رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من خلال متابعتنا لما يدور حول التعليم المستقل "المدارس المستقلة" من جدل وجدال وضجة إعلامية صحفية وإذاعية عبر صحفنا المحلية وبرامجنا الإذاعية باعتباره النظام التعليمي الوحيد المتاح حاليا، واعتبارا من بداية العام الدراسي القادم وفقا لآخر التصريحات الرسمية، والتي أعقبت جلسة مجلس الشورى التي تمت فيها مناقشة القضية وتقييمها من وجهة نظر أعضاء المجلس لما لاحظوه من شكاوى وتذمر وإحباط واستياء وسخط أولياء الأمور في جميع مراحل التعليم من سلبيات هذا النظام وما يشوبه من قصور، لاحظنا أن هناك أخذاً ورداً، وشداً وجذباً، وغمزاً ولمزاً، وتصريحاً وتلميحاً، وتشكيكاً وتجريحاً، واتهام أولئك الكتاب أصحاب الأقلام الحرة بالتخلف أحيانا، وبمعاداة التجديد والتغيير والتطوير والنجاح أحيانا أخرى من قبل أصحاب التراخيص والمؤيدين لهذا النظام، والمدافعين عنه ضد كل ما يكتب من وجهات نظر لا تتوافق مع وجهات نظرهم الشخصية.
وتعليقا منا على ذلك، فلا نرى ما يدعو لكل هذا التشنج والتعصب والغضب غير المبرر على ما يكتب من نقد بنّاء يخدم القضية الوطنية الأولى (التعليم) في نهاية المطاف. فكلنا مع التغيير والتجديد والتطوير، ولكننا لسنا مع التجديد لمجرد التجديد، ولسنا مع أي تغيير، بل مع التغيير للإصلاح والتحسين والارتقاء بالعملية التعليمية، ونرى أن كل ما يكتب من آراء ووجهات نظر تصب جميعها في هذا الاتجاه حيث الحرص على الأداء الأفضل، ووفقا لمعايير المنطق والموضوعية المبنيّة على الأسس العلمية للتغيير المستهدف.
ونتيجة لما كُتب، وما أُذيع من انتقادات موضوعية مستندة إلى واقع ملموس ومحسوس يراه كل متابع لسير العملية التعليمية من أفراد المجتمع، واستجابة لنداء التقطير، وتقطير الهيئة التدريسية في المدارس المستقلة، اتخذت هيئة التعليم خطوتها الأولى إلى الأمام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة المدارس المستقلة، وما يرافقها من دعاية وإعلان وتلميع وبهرجة إعلامية، والعمل على حل مشكلاتها التعليمية وغير التعليمية مع الطلبة وأولياء أمورهم، وتحسين صورتها في عيون أفراد المجتمع القطري الساخط، فبادرت بمد جسور الاتصال والتواصل مع موظفي وزارة التعليم والتعليم العالي من خلال اجتماع موسع جمع قادة المجلس الأعلى للتعليم بأقطاب الوزارة أملا في استقطاب ما يمكن استقطابه من الكوادر الوطنية التربوية المؤهلة من معلمين وموجهين وإداريين وخبراء تعليم، وتشجيعهم على العمل في التدريس في المدارس المستقلة بهدف التقطير من جهة، وتطبيب التعليم المستقل العليل من جهة أخرى.
ويبدو للعيان، والمتابعين لمجريات الأحداث من خلال الصحف المحلية، ووسائل الإعلام الأخرى، أن البادرة جيدة لاحتوائها على مضامين مشجعة كثيرة معلنة بوضوح، مثل الراتب الأساسي وفقا لبنود ومواد قانون الموارد البشرية، وما يرافقه من بدلات وعلاوات، ومكافآت، واستحقاقات، وغيرها. ناهيك عن العلاوات التشجيعية المقترحة من قبل هيئة التعليم، مع التأكيد على ضمان الأمن الوظيفي للعاملين بهذه المدارس، وكل هذه مضامين مادية. أما فيما يتعلق بالمضمون المعنوي، غير المباشر، فيكمن في الاجتماع ذاته، فمجرد الاجتماع مع أطباء التعليم القدامى وخبرائه لبحث مشكلات التعليم الجديد وعلله، وتشخيصها لعلاجها، يعتبر في حد ذاته رد اعتبار لكل معلم محيّد ومغيّب عن مشروع التعليم الجديد منذ انطلاقته الأولى سنة 2004، حيث ينظر إليه على أنه عبء على التعليم لمرحلة جديدة، ودواء قديم لا يصلح لعلاج العلة الجديدة. ففي العرض من وجهة نظرنا المتواضعة رد اعتبار للمعلم الممارس لعمله حاليا (المتواجد على الساحة التعليمية، وعلى رأس عمله) من جهة، وللمعلم المُسَرّح من الوظيفة، والمحال على التقاعد أو على البند المركزي لعدم صلاحيته لمرحلة تعليم جديدة من جهة أخرى. وهذا يعني أنه لا غنى عنك أيها المعلم في أي مرحلة تعليمية كانت، فأنت الطبيب المداوي، والقادر بعلمك وخبراتك الميدانية على تشخيص العلل والمشاكل التعليمية، وتحديد أسبابها، والعمل على علاجها من جذورها.
ولنا مع هذا العرض التشجيعي وقفة. فلا شك أن هذه الإغراءات سخية ومجزية، ولكنها لا تتعدى في مضمونها العام الإطار المادي البحت لتعلقها في المقام الأول بالناحية المالية للمعلمين، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، وهذا مطلوب دون شك، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون مغريا لكل الكوادر التربوية الوطنية، ولذا، فربما تكون هذه المغريات كفيلة باستقطاب بعض هؤلاء المعلمين والمعلمات للعمل في المدارس المستقلة، إلا أنها غير كافية لاستقطاب كل الكوادر الوطنية الجيدة، وذلك لأنها لم تدق على الجرح الحقيقي لمشكلة العزوف عن المهنة والنزوح منها. وذلك لأن الوضع المادي للمعلم في هذه المرحلة التعليمية ليس هو السبب الوحيد في رفض الالتحاق بالتدريس في هذه المدارس، بل هناك سبب وجيه آخر، وربما رئيسي، ويشكل هاجسا كبيرا لفئة ليست بالقليلة من هؤلاء المعلمين، وهي لغة التدريس الأعجمية (الإنجليزية)، وليست العربية حيث يجد الكثير من المعلمين والمعلمات انفسهم أمام عقبة كبيرة في التعامل والتواصل مع بني جنسهم والمتحدثين بلغتهم الأم ومواطنيهم بلغة غير لغتهم الأصلية القادرين من خلالها على الاتصال والتواصل وتوصيل المفاهيم بسهولة وسلاسة وطلاقة دون تعثر وارتكاب أخطاء لفظية وارتباك وحرج، وربما سخرية في كثير من المواقف من قبل المتعلمين الذين ربما يكونون ملمين بهذه اللغة بحكم مراحلهم السنية والتصاقهم بوسائل الاتصال المعاصرة مثل الكمبيوتر والانترنت والقنوات الفضائية والإعلام الغربي وثقافته غيرها.
ومن هنا، وتعزيزا لمحاولة الاستقطاب هذه، نناشد قادة التعليم لمرحلة جديدة أن يحَكّموا العقل ويسيّدوا المنطق، ويصححوا المسار، ويتخلوا عن المكابرة، ويكملوا إحسانهم، ويعزّزوا عرضهم السخي ويوسعوه ليشمل لغة التدريس وتعريبها، وتعظيمها حيث عظمها الله سبحانه وتعالى وكرمها باختيارها لغة لكتابه العزيز "القرآن الكريم". وفي هذا التزام بقرار مجلس الوزراء الخاص باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للدولة، وتفعيل لقرار وزيرة التربية والتعليم السابقة من بعده باعتماد اللغة العربية لغة اتصال وتواصل داخل الصفوف الدراسية في المدارس المستقلة. وبذلك تلقى هيئة التعليم قبولا لعرضهم السخي من قبل معلمي ومعلمات الوزارة دون تردد خصوصا في ظل ما رافق هذا العرض من امتيازات وضمانات، وإغراءات مالية، وعلاوات، وبدلات، وأمن وظيفي، واستقرار نفسي. فالتدريس بلغة غير لغة المعلم والمتعلم الأصلية عبث واستهزاء ومهانة لكرامة المعلم غير المتقن لهذه اللغة، وتشويه لصورته أمام المتعلمين، وخصوصا أننا أمة "اضحك".. نضحك على بعضنا البعض عند ارتكابنا لأي خطأ، ونتصيد أخطاء بعضنا البعض، ونسخر من بعضنا البعض في حالات التعثر في الحديث، وغياب الطلاقة والسلاسة في المواقف التعليمية أمام المتعلمين. فالمعلم بمظهره وعلمه وأساليب تدريسه ولغته الواضحة وطلاقته وسلاسة حديثه يعتبر نموذجاً وقدوة حسنة للمتعلم، وبذلك ترتقي مكانته الاجتماعية، وتتشكل صورته في ذهن المتعلمين، وأي خدش في هذه الصورة يؤثر سلبا على مكانته في الصف أمام المتعلمين أولا، وفي المجتمع ثانيا. أما التدريس باللغة العربية من قبل المتحدث بها والمتقن لمفرداتها بنسبة 100%، والملم بصغائرها، والمطلع على خفاياها، يضمن تفاعلا صفيا، وتعليما جيدا، وتعلما نافعا. وذلك نتيجة لقدرة المعلم القطري، بحكم ثقافته العربية على توصيل الرسالة العلمية والمحتوى العلمي التعليمي من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقيم تربوية بكفاءة عالية إلى جمهوره وتلاميذه المتحدثين بنفس اللغة، والمنتمين إلى نفس الثقافة، والملمين بمفرداتها حيث إنها بالنسبة لهم لغة اتصال وتواصل فعالة. وليس هذا فحسب، بل هي لغتهم الأولى، ولا يعرفون غيرها في التواصل مع بعضهم البعض في الصف والمدرسة والحي والبيت، فلماذا التواصل بينهم وبين معلمهم بلغة غيرها. وما ذنب المعلم القطري المتميز والملم لمادته العلمية إذا لم يتقن التحدث باللغة الإنجليزية والتواصل من خلالها؟ وهل يعقل لهذا المعلم القطري في بلده وعلى أرضه في هذه المرحلة الجديدة من التعليم أن يختار بين التدريس باللغة الإنجليزية أو الخروج من الميدان التربوي لأن لغته العربية لا تصلح للتدريس في هذه المرحلة؟ فأين يذهب هذا المعلم؟ وأي باب يطرق في ظل غياب الخيارات الأخرى من نظم التعليم؟ فهذا يعني أنه لا مكان لهذا المعلم في بلده وعلى أرضه؟ وهناك حالة واقعية ماثلة أمامنا وردت عبر برنامج "وطني الحبيب صباح الخير" في أسبوعه الأخير لهذه الدورة الإذاعية، وهي حالة معلم الأحياء القطري المؤهل الذي تقدم لوظيفة مدرس في مدرسة مستقلة، ولم يقبل طلبه لأنه لا يتقن التحدث والتدريس باللغة الإنجليزية؟ فما مصير هذا المعلم "المواطن"، وغيره من المعلمين الآخرين من أمثاله؟ سؤال يبحث عن إجابة منطقية تخاطب العقل وتحترمه، ولا تغيبه وتستغفله.
وختاما، نضم صوتنا إلى صوت زميلنا في الميدان التربوي السيد راشد الفضلي، ونتفق معه في كل مقترحاته الرامية إلى تحسين الوضع التعليمي والارتقاء بالعملية التعليمية، واستقطاب الكوادر الوطنية للمساهمة في التعليم لمرحلة جديدة. (جريدة الشرق.. العدد رقم 7672.. الخميس 18 يونيو 2009).
كيف يُدار العجز دون المساس بأساسيات الموازنة
أودّ توظيف مفهومٍ يُعرف بـ المشتقة الجزئية (Partial Derivative) كإطار تحليلي في استعراض الموازنة العامة لسنة 2026، وذلك... اقرأ المزيد
270
| 16 ديسمبر 2025
الفورمولا 1 من التراجع إلى العالمية
في عام 2016، كانت سباقات الفورمولا 1، تعاني من تراجع شعبيتها وعلامتها التجارية. فقد انخفضت أعداد الحضور والمشاهدين،... اقرأ المزيد
84
| 16 ديسمبر 2025
هوية الاعتبار.. من باب الاعتزاز
تزامناً مع اليوم الوطني لدولة قطر، لا شك بأن أفضل وأنسب ما يكتب خلال هذه الفترة ما يتعلق... اقرأ المزيد
138
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
al-saai@qu.edu.qa
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1254
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025