رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة عقود، تجري إيران محادثات علنية مباشرة مع الولايات المتحدة التي تعتبرها خصمها الأكبر على الساحة الدولية، وتطلق عليها في أدبياتها السياسية والأيديولوجية لقب "الشيطان الأكبر".. إذ جرى خلال هذا الشهر لقاءان علنيان بين نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الأمريكي وليام بيرنز في جنيف وفيينا، وبحضور ممثل عن الاتحاد الأوروبي وذلك في محاولة "لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التوصل إلى اتفاق لحل أزمة الملف النووي الإيراني".
منذ الثورة الخمينية عام 1979، بنى النظام الإيراني جزءا كبيرا من شرعيته في الداخل وبين مواليه في الإقليم على العداء للولايات المتحدة وسياساتها، ومن ثم القطيعة التامة معها، لذلك لا ينبغي أبداً التشكيك بوجود حالة من التنافر بين طهران وواشنطن وذلك منذ أن توقفت إيران عن تأدية دور الحارس للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج بعد سقوط نظام الشاه.. فمنذ ذلك الحين تحولت إيران إلى منافس يسعى إلى الهيمنة الإقليمية وبما يتعارض في كثير من الأحيان مع جوهر المصالح الأمريكية، التي كانت وما تزال تقتضي منع أي قوة إقليمية كانت أو دولية من السيطرة على منطقة الخليج بثرواتها النفطية الهائلة وموقعها الجيوبولتيكي الهام.
لكن التناقض مع واشنطن لم يخف يوماً رغبة إيرانية دفينة في التوصل إلى تفاهم معها تعترف بموجبه لنظام الجمهورية الإسلامية بما كانت تعترف به لنظام الشاه قبل الثورة من مكانة ونفوذ إقليمي، لا يتعارض بالضرورة مع جوهر المصالح الأمريكية بل قد يقوم بخدمتها.
لذلك، ورغم كل الضجيج الأيديولوجي في الخطاب السياسي للنخبة الإيرانية، والاتهامات التي تكال إلى الخصوم سواء في الداخل أو الخارج بالتعامل مع واشنطن، إلا أن التواصل السري الأمريكي-الإيراني لم ينقطع حتى في أكثر المراحل تأزماً في العلاقات بين البلدين وفي أكثر الفترات "ثورية" في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
ففي الشهور الأولى لاندلاع الثورة في إيران، أرسل الرئيس جيمي كارتر، وكان بدأ يفقد الأمل في قدرة الشاه على مواجهة غضب الشارع والاستمرار في الحكم، بوزير العدل في إدارته رمزي كلارك للقاء آية الله الخميني في باريس وعرض عليه الاعتراف بحكومة الثورة واحترام الاتفاقات الثنائية بين طهران وواشنطن بما فيها عقود التسليح، وبالفعل جرى استئناف صادرات الأسلحة الأمريكية إلى إيران وذلك كبادرة حسن نية اتجاه حكومة الثورة. كما أفرجت أمريكا عن قطع غيار عسكرية أخرى مهمة جرى شحنها لإيران عن طريق مدريد.
وحتى اقتحام سفارتها في طهران ظلت أمريكا تراهن على استعادة إيران عبر تأييدها لحكومة مهدي بازرجان أول رئيس وزراء إيراني في عهد الجمهورية، حيث جرى ترتيب اجتماع له في الجزائر مع مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر زبغينو بريجنسكي.. لكن اقتحام السفارة واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكان رهائن في طهران ثم طرد بازرجان في خضم الصراع بين مختلف قوى الثورة بدد كل آمال واشنطن باستعادة إيران.
رغم ذلك، ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية مالت إدارة الرئيس كارتر إلى تأييد إيران ضد العراق الذي كان في ذلك الوقت حليفاً لموسكو، بيد أن الفكرة لم تتطور بسبب أزمة الرهائن والخوف من ردود فعل الرأي العام في الولايات المتحدة، لكن إدارة الرئيس ريغن التي خلفت كارتر عادت إلى دراسة الفكرة بعد أن أطلقت طهران سراح الرهائن وردت واشنطن بالإفراج عن صفقة أسلحة جديدة لها، كما قام البنتاجون بتزويد إيران بصور التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية تبين مواقع وتحشدات القوات العراقية على خطوط المواجهة الرئيسة.. وبسبب الخشية من افتضاح العلاقات العسكرية مع طهران، أوكلت واشنطن ملف تسليح إيران إلى إسرائيل، لكن التحالفات تغيرت عندما بدأت كفة إيران ترجح خلال معارك عامي 1982-1983، فقام دونالد رامسفيلد مبعوثاً عن إدارة الرئيس ريغان بزيارة بغداد، ومهّد لعودة العلاقات بين البلدين في عام 1984، هذا في الوقت الذي ظلت فيه إسرائيل تزود إيران بالأسلحة الأمريكية حتى انكشف أمرها عام 1986.
بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية ووفاة الخميني، حاول الثنائي خامنئي- رفسنجاني تنشيط قنوات الاتصال مع الأمريكيين، لكن هؤلاء لم يعودوا مهتمين كثيراً باستعادة إيران بسبب انتهاء الحرب الباردة واعتماد سياسة الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران، بيد أن هذا لم يمنع تجدد المحاولة مع الرئيس خاتمي الذي خاطب الشعب الأمريكي عبر قناة السي إن إن في آب 1998، في حين ردت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت بما يشبه اعتذارا عن قيام بلادها بدعم الانقلاب على حكومة رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953 وإعادة الشاه إلى الحكم.
لكن هذه المحاولة لم تتطور بسبب اشتداد الخلاف بين النخب الإيرانية الحاكمة بشكل كاد يهدد موقع مرشد الجمهورية، الذي استخدم العداء لأمريكا سلاحاً في وجه خصومه الداعين إلى تقارب مع الغرب.
استغلت إيران أحداث أيلول سبتمبر 2001 لتقدم نفسها لإدارة بوش الابن حليفاً في مواجهة "التطرف السني" الذي ضرب واشنطن ونيويورك، فسمحت للأمريكيين باستخدام أجوائها في غزو أفغانستان، لا بل قامت بنقل جنود أمريكيين على متن طائرات نقل خاصة بها إلى شمال أفغانستان.. لكن إدارة بوش خيبت أمل الإيرانيين عندما ردت لهم الجميل بضمهم إلى محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. لكن هذا لم يمنع طهران من تقديم المساعدة مجددا أثناء التحضير لغزو العراق، فجرى نقل الآلاف من ميليشيا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة باقر الحكيم فمهدوا للأمريكيين دخول بغداد قبل أن يعيثوا فيها فساداً.
أخيراً، كان ملفتاً مقدار السرية التي أحاط بها المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون اجتماعاتهم التي كانت تستضيفها سلطنة عمان منذ وصول الرئيس أوباما إلى الحكم عام 2009، وتكثفت في الشهور الأخيرة لتسفر عن التوصل إلى اتفاق جنيف النووي المؤقت في شهر نوفمبر الماضي.. إذ لم يعلم بهذه الاتصالات حتى أقرب حلفاء واشنطن بمن فيهم إسرائيل، أما الفرنسيون والروس فقد أصيبوا بما يشبه الصدمة عندما جرى الكشف عن حقيقة ومدة هذه الاتصالات، الآن وبعد أن تكشف كل ذلك يبدو أن الإيرانيين خاصة ما عادوا متحرجين من إجراء هذه اللقاءات في العلن، رغم أنهم مازالوا مستمرين في استخدام خطاب العداء لأمريكا أداة للحشد والتعبئة تقل الحاجة إليها أو تزيد حسب مقتضيات الحاجة والظرف.
عينُ المحتل الثالثة
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز... اقرأ المزيد
156
| 10 ديسمبر 2025
ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس 1 - 2
العنوان كان شعار “منتدى الدوحة“ الأخير في دورته 23، وأحيي نباهة الاخوة المسؤولين في دولة قطر وحكمتهم في... اقرأ المزيد
180
| 10 ديسمبر 2025
ومرت سنة على سـوريا
سنة منذ أن خُلع بشار الأسد، وسنة منذ أن تنفس السوريون الحياة، وسنة منذ أن ظهر للعالم بأن... اقرأ المزيد
96
| 10 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2061
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025