رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد سلعان المري

MohammedSelaan@

doha_qatar@msn.com

مساحة إعلانية

مقالات

192

محمد سلعان المري

البحث عن الزمن الضائع!

01 سبتمبر 2025 , 01:14ص

ليس الزمن المقصود في استعارة هذا العنوان زمن بروست في «البحث عن الزمن الضائع»؛ فذاك زمن منسي يمكن أن يُستعاد بالسرد الروائي. أمّا زمننا فهو زمن مهدور في فراغ رقمي يبدّد كل قيمة حقيقية للوقت والإنتاجية. ومع ذلك، فإن هذا الزمن المستنزَف يكشف عن طاقة كامنة في الانتباه تتولّد حين يجتمع الناس حول إشارة أو كلمة واحدة، فيحوّلونها إلى حدث جماعي يترك أثرًا قيميًّا ومجتمعيًّا.

ولعلّ أوضح تجلٍّ لهذه الطاقة الكامنة ما جسّدته حملة «دوام» التي أطلقتها قطر الخيرية مؤخرًا بهدف «التذكير بمفهوم المداومة على فعل الخير، ولفت الانتباه إلى أهمية الاستمرار في البذل والعطاء والإحسان». حيث لفتت الحملة أنظار المجتمع بكلمة واحدة ظهرت على اللوحات الإعلانية والمنصات الرقمية، فأيقظت فضول الناس وأطلقت سيلًا من التخمينات: أهو إعلان عن وظائف؟ أم مشروع جديد؟ أم مبادرة حكومية؟… حتى تحوّلت الكلمة البسيطة إلى لغز جماعي شدّ انتباه الجميع، وقدم نموذجًا عمليًا لما يُعرف بـ»اقتصاد الانتباه».

ففي العالم الرقمي الحديث لم يعد الانتباه مجرد خاطر عابر، بل صار سلعة تُباع وتُشترى. وكل لحظة نمضيها أمام الشاشة تتحوّل، في إطار «اقتصاد الانتباه»، إلى قيمة تسويقية تُضاف إلى رصيد طرف آخر. ولهذا تنخرط المنصات الرقمية في سباق محموم تديره خوارزميات متطورة تلاحق آثارنا على الشبكة. وهكذا استحالت كل مشاهدة أو إعجاب أو متابعة، بصماتٍ تُلتقط لتتكرر وتُضخَّم، وتُبنى عليها حالة رقمية تُبقينا مشدودين ومُستنزَفين في آن واحد.

وهذا الاستثمار في الانتباه ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى سبعينيات القرن العشرين، حين صاغ عالم النفس والاقتصاد الأمريكي هربرت سيمون مصطلح «اقتصاد الانتباه»، مشيرًا إلى أن وفرة المعلومات تُفضي بالضرورة إلى ندرة في الانتباه. ثم مع بزوغ الإنترنت وصولا إلى تصدر منصات التواصل المشهد الرقمي، غدا هذا المفهوم حجر الزاوية في فهم الطريقة التي تُدار بها المنصات الكبرى، وفي الكيفية التي تبني بها نماذجها الربحية على اجتذاب انتباه المستخدمين أكثر من اعتمادها على جودة المحتوى.وبترسّخ هذا المفهوم، لم يعد السؤال: ماذا أريد أن أتابع؟ بل: ماذا تريد الخوارزميات أن أتابع؟ ومن ثمّ لم يعد المحتوى يُنتَج من أجل الإفادة أو التثقيف وحدهما، بل ليجذب القارئ ويشدّ انتباهه أولًا. وهكذا وجد المستخدم نفسه وقد انضم، طواعيةً ومن حيث لا يدري، إلى عملية الإنتاج؛ فصارت أنشطته الرقمية تمدّ المنصات ببيانات تُستثمر لاحقًا في التنبؤ بسلوكه وتوجيهه، داخل منظومة بُرمجت لتجعله أسيرًا رقميًا في قبضة الخوارزميات.

وثمن هذا الأسر يُدفع، إلى جانب الساعات المهدورة، من إنتاجيتنا وعلاقاتنا الاجتماعية. فنحن في غفلة ما دمنا لا ننتبه إلى استئثار المنصات الرقمية بالحصة الكبرى من زمننا؛ إذ كل لون يلمع، وكل إشعار يرنّ، وكل نغمة تقتحم صمتنا، ليست سوى شباك صغيرة تشدّنا إليها. لتزداد الكلفة مع تبعثر تركيزنا، وتراجع تحصيلنا، وتكاثر الأعراض المقلقة التي تغذّيها المقارنات المستمرة وصور حياة مثالية لا وجود لها إلا على الشاشات. يبقى اقتصاد الانتباه سيفًا ذا حدَّين؛ أحدهما يغرقنا إن انجرفنا وراء سطحياته، والآخر ينفعنا إذا وُجِّه بوعي وتربية إعلامية تُعلِّمنا كيف نصون انتباهنا ونستثمره فيما يفيد. وقد نصّ إعلان الدوحة للتربية الإعلامية والمعلوماتية منذ عام 2013 على هذا التوجّه، مؤكّدًا منذ وقت مبكر أن بناء الوعي الإعلامي يبدأ من المدرسة والجامعة، وأن ترسيخه يحتاج إلى سياسات عامة وشراكات بين الإعلام والمجتمع. غير أنّ هذه الجهود تظل ناقصة من دون ممارسة مجتمعية وثقافة إعلامية واعية، تصون انتباهنا من الهدر وتعيد إلينا زمام وقتنا.

اقرأ المزيد

alsharq «يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب

هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي، ويخفق عالياً فوق جميع السواري، على إيقاعات «العرضة»، وأهازيجها الوطنية،... اقرأ المزيد

177

| 18 ديسمبر 2025

alsharq وللوطن جمال

نعم للوطن جمال بما تحمله كلمة الجمال من معانٍ ومساحات وأفراح وأشواق، إنها فطرة فطر الله تعالى الإنسان... اقرأ المزيد

150

| 18 ديسمبر 2025

alsharq الفساد منظومة متكاملة وهكذا مكافحته

اختتمت قبل أيام في الدوحة، النسخة التاسعة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في... اقرأ المزيد

96

| 18 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية