمه الله- يبغض أهل البِدَع والعقائد الفاسدة، وينفر منهم، ولا يواليهم، ولهذا كان إذا مر أحد في بلاده من أهل العقائد المبتدعة كتم بدعته حتى يرتحل إلى أمثاله، وأما أهل السنة والجماعة، والعقيدة السلفية الصالحة فقد كانوا يرحلون إلى قطر فيجدون من الشيخ قاسم وابنه الشيخ عبد الله وإخوانه وعموم آل ثاني الإنعامات والكرامات والإحسان المتتابع، ومن لم يزرهم في قطر من أهل العلم وصلته صلتهم في بلاده، وكان الشيخ عبد الله بن قاسم -رحمه الله- حنبلي المذهب قرأ طرفًا من الفقه الحنبلي على أحد العلماء من الحنابلة المقيمين عند والده الشيخ قاسم، وكان عارفًا بالسيرة النبوية، وأحوال العرب في الإسلام والجاهلية، وكان ملازمًا لمطالعة كتب العلم المفيدة، كمؤلفات تقي الدين ابن تيمية وشمس الدين ابن قيم الجوزية، وكان له عناية خاصة بقراءة زاد المعاد لابن القيم. رتَّب قارئًا يقرأ عليه في مجالسه في أنواع العلوم كتفسير ابن كثير وتاريخ ابن الأثير وغير ذلك من الكتب المفيدة النافعة، وكان محافظًا على أوقات القراءة، لا يخل بها سفرًا ولا حضرًا، ولما ماتت زوجته أم أولاده، وكانت أحبَّ الناس إليه، ودُفنت بعد صلاة المغرب، فرجع من المقبرة إلى بيته وأمر القارئ أن يقرأ كالعادة، ولم يشغله حر المصيبة عن القراءة، وقد رثاها بقصيدة بليغة. كان جوادًا سخيًا وكان -رحمه الله- جوادًا سخيًا يبذل كثيرًا من ماله في طاعة الله وما يعود على المسلمين نفعه في صلاح دينهم ودنياهم، وقد أمر بطبع عدة من الكتب المفيدة وجعلها وقفًا لله على طلبة العلم، فمنها: كتاب لوائح الأنوار شرح عقيدة السفاريني في مجلدين، ومنها كتاب المقنع في الفقه الحنبلي ومعه حاشية العلامة الشهيد الشيخ سليمان بن عبد الله في مجلدين، وكتاب المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، ومنها كتاب الفروع في الفقه الحنبلي لشمس الدين محمد بن مفلح ومعه تصحيح الفروع لمحرر المذهب علي بن سليمان المرداوي الجميع في ثلاثة مجلدات كبار. وكان الملك عبد العزيز -رحمه الله - يحبه محبة شديدة دينية لوجه الله، وكذلك الملك سعود ـ رحمه الله ـ كان يحبه كأبيه، وكانت بينه وبين عالم نجد في زمانه الشيخ عبدالله بن العلامة الشيخ عبد اللطيف محبة شديدة خالصة لوجه الله، وكانت الرسائل بينهما متبادلة متصلة، وكان -رحمه الله- ألمعيًا بعيد النظر في العواقب، شديد الحذر من كل أمر يخشى على الدين ويكون فيه تغيير لعقائد المسلمين، ولما عَرض عليه أحد طلبة العلم، وكان قد استقدمه للتعليم في بلاده كشفًا فيه أسماء كتب للطلبة، كان من جملتها شرح مختصر الآجرومية في النحو يُقرأ قبل شرحي الشيخ خالد والكفراوي، وكان مؤلِّفه من عُبَّاد القبور المعطِّلة للصفات الإلهية امتنع من جلب هذا الكتاب، فقيل له: إن هذا كتاب نحو وليس فيه شيء يمس الدين. فقال: هذا معلوم عندي ولكني لا أحب اشتهار اسم مؤلِّفه في بلادي. فانظر إلى ذكائه، وبُعْد نظره -رحمه الله-، وسمعت من يحكي هذا للمفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم في الرياض، فقال: هذا ما يُستكثر من الشيخ عبد الله، وقد تولَّى الحكم بعد والده بعهد منه، وبقي حاكمًا في قطر إلى أن تنازل له عن الحكم لولده الشيخ علي بن عبد الله. وكانت وفاته في قصره بالريان، بستان له في قطر، يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان المبارك، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته ا.هـ وأما ما كتبه الوجيه صالح بن سليمان المانع، فهو ما أرسل به إلى مجلة العمران لصاحبها عبد المسيح الأنطاكي، وذلك سنة 1327هـ يوافقه 1909م أثناء حياة والده الشيخ جاسم بن محمد -رحمه الله- ، وقد كتب صاحب مجلة العمران مقدمة لرسالة الوجيه صالح المانع متحدثًا فيها عن قطر، يقول فيها: أما البلد فهو كبلاد العرب يحكمه ساداتنا آل ثاني العظام حسب الشرع الشريف، والحاكم اليوم هو حضرة المولى الخطير الهمام، والسيد السند المقدام، صاحب السمو الشيخ عبد الله ابن الهمام الأشهر الشيخ قاسم بن ثاني المعظم أمير قطر وحاكمها، ورئيس قبائلها، وهو مشهور بكرمه العربي، وأخلاقه العالية التي اتصف بها أمراء هذه الأمة الكريمة، وقد وردت علينا من أحد أتباع سمو الأمير رسالة ضافية عن سمو الأمير وغيرته على العدل والأدب، ننشرها على صفحات العمران مع الافتخار، قال: بسم الله الرحمن الرحيم من زرع زرعًا حصده عز تلو الفاضل عبد المسيح أنطاكي بك دام مجده وعلا سعده. بعد مزيد السلام، من المعلوم أن الرجل إذا أخلص وده لقومه، وخدمهم بصدق وإخلاص، ودافع عن حقوقهم مدافعة صادقة من قلب مخلص، لا عجب إذا تعشقته القلوب، ولهجت بمدحه الألسُنُ، ولقد جعلتم همَّكم في جريدتكم بل جريدة الأمة العربية العمران، المناضلة عن حقوق هذه الأمة، وإعزاز أقدار أمرائها الكرام، وشيوخها العظام، والذب عن حياضها في كل مقام حتى أصبحت الجريدة الوحيدة التي تذيع اسم العرب بالتشريف وتسعى لتوطيد دعائم عزهم وتلهج بقديم مجدهم، وتؤلف بين قبائلهم وعشائرهم ليكون جميعهم يدًا واحدة مع الخلافة العثمانية في الذب عن حياض الإسلام، وإعلاء لواء المسلمين، فلها ولكم شكر كل ناطق بالضاد على رغم الحساد والأضداد. نعم أيها الفاضل إن الأمة العربية تشكركم بكل جوارحها وتعلن ثناءها عليكم في كل مجتمع لها، وتسأل الله أن يجعل مسعاكم الآئل لمجد الإسلام، مقرونًا بالتوفيق والنجاح ـ إن شاء الله ـ فإن من اطلع على العمران وتفرَّس في سطوره وقرأ منظومه ومنثوره، ظهر له بأجلى بيان صدق خدمة هذه الصحيفة للعرب الكرام، وحب صاحبها الأكيد لهذه الأمة النبيلة التي اندك طود مجدها، وانحط شامخ شرفها بصروف الزمان، "وتلك الأيام نداولها بين الناس" الآية، وعليه فإني بالنيابة عن هذه الأمة أقدم تحياتها وامتنانها لحضرة صاحب العمران، وأسال له ولجريدته تأييدًا من العلي، وأرجو من وراء هذه المنشورات النافعة نفعًا للأمة العربية ـ إن شاء الله ـ. أيها الودود لقد وصلتني أعداد المجلد الثاني من العمران مع ملازم كتابكم نيل الأماني في الدستور العثماني، وأنا خارج مدينة قطر في خدمة سيدي ومولاي المكرم، وولي نعمتي الأفخم، حاكم قطر ورئيس قبائلها وعشائرها سمو الشيخ عبد الله بن الهمام الشيخ قاسم آل ثاني المعظم حفظه الله. إن سمو سيدي الشيخ هو الأمير الحالي لقطر، وهو حفظه الله ورعاه شديد الغيرة على رعاياه، يُحامي عنهم، ويدافع عن حقوقهم، ويقضي بينهم حسب الكتاب والسُّنة على ما يقضي العدل والإنصاف، ضاربًا على أيدي الظلمة ساهرًا على نصفة المظلومين، معفيًا تبعته من الضرائب التي تُرهق ظهورهم، مسهِّلاً عليهم متاجرهم وزراعاتهم؛ حيث ليس في قطر من الضرائب غير رسم كمركي زهيد لا يكاد يقوم بمصاريف الإمارة، بل يسدد العجز من واردات أملاكه الخاصة، حبًا برعاياه، وبالإجمال فسموه ـ حفظه الله تعالى ـ مع رعاياه كالأب الشفيق على أولاده، فلا عجب إذا رأيتهم جميعًا مجمعين على حبه مترنمين بحمده، والدعاء له بالمجد والسؤدد والجاه ـ إن شاء الله ـ. أما سموه فهو ـ أعزَّه الله ـ يقضي أيامه في الصيف في عاصمة إمارته ساهرًا على مصالحها حاكمًا عدلاً بين الخصوم، مترئفًا بالضعاف ناصحًا للأقوياء، مساعدًا للمحتاجين، مسعفًا للطالبين، حتى إذا ما انقضى الصيف ودخل الخريف فالشتاء، خرج إلى البادية لتفقد شؤون رعاياها، والتوفيق بين عشائره، والسهر على مصالحهم بينما يكون قد أناب عنه في عاصمة إمارته من يعني بها، ويهتم بمصالح أهلها؛ حتى إذا ما فرغ من العناية بأمر الملك، انصرف إلى الصيد والقنص على عادة الملوك، فتراه بموكب الصيد ومن حوله الجنود كأنه خارج إلى ملقى الأعداء في البيد يركب مطهمة ومن حوله الغلمان وكلهم قرم عنيد، وفي ملقى العدا شديد. ولسموه عناية في البزاة والشواهين، يربيها لصيد الحبارى والطيور، ولكل منها خصيص يقوم بالعناية بها، فما أجمل ذلك الموكب الذي يتقدمه سمو الأمير على جواده المطهم يحف به جنوده ، وكل منهم يحمل شاهينه بيسراه ويقبض لجام الجواد بيمناه، ويسابق الريح في مسراه، وهم داعون لسمو الأمير بالعيش الزاهر، والخير الوفير. ويقضي سمو الأمير المعظم حسب الشرع الشريف بين رعاياه، وهو ذو اطلاع واسع على أحكام الشريعة المطهرة، وإلمام كبير بالأدب، واهتمام جليل بالعلم، وكرم وافر على الشعراء، ولذلك ترى مجلسه مقصودًا من أهل الأدب والعلم والشعر، بحيث تخاله سوق عكاظ، وفوق ذلك فهو وافر الجود كثير البذل، رحب الصدر في ملاقاة الضيوف لا تنطفي له نار ولا تخلو سرايه العامرة من الزوار. وسمو الأمير مسلم شديد الغيرة على الإسلام، وعربي غيور على العرب، وهو مخلص للخلافة العثمانية، محب للدولة العلية، راغب في تجديد مجد الإسلام بما في وسعه يبذل الاهتمام في سبيل خير المسلمين، حياه الله وبياه، وأكبت عداه. وإني في خدمة سمو مولاي الأمير المعظم، وكاتب يده وعنده غيري أيضًا من الكُتَّاب، وفي هذا العام لم أتمكن من السير في خدمة سموه خارج العاصمة لأسباب قاهرة، فتخلفت في العاصمة مضطرًا، فأبت مكارمه إلا أن أرسل في طلبي، فسعيت إليه على الرأس لا على القدم، وكان سموه على بعد غلوة من العاصمة، فلما بلغت النُّزُل نزلت بجانب صيوانه الملوكي، ومن حوله صواوين الخدم والجنود، ودخلت عليه فإذا هو متربع في صدر الصيوان، فكأنه الأسد الهصور، ومن حوله رؤساء العشائر يتعظون بنصائحه ويستمعون أوامره، فأسرعت للثم راحتيه، وسلمت بالإمارة عليه، فاستقبلني ـ أعزه الله ـ بالترحاب، وألقى إلي أوامره حسب الإيجاب، فبادرت لإتمام أوامره بالاهتمام، ومثلها تقابل بالإعظام. وفي صباح اليوم التالي وردت علينا مع بريد مخصوص أعداد الجلد الثاني من عمرانكم الأغر باسم هذا العاجز، فاستلمتها شاكرًا، وتصفحتها بسرور، وعنَّ لي أن أعرضها على مسامع سمو الشيخ المعظم، فذكرتها بين يديه ذكرًا محمودًا، فأمرني بإحضارها، وأخذت أتلو عليه منظومها ومنثورها مما ينم عن غيرة صادقة، وحمية ظاهرة للأمة العربية الكريمة، وكان سموه ـ أعزه الله ـ يهتز طربًا وسرورًا، وبعد قراءة الكثير منها، قال سيدي: ومن هو صاحب هذه الدرر الغوال، وناشر للعرب ما لهم من محاسن الخلال، وجاعل ديدنه المدافعة عنهم في كل قول وجدال، وأي جريدة هذه التي تذيع مثل هذه الأقوال؟ قلت: أما الجريدة فاسمها العمران، وأما صاحبها فهو عبد المسيح أنطاكي بك، الرجل العربي الوحيد المشهور بغيرته العربية، وحميته القومية، وصدق لهجته العثمانية. فقال سمو الشيخ بلهجة الاستحسان والإعجاب: بخٍ له من رجل كريم يستميل إليه القلوب، وتعشقه الأسماع قبل الأنظار، والأذن تعشق قبل العين أحيانًا. فقلت: بلى والله إن رجلاً كعبد المسيح قد أخلص لنا النية نحن معاشر العرب، وهو باذل حياته فيما يجدد مجدنا، ويعلي منار فخارنا، لجدير أن نعنى به، ونهتم بأمره، وقد قيل: ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وبينما نرى الصحافيين العرب في مصر وغير مصر يناهضون أمراءنا وشيوخنا، وينحون علينا باللائمة، ويشهرون بنا كذبًا وافتئاتًا ، نرى العمران تناضل عنا بقلم كالسيف الماضي، يفرق بين الحق والباطل، فيرد المفتريات والأكاذيب، ويعلن عن الحقائق، ويذيع لنا الأماديح، فتبسم سموه تبسم الرضا، وقال: أخلق بنا ونحن أمراء العرب أن نظهر لهذا الخادم الأمين شكرنا، وأن نكتنفه بحمايتنا، قال هذا وأمرني أن أحرر لكم باسمه العالي الأمر الذي ترونه طيه، وفيه يجعلكم من أخصائه، وهي نعمة تليق بصاحب العمران، وبادرت بزف هذه البشرى إليكم، فتقبلوها غير مأمورين، وانشروا هذا في العمران؛ ليكون كبرهان على وفاء العرب لمن وفَّى لهم، ودمتم بالخير والنعم، ودام سيدي الشيخ وهو أفضل وأكرم من يخدم، والسلام عليكم ورحمة الله. عن ضاحية قطر في 20 خلون من ربيع الثاني سنة 1327هـ. خادم سمو الشيخ ومملوكه صالح المانع وفي الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ نذكر بعض القصائد التي قيلت في مدح الشيخ عبد الله، رحمه الله تعالى.
6984
| 24 يوليو 2014
من سيرة الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني رحمه الله استكمالا للحلقات السابقة شعره: كان - رحمه الله - أديبًا، يغص مجلسه بالعلماء والأدباء، وقد قرب مجموعة منهم كالشيخ الشاعر محمد بن عبد الله بن عثيمين، والشيخ الشاعر حسين بن نفيسة، وغيرهم كما سيأتي بيانه في مباحث هذا الفصل، وكان يحفظ من الأشعار العربية المتعلقة بالشواهد والأمثال شيئًا كثيرًا. يقول الشيخ محمد زهير الشاويش في تقديمه لكتاب ابنه الشيخ علي -رحمه الله- المختارات الشعرية: وقد كانت أصول هذه المختارات بعض كراريس كتبها سموه في سن الطفولة بإشراف والده الأديب الحافظ المرحوم الشيخ عبد الله بن قاسم ا.هـ ، وكان ـ رحمه الله ـ ينظم الشعر النبطي كأبيه الشيخ جاسم، ومما وقفنا عليه من شعره قصيدة يرثي بها زوجته الشيخة مريم بنت عبد الله العطية ـ رحمها الله تعالى ـ، يقول فيها: جرى الدمع من عيني وهلت سكايبه وجمر الغضى شبت بقلبي لهايبه ونيت ونة من ضحى الكون خلي طريح ولا فاد الزهم في قرايبه وطوه ربعٍ حقق العرف بينهم حماقا وطلابة ديونٍ عوازبه ذا فاطرٍ عينه بفرقا عضيده وذا محرقٍ كبده وهذاك ناكبه وذا ما خذٍ سرجه وميبس صميله وكلٍ على ما قد مضى منه طالبه أو وجد راعي جلبةٍ لججت به بطامي غبيب سود والليل قاربه ونشا له من نو السماكين مزنه تبرق وترعد والجدا ريح ثاقبه لوت به عواصيف الرياح وبددت ليحانها والموج جاشت غواربه فلا وجدهم وجدي على قصة جرت عشية صفي القلب قامت نوادبه خليلٍ شقيق الروح ما عاش للنقا حليفٍ فلا تخشى الملامة أقاربه نشا مثل فرع الموز نضرٍ قوامه يميل إلى هبت عصيرٍ هبايبه بدر الدجى مدلولةٍ يوسفيه عليها البها والنور هلَّت سكايبه تسامى على الخفرات فضلٍ ومفخرٍ كما يفوق البدر ساير كواكبه كل العذارى عقبها كب فوزهم محا فخرهم والزين زمت ركايبه فوالله لو عوص الانضا يبلغنه عنيناه لو كانه بقاصي مغاربه ولو ينفدا منَّا بما عز أو غلا فدينا وهان الخطب هانت مصايبه عليها سلام الله ما ون موجع وما حن مفجوعٍ على فقد صاحبه وهي قصيدة بليغة كما وصفها الشيخ محمد المانع -رحمه الله- وعن خبر وفاتها يقول الشيخ ابن مانع -رحمه الله- ولما ماتت زوجته أم أولاده، وكانت أحبَّ الناس إليه، ودُفنت بعد صلاة المغرب، فرجع من المقبرة إلى بيته وأمر القارئ أن يقرأ كالعادة، ولم يشغله حر المصيبة عن القراءة، وقد رثاها بقصيدة بليغة ا.هـ مراسلاته-رحمه الله-: وقفت بحمد الله- تعالى- وفضله على العديد من المراسلات والمكاتبات التي كان الشيخ عبد الله-رحمه الله- يرسلها في فترات عمره الممتدة إلى ما يقرب من تسعين سنة، وهي رسائل متنوعة من حيث محتواها والمرسَل إليه، ويمكن تقسيمها إلى: 1- رسائل سياسية: وهي رسائل رسمية تدور حول قضايا الدولة من اتفاقيات ومعاهدات وحدود واقتصاد وغيرها، كالرسائل التي كان يوجهها إلى العثمانيين والإنجليز وغيرهم. 2- رسائل إخوانية: كما يطلق عليها في اصطلاح المكاتبات، وهي الرسائل الشخصية التي تدور حول شؤون وقضايا خاصة، وتعبر عن العواطف والمشاعر والأحاسيس، وتحمل في أثنائها نوازع كاتبها ووجدانياته تجاه من يكتب إليهم من إخوان وخلان وأصدقاء وأهل وأحباب، تدعو إليها ظروف عديدة، منها البعد عنهم، مما يستوجب مكاتبتهم والسؤال عن أحوالهم، وتفقد شؤونهم الحياتية، كالرسائل التي كان يوجهها إلى إخوانه وأبنائه وأصدقائه. 3- رسائل إدارية: وهي رسائل داخلية تدور حول أمور الدولة اليومية من أعطيات ورواتب وغيرها، كالرسائل التي كان يوجهها إلى حكام المناطق والإداريين وغيرهم. وتأتي بنية رسائله على النحو التالي: أول ما تبدأ به البسملة، اقتداءً بالقرآن الكريم، والمكاتبات النبوية الشريفة، وما جرى عليه عمل المسلمين إلى يومنا هذا؛ لما فيها من الالتجاء والتوكل على الله -سبحانه وتعالى- وحده، وبركة ذلك في أداء الرسالة لغرضها. ثم ما يصدِّر به اسم المرسَل إليه، وما يحليه قبلها من كريم الأوصاف والنعوت، مما يدل على كرم وتواضع المرسِل، فنراه يكتب مثلاً: إلى جناب الأجل الأمجد الولد أو الأخ المكرم فلان، ونحوها من العبارات، وهو ملتزم بهذه الطريقة في جميع مكاتباته سواء السياسية أو الإخوانية أو الإدارية، وسواء أرسلها إلى حاكم أو ابن أو أخ أو صديق أو موظف أو غيره، ويتبع باسم المرسَل إليه، وهو ما يسمى في اصطلاح الكُتَّاب بالعنوان، فينص على اسمه ويثبته كاملاً دون أي إخفاء؛ حيث إنه من العناصر المهمة التي تحدد وجهة الرسالة، ولا تلتبس على من تقع في يده، وفي بعض المراسلات يسبق اسمَ المرسِل اسم المرسَل إليه فيكتب مثلاً: من عبد الله بن جاسم آل ثاني إلى -رحمه الله-، ويكون ذلك غالبًا في المخاطبات الرسمية، ونراه يغفل ذلك في أكثر المراسلات غير الرسمية، ويكتفي بما يذيل به الرسالة من اسم وتوقيع، ثم نراه يتبع اسم المرسَل إليه في بعض المراسلات الخارجية باسم البلد المرسَل إليه كقوله في البحرين أو في دبي وما أشبهها، ثم يتعبها بما يدل على الاحترام والتقدير كقوله: المحترم، وما أشبهها من الألفاظ، ويحرص بعدها على عنصر الدعاء، وغالبًا ما يكون موجزًا بقوله: حفظه الله -تعالى-، وما أشبهها من ألفاظ الدعاء، التي تزيد المحبة والمودة بين المتراسلين. ثم ينتقل الشيخ عبد الله -رحمه الله- من هذه المقدمة إلى صلب الموضوع، وذلك باستخدام كلمة وبعد وما شابهها في غالب مراسلاته، وهي ما يصطلح عليه في مصطلح الرسائل بعبارة التخلص، ونراه غالبًا ما يستخدم هذه الكلمة قبل جملة التحية، كقوله: بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مطرحًا غالبًا أما وحرف العطف، وهنا يقتصر الشيخ عبد الله بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو يزيد عليها بعض العبارات كقوله: ومزيد فضله وهباته، وما أشبهها، ونراه أحيانًا، يقتصر على السلام عليكم، أو السلام عليكم ورحمة الله، وأحيانًا لا يورد صيغة التحية نفسها مكتفيًا بعبارة مشابهة، كبعد السلام والتحية، أو بعد السلام، ثم ينتقل الشيخ إلى السؤال عن حال المرسَل إليه، بعبارة لطيفة كقوله: والسؤال عن عزيز حالكم، أو غيرها من العبارات التي تشعر باهتمام المرسِل بأحوال وأخبار المرسَل إليه، وقد يتبعها في بعض المراسلات، بشرح حاله وحمد الله -تعالى- على كرمه وفضله. ثم ينتقل إلى غرض الرسالة، وموضوعها الرئيسي، ويصدره في الكثير من المراسلات بعبارة: موجب، أو خصوص وما أشبههما من العبارات، وإن كانت الرسالة رد على رسالة سابقة من المرسَل إليه، فيسبقها عبارة تشعر بحصول الغرض من الرسالة، كقوله: صار لدى محبكم معلومًا، أو غيرها من العبارات، مما يدل على اهتمامه بالرسالة المرسلة إليه وبمرسلها، ثم يأتي لب الموضوع وهو يختلف باختلاف الأغراض والموضوعات والأشخاص، وهو يذكره دون تطويل في الكلام، أو تكلف في العبارات، وبعدها ينتقل الشيخ عبد الله-رحمه الله- إلى خاتمة الرسالة، والتي غالبًا ما تكون عبارة عن دعاء يوجهه الشيخ عبد الله -رحمه الله- للمرسَل إليه، يتبعه بإخباره باستعداده لأي لازم يطلبه. ويختمها بالسلام على من في طرف المرسَل إليه من المعارف والأصدقاء، وينص على ذكر بعضهم، وكذلك إبلاغ السلام مِن قِبل مَن في طرفه من أولاد أو إخوان أو غيرهم إلى المرسَل إليه، وعبارة وجيزة، كقوله: والله يحفظكم، أو والسلام أو غيرهما. ثم يمهره بتوقيعه وختمه والتاريخ، وقد يخلو بعضها من الختم. وبعد أن ذكرنا بنية رسائله، وطريقة كتابته، نذكر الآن أهم ما تميزت به رسائل الشيخ عبد الله-رحمه الله- الإخوانية، والتي كتبها إلى أهله وأقاربه: أولاً: أنها رسائل كتبت دون تكلف في المعاني أو العبارات أو السجع، أو الأساليب البلاغية والفنية، إنما نرى فيها البساطة المؤدية للغرض. ثانيًا: اتَّسمت رسائل الشيخ عبد الله-رحمه الله- بإيجازها وبعدها عن التَّطويل والإطناب، وقد بدا هذا الإيجاز في اقتصار الرسالة على قليل من المعاني، والتعبير عن الفكرة بأيسر اللفظ وأقلِّه، وعدم اللَّهاث وراء الأساليب التي من شأنها مدُّ الفكرة وتطويلها. ثالثًا: ظُهور اللهجة القطرية المحكيَّة بشكل واضح في رسائله. رابعًا: وقوع العديد من الأخطاء اللغوية والإملائية في الرسائل، ويظهر أنه لم يكن يراعي ذلك لأنها مجرد رسائل ودية، ولهذا تضمنت كثيرًا من ألفاظ اللهجة القطرية الدارجة. وأخيرًا، فإن رسائل الشيخ عبد الله-رحمه الله- على بساطتها تكشف بشكل واضح عن شخصية كاتبها وملامح من نفسيَّته، فقد بدا الشيخ عبد الله للناظر في هذه الجُملة من رسائله: قوي الإيمان، مفوضًا أمره لله- تعالى-، مستعينًا به في أموره، حريصًا على نقل هذه القيم إلى قارئها، متلطفًا في عباراته وجمله. مجالسه العلمية: جرت عادة كبار القوم في قطر على اتخاذ مجالس علمية تقرأ فيها فنون العلم المختلفة، وقد وَرِث الشيخ عبد الله -رحمه الله-هذه المجالس ومحبة العلم والعلماء من آبائه، وتمتاز هذه الجلسات إضافة إلى العلوم المختلفة التي تقرأ فيها، بكونها وسيلة للتواصل المباشر بين الحاكم والمحكوم، ويصف الشيخ ابن مانع-رحمه الله- مجالس الشيخ عبد الله-رحمه الله- فيقول: رتَّب قارئًا يقرأ عليه في مجالسه في أنواع العلوم كتفسير ابن كثير وتاريخ ابن الأثير وغير ذلك من الكتب المفيدة النافعة، وكان محافظًا على أوقات القراءة، لا يخل بها سفرًا ولا حضرًا، ولما ماتت زوجته أم أولاده، وكانت أحبَّ الناس إليه، ودفنت بعد صلاة المغرب، فرجع من المقبرة إلى بيته وأمر القارئ أن يقرأ كالعادة، ولم يشغله حر المصيبة عن القراءة، وقد رثاها بقصيدة بليغة ا.هـ وحدثني الوالد الشيخ خالد بن حمد بن عبد الله آل ثاني ـ حفظه الله تعالى ـ: أن أعظم ما استفاد العمُّ علي كان من مجلس والده الشيخ عبد الله بن جاسم، وقد كان للجد عبد الله ثلاثة مجالس: بعد صلاة الفجر، وبعد العصر، وبعد العشاء، وكان الشيخ علي يلازم حضور هذه المجالس، فاستفاد كثيرًا من علوم العربية والأدب إلى جانب العلوم الشرعية، وقد كان العلماء يتناوبون على القراءة في هذه المجالس. وقد استفاد من هذه المجالس أبناؤه الشيوخ: علي وحمد وحسن، فكانت نعم المدرسة لهم، ونعم المنهل الصافي، الذي أثر في شخصياتهم، وكوَّنت ثقافتهم الدينية والأدبية والشعرية والسياسية والمعرفية الواسعة. يقول الأستاذ عبد البديع صقر -رحمه الله- وكان له أثر كبير في حياة الكثيرين من أهل قطر حتى صاروا من الأدباء المجيدين منهم نجله المرحوم الشيخ حمد بن عبد الله الذي تميز بقوة الشخصية في العلم والسياسة، ونجله الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني الذي أشاع المكتبات في المنطقة، ونشر كتب العلم ا.هـ ، وتقول هند سلامة وهي تذكر المعارف التي استقاها الشيخ علي بن عبد الله -رحمه الله- فإن فاته أن يستقي المعرفة خارج بلاده، فقد استقاها من منهلها على أيدي العلماء والفقهاء والشعراء الذي كانوا يقصدون قصر أبيه من كل حدب وصوب ا.هـ كما استفاد منه كثير من غير أبنائه ممن كان يتردد عليه، كالشيخ أحمد بن يوسف الجابر؛ حيث استفاد فائدة كبيرة من هذه المجالس، يقول الأستاذ عبد البديع صقر -رحمه الله- أحمد بن يوسف بن جابر من الشعراء القطريين النوابغ، تعلم النحو والفقه على يد الشيخ محمد بن مانع، والتحق بخدمة المرحوم الشيخ عبد الله بن قاسم قرابة خمسة وعشرين عامًا، وقد كان فيها نضجه واستفادته، نظرًا لما كان يتمتع به الحاكم الراحل من قوة ذاكرة وعلم وفصاحة ا.هـ ،ويذكر الشيخ أحمد بن يوسف الجابر-رحمه الله- للدكتور محمد كافود، استفادته من مجالس الشيخ عبد الله -رحمه الله- والكتب التي قرأها، فيقول: إنه كان لاتصاله بالشيخ عبد الله أثر على توجيهه على مواصلة الدراسة، والاستزادة من العلم، فعندما التحق بخدمة هذا الأمير، كان يطلب منه أن يطلع على بعض الكتب، وبعد قراءتها يجلس معه ويستمع إلى ما قرأه، كما يطلب منه إعادة قراءة هذه الكتب عليه، ويناقشه أحيانًا حول بعضها، ومن أهم الكتب التي كان يقرؤها: تفسير ابن كثير وقد قرأه على الأمير ثلاث مرات، وتفسير البغوي، وتاريخ ابن الأثير، وتاريخ ابن جرير، ومن كتب الحديث صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومشكاة المصابيح، وبلوغ المرام للعسقلاني، ومن كتب الأدب التي كان يقرؤها كتاب الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، والأمالي لأبي علي القالي، وخزانة الأدب للبغدادي، ومن دواوين الشعر كان قد قرأ النقائض بين جرير والفرزدق، كما قرأ لبعض شعراء العصر العباسي، ومن المُحْدَثين قرأ للشاعر محمود البارودي ا.هـ ويظهر لنا فيما ذكره الشيخ أحمد بن يوسف الجابر -رحمه الله- الكتب التي كانت تقرأ على الشيخ عبد الله -رحمه الله-، ونلحظ تنوعها ما بين كتب تفسير وحديث وتاريخ وأدب، ونلحظ في كتب التفسير الميل إلى قراءة كتب التفسير المحررة، المعروفة بسلامة العقيدة والبعد عن العقائد الفاسدة، والخالية من حشو الإسرائيليات والأحاديث الضعيفة. ونرى ذلك كذلك في كتب الحديث؛ حيث تم اختيار الكتب التي تقرأ بعناية، كالصحيحين وهما أجل دواوين السنة النبوية، وكذلك مشكاة المصابيح للتبريزي-رحمه الله- وهو كتاب جليل اعتنى به العلماء، وأصله مصابيح السنة للإمام البغوي -رحمه الله- وهو كتاب جمع فيه متون الأحاديث وقام بترتيبها على طريقة الجوامع، مع الحكم عليها بالصحة أو الحسن أو غيرها، فجاء الكتاب مشتملاً على أحاديث العقائد والعلم والعبادات والمعاملات والآداب والرقائق والفتن والمناقب، لكنه يختلف عن الجوامع في خلوه من كتابي التفسير والمغازي، ولعلنا نلحظ هنا أن هذين الفنَّين قد خصصت لهما كتب خاصة مستقلة تقرأ في مجلس الشيخ، وكتاب المصابيح مما جدد طباعته ابنه الشيخ علي بن عبد الله -رحمه الله-؛ حيث كان مطبوعًا طبعة قديمة نادرة، فجدد طباعته بصف جديد وإخراج جميل بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وطباعة المكتب الإسلامي لصاحبه الشيخ زهير الشاويش -رحمه الله-، وأما كتاب بلوغ المرام للإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- فهو من أنفع الكتب المختصرة المشتملة على أحاديث الأحكام مع ذكر مخرِّجها والحكم عليها، وأما كتب التاريخ فنرى اهتمامه بفترة ما قبل منتصف القرن السابع الهجري، وهي فترة ممتدة من التاريخ الإسلامي وما قبله، وأما الكتب الأدبية فنرى تنوعها ما بين أدب نثري وشعري، وكذلك تنوع الدواوين ما بين دواوين قديمة ومعاصرة، مما يدل على محبة الأدب والشعر، وقد وَرِث هذا الحب بالأدب والشعر من والده الشيخ جاسم -رحمه الله-، ووَرَّثه لابنه الشيخ علي بن عبد الله -رحمه الله-، وفي الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ نتحدث عن تقريبه للعلماء والأدباء، ومعرفته بأخبار العرب وأنسابهم.
3723
| 21 يوليو 2014
عندما تسلَّم الشيخ عبد الله بن جاسم رحمه الله الحكم كان العالم يمر في فترة دولية حرجة؛ حيث اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى، وتلتها الحرب العالمية الثانية، وعانت بلدان الخليج كافة بما فيها قطر من ظروف اقتصادية صعبة كانت تصل إلى حدِّ المجاعة في بعض الأحيان، ثم إن منطقة الخليج نفسها أصبحت محط صراع جديد بين القوى البريطانية والأمريكية والفرنسية، وقد أدركت هذه القوى ما للخليج من أهمية اقتصادية كبيرة يمكنها أن تؤثر على اقتصاداتها تأثيرًا مباشرًا، فبعد أن كان الصراع خلال العقود الماضية على هذه المنطقة ينطلق من مطامع إستراتيجية وتجارية، تحول هذا الصراع إلى صراع مبعثه دوافع اقتصادية قبل أي شيء آخر. أحوال اقتصادية سيئة وقد كانت أحوال التجار وتجارة اللؤلؤ تمر في فترة العشرينيات من القرن الماضي بحالة صعبة، وقد طرأ عليها تحسن في عام 1925م، ولكن للأسف عادت أحوال اللؤلؤ إلى السوء في عام 1929م الأمر الذي جعل الكثير من القطريين يشغلون أنفسهم بتجارة السلاح ونقل العبيد، وراح الناس يفكرون في مستقبلهم بقلق، ويتحوَّلون عن منازلهم بحثًا عن أماكن أفضل، وكان عام 1930م أسوأ من سابقه، وأفلس بعض تجار اللؤلؤ والنواخذة قادة السفن. وقد كثر الأخذ والرد بين الإحساء من جهة والبحرين وقطر وأبو ظبي من جهة أخرى في صدد هرب البعض من مديونياتهم، ولا عجب فإن مجموع مبيعات اللؤلؤ القطري في تلك السنة قدِّر بخمسين في المائة من السنة التي سبقتها، وقد بدأت تقع حوادث غارات ونهب، كما أن الصراع المرير بين الحكومة السعودية والإخوان في الاحساء زاد من أحوال القلق والضائقة المالية. وفي عام 1931م تفيد تقارير المقيمية بأن اقتصاد قطر والقطيف بخاصة تدمر تمامًا بسبب انحطاط حال السوق فيما عدا بعض القماش اللؤلؤ الرخيص السعر الذي ظل محتفظًا بشيء من قيمته في أسواق الهند. وقد بلغ سوء الحال بالناس أن الكثيرين ضاقوا ذرعًا بحاجتهم لتدبير المؤونة، وقيل إن أوعية التمر كانت تُؤخذ وتبلُّ بالماء ليذوب ما عَلِق بقاعها وأطرافها من بقايا التمر ليكون من ذلك عصير باهت يعين بعض الشيء على الجوع. وفي تلك الأحوال كثرت الخلافات بين كبار التجار والطواويش لعجز البعض عن الوفاء بحقوق الآخرين، كما لوحظ انتشار الأوبئة كالملاريا. وإذا رجعنا إلى الرسائل الواردة من بعض التجار كمحمد بن عبد اللطيف المانع إلى الشيخ عبد الله نراه فيها يشكو عدم العثور على مشتر للؤلؤ كان عنده للشيخ عبد الله، كما ينصح للشيخ بشدة ألا يأخذ من أحد لؤلؤًا إلا أن يكون ذلك وفاء بدين لا يمكن تحصيله بغير تلك الطريق. وقد أعلن تجار كبار من البحرين إفلاسهم، وهبطت قيمة ثروات بعض التجار إلى 4 % من رأس المال السابق بالنظر لحالة البوار المهلكة. انتعاش الطلب على اللؤلؤ وكذلك السنوات التي تلت إلا سنة 1941م؛ حيث خالفت السنوات التي قبلها وبعدها، وذلك من ناحية انتعاش الطلب على اللؤلؤ، فقد ورد في تقارير المقيمية في هذا الصدد أن السوق نشطت كثيرًا في الهند سنة 1941م الأمر الذي ترك أثره في كمية الصيد لتلك السنة، كما أتى الحظ بالعثور على لآلئ كبيرة، وقد سجلت أسعار اللؤلؤ في البحرين ارتفاعًا قدره خمسون في المائة عن سنة 1940م، إلا أن هذه الصورة المشرقة كانت وقتية، وربما حصل ذلك التحسن نتيجة قلة المعروض من اللؤلؤ في السنوات السابقة، وحيث إن مهراجات الهند والطبقة الميسورة هناك كانوا يشكلون مصدر طلب دائم للؤلؤ، فإن حدوث انتعاش وقتي في السوق كان أمرًا طبيعيًا، ولكن الطبيعي أيضًا هو أن تحدث الحرب العالمية تأثيرها الحاسم في موضوع اللؤلؤ، فنحن نرى أن تجهيز سفن الغوص أصبح مشكلة ضخمة من جرَّاء قلَّة المؤن المتوافِّرة في الأسواق، والارتفاع الفاحش في أسعارها؛ حيث أصبحت هذه القضية هي مشكلة المشاكل في الخليج اعتبارًا من منتصف سنة 1941م. وفضلاً عن ذلك فإن سوق باريس المهمة كانت قد أصبحت مغلقة منذ استيلاء الألمان على العاصمة الفرنسية صيف عام 1940م، وعلى وجه العموم فإن أوروبا والعالم باستثناء شذوذ الطلب من الهند سنة 1941م كانوا جميعًا أكثر انشغالاً بالحرب والأزمات الناشئة عنها من أن يعيروا كبير اهتمام لبضاعة من بضائع السِّلم والأمان كاللؤلؤ. ويمكن أن نلخص أهم العوامل التي ساعدت على تدهور صناعة الغوص في الخليج العربي عامة وفي قطر خاصة، بالتالي: 1 — الحرب العالمية الأولى بين عامي 1332هـ 1337هـ يوافقه 1914م 1918م وانقطاع تجارة الغوص. 2 — الدالوب وهي العاصفة التي لحقت بأسطول الغوص عام 1343هـ يوافقه 1925م في قطر وما جاورها، والتي تسمى بسنة الطبعة. وقد أدت إلى كارثة إنسانية في منطقة الخليج عامة، وظهرت فيها معادن الرجال، يحكي سلمان الكواري رحمه الله والذي عمل وعمره ست سنوات على سفينة لسلطان بن محمد الكواري تبَّابًا، وكان اسم السفينة جوهر السفن، وكانوا في هير يسمى بالهمبار، فيقول: جاء الإعصار ليلاً ونحن بالقرب من الهمبار، فهاج البحر وصار الموج كالجبال يتلاطم من شدة هذا الدالوب، وكانت السماء تمطر علينا غبارًا وحصى، وكنا لا نسمع إلا الصراخ، وبفضل الله ورحمة منه بعباده نجونا من هذه المحنة، وما أن هدأت العاصفة وطلع النهار حتى سمعنا الأصوات تنادي من كل صوب، فذهبنا نحو سفينة محطمة وبعض الرجال عليها، فوجدنا الشاعر المعروف عبد الرحمن بن مبارك الكواري المشهور بابن بريك، هو وأصحابه وأنقذناهم، وكان للنوخذة ارحمة بن منيف الكعبي موقف بطولي؛ إذ أنقذ ما يقارب 200 رجل رغم المعارضة التي واجهها من بحارته الذين خافوا أن تغرق السفينة بهم، لكنه قال قولته الشهيرة: إما أن نحيا جميعًا أو نموت جميعًا، وأقسم أن ينقذ كل من يشاهده على طريقه، وهذه من مواقف الرجال الطيبين الذين يخافون الله عز وجل. 3 — اختراع اليابان للؤلؤ الصناعي، والذي تم تسويقه بأسعار رخيصة من أواخر سنة 1920م. 4 — الكساد العالمي الكبير بين عامي 1926م 1945م الذي أصاب أوروبا والولايات المتحدة وأدى إلى انحسار صناعة الغوص وتجارته وتدني أسعاره. 5 — قيام الحرب العالمية الثانية بين عامي 1358هـ 1364هـ يوافقه 1939م 1945م والتي انعكست على اقتصاد صناعة الغوص. 6 — بروز صناعة النفط في الخليج العربي وقدرتها على تحويل العمل والعمال من الغوص إلى النفط للعمل في نشاطاتها. وبهذه العوامل وصلت صناعة الغوص إلى حد الانهيار الكامل، وأفلس النواخذة من كبار رجال القبائل والعائلات القطرية، وكل من يقوم على صناعة الغوص، وانتشرت البطالة وعمَّ الفقر في مرحلة صعبة شهدها المجتمع القطري اقتصاديًا. يقول حسن بن ناصر الراشد: كان المجتمع متكافلاً جدًا، وكان الناس قريبين من بعضهم البعض، لقد كنا يدًا واحدة. أثناء فترة الحرب العظمى " الثانية " وما قبلها مرت علينا 9 سنوات لم يعد لدينا ما نأكله، كانت سنوات صعبة واشتدت بعد ذلك عندما نفد كل ما لدينا من طعام، وبدأ الناس بالهجرة للعمل في أماكن أخرى بسبب ظروف الحرب. ويقول جاسم بن قرون: مرت الأيام وتعطل الغوص، وأصبح الذين يذهبون له قليلون، أصبحت الأحوال صعبة، بعد أن كانت عشرات السفن تخرج للغوص، وأصبح معظمها معطلاً لدرجة أن المحمل التعبان إيشلخونه يكسرونه ويستعملون أخشابه لإقادة النار، وكانت الحبال والمجاديف يجيبونها في سوق واقف ويبيعونها. الآليات البخارية ومن الأمور التي استحدثت في عملية استخراج اللؤلؤ، أن بعض الطواشين المقتدرين استخدم اللنجات المزودة بالآلات البخارية للتنقل بين سفن الغوص، مما سبب خسارة كبيرة للطواشين الصغار، الذين تقدموا بعريضة يشكون فيها إلى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رحمه الله، فأرسل باليوز البحرين للشيخ عبد الله رحمه الله يستفسره عن هذا الأمر، ويعرض عليه رأي الشيخ حمد رحمه الله، وقد اتفق رأي الشيخ عبد الله رحمه الله معه بأن يمنع ذلك لما فيه من ضرر على الطواشين الصغار، وأما الذين خرجوا باللنجات البخارية فإنه تعطى لهم رخصة إلى موعد القفال أي الرجعة، وذلك لأنهم لن يجدوا في الوقت الراهن سفنًا شراعية لائقة بحالهم. وقد حاول الشيخ عبد الله بن جاسم — رحمه الله — إدخال عدد من الإصلاحات على نشاط الغوص؛ حيث قام بإنشاء دفاتر لتدوين شؤون تجارة اللؤلؤ، واتباع نظام محاسبي في توزيع الإيراد كما كان متبعًا في البحرين، وذلك بسبب الشكاوى الكثيرة التي تقدم بها الكثير من العاملين في الغوص بعد كساد صناعة الغوص إلى الشيخ عبد الله ضد النواخذة. وفي محاولة منه لإصلاح الوضع الاقتصادي وتخفيف الأزمة، قام الشيخ عبد الله باستدعاء النواخذة، وأخذ عليهم تعهدًا بإطاعة أوامره في الأحكام التي قد يصدرها في غير صالحهم، في أية قضايا أو شكاوى مقدمة ضدهم سواء من الغاصة الفقراء أو من الأغنياء الممولين لصناعة الغوص على السواء، وألا يغضبهم هذا الإجراء الذي يتوخَّى من ورائه تحقيق العدالة. وفي المقابل تعهد الشيخ أن يمدهم بالمال اللازم للقيام بعمليات البحث عن اللؤلؤ من ماله الخاص، وأن يسدد عنهم ديونهم المتأخرة والمستحقة عليهم لبعض التجار، على أن يشاركهم بنسبة من الربح عند استطاعتهم للسداد. وتركزت هذه الإصلاحات في تنظيم الدفعات التي يدفعها النواخذة إلى الغاصة، وذلك عن طريق تقليل حجم المبالغ المدفوعة مقدمًا وهي: التسقام، والسلف، والخرجية، لتخفيف ديون الغاصة. وكانت هذه المبالغ تعطى للغاصة والسيوب كديون، تسجل على ذمة إيراد الرحلة، وتحتسب عليها فوائد معينة لصالح الممول، وكان النواخذة في السابق يقدمون دفعات كبيرة، وبأرباح مرتفعة، ومن جرائها أصبح الغاصة مدينين لهم مدى حياتهم، ولكن في ظل اللوائح الجديدة أصبح التسقام وهو أولى الدفعات التي تقدم للغاصة والسيوب والبحارة في الشتاء قبل موسم الغوص غير ضرورية، في حين ظلت الدفعات التي تقدم على أساس السلف والخرجية معمولاً بها في ظل اللوائح الجديدة، كما كان النواخذة في السابق يقومون بإقراض الغاصة كميات إضافية من الأرز والتبغ فضلاً عن القروض المالية الصغيرة، ولكن في ظل لوائح الإصلاحات لم يعد مسموحًا للنواخذة بتقديم هذه القروض ما عدا المبالغ المقدمة والمنتظمة فقط. أما بالنسبة للحسابات فأصبح لكل غواص دفتر حسابات صغير يحتفظ به، يحمل اسمه واسم النوخذة الذي يعمل معه، وفي حالة ما إذا كان الغواص يعمل مع أكثر من نوخذة، فهنا يكون لكل نوخذة دفتر خاص به، وكان يسجل في الدفتر في خانة المدين كمية الدين المستحقة على الغواص للنوخذة الذي يعمل معه، أو كمية الدين الذي يستحقه النوخذة السابق، والدفعات المقدمة، أما في خانة الدائن فكانت تُسجَّل مكاسبه. تحسين نظام الغوص ورغم هذه المحاولات من الشيخ عبد الله — رحمه الله — لتحسين نظام الغوص، وتخفيف الضغط المالي على الغاصة، وتحمل الكثير من المبالغ من أمواله الخاصة، فقد استمرت الأزمة الاقتصادية؛ حيث كانت كابوسًا حلَّ على المنطقة، وأكبر من جميع المحاولات الإصلاحية، وقد أكثر الشعراء من ذكر هذه المحنة التي مرت بهم، يقول الباحث القطري علي الفياض: مرت على منطقة الخليج العربي سنوات عدة بين عام 1930م إلى عام 1936م تقريبًا، وقعت فيها ضائقة مالية شديدة، وعسرة عظيمة؛ حتى أطلق أهل الخليج على تلك السنوات اسم "سنة العسر"، وكانت تلك الأزمة الاقتصادية بسبب اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي نافس اللؤلؤ الطبيعي وكسد أسواقه، وقل الطلب عليه، فتدنت أسعاره وتراجع تراجعًا شديدًا أمام منافسه الجديد. وأصبح الناس في محنة وبلاء كبير، إذ شحت مصادر الرزق وضاقت الأرض بما رحبت على أهل هذه المنطقة نظرًا لأهمية اللؤلؤ والغوص لاستخراجه في حياتهم، وتوفير قوتهم وقوت عيالهم، فكما هو معلوم أن حرفة الغوص في الماضي هي مصدر الرزق الوحيد في الخليج. وقد تأثرت كل الطبقات بهذه المحنة القاسية الخانقة، وعبر الشعراء عن أحاسيسهم تجاهها، فهذا الشاعر جاسم جيلاه من شعراء الدوحة، يقول في قصيدة طويلة معبرًا عن تلك الظروف الصعبة: يا هل المروة يا هل القيل تكفون قولوا معي في ذا السنة يا هل العون الشاعر اللي ذا السنة ما تهيض قوله بلا معنى ولا هو بمتكون قولوا معي ساعدوني بهمة هذي السنة اللي تستحق المذمة كم واحد في ذا السنة زاد همه خطر يطر الجيب ويصير مجنون وقد أجابه عدد من الشعراء في قطر منهم الشاعر المعروف سعيد بن سالم البديد المناعي؛ إذ يقول: هاض الغرام وهيض القيل بفنون من ذا السنة اللي بها الناس يحكون اتفاقية امتياز النفط وفي سنة 1354هـ يوافقه 1935م وقعت اتفاقية امتياز النفط بين الشيخ عبد الله رحمه الله والشركة الإنجلو إيرانية، وأخذت الأوضاع تتحسن شيئًا فشيئًا بإيجاد عدد من فرص العمل، بعد الكساد الذي حصل لتجارة اللؤلؤ، الأمر الذي أدى كما مر إلى تعطل الناس عن أعمالهم، وخسارة مدخراتهم. وقد كان توقيع هذه الاتفاقية بشارة خير، وأمل في تحسن الأوضاع، وحرص الشيخ عبد الله — رحمه الله — كل الحرص لكسب هذا الأمر بأفضل السبل، وتوظيف أكبر عدد من القطريين في الشركة؛ ليضمن لهم دخلاً ثابتًا، وحياة كريمة، ونجد ذلك جليًا واضحًا في أثناء الكثير من المكاتبات والمراسلات التي كانت تدور بين الشيخ عبد الله والشركة. ونكمل حديثنا عن الأزمة الاقتصادية في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.
17218
| 17 يوليو 2014
كان لوجود النفط في قطر والمنطقة فرص ضئيلة ما لبثت أن تزايدت؛ حيث كانت جهود المنقبين في شمال غرب إيران قد نجحت بعد إخفاق متكرر وذلك سنة 1908م، ثم بعدها بعشرين سنة وإلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى، تدفق النفط هادرًا من بابا غرغور بشمال العراق، فلم يعد ثمة شك في أن المنطقة في حوض الخليج خاصة تعيش على بحيرات من الذهب الأسود، ومع دخول الأمريكيين والفرنسيين إلى شركات النفط، قُرع ناقوس الخطر لدى البريطانيين؛ لما يعلمون من خبرة الأمريكان الطويلة في حقول البترول ببلادهم، والقوة المالية الضخمة لمجموعة شركاتهم، التي مكنت لشركة ستاندرد أويل أوف أميركا أن تنتزع امتياز بترول البحرين والسعودية من البريطانيين. ومن حسن حظ المستثمرين الأجانب أن تجيء اكتشافات النفط ومفاوضات الحصول على امتيازاته وسط الضائقة المالية الخانقة الناتجة عن بوار تجارة اللؤلؤ خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، مما حقق للشركات أفضل المكاسب للفوز بالامتيازات النفطية. نفط قطر والمباحثات حوله في سنة 1923م طلبت الشركة الشرقية رسميًا من المقيم البريطاني أن يسمح لمندوب عنها بزيارة قطر والتباحث في مسألة الحصول على امتياز للنفط فيها، ولكن الحكومة البريطانية التي لم تكن راضية عن هذه الشركة أجابت بالرفض وأن الوقت غير مناسب للدخول في مثل هذه المفاوضات، وكان ذلك في شهر شعبان سنة 1341هـ يوافقه 4 أبريل سنة 1923م، وكانت الشركة الإنجليزية الفارسية قد قدمت نفس الطلب ورُفض أيضًا. وبعد ذلك بسنتين تقريبًا أي في سنة 1342هـ يوافقه شهر أكتوبر سنة 1925م، عادت الشركة الإنجليزية الفارسية وتقدمت بطلب لإجراء مسح أولي للنفط في أراضي قطر. وبالفعل فقد قام وفد من الجيولوجيين وعلى رأسهم مهندس يدعى المستر ليس بجولة في أراضي قطر، قاموا بعدها بتقديم طلب إلى الشيخ عبد الله بأن يمنحهم مهلة قدرها ثمانية عشر شهرًا للقيام بدراساتهم والاتصال بالشيخ لتحديد موقفهم النهائي من طلب الامتياز، وتضمن هذا الطلب المقدم خطيًا في شهر شعبان سنة 1344هـ يوافقه 10 مارس سنة 1926م، ما يلي: ونحن الآن نلتمس من سعادتكم أن تتعهدوا لنا بأنكم لا تعطوا لأحد امتيازًا لحفر النفط من تاريخ هذه الرسالة إلى مدة ثمانية عشر شهرًا، وخلال هذه المدة ستجري مخاطبات بين شركتنا وبين جنابكم، وإن حصل الاتفاق أنتم على ما تريدون، والأمر لجنابكم، ودمتم. التوقيع عبد الله ويليمسون، وكذلك توقيع المهندس المذكور. وأكدت الشركة الإنجلو إيرانية عزمها على العمل الجاد في رسالة أخرى وجهتها للشيخ عبد الله في 9 أبريل من نفس السنة، تؤكد فيها أنه حالما ينتهي مهندسوها من أشغالهم في الدراسات والتحاليل فإنهم سيشرعون في المفاوضات الخاصة بالامتياز مع الشيخ. مسح شامل للإمكانيات البترولية وبالفعل فقد كانت التعليمات الصادرة لفنيي الشركة تقضي بإجراء مسح شامل للإمكانات البترولية ليس في شبه جزيرة قطر وحدها، ولكن في العديد من الجزر الواقعة بين قطر وأبو ظبي، وقد طرحت نتائج أعمال هذه البعثة الاستكشافية على سائر الدوائر المختصة في لندن وكان المفروض أن يتخذ القرار الحاسم في سنة 1346هـ يوافقه أغسطس 1927م، ولكن الأمر أجِّل لعدة أسباب من أهمها أن النتائج التي جاءت بها البعثة عن الإمكانات البترولية في قطر والجزر والمياه البحرية كانت إيجابية جدًا، بحيث بات على بريطانيا أن تتدبر أمورًا كثيرة منها أولاً حسم العلاقات مع السعودية في أمور حيوية، وذلك ما تم بالفعل في معاهدة جدة في سنة 1346هـ يوافقه شهر ديسمبر سنة 1927م، وإن لم تحسم المعاهدة كل شيء يتعلق بالحدود السعودية مع إمارات الخليج وترك ذلك لمحادثات وأبحاث أخرى لاحقة، وكذلك كان لزامًا وضع خطة لتقسيم الجزر في الخليج وترتيب سائر متعلقات العمل البترولي الكبير كالمواصلات من مطارات وموانئ وطرق وبريد وهاتف، فضلاً عن وضع التشريعات التي ستقتضيها الحاجة لضمان سهولة تدفق الفنيين الأجانب على يد شركات الامتياز إلى مواقع العمل. مواصلة المحاولات واصلت الشركة الشرقية محاولاتها في الحصول على امتياز نفط قطر، فأرسلت في شهر صفر سنة 1351هـ يوافقه 11 يونيو سنة 1932م مندوبًا عنها هو السيد حسين يتيم للتفاوض مع حاكم قطر، ولكن الشيخ عبد الله أحاله إلى الحكومة البريطانية التي انزعجت من هذه الزيارة لعلمها بما تقوم به الشركة الشرقية من تحويل امتيازاتها إلى الشركات الأمريكية. وإزاء ذلك قامت الحكومة البريطانية بالضغط على الشركة الإنجليزية الفارسية حتى تزيد من نشاطها في الكشف عن النفط في قطر ملوِّحة إلى خطورة أن يقع المحظور وتدخل أمريكا في الساحة النفطية القطرية كما حدث في مناطق أخرى من الخليج. وقد ورد في مذكرة سرية قدَّمها ممثل عن الأميرالية البحرية البريطانية يبدو أنها موجهة إلى وزارة المستعمرات: إن أركان الأميرالية وهم يستعرضون أهمية زيت الخليج ككل؛ ليرون أن من سوء الحظ أن تكون المصالح الأمريكية قد ضمنت لنفسها هذا المركز القوي كله في أطراف منطقة كانت عما قريب منطقة مؤَمَّنة لبريطانيا وحدها، كما أنها أي المصالح الأمريكية تسعى الآن لمد نفوذها إلى موقع هو أهم المناطق استراتيجية بالنسبة للمصالح البريطانية يعني قطر، ولذلك فهي توصي بعدم إهمال أية خطوة لازمة لمد نفوذ شركة البترول الإنجلو إيرانية إلى هذه البقعة العظيمة الأهمية. وفي 19 ربيع الآخر سنة 1351هـ يوافقه 20 أغسطس سنة 1932م توجه مندوب من الشركة الإنجلو إيرانية يدعى ميلز إلى قطر يرافقه الحاج عبد الله ويليمسن موظف الشركة المعروف يلتمس استئناف الأعمال الجيولوجية للشركة، وقد تقدم الوفد المذكور بطلب إعطائه تجديدًا للإذن السابق بالتنقيب عن الزيت متقدمًا بعرض باسم الشركة يتضمن: أولاً: أن تكون المدة الممنوحة للتنقيب لهم أو لأية شركة بريطانية تمثلهم سنتين لا يعطى خلالهما لغيرهم مثل ذلك الحق. وثانيًا: أن يتقدموا خلال فترة التمديد هذه بعرض للحصول على امتياز باحتكار استخراج موارد الزيت القطري خاضع لقبول الشيخ لشروط ذلك الامتياز، فإن فشلوا في تقديم مثل ذلك العرض منهم يتعهدوا بألَّا يُصار مطلقًا إلى قبول أي طلب مستجد منهم للإذن لهم بالمزيد من التنقيب أو محاولة الحصول على الامتياز، كما تعهدوا بدفع مبلغ ألف وخمسمائة روبية شهريًا لقطر خلال فترة سنتي التنقيب. وقد تم تقديم هذا العرض بتاريخ 24 ربيع الآخر سنة 1351هـ يوافقه 25 أغسطس 1932م. وقد وافق الشيخ عبد الله على هذا العرض مع تأكيد التحفظ على أنه سيكون له مطلق الحرية إذا لم تعجبه عروض الشركة بعد فترة السنتين بأن يمنح الامتياز لأي شاء. وبذلك حصر حق البحث الجيولوجي على الشركة الإنجلو إيرانية لمدة سنتين اعتبارًا من ربيع الآخر 1351هـ يوافقه أغسطس 1932م. وبعد توقيع الاتفاق الذي أبلغته الشركة إلى المقيم السياسي في أبو شهر وأطلعته على وثائقه، قام مندوب من الشركة الشرقية بزيارة لقطر للاطلاع على حقيقة ما جرى لدراسة الموقف بالنسبة للشركة بعد أن أفلت الزمام من يدها، فقدَّمت الحكومة الأمريكية استفسارًا للحكومة البريطانية عن أسلوبها في إحكام السيطرة البريطانية الكاملة على نفط قطر، مشيرة بذلك إلى إبعاد الشركة الشرقية عن الساحة القطرية، الأمر الذي يعني حرمان الشركات الأمريكية من الدخول في هذه الساحة عن طريق شراء الامتياز من هذه الشركة، وكان رد الحكومة البريطانية أنها رأت أن تركِّز حقوق الامتياز في قطر في أيدي الشركات البريطانية فقط؛ لأن ذلك سيكلفها مشقة إعادة النظر في ترتيبات البريد والرقابة البريطانية وحماية الرعايا الأجانب! ولإظهار أبهة بريطانيا وعظمتها، فقد طلب المعتمد السياسي في البحرين الكولونيل لوخ في سنة 1933م أن يقوم بزيارة لقطر وأن تكون زيارته على ظهر بارجة حربية وسط مظاهر رسمية، والهدف أن يوطِّد علاقاته مع الشيخ عبد الله، وأن يطلع على عمليات المسح الجيولوجي التي بدأت في قطر. والتي كانت الشركة قد تقدَّمت بطلب للسماح لها بإجرائها في شهر شعبان سنة 1351هـ يوافقه 3 ديسمبر 1932م، ويتكون الفريق المكلف بذلك من شخصين متخصصين في علم طبقات الأرض يصحبهما ويليمسن وبعض الخدم. وفي شهر شعبان 1351هـ يوافقه 17 ديسمبر 1932م تقدم المقيم السياسي في أبو شهر فاول بنفس الطلب، وقد أرسل إليه الشيخ عبد الله بن جاسم - رحمه الله - بالموافقة على بدء العمل في هذا المسح الجيولوجي، وأن يأتي فريق العمل المكلف بذلك. وكان المستر سامبسون ممثل شركة نقط العراق قد طلب من المقيم السياسي في الخليج أن يسمح له بزيارة قطر للاطلاع على سير الأعمال النفطية فيها، ولكن المقيم رفض هذا الطلب، وبناء عليه عقد اجتماع في لندن في وزارة المستعمرات البريطانية برئاسة أحد كبار موظفي الوزارة وهو المستر باركنسون. وحضر الاجتماع مسؤولون عن وزارة المستعمرات ووزارة الخارجية ودائرة النفط ووزارة شؤون الهند، وبُحثت في هذا الاجتماع السياسة النفطية في قطر بشكل عام، وقرر السماح للمستر سامبسون بزيارة قطر على اعتبار أن امتياز النفط الذي ستحصل عليه بريطانيا بعد التأكد من وجوده في قطر، سيؤول إلى شركة نفط العراق بناء على اتفاقية الخط الأحمر، وأُبرق إلى المقيم السياسي في الخليج بذلك، وقام بدوره بالسماح للمستر سامبسون بزيارة قطر حاملاً معه مشروعًا للمفاوضات لشيخ قطر حول النفط. وحول هذا المشروع أخذت الحكومة البريطانية تبدي بعض الملاحظات انطلاقًا من حرصها على أن تكون ذات سيطرة مطلقة على النفط في قطر. وقد بعث الكولونيل لوخ برسالة لشيخ قطر يذكر فيها أن بريطانيا لديها بعض الملاحظات حول هذا المشروع وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة 1352هـ يوافقه 4 أكتوبر سنة 1933م، وجاء التحرك البريطاني هذا ردًا على التلميح الفرنسي بأن يكون لفرنسا نصيب في نفط قطر لكونها أي فرنسا تملك قسمًا من شركة نفط العراق، ولكن بريطانيا ردت بأن ذلك لا يمكن، فظروف معاهدة النفط في العراق كانت تختلف عنها في قطر. الرد على الرسالة وفي شهر جمادى الآخرة سنة 1352هـ يوافقه 11 أكتوبر 1933م رد الشيخ عبد الله بن جاسم على رسالة الكولونيل لوخ ذاكرًا بأنه سيبحث في الاتفاقية التي يحملها المستر سامبسون وما يتفق ومصالح قطر، وقد أثار هذا الرد حفيظة الكولونيل لوخ الاستعمارية وبعث إليه رسالة في شهر رجب يوافقه 29 أكتوبر من نفس العام مدعيًا فيها بأن ذلك لا يعفي الشيخ من التزاماته في اتفاقية 1916م، وخاصة المادة الخامسة منها، وأرسل الشيخ عبد الله رسالة أخرى في شهر رجب 1352هـ يوافقه 6 نوفمبر 1933م إلى المقيم السياسي البريطاني في أبو شهر الكولونيل فاول، ذكر فيها أن لوخ لم يذكر ما هي الملاحظات التي لديه حول الاتفاقية، وأنه وإن واصل مباحثاته مع الشركة البريطانية الفارسية، فإن ذلك لا يعني تنصله من التزاماته نحو بريطانيا، ثم إنه لم يصل بعد إلى اتفاق نهائي حول هذا الموضوع، كما ذكر في رسالته بأن أسلوب لوخ كان غامضًا ويحمل في طياته روح الإنذار. وكان مفاوض الشركة الإنجليزية الفارسية مع الشيخ عبد الله هو المستر تشيشولم الذي ذكر للشيخ عبد الله بناء على استفسار منه، أن مفاوضاته تكون مع الشركة مباشرة وبعد ذلك تصدق عليها الحكومة البريطانية، وقد أبدى الشيخ عبد الله أثناء هذه المفاوضات ثلاث ملاحظات رغب في الحصول على إيضاحات لها: 1 — عند بدء أعمال الشركة ستحتاج إلى حماية وإلى سلاح فهل ستؤمن الشركة السلاح للشيخ؟ 2 — طلب الشيخ عبد الله أن تكون الاتفاقية الأصلية باللغة العربية؛ لأن جميع الاتفاقيات هي بهذه اللغة الرسمية والمعترف بها. 3 — طلب الشيخ عبد الله أن تخضع الشركة لرغبته عندما يرى الاستغناء عن أي موظف يعمل بالشركة ولا يرغب في وجوده، كما طلب أن يكون النظر من قِبله هو في جميع الخلافات التي تنشب بين العاملين في الشركة ورعاياه. بعث المستر تشيشولم بهذه الملاحظات إلى المقيم السياسي في أبو شهر وطلب الرد عليها مبينًا أن الشركة ترغب في الاستجابة لهذه الطلبات إذا كانت لا تتنافى مع روح الاتفاقيات بين الحكومة البريطانية وشيخ قطر. وجاء الرد من المقيم عن طريق المدير العام للشركة الإنجليزية الفارسية في عبدان المستر الكنجتون. 1 — بموجب المادة الحادية عشرة من مسودة الامتياز، فإن مسؤولية حماية الشركة تقع على عاتق الشيخ، وأنه من غير المرغوب فيه تزويد الشيخ بالسلاح والذخيرة لأن الشيخ يستطيع في أي وقت أن يشتري السلاح من الهند أو من أي مكان آخر بموجب كتاب عدم اعتراض يصدر من المقيم. 2 — حسب معرفة المقيم فالمعاهدات مع شيخ قطر وشيوخ الخليج لم تحرر إلا باللغة العربية وطالما أنه من الممكن تحرير نص دقيق وحذر للغاية باللغة العربية فليس هنا أي مجال لقيام مشكلات أو صعاب في هذا الخصوص. 3 — أما فيما يتعلق بشؤون القضاء بين الرعايا المحليين والأجانب فسوف يرفع الأمر إلى الحكومة البريطانية لأخذ الرأي ثم يخبر الشركة بالرد. وقد سمى الكولونيل فاول ملاحظات الشيخ عبد الله باسم: النقاط الغريبة، عندما رفعها إلى حكومته للاستفسار في شهر شعبان 1352هـ يوافقه 4 ديسمبر 1933م. وذكر في مذكرته أن رغبة الشيخ في أن يكون له حق الاستغناء عن أي موظف لا يرغب بوجوده في الشركة هي أمر يسير، فإن كان هذا الشخص مواطنًا فأمره راجع للشيخ، وإذا كان أجنبيًا فيمكن نقله إلى أي موقع تعمل فيه الشركة أو الاستغناء عن خدماته. واقترح بالنسبة للنقطة الثالثة أن يكون رد الحكومة البريطانية مرتكزًا على أن النزاع الذي ينشب، ومن النوع الذي يفكر فيه الشيخ، فإنه يُحال إليه ويُتشاور في أمر حَلِّه مع ممثل الشركة المحلي، وأن يتم ذلك بطريقة غير رسمية، وفي حالة فشل هذا الإجراء إذا ما كان النزاع خطيرًا فإنه يُحال إلى محكمة مشتركة تتكون من الشيخ والمعتمد البريطاني في البحرين. ونكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى مباحثات الشيخ عبد الله مع البريطانيين حول نفط قطر.
9964
| 14 يوليو 2014
استكمالاً لحديثنا عن الالتزام البريطاني بالمعاهدة وتطورها التاريخي، فقد طلب الشيخ عبد الله في 23 مايو 1925م من المقيم البريطاني تزويده بالأسلحة، بسبب التطورات الحاصلة في المنطقة، والشائعات التي تتردد عن احتمال عبور ابن سعود إلى الساحل الشرقي للجزيرة العربية في خريف ذلك العام مجتازًا حدود قطر. وطلب المقيم البريطاني في بوشهر من حكومة الهند تلبية رغبة الشيخ عبد الله وتزويده بـ 150 بندقية و1500 خرطوشة، ولكن حكومة الهند رفضت هذا الطلب أيضًا، وقررت تسليمه 50 بندقية كارباين و5000 مشط ذخيرة، على أن يدفع ثمنها، وعلى أساس أنه تسلم قبل ذلك 450 قطعة سلاح وفقًا لمعاهدة 1916م التي تحدد الكمية المطلوبة لاستعمال شيخ قطر بخمسمائة قطعة. وقد استاء الشيخ عبد الله من هذا الموقف الذي اتخذته حكومة الهند وبعث برسالة إلى المقيم البريطاني الكولونيل بريدو في شهر جمادى الآخرة 1344هـ يوافقه أول يناير 1926م يذكره فيها بأن معاهدة 1916م تنص على أنه يحتاج لخمسمائة بندقية ومائة مسدس في كل سنة، وأنه قد مضت عدة سنوات لم يطلب خلالها العدد المذكور من البنادق لأن ما لديه كان يكفي إلى حدٍّ ما، ولكن هذه الكمية فسدت بسبب الصدأ والاستعمال، كما نفدت الذخيرة حتى أصبح في حاجة إلى سلاح جديد، وذكر أن المحافظة على القانون والنظام في بلاد واسعة وعلى قبائل رُحَّل تهيم في الصحراء تتطلب 500 بندقية، ومعها 150 خرطوشة لكل بندقية، وأعرب عن أسفه لعدم استطاعته إعادة الأسلحة التالفة، كما سبق الاتفاق. وفي 9 يناير 1926م قام المقيم بزيارة الدوحة، فوجد الشيخ عبد الله في أشد حالات الاستياء لرفض حكومة الهند تلبية احتياجاته السنوية من السلاح وفقًا للاتفاقية المبرمة بهذا الشأن، وأبلغه الحاكم أن قبائله وسكان بلاده الذين يعيشون تحت حكمه يملكون أكثر من 500 قطعة من السلاح ولذلك فلابد له كحاكم وفي مواجهة الأسلحة التي تملكها القبائل البدوية مثل بني هاجر والنعيم والمناصير الذين يعتبرون موالين له رغم أنهم لا يقيمون في قطر على مدار السنة، ويقضون بعض الفصول داخل عمان المتصالحة، أن يكون لديه ما يطلبه من سلاح، كما أشار أيضًا إلى ضرورة تقديم الهدايا من الأسلحة والذخيرة لهذه القبائل من وقت لآخر لكسب رضاها، وأنه سيشعر بالعار إذا طلب من البدو أن يردوا البنادق التي سبق أن قدَّمها لهم، خاصة وأن البنادق سريعة العطب في أيديهم نظرًا لعدم توافر زيوت التشحيم لديهم. وفي خضم هذه الملابسات، انتهى المقيم البريطاني إلى أن حكومة الهند ارتكبت خطأ في سنة 1916م، فقد اكتشف أن بالمعاهدة التي وقعها برسي كوكس عبارة تقول: أعتقد أن الحجم السنوي لاحتياجاتي سيصل إلى 500 قطعة من السلاح. وأما في النسخة المكتوبة على الآلة الكاتبة، والتي تكوِّن الملحق الأول لخطاب السير برسي كوكس في 4 نوفمبر 1916م فقد حلت كلمة مبكرًا Early محل كلمة سنويًا Yearly، ويتضح هذا الخطأ من تعليق السير برسي كوكس الوارد في الفقرة الثالثة من خطابه والتي يتحدث فيها عن الإمدادات السنوية، وفي النسخة العربية وردت كلمة سنويًا على الصواب. من كل هذا يتضح أنه كان من المتعين على حكومة الهند أن تعيد النظر في قرارها، وأن توافق على آخر طلب تقدم به الشيخ في 16 يناير 1926م وهو 500 بندقية و75 ألف طلقة نارية، واقترح المقيم أن تشحن على الباخرة لورانس القادمة من بومباي في شهر مايو التالي، غير أنه لم يتبين هل وصلت هذه الشحنة أم لا؟ وقد استغل الشيخ عبد الله عدم تلبية طلباته من الأسلحة، فرفض في 10يناير 1926م أن يستقبل مندوبي شركة النفط الإنجليزية الفارسية من الجيولوجيين، كما رفض دخول رعايا حكومة الهند من البانيان إلى قطر متعللاً بنقص الأسلحة وبالتالي عدم استتباب الأمن. وبدخول سنة 1927م خفَّت حدَّة التوتر مع السعودية؛ حيث وقعت معاهدة جدة بين بريطانيا والملك عبد العزيز، وفيها يتعهَّد هو ورعاياه بالمحافظة على علاقات الصداقة والسلام مع الكويت والبحرين وقطر وشيوخ ساحل عمان الذين يرتبطون بعلاقات ومعاهدات خاصة، أضف إلى ذلك المشاكل الداخلية التي حدثت في السعودية مع الإخوان، والتي أدَّت للمؤتمر الذي عُقد في الأرطاوية، وما تلاه من أحداث. ولكن المشكلة عادت للظهور مع سنة 1930م، ومطالبة الشيخ عبد الله للحكومة البريطانية بالإيفاء بتعهد الحماية، ولذا اقترح المعتمد على الحكومة البريطانية مشروعًا للحماية وإن كان مقصورًا على مدينة الدوحة؛ لأن هذا هو أقل ما يرضي الشيخ عبد الله. وأوضح المعتمد سهولة حماية هذه المدينة لموقعها الجغرافي الذي يساعد على ذلك، وأيضًا لما أصبح عليه استخدام سلاح الطيران من سهولة، ثم عرض المعتمد النتائج المتوقعة فيما لو أبطأت الحكومة البريطانية في حماية قطر، ودعا إلى الحذر من ابن سعود؛ لأن وقوع الدوحة في قبضته يعني إحاطة الخطر بالبحرين على شكل حذوة، مما يهدد المصالح البريطانية ويعرضها لخسائر فادحة. وأخيرًا رفع المعتمد مطلب الشيخ عبد الله الخاص باعتراف الحكومة البريطانية بالشيخ حمد بن عبد الله وليًا للعهد، مؤيِّدًا هذا المطلب. زيارة المقيم البريطاني بسكو ثم جاءت زيارة المقيم البريطاني بسكو، بمرافقة المعتمد بريور، لمدينة الدوحة في 10 ديسمبر 1930م، وكانت لها نتائج مهمة فيما يتعلق باتضاح معالم المشكلة الداخلية في قطر أمام المقيم؛ وقد مكث المعتمد في الدوحة ثلاثة أيام أخرى بعد انتهاء زيارة المقيم، وذلك لدراسة الوضع والوقوف على دقائق الأمور، ورفع المعتمد تلك الدراسة إلى المقيم البريطاني، الذي اتخذ منها مرجعًا أساسيًا له عند عرض مسألة الحماية البريطانية على قطر على حكومة الهند في 7 يونيو 1932م، وذلك في وقت تبدَّت فيه حاجة الخطوط الجوية البريطانية إلى مطار للهبوط الاضطراري في قطر عند نقل خط الطيران المدني إلى الساحل الغربي، وقد أشار المعتمد إلى أن قطر في حاجة إلى دعم وضمان لحماية مدينة الدوحة، وأن أقصى ما يطلبه الشيخ عبد الله هو أن يمتدَّ الضمان ليشمل الساحل القطري كلَّه، ولذلك طلب المقيم من حكومة الهند الموافقة على تقديم هذا الضمان قبل الدخول في محادثات حول مطار الهبوط الاضطراري في الدوحة حتى لا يتشدد الشيخ إذا أحسَّ بحاجة الحكومة البريطانية إليه، وكذلك بسبب اتساع الفجوة بينه وبين ابن سعود في السنتين الأخيرتين. وكان المطار المقترح يحتاج إلى مساحة من الأرض تتراوح بين أربعة وخمسة أميال مربعة، بالإضافة إلى مساعدة الشيخ في توفير الخدمات العامة للمطار، مثل طرق النقل ووسائل حفظ المواد والأجهزة، وكانت هناك أهمية كبرى لهذا المطار، نظرًا لأنه يغطي المجال الجوي لإمارات الساحل جميعها. وفي رده على الدراسة التي قام بها المعتمد، عارض المقيم معارضة شديدة مطلب الشيخ عبد الله المتعلِّق بولاية العهد، وتأييد المعتمد له في هذا المطلب، وعلل المقيم ذلك بأن النظام الوراثي غير قائم على طول الساحل؛ إذ إن من المتعارف عليه هناك أن يجتمع مجلس العائلة عند وفاة الشيخ لانتخاب من يخلفه، وغالبًا ما يكون هو الأقوى بينهم، ولذلك فمن صالح الحكومة البريطانية أن يستمر الوضع في قطر على صورته الراهنة. مطار للهبوط الاضطراري للطائرات وفي 19 يونيو سنة 1932م أبرقت حكومة الهند إلى وزير الدولة لشؤون الهند تطلب الموافقة على اقتراح المقيم البريطاني في بوشهر، والمرفوع في 7 يونيو من نفس العام، بشأن إنشاء مطار للهبوط الاضطراري للطائرات في قطر، ومنح الضمانات اللازمة لشيخها. وبعد دراسة طويلة لهذا الاقتراح، والحصول على موافقة وزارة الطيران الملكي وقائد سلاح الطيران البريطاني في العراق، أصدر وزير الهند في لندن قراره في 6 أغسطس 1932م بالموافقة على إنشاء مطار الهبوط المقترح في الدوحة لخدمة خط الطيران الاستراتيجي؛ لما لهذا المطار من فائدة كبرى في مواجهة حوادث الطيران على الخط المدني، وفي حالات الهبوط الاضطراري. وأعلنت حكومة الهند موافقتها العامة على توصيات المقيم البريطاني بشرط أن تُقر وزارة الخارجية البريطانية شكل الحماية على قطر. وقد تمت موافقة وزارة الخارجية على أن تكون الحماية البريطانية على قطر إما مقصورة على مدينة الدوحة، وإما شاملة لسواحل قطر كلها، ذلك في حالة رفض الشيخ للوضع الأول، وبناء على ذلك قام المعتمد البريطاني بزيارة الشيخ عبد الله في مدينة الدوحة، وكان يحمل رسالتين من الكولونيل فاول المقيم السياسي في الخليج، إحداهما تتعلق باقتصار دعم الحكومة البريطانية على مدينة الدوحة وحدها، والثانية تتعلق بتوسع رقعة الدعم حتى تشمل مدينة الدوحة وكل ساحل قطر، وقد تُرك للكابتن بريور حرية التصرف وتقديم الرسالة الثانية إذا ما وجد أن هناك احتمالاً بعدم قبول الشيخ لمضمون الرسالة الأولى. وبعد استكشاف الوضع ومحاولة تلمس آراء الشيخ، قام الكابتن بريور بتقديم الرسالة الثانية، ولكن الشيخ عبد الله قابلها برفض قاطع، وأعلن أنه لا يرضى بما دون المعاهدة الرسمية التي تتضمن الحماية التامة شأنها شأن المعاهدتين المبرمتين مع البحرين والكويت. ونتيجة لهذا الموقف المتشدد الذي اتخذه الشيخ عبد الله، اقترح المعتمد البريطاني على حكومته موقعًا بديلاً عن مدينة الدوحة يصلح مهبطًا اضطراريًا وهو منطقة الزبارة أو دوحة فشاخ، كما اقترح المقيم أيضًا منطقة الريَّان كموقع لهبوط الطائرات بالقرب من الدوحة لصلاحيتها للهبوط الاضطراري عن طريق تحديد المكان بإلقاء أكياس مملوءة بالجير من الجو. وذكر الكابتن بريور في التقرير الذي رفعه للمقيم السياسي في الخليج بتاريخ 20 أغسطس 1932م حول الزيارة التي قام بها للشيخ عبد الله، وحول الموقف المتشدد الذي يتخذه الشيخ، أنه عرض على الأخير رسالة المقيم التي تمنحه قدرًا أكبر من الحماية، بحيث تشمل مدينة الدوحة وساحل قطر، لكن الشيخ رفضها على أساس أنها لا تفي بالغرض على الإطلاق، ووصفها بأنها قصيرة جدًا ولا تعدو أن تكون رسالة مرسلة من المقيم، ويقول بريور: انه أوضح للشيخ أن المقيم كتبها بناء على أوامر صادرة له من الحكومة البريطانية، ثم استفسر من الشيخ عما إذا كان يشك في وعد المقيم، فكان جوابه بالنفي، ولكنه أضاف أن المقيمين يأتون ويذهبون، ولعل الحكومة البريطانية تقول فيما بعد إن المقيم قد أخطأ، وبالتالي تمتنع عن احترام هذه الرسالة التي تتضمن الحماية المعروضة، ولا تلتزم بها. وأخبر الشيخ عبد الله المقيم البريطاني بأن الاتفاقية التي يجب إقرارها بين الطرفين إنما يتم التوصل إليها عن طريق تبادل مراسلات مختلفة بينه وبين الحكومة البريطانية ثم يحضر المقيم إلى مدينة الدوحة للتفاوض عن كثب، ويحدد المساعدة التي ستقدمها الحكومة البريطانية له، وأخيرًا يعتمدها ملك الهند نائب الملك. وأوضح المعتمد البريطاني في البحرين للشيخ عبد الله أن الحكومة البريطانية لا تعقد معاهدات رسمية حول أمور صغيرة مثل توفير مطار للهبوط الاضطراري قد لا تهبط فيه طائرة إلا من سنة إلى أخرى. ولكن الشيخ أجاب بأنه لا يهمه إن هبطت طائرة مرة أو خمسين مرة، وأرسل مع المعتمد رسالة إلى المقيم يخبره فيها بعدم الموافقة على إنشاء المطار في شبه جزيرة قطر. ومن أجل الضغط على الشيخ وحمله على الموافقة على إقامة مطار الهبوط الاضطراري في قطر، اقترح المعتمد أن تستغل بريطانيا فرصة اعتماد قطر على البحرين في الحصول على المواد الاستهلاكية وتمتعها بامتياز تخفيض الرسوم الجمركية على وارداتها من البحرين إلى 2 %، فتعمل على إعادة الرسوم إلى 5 % كما كانت من قبل، وقال المعتمد إن تنفيذ هذا الاقتراح سيكون بلا شك ضربة قوية موجَّهة للشيخ، وأنه سيعرِّضه حتمًا لضغط التجار حتى يوافق على مطالب الحكومة البريطانية لتعود الرسوم الجمركية إلى 2 % من جديد. ولكن هذا الاقتراح لم يقدر له أن ينفذ؛ لأن الحكومة البريطانية تشكَّكت في نجاحه. ونظرًا لتشدد الشيخ عبد الله في مسألة مطار الهبوط، اقترح الممثل السياسي في الخليج أن تستخدم لهذا الغرض كل من الزبارة ودوحة فشاخ، مع تفضيل الأخيرة. وفي 20 أغسطس 1932م عرض المعتمد البريطاني على المقيم حفاظًا على العلاقات بين بريطانيا وقطر من التدهور، النظر في أن تكون دوحة فشاخ هي المكان الذي يقع عليه الاختيار، وذلك لوقوعها في طرف شبه الجزيرة، في بقعة لا تجلب معارضة سكان قطر، الذين لم يعتادوا سماع أزيز الطائرات. وفي 24 أغسطس 1932م قرر وزير الدولة لشؤون الهند في لندن عدم الموافقة على مطالب الشيخ عبد الله بعقد معاهدة بين البلدين، وذلك بعد أن تخلت وزارة الطيران عن إصرارها على إنشاء مطار للهبوط الاضطراري، كما قرر تأجيل المسألة كلها إلى وقت أكثر ملاءمة، كذلك رفضت وزارة الطيران تقديم أي دعم مالي مقابل هذا المطار، ودعت إلى إنشاء مهبط الريان عن طريق إلقاء أكياس الجير من الجو. أما المقيم البريطاني فكان رأيه الذي أبلغه لحكومة الهند في 26 أغسطس 1932م، هو ضرورة التريث في مفاوضة شيخ قطر؛ لأنه من الممكن أن يتخلَّى عن موقفه المتصلِّب خلال أشهر قليلة، وذكر المقيم أن العرب لا يحبون التسرع في اتخاذ القرارات، وأنهم يميلون إلى الشورى مع أقاربهم وكبار رجال قبائلهم، وأضاف أنه شعر من إجابة الشيخ عبد الله بأنه ربما أمكن تسوية المسألة كلها عن طريق تبادل عدة رسائل بين الشيخ وبين المقيم، على أن يحضر المقيم إلى الدوحة لإجراء مفاوضات عن كثب تتناول جميع الأمور، ومنها المساعدة التي يمكن أن تقدَّم لقطر، وعلَّل المقيم سبب الدعوة التي تنادي باتخاذ قرار فوري بحاجة الخطوط الجوية البريطانية إلى خط جوي عربي يمر بقطر. وفي 20 أكتوبر 1932م تم إبلاغ الشيخ عبد الله برفض الحكومة البريطانية عقد معاهدة مقابل منحها التسهيلات اللازمة لإنشاء مطار الهبوط الاضطراري، كما أُعيد تذكيره بالإنذار الموجه إليه في 20 جمادى الأولى 1351هـ يوافقه شهر سبتمبر 1932م حول عدم التعرض للطائرات التي قد تهبط بالقرب من الريان، وفي نفس هذا التاريخ أبلغ المقيم حكومة الهند عن رغبة شيخ قطر في دراسة التسهيلات التي تطلبها الحكومة البريطانية عن طريق مفاوضات مع المقيم، وقد عبَّر الشيخ عبد الله في رسالة تسلمها المقيم عن تخوفه من قبائل معينة معادية له تريد إلحاق الأذى به، كما عبَّر عن استيائه من الإنذار البريطاني الذي يحمِّله نتائج الأعمال العدوانية التي قد تقع لبعض الطائرات، قائلاً: إن هذا ينافي مبدأ حرية الشعوب في ممارسة حقها في العيش داخل أراضيها. ونظرًا لفشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق، قامت الحكومة البريطانية بوضع علامات في منطقة الريان لاستعمالها كمطار لهبوط الطائرات عن طريق إسقاط أكياس الجير من الجو. وسرعان ما طرأ على الموقف عامل جديد، دعم موقف الشيخ عبد الله وإصراره على طلب الحماية، وذلك ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.
3478
| 08 يوليو 2014
مساحة إعلانية
أعربت إدارة نادي الغرافة الرياضي عن استيائها من مستوى الحوار الذي دار بين محلل قناة الكأس وممثل النادي، معتبرة أنه لم يكن بمستوى...
17124
| 31 أكتوبر 2025
أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، تحويل الدراسة في جميع المدارس الحكومية والخاصة إلى نظام التعلم عن بُعد يوم الثلاثاء الموافق 4 نوفمبر...
12960
| 30 أكتوبر 2025
أعلنت قطر للطاقة، اليوم الجمعة، أسعار الوقود في دولة قطر لشهر نوفمبر المقبل 2025، حيث شهدت انخفاضا في أسعار الجازولين 91 ممتاز، وسعر...
8430
| 31 أكتوبر 2025
أصدر الديوان الأميري البيان التالي: انتقلت إلى رحمة الله تعالى اليوم السبت 1 نوفمبر 2025 الشيخة مريم بنت عبدالله العطية، حرم المغفور له...
6806
| 01 نوفمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
توضح الهيئة العامة للجمارك أنواعالأمتعة والمتعلقات الشخصية والهدايا التي ترد بصحبة المسافرين والمعفاة من الجمارك. وتذكر جمارك قطر عبر موقعها الإلكتروني المواد المصرح...
6166
| 01 نوفمبر 2025
بعث حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، برقية تعزية إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن...
4334
| 31 أكتوبر 2025
أصدر سعادة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزير الرياضة والشباب القرار رقم (163) لسنة 2025 بتسجيل وإشهار هيئة رياضية بمسمى نادي لوسيل...
4074
| 30 أكتوبر 2025