رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
روحي يا حرة ولا عليك مضرة..
القطرية بين حياء ابنة شعيب وشجاعة المُجادِلة
كم من امرأة خلَّد القرآن ذكرها، فلا تشرق شمس على الأرض أو تغرب إلا وقد تردد اسمها أو وصفها فيما يتلوه المؤمنون في أرجاء المعمورة، ومن هؤلاء ابنة شعيب التي صارت زوجة لكليم الله موسى عليه السلام.
يصفها القرآن بأجلّ الخصال التي تزين المرأة، الحياء، فبعد أن سقى لها ولأختها نبي الله موسى، جاءته تخبره بدعوة أبيها إياه، ليكافئه على حسن صنيعه مع ابنتيه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}( 1).
وها هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يبسط في إجمال المعنى ببيان التفصيل قائلًا: «جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خَرَّاجة ولاجة»( 2).
وهنا يطالعنا جهابذة اللغة بمعنى السلفع، قال الجوهري: «السلفع من الرجال: الجسور، ومن النساء: الجريئة السليطة»(3 ).
هكذا تربت فتياتنا
وكأن هذه الآية نهجٌ تربت عليه الفتاة القطرية، فلم تكن يوما بالسلفع من النساء، ولم تكن يوما بالتي تطلق لسانها وتتجرأ على الرجال، أغدقت عليها أمها بالنصح حيال تبجيل الرجال، وخفض الصوت عندهم، والتزام وشاح الحياء أمامهم، والتحذير من الجدال معهم، فكان الرجل يحظى بما لم يحظ به مثله في المجتمعات الأخرى بتوقير النساء إياه، سواء كان رجلًا أو أخًا أو حتى ابنًا.
هذا الحياء إنما هو رفعة للمرأة إذ تتخلق بخلق هو من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان) (4 ).
تربي الأم القطرية ابنتها على توقير الرجل والتزام أدب الحياء معه وعدم التجرؤ عليه، لأنها تعطي القوامة قدرها: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (5 ).
فالقوامة تكليف للرجل، يقوم بمقتضاها برعاية المرأة أمًا وزوجة وابنة وأختًا، سواء بالنفقة أو بتقويمها لتكون على الجادة، فالمرأة القطرية تدرك عظم المهام المنوطة بالرجل تجاهها، ومن ثم تقدره وتُجلّه وتربي بناتها على الشيء ذاته.
لكننا لن نتجاوز إطار الحقيقة لو قلنا إن الفكر الذكوري في المجتمع القطري قد أساء التعامل مع هذه الخصلة والمكرمة التي تربت عليها القطريات، وأقول «الذكور» لا «الرجال»، فهناك بون شاسع بين من يتعامل مع المرأة بمنطق جنسه، وبين من يتعامل معها بمنطق شيمِهِ ومكارمه، فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلًا، والرجل الحق يكرم المرأة لا يهينها، يتواضع أمام ضعفها الفطري لا يتجبر عليها، فما أكرمهن إلا كريم، وما أهاههن إلا لئيم.
فهم خاطئ للحياء
وقطعًا أتحدث هنا عن شريحة من الرجال لا كلهم، فبعض الذكور أسأءوا التعامل مع حياء المرأة وتوقيرها الرجل، فتغولوا على حقوقها، ومنحوا أنفسهم سلطة لا يقرها شرع ولا قيم حيال المرأة، فكم من أخٍ هضم حقوق أخته في ميراث الوالد بعد وفاته، فقط لأنه رجل ولا يحق لأخته – وفق مزاعمه- أن تجادله في ميراثها من مال أبيها. كما أتى هذا التغول على المرأة المطلقة، فبدلا من جبر خاطرها المكسور، تعامل وفق قواعد ذكورية استبدادية، كأنها قد ارتكبت جريمة شنعاء، مع أن الطلاق أمر قد شرعه الله لئلا تتحول البيوت إلى جحيم حين يعيش الزوجان في تباغض وتنافر تحت سقف واحد.
بمقتضى هذه السلطة الذكورية منعت المرأة القطرية في بعض البيوت من إثبات وجودها كقسيم للرجل وشريك له، فإن قال فلا راد لقوله، وإن أخطأ لا يُراجع، وإن سلب حقوقها لا تُناقش، وهذا كله ليس من الإسلام في شيء.
من هنا كان قول أمهاتنا قديما «روحي يا حرة ولا عليك مضرة» إذا أرادت المرأة أن تُعرب عن نفسها، وتناقش وتجادل في حقوقها، وتعرض مشكلاتها وأزماتها، وقد يرى البعض في ذلك تغيرًا سلبيا في المجتمع القطري، لكن الأمر ليس كذلك، وليس أدل على هذا من قصة المُجادِلة.
هي واحدة من نساء الصحابة، علمت أن دينها يكفل لها السعي لنيل حقها وعرض مشكلاتها، يقول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}( 6).
قصة المجادلة
تحكي لنا الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته في الدارين عائشة رضي الله عنها قصة المجادلة فتقول: «تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ تَقُولُ: يا رسول الله، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ. فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جبريل بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}»(7 ).
جاءت خولة تختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتحاوره وترفع له شكواها من زوجها، الذي بعد أن قضت سنوات عمرها معه وأنجبت له الأولاد، ظاهر منها، أي قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، وكان هذا القول في الجاهلية يعد طلاقا، فنزلت بشأن خولة آيات تبطل وقوع اعتبار الظهار طلاقا، وجعلت الشريعة له كفارة.
من حق المرأة أن تناقش وتحاور وتجادل وترفع شكواها ولا تسكت عن الظلم الواقع عليها، فلقد جاء الإسلام وأكرم المرأة وأعزها، بعد أن كانت في الجاهلية هملًا ومتاعًا يورث.
فعندما تجادل المرأة في حقوقها المشروعة، فليس في ذلك إساءة أدب أو تمرد على الرجل، طالما أن جدالها يدور في فلك التشريع الإسلامي الذي حدد لها الحقوق والواجبات.
وفي روايةٍ تقول عائشة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «{قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا»}( 8).
نموذج من الحياء
ومع أن بيت عائشة كان صغيرًا لكنها لم تسمع كثيرًا مما تقول المرأة، وهذا يدل على حياء خولة، وتأدبها في الشكوى إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويظهر هذا الأدب كذلك في مضمون الشكوى والكلمات التي عبرت بها عن شكواها، فلم تسب زوجها أو تعيبه في شيء، بل صانت عشرته ولم تتجاوز في عرضها حدود المشكلة.
وقد يشكل هنا على البعض، ويرى تعارضًا بين المجادَلة الصادرة عن خولة بنت ثعلبة، وبين النصوص التي تذم الجدال، وتحض على تركه، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)( 9).
فالجواب هنا من وجهين:
الوجه الأول: أن الجدال ليس مذموما مطلقا، بل منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، وضابطه كما قال الإمام النووي: «فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقّ، أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه»( 10).
الجدال بالتي هي أحسن
فهناك الجدال بالتي هي أحسن، والذي يُبتغى به الحق وبالحق، لا ما يراد من جهة الخصومة والانتصار للذات والاستعلاء وطمس الحق، كما قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }( 11).
قال ابن كثير: «{وجادلهم بالتي هي أحسن} أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب»( 12).
الوجه الثاني: أن خولة بنت ثعلبة لو كانت ارتكبت خطأ وينطبق على حالها الجدال المذموم، لأنكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم وبين لها خطأها، فدل على أن جدالها لم يكن جدالا مذموما، لكنه كان بمعنى المحاورة والمراجعة، تذكر له من أمر محنتها وفعل زوجها معها، وهذا ما جاءت به التفاسير المعتبرة.
قال القرطبي: «(تجادلك) أي تسائلك»(13 )، وقال الماوردي: «المحاورة: مراجعة الكلام»(14 )، وقال الألوسي: «أي تراجعك الكلام في شأنه وفيما صدر عنه في حقها من الظهار»(15).
ومعاذ الله أن توجد هناك قطرية من الرعيل الأول تدعو إلى تمرد المرأة وخروجها عن تعاليم الدين والعرف المنضبط، بل كن يدعين المجتمع إلى الاستماع لها، ورعاية حقها بأن تخرج عن طور السلبية، وتنادي برفع أي ظلم وقع عليها، والحصول على أي حق مكفول لها شرعًاويقلن لها «روحي يا حرة ولا عليك مضرة».
فلطالما كانت المرأة القطرية كابنة شعيب في حيائها، لكنها كخولة المجادِلة في شجاعتها ومعرفتها بحقوقها.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
( 1) [القصص: 25].
(2 ) تفسير ابن كثير، (6/228).
(3 ) الصحاح في اللغة، للجوهري، (3/366).
(4 ) متفق عليه، البخاري، (9)، ومسلم، (35).
( 5) [النساء: 34].
(6 ) [المجادلة: 1].
( 7) سنن ابن ماجه، (2063).
(8 ) مسند أحمد، (24195).
(9 ) سنن أبي داود، (4800).
(10 ) الأذكار، للنووي، ص371
(11 ) [النحل: 125].
(12 ) تفسير ابن كثير، (4/613).
( 13) تفسير القرطبي، (17/272).
(14 ) النكت والعيون، (5/488).
(15 ) روح البيان، للألوسي، (14/198).
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13740
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1815
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1275
| 25 نوفمبر 2025