رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


Khawla.life@outlook.com
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

279

خولة البوعينين

زمام المسير

02 سبتمبر 2025 , 01:35ص

من مآثر الأقوال الشهيرة التي طفق والدي حفظه الله يكررها على مسامعنا منذ نعومة أظفارنا: (القيادة فن وذوق وأخلاق).

وكانت غالبًا تأتي في سياق الاستخدام الآمن والتعامل اللائق عند قيادة السيارة، لكن مع تعاقب الأيام، واتساع دائرة التفكّر، وجدتني أنظر إليها من بُعد فلسفي أعمق، إذ إن قيادة السيارة ليست إلا رمزًا لقيادة حياتنا، وصنفًا من أصناف التعامل مع الحياة والناس.

فالمرء على هذه البسيطة قائد حياته، ينتقي اختياراته ويتحمّل تبعاتها، وينسّق تفاعلاته مع الآخرين، فهو يعيش بين عدد زاخر من الأنام. وهذه القيادة تتطلب (فناً) أي مهارة فائقة في تقدير المواقف ووزن الاختيارات، وتحمل تبعاتها، والتعامل مع المفاجآت التي قد تبزغ في الطريق. فنٌ له بُعد مزدوج، مع النفس: حين نعرف حدودها وقدرتنا على التوجيه والاختيار، ومع الآخرين: حين نصنع توازننا في التفاعل واتخاذ القرار بما ينسجم مع منمنمات لوحة العالم بصورتها الكبيرة.

وهي تتطلب أيضًا (ذوقًا) يجعل لكل مسار بهاءه الخاص، وترتيبًا دقيقًا للحظة والقرار، وارتقاءً في اختيار الشكل والمضمون، بحيث يتحوّل المسير إلى تجربة متناغمة لها من الأبعاد الجمالية والشكلية، والتراتبية الذوقية ما يجعلها عملية انتقاء وتصفية لا مجرد مسير عابر خالٍ ملامح الحُسن.

والذوق كما الفن له بُعدان، أحدهما مع النفس، حين نتعهد حياتنا الداخلية بالترتيب، ونختار ما يمنحنا فيضاً من الانسجام والبهاء، والثاني مع الآخرين، حين تتحوّل تفاصيل التفاعل إلى لحظات احترام وإجلال للاختلاف، فلا تعدو أن تترك أثرًا رقيقًا في كل لقاء.

أما (الأخلاق) فهي القلب الذي يضفي على القيادة معناها المكتمل، فتعين المرء على الإمساك بلجام حياته الذي يتطلب خلطة مع الناس، تستدعي خلقاً رفيعاً، وصبراً جميلاً، وإيثاراً لطيفاً، وتفهماً عميقاً، وانعكاس ذلك على تعاملاته مع الأنام من حوله، فما أدعى أن يتحلّى بالصبر، والإيثار، والتفهّم العميق. 

والأخلاق أيضًا لها بُعدان: مع الذات، بالصدق والثبات والوفاء بالوعود التي نقطعها على أنفسنا قبل أي أحد، ومع الآخرين، باللطف والكرم والتفهّم الذي يجعل حضورنا في العالم حضوراً حيًّا وملموسًا، مُعيناً على الاتساع لا مجرد أثر ضيق عابر ! 

ومادام المرء يُتقن ثلاثية القيادة يكون للفلاح أقرب، وللاتزان أدنى، وللحكمة أمثل، وهذا مما يُسهل قيادته حتى وإن تعرجت بعض دروبه، أو اضطر أن يصطدم ببعض عابري الطريق، فمن امتلك زمام أمره، واتقن قيادته، سَلِم وسَلّم. 

* لحظة إدراك: 

حين تتآلف مهارة الاختيار مع رقة الذوق وسمو الأخلاق، يصبح المرء قائد نفسه وعالمه، بفن يمنح الحياة سلاسة المسير، ومتعة الطريق، و طيب الأثر. 

مساحة إعلانية