رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يُعدّ اليوم الوطني لدولة قطر محطةً أساسية في الوعي الوطني، إذ يُعيد إلى الأذهان لحظة التحوّل من مجتمع قبلي متفرّق إلى دولة موحّدة ذات سيادة، تقف على أسسٍ متينة من التاريخ والهوية. إنّ دراسة نشأة الدولة القطرية لا يمكن أن تُفهم بمعزل عن سياقها التاريخي والإقليمي، إذ تشكّلت قطر ضمن بيئةٍ خليجية معقّدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وشهدت تفاعلاتٍ متواصلة بين القوى المحلية والإقليمية والدولية منذ القرن السابع عشر الميلادي وحتى اليوم.
أولًا: البيئة التاريخية والاجتماعية لقيام الكيان القطري كانت شبه الجزيرة القطرية، بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي المطلّ على الخليج العربي، محورًا للتجارة والملاحة منذ العصور القديمة. ومع تزايد النشاط التجاري بين الهند وبلاد الرافدين وشبه الجزيرة العربية، أصبحت قطر ملتقى للقوافل البحرية، مما أسهم في ظهور مراكز عمرانية صغيرة على الساحل مثل الزبارة والدوحة والوكرة.
ومع بدايات القرن الثامن عشر، أخذت ملامح المجتمع القطري تتبلور حول أنشطة اقتصادية رئيسة مثل صيد اللؤلؤ والتجارة البحرية، وهي أنشطة تطلبت التنظيم والتعاون بين القبائل الساحلية. وفي تلك المرحلة بدأت قطر تبرز ككيانٍ متميز عن محيطها الجغرافي، مع بروز شخصيات قيادية من آل ثاني الذين مثّلوا عنصر توحيد وتوازن في مجتمعٍ قبلي متنوع.
ثانيًا: مرحلة التأسيس وبروز الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني يُعدّ الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني (1825–1913م) المؤسس الحقيقي لدولة قطر الحديثة. فقد ورث عن والده الشيخ محمد بن ثاني الحكمة والحنكة السياسية، وسار على نهجه في توطيد أركان الحكم وتوحيد القبائل تحت راية واحدة.
وفي فترةٍ شهدت تنافس القوى الإقليمية (العثمانية والبريطانية)، أدرك الشيخ جاسم أن الحفاظ على كيانٍ قطري مستقلّ يتطلب مزيجًا من الواقعية السياسية والصلابة الوطنية، فعمل على تحقيق الاستقلال الذاتي دون الدخول في صدامٍ مباشر مع القوى الكبرى.
لقد مثّلت معركة الوجبة سنة 1893م نقطة تحولٍ حاسمة في تاريخ قطر؛ إذ أظهرت قدرة القطريين على الدفاع عن أرضهم ضدّ محاولات الهيمنة الخارجية، ورسّخت مكانة الشيخ جاسم قائدًا وطنيًا ورمزًا للوحدة والاستقلال. ومنذ ذلك التاريخ، يمكن القول إن ملامح الدولة القطرية أخذت شكلها المؤسسي الأولي، حيث بدأت الدوحة تتحوّل إلى مركزٍ إداري وسياسي رئيس.
ثالثًا: التأسيس كعملية تاريخية متراكمة
من الخطأ النظر إلى تأسيس دولة قطر كحدثٍ واحدٍ أو تاريخٍ محدد، بل ينبغي النظر إليه بوصفه مسارًا تاريخيًا تراكميًا امتدّ عبر عقود.
فما بدأه الشيخ محمد بن ثاني من توطيدٍ للقيادة، وطوّره الشيخ جاسم من تأسيسٍ للكيان السياسي، استمرّ مع خلفائه في صورة بناء مؤسسات وإدارة الموارد وتنظيم الشؤون العامة.
إن هذا التراكم هو الذي جعل من قطر دولةً ذات شرعيةٍ تاريخيةٍ متجذّرة، لا وليدة ظرفٍ طارئ أو استعمارٍ مفروض.
رابعًا: الأسس الفكرية والسياسية للتأسيس
يمكن تلخيص فلسفة التأسيس القطري في ثلاثة مبادئ محورية:
1. الاستقلال والسيادة: فقد كانت قطر منذ بداياتها حريصة على إدارة شؤونها الداخلية بعيدًا عن الوصاية، سواء من القوى الإقليمية أو الدولية.
2. الشرعية القائمة على الإجماع الاجتماعي: إذ نشأت القيادة السياسية من توافق القبائل والبيوتات القطرية، لا من فرض القوة.
3. الموازنة بين الانفتاح والهوية: حيث حرصت الدولة الناشئة على الانفتاح على العالم العربي والإسلامي دون التفريط في الخصوصية القطرية والخليجية.
خامسًا: جهود البناء والتحديث المبكر
في النصف الأول من القرن العشرين، شهدت قطر تحولاتٍ مهمة مع ظهور النفط بوصفه موردًا اقتصاديًا جديدًا، ما أتاح للحكومة القطرية تطوير البنية التحتية وتحديث الإدارة.
ومع تولي الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني (1949–1960م) الحكم، بدأت معالم الدولة الحديثة تتشكل:
• تأسيس أولى الدوائر الحكومية.
• تنظيم التعليم والرعاية الصحية.
• تطوير العلاقات الدبلوماسية مع العالم الخارجي.
ثم تواصلت مسيرة البناء مع الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، الذي أعلن استقلال قطر عام 1971م، فدخلت البلاد مرحلة جديدة من التطور المؤسسي والسياسي.
سادسًا: اليوم الوطني… رمز الذاكرة والتجدد في كل عام، حين تحتفل قطر بيومها الوطني، فإنها لا تحتفي بميلاد دولة فحسب، بل تُجدّد عهدها مع قيم التأسيس الأولى: الوحدة، السيادة، الإخلاص، والعمل.
إن اليوم الوطني ليس تكرارًا لاحتفالٍ رسمي، بل هو تجسيد للذاكرة التاريخية التي تذكّر الأجيال بأن ما تحقق اليوم من نهضة وتنمية ومكانة دولية هو امتدادٌ مباشر لتلك الجهود التي بذلها المؤسسون الأوائل.
وأخيراً أقول:-
إنّ التاريخ القطري يمثل نموذجًا فريدًا في العالم العربي والخليج، حيث تمكنت قيادةٌ حكيمة من تحويل مجتمعٍ صغيرٍ في العدد إلى دولةٍ كبيرةٍ في الفعل والتأثير.
لقد أثبتت التجربة القطرية أن بناء الدولة لا يكون بالموارد فقط، بل بالإيمان بالمصير، وبالقدرة على الموازنة بين الأصالة والمعاصرة، وبين الثبات على المبادئ والتفاعل الإيجابي مع العالم.
ولذلك، فإن اليوم الوطني لدولة قطر هو احتفاءٌ بجذور التاريخ وبثمار الحاضر معًا، وهو مناسبةٌ لتأكيد أن ما بدأه الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني بالأمس، يتواصل اليوم في ظلّ قيادةٍ واعية جعلت من “قطر” اسمًا يُذكر مقرونًا بالإنجاز، والكرامة، والرؤية المستقبلية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
807
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025