رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعتقد ونحن نكتب عن الانتخابات الأمريكية وتحديدا ما يتعلق منها بالشرق الأوسط وقضاياه المتشعبة، أن نستعين بما ذكره المفكر الأمريكي "ألبرت هانت" وهو يعلق على جولة المناظرات الثالثة الأخيرة، بين الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني. فما ذكره هانت يؤكد لنا حجم الشرق الأوسط لدي الإدارة الأميركية. ووفقا لتعليق المفكر الأمريكي، فإن المناظرة فشلت في الكشف عن الرؤية والتوجهات الخاصة بكل من أوباما ورومنى، حول السياسات الأميركية الخارجية المستقبلية، ودور واشنطن من آخر التطورات في منطقة الشرق الأوسط.
نعود إلى الانتخابات والمناظرة الثالثة، أولا نشير إلى أن الناخب الأمريكي لا يهتم بالقضايا الدولية ومنها العربية بالطبع، وكل ما يهمه هو الشأن الداخلي والتأمين الصحي والتعليم وتقليل الضرائب التي يتكبدها، وظهر هذا جليا في عدد المشاهدين للمناظرة حيث كانوا الأقل مقارنة بالمناظرتين الأولى والثانية. ومن ناحية أخرى، فشل المرشحان في إقناع الرأي العام الأمريكي برؤيتهما للمشكلات الدولية المتداخلة مع أمريكا وهي قضايا تتعلق بإيران وطبعا برنامجها النووي، ومستقبل العلاقات التجارية مع الصين ثم العدو اللدود وهو روسيا والتي يعتبرها الأمريكيون حتى العدو الاستراتيجي الأول. وجاء الربيع العربي في المرتبة الأخيرة في اهتمامات المرشحين الأمريكيين باستثناء مقتل القنصل الأمريكي في الهجوم الصاروخي على القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية. واستغل رومني تلك الواقعة التي تألم لها الأمريكيون كثيرا ليقلل من أهمية ما يردده معسكر منافسه أوباما بأنه يدرك تماما ملف العلاقات الخارجية. نقطة أخرى استغلها رومني واعتبرها ضعفا في إدارة أوباما الخارجية وهي الملف السوري وعدم قرار الإدارة الأمريكية تسليح المعارضة السورية للإسراع في القضاء على نظام بشار الأسد.
نعلم أن السياسة الخارجية لا تعتبر عاملا حاسما في خيار الناخب الأمريكي باستثناء بعض الحالات الخطيرة، منها ما حدث مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في1980 حين خسر الانتخابات جراء أزمة الرهائن في إيران، أو مع الرئيس جورج بوش في2004 حين ربحها بعدما استفاد من شعور الوحدة الوطنية بسبب الحرب في العراق ونجاحه في اعتقال صدام حسين.
ورغم أن الاقتصاد الأمريكي يحتل المرتبة الأولى في اهتمامات الرأي العام الأمريكي، إلا أنه بإمكان أوباما أن يعتمد في السياسة الخارجية على إنجازات وعد بها خلال الحملة الانتخابية وتمكن من تحقيقها وفي مقدمتها الانسحاب من العراق وبدء الانسحاب التدريجي من أفغانستان والحرب على تنظيم القاعدة. ويكتب له نجاح القوات الأمريكية في اغتيال أسامة بن لادن في باكستان في مايو2011 وهو ما يعد ضربة ديمقراطية قاضية للاتهامات التي كثيرا ما كالها الجمهوريون لخصومهم متهمين إياهم بالتراخي في كل ما يتعلق بالأمن القومي.
وكما أسلفنا فإن الناخب الأمريكي لا يقترب من القضايا الخارجية إلا عندما يشعر بخطر تجاه تلك القضية أو أخرى، فمثلا يعتقد الأمريكيون أن الصين تتلاعب بهم تجاريا وترفض المطلب الأمريكي برفع قيمة عملتها حتى لا تتسبب في غلاء بضائعها في الخارج ومن ثم تكون أقل سعرا من مثيلاتها الأميركية بما يضر المنتج والمواطن الأميركيين.. ولهذا نرى الأمريكيين في هذه الحالة يتدخلون برأيهم خاصة وأنهم يشعرون بخطر الصين القادم نحوهم. ولهذا أيضا، ركز المرشحان أوباما ورومني على تبني موقف أكثر حزما من بكين وسلوكها التجاري، رغم أن الرئيس الأمريكي الحالي دعا بعد تسلمه منصبه عام 2009 إلى تعزيز العلاقات مع الصين. أما رومني فحاول التفوق في مجال السياسة التجارية التي يجب تبنيها لمواجهة الصين، وبالفعل نجح في جذب49 % من المشاركين في أحد استطلاعات الرأي عندما شدد اللهجة حيال الصين، وقال إن هذا يظل أفضل من تعزيز العلاقات معها، وهو ما يشكل انقلابا في التوجه مقارنة برأي سابق له في مارس الماضي.
وفي نفس الاستطلاع تفوق أوباما في المسألة الإيرانية واعتبره الأمريكيون أكثر حنكة في التعامل مع هذا الملف الخطير بالنسبة إليهم إذ نال 47 % من الأصوات في مقابل 43 % لرومني. ويعود تفوق الرئيس الديمقراطي خصوصا في مسألة البرنامج النووي الإيراني، لما أبداه من موقف حازم تجاه هذا البرنامج حتى الآن رغم عدم تجاوبه في أحيان كثيرة مع الرغبة الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.
كما اعتبر الأمريكيون أوباما أفضل عموما في السياسة الخارجية، بفضل سحبه قواته من العراق وإرساله وحدة كوماندوز لقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان العام الماضي. وهنا حاول المعسكر الجمهوري توجيه السهام إلى المعسكر المنافس ووجهوا انتقادا لطريقة تعامل الرئيس أوباما مع ملف الشرق الأوسط، واتهموه بإهمال إسرائيل الحليفة والاستخفاف بتهديد ما أسموه بـ"الطموحات المتطرفة" التي أطلقتها ثورات العالم العربي ضد إسرائيل.
ويبدو بعد القضاء على اسامة بن لادن، تراجعت حدة مخاوف الأميركيين من الإرهاب حتى إن المناظرة الثالثة بين أوباما ورومني لم تقف عند هذا الملف كثيرا، مما رجح كفة أوباما الذي نجحت إدارته ولو صدفة في القضاء على بن لادن وإراحة العالم من شروره كما يصفه الأمريكيون والأوروبيون.
أيام قليلة وتحديدا يوم الثلاثاء المقبل وتبدأ الانتخابات الأمريكية ليتعرف الأمريكيون والعالم على رئيس الولايات المتحدة القادم، وهل سيكون أوباما لتستمر إدارته في الكلام المعسول من دون فعل خصوصا لقضايا الشرق الأوسط، أم يحقق رومني المفاجأة ويكتسح منافسه ويحتل مكانه في البيت الأبيض..النتيجة غير محسومة حتى الآن، وإن كان كل مرشح دخل في دوامة النيل من الآخر والتقليل من شأنه، فرأينا قبل أيام أن المرشح الجمهوري وصف منافسه بأوصاف عرقية مذكرا إياه بلون بشرته السوداء وتنوع جذوره للتشكيك في أصوله الأمريكية. ورأينا أوباما يتهم المرشح المنافس بأنه فاقد الذاكرة في واقعة وصفه الأمريكيون بأن رئيسهم أضاف عبارة جديدة إلى القاموس السياسي بوصفه حال خصمه بـ " رومنيزيا" نسبة إلى "أمنيزيا" التي تعني فقدان الذاكرة.
ومن سوء حظ المرشحين الديمقراطي والجمهوري، ما تعرضت له ولاية أوهايو من الإعصار ساندي المدمر والذي جاء قبل أيام من الانتخابات الرئاسية، رغم أن المأساة مثلت ملفا مهما لكليهما في كيفية إظهار القيادة وقت الأزمات الوطنية. غير أن الأمريكيين يكرهون استغلال معاناتهم لتحقيق أغراض سياسية، حتى لو كانت الانتخابات التي ستسفر عن فوز أحد المرشحين سواء أوباما أو رومني، ولكن ما يهمنا نحن العرب هو كيف سيتعامل الرئيس الديمقراطي مع قضايانا في ولايته الثانية وهل سيسقط من حساباته الصوت اليهودي؟. أو ما إذا فاز المرشح الجمهوري رومني فهل سيعيد ملفاتنا إلى نقطة البداية والمربع الأول لتبدأ مشكلتنا القديمة الجديدة مع أي إدارة أمريكية جديدة؟!
أيام قلائل وسنعرف النتيجة، وبعدها سندرك العواقب.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
141
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
204
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
318
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4182
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1749
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1671
| 07 ديسمبر 2025