رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
اختتمت قبل أيام في الدوحة، النسخة التاسعة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد، تأكيداً على مواصلة قطر نشر رسالتها في تعزيز ثقافة مقاومة منظومات الفساد المتنوعة، عبر تكريم النماذج الملهمة في هذا المجال من أفراد ومؤسسات حول العالم.
الجائزة باختصار كما جاء في التعريف بها على موقع الديوان الأميري الرسمي، تعتبر «مساهمة من سمو الأمير حفظه الله في جهود مكافحة الفساد، الذي يُعتبر آفة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تعيق التنمية والتقدم والتطور، حيث تم رصد جائزة عالمية بالتعاون مع الأمم المتحدة تحمل اسم سموه، وتُمنح سنوياً للمتميزين في مجال مكافحة الفساد، سواء عن طريق التوعية والتثقيف والإرشاد، أو عبر نشر ثقافة النزاهة. وتهدف الجائزة إلى تشجيع الإبداع المقاوم للفساد، وتحفيز الطاقات الشابة لنبذه ومكافحته، بالإضافة إلى زيادة الوعي بأهمية دعم المبادرات الرامية للقضاء عليه».
الفساد بشكل عام في أي زمان وأي مكان، ليس مجرد سلوكيات فردية، أو حالات معزولة، بل هو منظومة متكاملة ومعقدة في أحيان كثيرة، حيث تتشابك فيها المصالح وتترابط فيها الأدوات والآليات التي تعمل على حمايته واستمراره.
ومن الطبيعي أن أي منظومة معقدة كمنظومات الفساد المتنوعة، أنها تستخدم طرقاً متعددة، وأساليب خفية من أجل ضمان بقائها وسلامة رموزها، أو الفاعلين فيها، بدءاً من استغلال النفوذ بطرق احتيالية ذكية، وانتهاءً بتبرير الانحراف عن القيم والمبادئ !
الفساد وقصة من التاريخ
في التاريخ القديم الذي يقصه القرآن، اشتهرت قرية مَدْين بين الأمم الغابرة بفساد اقتصادي عميق حتى صار معروفاً مكشوفاً بين القرى في ذلكم الزمان، بالإضافة إلى ما كانت عليه القرية أساساً من فساد فكري وعقدي، وكان فسادها أساساً في ظهور شبكات ومنظومات أخرى فاسدة بعد ذلك، والتي لم تكن تدخر جهداً في كسب الأموال بكل الطرق المتاحة وغير المتاحة، وإن كانت جلّها غير متوافقة، لا مع شرع سماوي، ولا عُرف اجتماعي، ولا حتى قانون أو عرف تجاري.
الإشكالية الكبيرة حينذاك أو في قرية مدين، أن الفساد كان قد تغلغل وتعمق في البلاد حتى صار منظومة متكاملة، لها وسائلها وأدواتها وآلياتها ورموزها، بل بنفوذها صارت تؤثر على توجهات وقرارات الحكومة حينها !! وقد بلغت المنظومة حداً لم يجرؤ أحد أن يقف في وجهها، أو التصادم معها، حتى جاء خطيب الأنبياء، شعيب عليه السلام ليقوم بالمهمة الصعبة، وقد كان ظهوره مفاجأة للمنظومة كلها. ووجه المفاجأة بدا في تلكم الجرأة التي كان عليها شعيب وبضع أشخاص على دينه وفكره، يكشفون أعمال وسوءات تلك المنظومة الأخطبوطية واسعة النفوذ والانتشار والتأثير والترهيب، والمتغلغلة في عروق المجتمع وشرايينه !
الفساد وهو ينتفض
رغم علم منظومات الفساد بوجاهة شعيب، واحترامهم لعشيرته وإن لم تكن على دينه أيضاً، إلا أن ذلك لم يمنعهم من البدء في تهديد متدرج له ومن معه، وضرورة التوقف عن دعوته تلك، وألا يقف في وجههم، أو بعبارة أخرى، ليس من الحكمة أن يقف شعيب في وجه منظومة - الفساد - في البلاد، لأنها أقوى منه ومن عشيرته بكثير، أو هكذا تعتقد أي منظومة فاسدة في كل زمان ومكان. فلا هي تريد التوقف عن إفسادها في الأرض، ولا تريد في الوقت نفسه أحداً يتحدث عنها بسوء، أو يحاول مجرد إشغالها فضلاً عن التصدي لها وكشفها !
شعيب - عليه السلام - استغرب من انغماس كثيرين من مواطني القرية في هذا الفساد الاقتصادي الذي لم يكن له ما يبرره، فكان يقول لهم (إني أراكم بخير) ويقصد أن وضع القرية الاقتصادي مريح جداً، وقد فتح الله عليهم من بركاته ورزقه، فلماذا هذا الفساد، أو التطفيف والغش في تعاملاتهم وأكل أموال الناس بالباطل؟ ولماذا أصلاً تظهر منظومات فاسدة عندهم، رغم أن الأوضاع لا تستدعي اللجوء لأساليب وطرق الغش والاحتيال والنصب وبقية مصطلحات الفساد؟!
هكذا كان لسان حال وواقع النبي شعيب وهو في مواجهاته المتنوعة معهم.. ولولا خشيتي - أو هكذا قال شعيب - أن يُنزّل الله عذابه عليكم، ويسلبكم ما أنتم عليه من الاستقرار وسعة الرزق وبحبوحة العيش، ما دعوتكم ونهيتكم عن هذا الذي أنتم عليه.. لكن هل لانت قلوبهم وخشعت؟
بالطبع لا، بل ازدادت المنظومة فساداً وقسوة وتأثيراً على البلاد كلها، حتى لم تبق حجة تمنع نزول العذاب، كما كانت سنن الله في القرى والأمم الغابرة، فكان يوم الظُّلة، حيث احتباس الهواء وارتفاع الحرارة، ثم غيمة عظيمة تأتي فيسرع إليها الفاسدون قبل غيرهم، فلعل ظلها يخفف عنهم بعض ما كانوا فيه وعليه من جفاف وسخونة الطقس، لتمطرهم ناراً أحرقتهم وأبادتهم جميعاً ( كأن لم يغْـنوا فيها ).
من وسائل كشف الفساد
نعود من التاريخ تارة أخرى إلى الواقع، حيث لا أنبياء ولا مرسلين لمواجهة شبكات ومنظومات الفساد، لنقول بأن من أبرز أدوات ووسائل كشف الفساد اليوم، والوصول إلى شبكاته المتعددة المعقدة، وأحد أهم الأسلحة في مواجهة تلك المنظومات ومكافحتها، هي ما نسميها بالصحافة الاستقصائية، التي يلعب العاملون فيها دوراً بارزاً مهماً مؤثراً، خاصة إن وجد أولئك العاملون تعاوناً بناء فاعلاً من كافة مؤسسات المجتمع.
الصحافة الاستقصائية حين تجد مساحات كافية من حرية العمل، ودعماً من جهات متنفذة في أي مجتمع، يمكنها أن تلعب دورها الحقيقي المؤثر في كشف ما يُخفى عن الناس، وتسليط الضوء على شبكات المصالح، التي تحاول العبث بالمال العام وإفساد القيم، بفضل شجاعة وجسارة العاملين القائمين على تلك التحقيقات الجريئة، المبنية على أدلة وشواهد وإثباتات مادية، والتي تُسهم دون شك في تعزيز مسألة الشفافية، ومُساءلة المسؤولين، ما يجعل من هذا النوع من الإعلام ركيزة أساسية لحماية المجتمع من الفساد وشبكاته المتعددة.
لكن الصحفيين الاستقصائيين، ولخطورة المهام التي يقومون بها، تراهم يواجهون دوماً مخاطر جسيمة على شكل تهديدات مباشرة لهم، أو أهليهم ومصالحهم الشخصية المتنوعة، ما يدعو إلى أهمية وضرورة توفير تشريعات وقوانين تحميهم من الملاحقة والتهديد، وتكفل لهم كذلك حق الوصول إلى المعلومات بكل أريحية، إلى جانب ضرورة دعمهم مؤسسياً ونقابياً وشعبياً، وتأمين بيئة عمل آمنة لهم تضمن استقلاليتهم، وتحصنهم ضد أي ضغوط سياسية أو اقتصادية، أو غيرها من ضغوط متنوعة، إضافة إلى أهمية حماية المبلغين عن الفساد والمفسدين.
لكن الأهم من حماية الصحفيين الاستقصائيين، هو حماية المجتمعات نفسها التي يعيش فيها أولئك الصحفيون، من منظومات الفساد وشبكاتها، وقسوتها على من يتجرأ ويحاول كشفها. وحماية المجتمعات تبدأ منطقياً ببناء مؤسسات قوية تقوم أساساتها على مبادئ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون. أي كلما كان النظام الرقابي فاعلاً مؤثراً، والإدارة العامة نزيهة أمينة، كلما تقلصت فرص الفساد في أن يتغلغل بين ثنايا المؤسسات المختلفة.
إلى جانب ما سبق، تأتي التربية الدينية والأخلاقية، والتوعية المجتمعية المستمرة، لتلعب دوراً جوهرياً مهماً في تعزيز ثقافة النزاهة، ورفض ثقافة الواسطة والمحسوبية، والرشوة وما شابهها.. ثم مرة أخرى يبرز ها هنا دور الإعلام الحر، وضرورة تعاون المجتمع بمؤسساته المتنوعة معه، والعمل كشريكين في كشف الممارسات المشبوهة، ومحاسبة الفاسدين. ثم من بعد ذلك تطبيق العقوبات على شبكات الفساد المختلفة والعاملين فيها بكل حزم وعدالة في الوقت نفسه.. هذه بعض ركائز يمكن للمجتمعات أن تصون نفسها من الفساد، وتؤسس لبيئة متعاونة متماسكة خالية من الفساد والمفسدين، يسودها العدل والشفافية.
خلاصة ما يمكن تسطيرها في ختام هذا الحديث، أنه رغم القدرة المؤقتة لأي منظومة فاسدة على التخفي والتغلغل في مؤسسات المجتمع، إلا أن سنن الحياة والكون وقوانينها الطبيعية العادلة، تقتضي أن ينكشف أمر تلك المنظومات الفاسدة نهاية المطاف، مهما طال الزمن، أو تراكمت وكثرت المحاولات لحمايتها، فالحقيقة لا بد أن تظهر، والفساد مصيره إلى زوال، عاجلاً أم آجلا.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
د. عـبــدالله العـمـادي
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
894
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
744
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
690
| 15 ديسمبر 2025