رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

5065

ابراهيم الماس: 10 باصات نقلت فريج الهتمي إلى كشتة في أم القهاب

27 يناير 2022 , 07:00ص
alsharq
حوار: محمد علي المهندي

نستضيف في مجلس الشرق الأستاذ والخبير التربوي إبراهيم يوسف الماس من مواليد عام 1950، نبحر في ذاكرته ونغوص في أعماقها ونستخرج من مخزونها الذكريات الجميلة، التي تحمل عبق الماضي الجميل، بدءاً من ولادته في فريج الهتمي مروراً بدراسته في مدرسة الخليج العربي الابتدائية، ثم انتقل للدراسة بالمعهد الديني المرحلة الإعدادية ثم المرحلة الثانوية، وقصة انضمامه للنشاطات الرياضية والاجتماعية والتحنيط، ويتذكر أحداث الستينيات من الأمطار الغزيرة التي هطلت على قطر عام 1964 م وسببت كوارث، حيث خارت البيوت وتم ايواء الأهالي في المدارس والقسم الداخلي، ونعرج على مشاركته في مسابقة القرآن الكريم السنوية، ويتحدث عن يوم العلم وتكريم الطلاب والمهرجانات المدرسية التي تنظمها وزارة المعارف في حقبة الستينيات.

ولادتي في فريج الهتمي

كانت ولادتي في فريج الهتمي بمنطقة شرق، وذلك في عام 1950، عشت وترعرعت ونشأت في هذه المنطقة القريبة من البحر، وكانت تضم خليطاً من أهالي قطر من الهتمي والمالكي والسميطي والماس وغيرهم من قبائل قطر، كانت طفولتنا جميلة وبريئة، وأبواب البيوت كانت مفتوحة لأنه يوجد الأمن والأمان، وكنا نتنقل بين بيوت الجيران ونعتبرهم أهلنا، وكانت البيوت مكونة من عدة غرف، وكان في كل بيت (ليوان) وجليب للماء، وعريش نستظل به وننام عليه في الليل وبخاصة في فصل الصيف، وكان في كل بيت سدرة والبعض فيه أشجار اللوز والبمبر، كنت ألعب مع أقراني الألعاب الشعبية القديمة البسيطة مثل الدحروج والبلبول والقلينة ماطوع والخشيشة وبوسبيت حيّ لوميت، والتيلة وغيرها من الألعاب التي تمارس في تلك الفترة، وكنا نحب السباحة في البحر وصيد السمك.

والدي كان نوخذة

كان والدي نوخذة ويعمل في البحر على ظهر السفن، وكان جدي يمتلك عدة سفن تجوب عباب البحر في الخليج، وذلك من أجل التجارة وتوصيل المسافرين، لأنه لم تكن في تلك الفترة سيارات أو طائرات بل الاعتماد على السفن البحرية، وذكر لي والدي أنه كان يقوم بنقل سيارات الشيوخ الذين يذهبون للقنص في إيران على ظهر السفينة الخشبية وكذلك الخدم والعاملين مع الشيوخ، ثم انتقل والدي للعمل في شركة شل وبعدها انتقل للعمل في شركة نفط قطر المحدودة، وأخيراً عُيّن إمام مسجد راشد بن خليفة بفريج الهتمي.

القلوب كانت صافية

كانت قلوبنا صافية وكنا سعداء، وكانت الألفة والمحبة والترابط بين أهل الفريج، لم أدرس عند الكتاتيب (المطاوعة) بل دخلت المدرسة النظامية ودرست في البداية في (مدرسة شرق) الصف الأول ابتدائي، وكنا نذهب مع بعضنا البعض ونسولف أثناء الطريق، كانت حياة المدرسة حلوة وجميلة، نتعلم ونرسم ونمارس الرياضة في المدرسة، ونشارك في النشاطات المدرسية، ومهما اختلفنا مع بعضنا كأطفال وشباب لكننا ننسى بسرعة ونتصالح ونساعد بعضنا بعضاً وكانت الحياة حلوة رغم بساطتها.

مدرسة الخليج العربي

في عام 1960 افتتحت مدرسة الخليج العربي الابتدائية القريبة من المطار ذات البناء النموذجي الجميل، وكان طابور الصباح يقام في فناء المدرسة، كانت تلك المدرسة روعة في الجمال وكانت الغرف مكيفة الهواء وبها ملاعب كرة سلة وطائرة ويد وصالة للتنس والإسكواش، وملعب كرة قدم كانت تقام عليه بعض مباريات دوري الأندية والمدارس، وتوجد أنشطة كثيرة في المدرسة، وكنت أشارك في النشاط المدرسي ومهتما بالرياضة "كرة القدم والطائرة والتنس والجمباز"، والتحقت بفرقة الأشبال والكشافة التي تعلمك الاعتماد على النفس وتعوّدك على الصبر وتغرس فيك القيم النبيلة وحب الوطن والانتماء، وقد جذبتني هواية تحنيط الطيور والحيوانات وكانت جديدة علينا، كانت وزارة المعارف تصرف لنا رواتب شهرية كحوافز وكنا سعداء، كما كانت تصرف لنا أيضاً كسوة الشتاء والصيف وهي عبارة عن ملابس شتوية وصيفية وأحذية، وكذلك يعطوننا وجبات غذائية.

هوايتي كانت التحنيط

كنت من هواة فن التحنيط، والذي دفعني وشجعني أستاذ مادة العلوم المربي الفاضل الأستاذ علي فرج هاشم الأنصاري، الذي كان يدرسنا في مدرسة الخليج العربي، وقد تعلمت فن كيفية التحنيط على يديه، وكنا بعد المدرسة نذهب للبحث عن الحيوانات وطيور البحر والبر بأنواعها والأسماك وغيرها، ونأتي بها للمدرسة ونقوم بتحنيطها وذلك بعد استخراج الأمعاء منها وتنظيفها ووضع المحلول عليها خوفاً من التعفن ونضع القطن بدل الأحشاء، وقد أقمنا معرضاً في نهاية العام الدراسي، والأستاذ علي فرج الأنصاري كانت لديه كمية كبيرة من أعمال التحنيط المختلفة، وكان يأمل أن تكون هذه الأعمال الفنية موضوعة في متحف الفن الطبيعي كسائر متاحف العالم لكي يطلع عليها السياح، ولكن أتلفت هذه الأعمال ورميت في مزبلة التاريخ ولم تتم الاستفادة منها رغم أنها ثروة فنية قومية كان يستفاد منها مستقبلا للمتحف وتعريف السياح على التاريخ الطبيعي من الحيوانات والزهور والنباتات القطرية والطيور التي تسكن في قطر.

الأمطار الغزيرة أغرقت منازلنا

في ستينيات القرن الماضي هطلت على قطر أمطار غزيرة وبخاصة في عام 1964 م واستمرت أكثر من عشرة أيام وأغلقت المدارس والمؤسسات الحكومية، وكنا سعداء بنزول المطر نحن الأطفال نلعب ونلهو وكنا نضع خيشة على رؤوسنا لكي تقينا من الأمطار، أما الرجال فلدى البعض منهم مظلات تقييهم من حرارة شمس الصيف وتحميهم شتاء عند نزول الأمطار، وأتذكر خارت أغلب البيوت القديمة المبنية من الطين والبعض منها تهدم، وتضرر أغلب الأهالي وتم نقلهم إلى المدارس الحكومية وإيواؤهم فيها، وكنا نحن من ضمن الذين سكنوا في مدرسة الخليج العربي التي تحولت لمركز إيواء أهالي المنطقة وكانوا يزودوننا بالوجبات الغذائية، كما حوّل مبنى القسم الداخلي إلى مركز ايواء عدد كبير من الأسر القطرية المتضررة من الأمطار، وكان قسم التغذية التابع لوزارة المعارف في تلك الفترة يعمل ليل نهار ويزودهم بالوجبات الثلاث الرئيسية، وكان تعاون أهل قطر مع المتضررين كبيرا كل يساعد الآخر.

كشتة فريج الهتمي

أذكر في إحدى سنوات فترة ستينيات القرن الماضي وبعد نزول الأمطار اكتست الروّض باللون الأخضر وكنا نشم ريحة النباتات البريّة الجميلة، وقد قامت مجموعة من الأسر التي تقطن في فريج الهتمي بكشتة إلى روضة ام القهاب القريبة من الجميلية حملتهم عشرة باصات، ومن المشاهد التي لا تفارق مخيلتي كان منظر الأسر مجتمعة واعتقدت أن فريج الهتمي انتقل إلى منطقة أم القهاب، واجمل منظر أعجبني هو قيام السيدات بإعداد وتجهيز طعام الغداء في الهواء الطلق متعاونات مع بعضهن البعض، أما الرجال فكانت مهمتهم نصب الخيام وجلب المياه وحمل الأغراض الثقيلة، وكنا نحن الأطفال والشباب نلهو ونلعب الألعاب الشعبية وكرة القدم والطائرة، بالإضافة لقيام البعض منا بصيد الطيور عن طريق (الحبال)، وكنا فرحانين ومسرورين، والأهالي سعداء بالمناظر الخلابة وشم رائحة النباتات الجميلة والترفيه عن أنفسهم ويتجاذبون أطراف الحديث وهم في قمة سعادتهم، كان أهل قطر يذهبون للكشتة (التنزه) بعد نزول الأمطار والاستمتاع بالطبيعة، وفي الوسمي كانوا يذهبون إلى البحث عن الفقع وخاصة اللون الأبيض الزبيدي الذي يتميّز بريحة زكية ويؤكل الفقع كل حسب طريقته، ويفضل مع المجبوس واللحم.

لعبت مع نادي التحرير

لقد مارست الرياضة مع أقراني في الفريج واشتركت ولعبت مع فريق نادي التحرير الرياضي، والذي يقع في فريج شرق، بحكم سكني في فريج الهتمي، حيث لعبت كرة قدم وكرة الطائرة، والتنس (كرة الطاولة)، وأذكر دربني المدرب صلاح دفع الله على ملعب التحرير في الستينيات، كما لعبت مع فرق المدارس، وأحرزت المركز الثاني في تنس الطاولة على جميع مدارس قطر في فترة ستينيات القرن الماضي، بينما أحرز المركز الأول عبدالواحد جاسم السميطي الذي كان من أفضل لاعبي التنس في قطر بتلك الفترة.

تكريمي في يوم العلم

من الذكريات الجميلة في حقبة ستينيات القرن الماضي هو تكريم الطلاب خريجي المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية وإعدادية مدرسة الصناعة والمعهد الديني، وخريج الثانوية العامة بقسميها الأدبي والعلمي ومدرسة التجارة الثانوية ودار المعلمين، والصناعة الثانوية والمعهد الديني الثانوي وكذلك خريجي طلبة الجامعات القطريين، ودأبت الوزارة على قيام هذا الاحتفال سنوياً، وكنا نلبس وشاحا ملونا موحدا لكل مرحلة، ويقوم بتكريمنا ومنحنا الشهادات سعادة الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني وزير المعارف في تلك الفترة، وكانت الوزارة تطبع كتيبا يحمل جميع أسماء الخريجين من كل المدارس والجامعات ليكون ذكرى للطالب، وبحضور كبار الشخصيات وأولياء أمور الطلبة، وتقام مناسبة الاحتفال بيوم العلم في قاعة الاحتفالات بقسم التغذية التابع لوزارة المعارف.

المعهد الديني

بما أنني نشأت وتربيت في بيئة دينية، فقد أشار عليّ والدي الالتحاق بالمعهد الديني في المرحلة الإعدادية، وكان مبنى المعهد الديني نموذجاً جديدا من المدارس التي تم بناؤها في تلك الحقبة، حيث تم في البداية استخدامه كمدرسة إعدادية ثانوية ثم تم نقل الإعدادية لمدرسة قطر القريبة من مستشفى الولادة القديم الذي يطلق عليه (مستشفى حمدة) وتم بناء مدرسة جديدة بجوار المعهد خصصت لطلبة الثانوية، وكانت المنطقة تضم مدرسة ابوبكر الصديق الابتدائية، والصحة المدرسية واستاد الدوحة وكوارتر لسكن المدرسين (العزاب)، كانت الدراسة في المعهد تشبه دراسة الجامعة فهي صعبة ومناهج التدريس قوية والمواد دسمة والكتب كبيرة وتتعب الطالب لكن لها استفادة علمية كبيرة في المستقبل وتأسس الطلبة على قاعدة تعليمية صلبة وتزيد من ثقافتهم الدينية وبخاصة كتاب منار السبيل في الفقه على المذهب الحنبلي، ويكون الطالب متسلحاً بالعلم عند دخوله الجامعة، وكان المعهد الديني منار إشعاع حيث يلقي العلماء الذين يأتون من خارج قطر المحاضرات لطلاب المعهد الديني، وأذكر كان مدير المعهد الديني الشيخ يوسف القرضاوي، كما أذكر بعض المدرسين منهم الشيخ عليوة مصطفى والشيخ عبدالمعز عبدالستار، والشيخ عبداللطيف زايد، وموسى عبدالمحسن وغيرهم، والمعهد الديني خرّج جيلا مثقفا تبوأ مناصب قيادية في الدولة كوزراء وسفراء، أذكر منهم عبدالعزيز بن تركي والدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري والدكتور محمد عبدالرحيم كافود والدكتور مصطفى عقيل وغيرهم.

وحدة تحفيظ القرآن الكريم

اهتمت وزارة المعارف في خمسينيات القرن الماضي بتحفيظ القرآن الكريم للطلاب، وأنشئت وحدة تحفيظ القرآن الكريم التي لاقت إقبالا كبيراً، وخرّجت أجيالا كثيرة، وكانت الوزارة تساهم في تشجيعهم بتخصيص مكافآت مالية لحفظة القرآن.

مسابقة القرآن الكريم السنوية للمدارس

جرت العادة منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي بإقامة مسابقة القرآن الكريم لطلاب مدارس قطر بإشراف وزارة المعارف في تلك الفترة، وكانت هناك لجان متخصصة لإجراء اختبارات على الطلبة، وكان المعهد الديني هو مقر لجان الامتحانات، وبعد نجاح الطلاب، تقام حفلة سنوية في قاعة الاحتفالات بقسم التغذية لتكريم حفظة القرآن الكريم، وتوزع عليهم الهدايا العينية المتنوّعة من ساعات وأقلام وراديوهات ومسجلات وثلاجة ماء بلاستيكية، وكانت تحضر فرق الكشافة القطرية للمشاركة في تنظيم الحفل السنوي، ثم يدعى الجميع إلى حفل تقدم فيه ما لذ وطاب من المأكولات، وكنا سعداء بالمشاركة وبالهدية والتكريم.

مهرجانات المدارس السنوية تجذب العوائل

كانت المهرجانات التي تقيمها المدارس في آخر العام جميلة جداً وتجذب الأسر وأولياء أمور الطلبة وعوائلهم لمشاهدتها خاصة المعارض التي تعرض فيها نتاج ومشغولات الطلبة من عمل لوحات فنية، ونحت على الخشب والجبس، وزراعة النباتات، وتحنيط الحيوانات والطيور والحشرات وغيرها، كما تقام منافسات الألعاب الرياضية، وكنت أنا ألعب في تلك الفترة ضمن فريق الجمباز، حيث كنا نمارس هذه الهواية تحت إشراف مُدرسيّ الرياضة وكنا سعداء بهذه اللعبة الجديدة، ومن ذكرياتي في هذه اللعبة كنا نقدم عرضا أمام أولياء الأمور وبدأ زميلي عبدالحميد الأنصاري في التقدم ولكن يبدو عليه الاحراج وأخطاء ولم يعد يتحرك رغم أنه كان في التمارين جيداً وذلك بسبب رهبة الحضور الجماهيري، وعندما جاء دوري توكلت على الله وبدأت التمارين بالمشي على يدي حتى وصلت إلى جهاز المتوازي وقدمت استعراضات على الجهاز في تلك الفترة نالت استحسان الجمهور وأخذ يشجعني ويصفق لي بحماس.

مهرجانات المدارس والأزاهير وتحرير الجزائر

كان استاد الثانوية والذي تم تغييره إلى استاد الدوحة يستضيف سنويا منذ أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي المهرجان المدرسي العام للأزاهير، وتقام فيه استعراضات من قبل فرق الأزاهير بألوان ملابسهم الزاهية وحملة الأعلام، وفرق الحربية، وتقدم مدرسة الصناعية استعراضات جميلة على الأدوات التي تم صنعها في المدرسة، لكن الأجمل كان تقديم قصة تحرير الجزائر وقدمت فقرة عن المناضلة الجزائرية (جميلة بوحريد)، وكان هناك استعراض وحرب بين الجزائريين والفرنسيين على أرض الملعب وكانت الجماهير الغفيرة التي اكتظ بها الاستاد تتفاعل مع هذه الأحداث، وبالفعل كانت أياما جميلة لا تنسى في تلك الحقبة الجميلة من الزمن الجميل.

مساحة إعلانية