رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مشروع التحديث الكمالي ألقى بظلاله على موسيقى الأرابيسك (شبه العربيةArabesk ) في تركيا، حيث رسمت رؤية التحديث الكمالي مساراً لتغريب الجمهورية التركية الجديدة، خاصة في المجالات الثقافية. بعد تغيير الأبجدية العربية واللباس التقليدي، امتد التأثير إلى الموسيقى التركية نفسها حتى اقترحوا وضع كراسي داخل المساجد، لكنهم فشلوا في تنفيذ هذه الفكرة، وكان المشروع مستندًا إلى أفكار المفكر القومي ضياء غوكالب الذي دعا إلى استبعاد جميع العناصر «الأجنبية» من الثقافة التركية وإقامة «ثقافة جديدة نقية».
هذا المفهوم رفض أيضًا الموسيقى التركية الفنية باعتبارها «متخلفة»، مدعيًا أنها تجمع بين التأثيرات العربية والفارسية إضافة إلى السمات البيزنطية وبشكل مثير للاهتمام، اعتبروا أن الموسيقى الفنية المعقدة سيئة في حين اعتبروا الموسيقى الشعبية البسيطة جيدة، لم يكن لديهم مشكلة في مزج الموسيقى التركية مع أنماط الموسيقى الغربية، بل كانوا يشجعون هذا الاتجاه وكانوا يتصورون أن الموسيقى الغربية هي ذروة التقدم الموسيقي، كما رفض الكماليون الغناء المنفرد للأغاني الشعبية وكانوا يفضلون الأداء بأسلوب الجوقات الغربية.
في عام 1934، حظرت الحكومة الأغاني التركية وبالطبع كانت الإذاعة الوسيلة الرئيسية للترفيه العام والمعلومات وكانت النتيجة مفاجئة، حيث رفض الناس في منازلهم ومقاهيهم الاستماع إلى الموسيقى الغربية على الإذاعة التركية وفضلوا الاستماع إلى الإذاعة المصرية بدلاً من ذلك. يمكن القول إن الموسيقى المصرية كانت تعتبر أيضًا نسخة من الموسيقى العثمانية بمزيج من النغمات التركية والعربية.
النواب الجمهوريون مثل أحمد تلات أوناي، الذين آمنوا بإصلاح الموسيقى، انتقدوا الحظر معتبرين أنه «أرغم الناس على الاستماع إلى الموسيقى المصرية بدل الموسيقى التركية». كانت الموسيقى المصرية في أوج ازدهارها مع عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم في منتصف القرن العشرين كما أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى انقطاع شراء الأفلام الفرنسية وكانت الأفلام المصرية بديلاً أرخص حققت شعبية كبيرة. أعتقد أن التقارب الثقافي بين البلدين لعب دورًا في هذا الاستقبال الحار للأفلام مصرية مثل شعبية المسلسلات التركية بين العرب اليوم.
في عام 1938 حظرت الحكومة التركية مجددًا استخدام الأغاني العربية في السينما واختار صناع الأفلام دبلجة نفس الأفلام المصرية بلغة وأغان تركية. بدأ الموسيقيون الأتراك أيضًا في تأليف أغان أصلية مشابهة لتلك الأفلام المصرية وبيع إنتاجهم في الأسواق وحظي بجمهور كبير. حاول بعض صناع الأفلام الأتراك أيضًا تقليد أفلام مصرية بسيناريوهات وموسيقى مماثلة.
ابتداءً من الخمسينات، شهدت المدن التركية تدفق المهاجرين من المناطق الريفية واستقرارهم في الأحياء العشوائية. تناسبت موسيقى الأرابيسك تمامًا مع هؤلاء المهاجرين الجدد الذين كانوا يعانون من الفقر والظلم وكانت الأغاني الشعبية عن الحياة الريفية والنقل، حيث لم يكن لديهم اهتمام بالموسيقى الفنية التي كانت تستمتع بها النخب الإسطنبولية، لذا ظهرت موسيقى الأرابيسك كشكل هجين يجمع بين الأنماط الحضرية والريفية بخلفية قوية في أساليب الموسيقى الغربية والتركية.
جمع الملحن والمغني الشهير للموسيقى العربية أورهان جينجباي بين الساز التركي والجيتار الغربي مؤسسا موسيقاه على تواصل التراث الموسيقي التركي بأسلوب حر، إذ تمثل أغنيته الشهيرة «Bir Teselli Ver» (واسيني) صورة عن معاناة الناس وصراعهم. كما تعبر أغاني موسليم جورسيس، فردي تايفور أو إبراهيم تاتليسس عن معاناة مماثلة. وقد تم حظر هؤلاء الفنانين الشهيرين من الظهور على قنوات التلفزيون العامة حتى أواخر التسعينات، حيث كان يُسمح لهم فقط بأداء أغاني موسيقى الفولكلور.
بعد الانقلاب العسكري في عام 1980، انتعشت موسيقى الأرابيسك مع موجة هجرة كبيرة أخرى من القرى إلى المدن. انتقل إبراهيم تاتليسس وفردي تايفور شخصيًا من جنوب شرق البلاد الريفي إلى المدن الغربية. لقد لاقت أغانيهم رواجا كبيرا داخليًا وخارجيًا بين الأتراك والعرب وخلال هذه الفترة، حاولت الحكومة التأثير على الموسيقى من خلال تشجيع كتابة كلمات أكثر إيجابية في نسخة مشرقة من موسيقى الأرابيسك أو الأرابيسك الخالي من الألم. انتشرت الموسيقى أيضًا في وسائل النقل العامة مثل (الدولموش)، الملاهي الليلية والحفلات العامة.
بعض الأغاني الشهيرة تتضمن عبارات مثل «ليذهب هذا العالم إلى الجحيم»، «لا أستطيع الضحك»، «ألست إنسانًا؟»، «حقائق مؤلمة». مع عملية التحول نحو الديمقراطية وارتفاع الإنترنت، توقفت الحكومة التركية عن معارضة موسيقى الأرابيسك في التسعينات والألفية الجديدة. ومع ذلك، تظهر قصة موسيقى الأرابيسك في تركيا أن الثقافة والمجتمع لا يمكن أن يتم تصميمهما وفقًا لرغبات النخب الحاكمة ونعلم أن الثقافة التركية والعربية لا تنفصلان.
لماذا تكتب؟..
من أكثر الأسئلة التي توجه لي في حواراتي الثقافية، أو توجه إلى غيري من الكتاب، هو لماذا تكتب؟.... اقرأ المزيد
42
| 30 أكتوبر 2025
الإزعاج الصوتي.. تعدٍ على الهدوء والهوية
في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل مكان نذهب إليه تقريبًا؛ في المطاعم والمقاهي والفنادق والأندية الرياضية،... اقرأ المزيد
54
| 30 أكتوبر 2025
وجوه صامتة
• ما معنى أن يعم الهدوء كل الأرجاء والوجوه؟ وما معنى ان تصادف إنسانا يلتزم الصمت في معظم... اقرأ المزيد
24
| 30 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3198
| 23 أكتوبر 2025