رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1435

17222

الشيخ عبد الله بن جاسم قاد قطر تحت وطأة أزمة اقتصادية

17 يوليو 2014 , 04:19م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

عندما تسلَّم الشيخ عبد الله بن جاسم رحمه الله الحكم كان العالم يمر في فترة دولية حرجة؛ حيث اشتعلت نيران الحرب العالمية الأولى، وتلتها الحرب العالمية الثانية، وعانت بلدان الخليج كافة بما فيها قطر من ظروف اقتصادية صعبة كانت تصل إلى حدِّ المجاعة في بعض الأحيان، ثم إن منطقة الخليج نفسها أصبحت محط صراع جديد بين القوى البريطانية والأمريكية والفرنسية، وقد أدركت هذه القوى ما للخليج من أهمية اقتصادية كبيرة يمكنها أن تؤثر على اقتصاداتها تأثيرًا مباشرًا، فبعد أن كان الصراع خلال العقود الماضية على هذه المنطقة ينطلق من مطامع إستراتيجية وتجارية، تحول هذا الصراع إلى صراع مبعثه دوافع اقتصادية قبل أي شيء آخر.

أحوال اقتصادية سيئة

وقد كانت أحوال التجار وتجارة اللؤلؤ تمر في فترة العشرينيات من القرن الماضي بحالة صعبة، وقد طرأ عليها تحسن في عام 1925م، ولكن للأسف عادت أحوال اللؤلؤ إلى السوء في عام 1929م الأمر الذي جعل الكثير من القطريين يشغلون أنفسهم بتجارة السلاح ونقل العبيد، وراح الناس يفكرون في مستقبلهم بقلق، ويتحوَّلون عن منازلهم بحثًا عن أماكن أفضل، وكان عام 1930م أسوأ من سابقه، وأفلس بعض تجار اللؤلؤ والنواخذة قادة السفن.

وقد كثر الأخذ والرد بين الإحساء من جهة والبحرين وقطر وأبو ظبي من جهة أخرى في صدد هرب البعض من مديونياتهم، ولا عجب فإن مجموع مبيعات اللؤلؤ القطري في تلك السنة قدِّر بخمسين في المائة من السنة التي سبقتها، وقد بدأت تقع حوادث غارات ونهب، كما أن الصراع المرير بين الحكومة السعودية والإخوان في الاحساء زاد من أحوال القلق والضائقة المالية.

وفي عام 1931م تفيد تقارير المقيمية بأن اقتصاد قطر والقطيف بخاصة تدمر تمامًا بسبب انحطاط حال السوق فيما عدا بعض القماش اللؤلؤ الرخيص السعر الذي ظل محتفظًا بشيء من قيمته في أسواق الهند.

وقد بلغ سوء الحال بالناس أن الكثيرين ضاقوا ذرعًا بحاجتهم لتدبير المؤونة، وقيل إن أوعية التمر كانت تُؤخذ وتبلُّ بالماء ليذوب ما عَلِق بقاعها وأطرافها من بقايا التمر ليكون من ذلك عصير باهت يعين بعض الشيء على الجوع.

وفي تلك الأحوال كثرت الخلافات بين كبار التجار والطواويش لعجز البعض عن الوفاء بحقوق الآخرين، كما لوحظ انتشار الأوبئة كالملاريا.

وإذا رجعنا إلى الرسائل الواردة من بعض التجار كمحمد بن عبد اللطيف المانع إلى الشيخ عبد الله نراه فيها يشكو عدم العثور على مشتر للؤلؤ كان عنده للشيخ عبد الله، كما ينصح للشيخ بشدة ألا يأخذ من أحد لؤلؤًا إلا أن يكون ذلك وفاء بدين لا يمكن تحصيله بغير تلك الطريق.

وقد أعلن تجار كبار من البحرين إفلاسهم، وهبطت قيمة ثروات بعض التجار إلى 4 % من رأس المال السابق بالنظر لحالة البوار المهلكة.

انتعاش الطلب على اللؤلؤ

وكذلك السنوات التي تلت إلا سنة 1941م؛ حيث خالفت السنوات التي قبلها وبعدها، وذلك من ناحية انتعاش الطلب على اللؤلؤ، فقد ورد في تقارير المقيمية في هذا الصدد أن السوق نشطت كثيرًا في الهند سنة 1941م الأمر الذي ترك أثره في كمية الصيد لتلك السنة، كما أتى الحظ بالعثور على لآلئ كبيرة، وقد سجلت أسعار اللؤلؤ في البحرين ارتفاعًا قدره خمسون في المائة عن سنة 1940م، إلا أن هذه الصورة المشرقة كانت وقتية، وربما حصل ذلك التحسن نتيجة قلة المعروض من اللؤلؤ في السنوات السابقة، وحيث إن مهراجات الهند والطبقة الميسورة هناك كانوا يشكلون مصدر طلب دائم للؤلؤ، فإن حدوث انتعاش وقتي في السوق كان أمرًا طبيعيًا، ولكن الطبيعي أيضًا هو أن تحدث الحرب العالمية تأثيرها الحاسم في موضوع اللؤلؤ، فنحن نرى أن تجهيز سفن الغوص أصبح مشكلة ضخمة من جرَّاء قلَّة المؤن المتوافِّرة في الأسواق، والارتفاع الفاحش في أسعارها؛ حيث أصبحت هذه القضية هي مشكلة المشاكل في الخليج اعتبارًا من منتصف سنة 1941م.

وفضلاً عن ذلك فإن سوق باريس المهمة كانت قد أصبحت مغلقة منذ استيلاء الألمان على العاصمة الفرنسية صيف عام 1940م، وعلى وجه العموم فإن أوروبا والعالم باستثناء شذوذ الطلب من الهند سنة 1941م كانوا جميعًا أكثر انشغالاً بالحرب والأزمات الناشئة عنها من أن يعيروا كبير اهتمام لبضاعة من بضائع السِّلم والأمان كاللؤلؤ.

ويمكن أن نلخص أهم العوامل التي ساعدت على تدهور صناعة الغوص في الخليج العربي عامة وفي قطر خاصة، بالتالي:

1 — الحرب العالمية الأولى بين عامي 1332هـ 1337هـ يوافقه 1914م 1918م وانقطاع تجارة الغوص.

2 — الدالوب وهي العاصفة التي لحقت بأسطول الغوص عام 1343هـ يوافقه 1925م في قطر وما جاورها، والتي تسمى بسنة الطبعة.

وقد أدت إلى كارثة إنسانية في منطقة الخليج عامة، وظهرت فيها معادن الرجال، يحكي سلمان الكواري رحمه الله والذي عمل وعمره ست سنوات على سفينة لسلطان بن محمد الكواري تبَّابًا، وكان اسم السفينة جوهر السفن، وكانوا في هير يسمى بالهمبار، فيقول: جاء الإعصار ليلاً ونحن بالقرب من الهمبار، فهاج البحر وصار الموج كالجبال يتلاطم من شدة هذا الدالوب، وكانت السماء تمطر علينا غبارًا وحصى، وكنا لا نسمع إلا الصراخ، وبفضل الله ورحمة منه بعباده نجونا من هذه المحنة، وما أن هدأت العاصفة وطلع النهار حتى سمعنا الأصوات تنادي من كل صوب، فذهبنا نحو سفينة محطمة وبعض الرجال عليها، فوجدنا الشاعر المعروف عبد الرحمن بن مبارك الكواري المشهور بابن بريك، هو وأصحابه وأنقذناهم، وكان للنوخذة ارحمة بن منيف الكعبي موقف بطولي؛ إذ أنقذ ما يقارب 200 رجل رغم المعارضة التي واجهها من بحارته الذين خافوا أن تغرق السفينة بهم، لكنه قال قولته الشهيرة: إما أن نحيا جميعًا أو نموت جميعًا، وأقسم أن ينقذ كل من يشاهده على طريقه، وهذه من مواقف الرجال الطيبين الذين يخافون الله عز وجل.

3 — اختراع اليابان للؤلؤ الصناعي، والذي تم تسويقه بأسعار رخيصة من أواخر سنة 1920م.

4 — الكساد العالمي الكبير بين عامي 1926م 1945م الذي أصاب أوروبا والولايات المتحدة وأدى إلى انحسار صناعة الغوص وتجارته وتدني أسعاره.

5 — قيام الحرب العالمية الثانية بين عامي 1358هـ 1364هـ يوافقه 1939م 1945م والتي انعكست على اقتصاد صناعة الغوص.

6 — بروز صناعة النفط في الخليج العربي وقدرتها على تحويل العمل والعمال من الغوص إلى النفط للعمل في نشاطاتها.

وبهذه العوامل وصلت صناعة الغوص إلى حد الانهيار الكامل، وأفلس النواخذة من كبار رجال القبائل والعائلات القطرية، وكل من يقوم على صناعة الغوص، وانتشرت البطالة وعمَّ الفقر في مرحلة صعبة شهدها المجتمع القطري اقتصاديًا.

يقول حسن بن ناصر الراشد: كان المجتمع متكافلاً جدًا، وكان الناس قريبين من بعضهم البعض، لقد كنا يدًا واحدة.

أثناء فترة الحرب العظمى " الثانية " وما قبلها مرت علينا 9 سنوات لم يعد لدينا ما نأكله، كانت سنوات صعبة واشتدت بعد ذلك عندما نفد كل ما لدينا من طعام، وبدأ الناس بالهجرة للعمل في أماكن أخرى بسبب ظروف الحرب.

ويقول جاسم بن قرون: مرت الأيام وتعطل الغوص، وأصبح الذين يذهبون له قليلون، أصبحت الأحوال صعبة، بعد أن كانت عشرات السفن تخرج للغوص، وأصبح معظمها معطلاً لدرجة أن المحمل التعبان إيشلخونه يكسرونه ويستعملون أخشابه لإقادة النار، وكانت الحبال والمجاديف يجيبونها في سوق واقف ويبيعونها.

الآليات البخارية

ومن الأمور التي استحدثت في عملية استخراج اللؤلؤ، أن بعض الطواشين المقتدرين استخدم اللنجات المزودة بالآلات البخارية للتنقل بين سفن الغوص، مما سبب خسارة كبيرة للطواشين الصغار، الذين تقدموا بعريضة يشكون فيها إلى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة رحمه الله، فأرسل باليوز البحرين للشيخ عبد الله رحمه الله يستفسره عن هذا الأمر، ويعرض عليه رأي الشيخ حمد رحمه الله، وقد اتفق رأي الشيخ عبد الله رحمه الله معه بأن يمنع ذلك لما فيه من ضرر على الطواشين الصغار، وأما الذين خرجوا باللنجات البخارية فإنه تعطى لهم رخصة إلى موعد القفال أي الرجعة، وذلك لأنهم لن يجدوا في الوقت الراهن سفنًا شراعية لائقة بحالهم.

وقد حاول الشيخ عبد الله بن جاسم — رحمه الله — إدخال عدد من الإصلاحات على نشاط الغوص؛ حيث قام بإنشاء دفاتر لتدوين شؤون تجارة اللؤلؤ، واتباع نظام محاسبي في توزيع الإيراد كما كان متبعًا في البحرين، وذلك بسبب الشكاوى الكثيرة التي تقدم بها الكثير من العاملين في الغوص بعد كساد صناعة الغوص إلى الشيخ عبد الله ضد النواخذة.

وفي محاولة منه لإصلاح الوضع الاقتصادي وتخفيف الأزمة، قام الشيخ عبد الله باستدعاء النواخذة، وأخذ عليهم تعهدًا بإطاعة أوامره في الأحكام التي قد يصدرها في غير صالحهم، في أية قضايا أو شكاوى مقدمة ضدهم سواء من الغاصة الفقراء أو من الأغنياء الممولين لصناعة الغوص على السواء، وألا يغضبهم هذا الإجراء الذي يتوخَّى من ورائه تحقيق العدالة.

وفي المقابل تعهد الشيخ أن يمدهم بالمال اللازم للقيام بعمليات البحث عن اللؤلؤ من ماله الخاص، وأن يسدد عنهم ديونهم المتأخرة والمستحقة عليهم لبعض التجار، على أن يشاركهم بنسبة من الربح عند استطاعتهم للسداد.

وتركزت هذه الإصلاحات في تنظيم الدفعات التي يدفعها النواخذة إلى الغاصة، وذلك عن طريق تقليل حجم المبالغ المدفوعة مقدمًا وهي: التسقام، والسلف، والخرجية، لتخفيف ديون الغاصة.

وكانت هذه المبالغ تعطى للغاصة والسيوب كديون، تسجل على ذمة إيراد الرحلة، وتحتسب عليها فوائد معينة لصالح الممول، وكان النواخذة في السابق يقدمون دفعات كبيرة، وبأرباح مرتفعة، ومن جرائها أصبح الغاصة مدينين لهم مدى حياتهم، ولكن في ظل اللوائح الجديدة أصبح التسقام وهو أولى الدفعات التي تقدم للغاصة والسيوب والبحارة في الشتاء قبل موسم الغوص غير ضرورية، في حين ظلت الدفعات التي تقدم على أساس السلف والخرجية معمولاً بها في ظل اللوائح الجديدة، كما كان النواخذة في السابق يقومون بإقراض الغاصة كميات إضافية من الأرز والتبغ فضلاً عن القروض المالية الصغيرة، ولكن في ظل لوائح الإصلاحات لم يعد مسموحًا للنواخذة بتقديم هذه القروض ما عدا المبالغ المقدمة والمنتظمة فقط.

أما بالنسبة للحسابات فأصبح لكل غواص دفتر حسابات صغير يحتفظ به، يحمل اسمه واسم النوخذة الذي يعمل معه، وفي حالة ما إذا كان الغواص يعمل مع أكثر من نوخذة، فهنا يكون لكل نوخذة دفتر خاص به، وكان يسجل في الدفتر في خانة المدين كمية الدين المستحقة على الغواص للنوخذة الذي يعمل معه، أو كمية الدين الذي يستحقه النوخذة السابق، والدفعات المقدمة، أما في خانة الدائن فكانت تُسجَّل مكاسبه.

تحسين نظام الغوص

ورغم هذه المحاولات من الشيخ عبد الله — رحمه الله — لتحسين نظام الغوص، وتخفيف الضغط المالي على الغاصة، وتحمل الكثير من المبالغ من أمواله الخاصة، فقد استمرت الأزمة الاقتصادية؛ حيث كانت كابوسًا حلَّ على المنطقة، وأكبر من جميع المحاولات الإصلاحية، وقد أكثر الشعراء من ذكر هذه المحنة التي مرت بهم، يقول الباحث القطري علي الفياض: مرت على منطقة الخليج العربي سنوات عدة بين عام 1930م إلى عام 1936م تقريبًا، وقعت فيها ضائقة مالية شديدة، وعسرة عظيمة؛ حتى أطلق أهل الخليج على تلك السنوات اسم "سنة العسر"، وكانت تلك الأزمة الاقتصادية بسبب اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الياباني الذي نافس اللؤلؤ الطبيعي وكسد أسواقه، وقل الطلب عليه، فتدنت أسعاره وتراجع تراجعًا شديدًا أمام منافسه الجديد.

وأصبح الناس في محنة وبلاء كبير، إذ شحت مصادر الرزق وضاقت الأرض بما رحبت على أهل هذه المنطقة نظرًا لأهمية اللؤلؤ والغوص لاستخراجه في حياتهم، وتوفير قوتهم وقوت عيالهم، فكما هو معلوم أن حرفة الغوص في الماضي هي مصدر الرزق الوحيد في الخليج.

وقد تأثرت كل الطبقات بهذه المحنة القاسية الخانقة، وعبر الشعراء عن أحاسيسهم تجاهها، فهذا الشاعر جاسم جيلاه من شعراء الدوحة، يقول في قصيدة طويلة معبرًا عن تلك الظروف الصعبة:

يا هل المروة يا هل القيل تكفون

قولوا معي في ذا السنة يا هل العون

الشاعر اللي ذا السنة ما تهيض

قوله بلا معنى ولا هو بمتكون

قولوا معي ساعدوني بهمة

هذي السنة اللي تستحق المذمة

كم واحد في ذا السنة زاد همه

خطر يطر الجيب ويصير مجنون

وقد أجابه عدد من الشعراء في قطر منهم الشاعر المعروف سعيد بن سالم البديد المناعي؛ إذ يقول:

هاض الغرام وهيض القيل بفنون

من ذا السنة اللي بها الناس يحكون

اتفاقية امتياز النفط

وفي سنة 1354هـ يوافقه 1935م وقعت اتفاقية امتياز النفط بين الشيخ عبد الله رحمه الله والشركة الإنجلو إيرانية، وأخذت الأوضاع تتحسن شيئًا فشيئًا بإيجاد عدد من فرص العمل، بعد الكساد الذي حصل لتجارة اللؤلؤ، الأمر الذي أدى كما مر إلى تعطل الناس عن أعمالهم، وخسارة مدخراتهم.

وقد كان توقيع هذه الاتفاقية بشارة خير، وأمل في تحسن الأوضاع، وحرص الشيخ عبد الله — رحمه الله — كل الحرص لكسب هذا الأمر بأفضل السبل، وتوظيف أكبر عدد من القطريين في الشركة؛ ليضمن لهم دخلاً ثابتًا، وحياة كريمة، ونجد ذلك جليًا واضحًا في أثناء الكثير من المكاتبات والمراسلات التي كانت تدور بين الشيخ عبد الله والشركة.

ونكمل حديثنا عن الأزمة الاقتصادية في الحلقة القادمة، إن شاء الله تعالى.

مساحة إعلانية