رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بدأنا إجراء المزيد من التحليلات بدم بارد. كما بدأنا تجاوز الصدمة التي شهدنا تفاصيلها والحزن لما سقط من شهداء وجرحى. ليس لدينا متسع من الوقت. علينا أن نفعل الكثير من الأشياء في الوقت نفسه.
ليلة 15 يوليو الماضي، بدأت في تركيا نقلة نوعية كبيرة تشمل الأنماط الفكرية السائدة، وتحمل في طياتها تحديًا كبيرًا، وتغييرًا جذريًا للنظام.
لقد أظهر لنا تلك الليلة، كيف أن بإمكان الشعب أن يكتب مصيره، ومستقبله، ويحقق أمنه، ويحافظ على استقلاله، وحريته حيث قال أفراد الشعب "سننام تحت الدبابات، ونوقفها بأيدينا، ونقفز على متن الطائرات، ونطفئ لهيب الرصاص في صدورنا، لكننا لن نسلم وطننا لأي أحد"، فعلًا قالوا ذلك وفعلوا، لذا نجحوا، هكذا تكون الإستراتيجية السياسة الواقعية لشعب بطل مِقدَام.
هل ستغير تركيا محورها؟
شرع أردوغان في الفترة الأخيرة، على توجيه الرسائل التي تشير إلى رغبة تركيا بالابتعاد عن الغرب، والتوجه نحو "خماسية شنغهاي".
ومع ذلك، فإن الغرب لم يجعل من أردوغان هدفًا له، لرغبة الأخير في تغيير محوره، بل لأنه يصر على عدم تنفيذ كل ما يطلبه حلف الأطلسي ولأنه يطرح خارطة طريق من أجل تركيا، ولأنه بات يشكل بديلًا ثالثًا في المنطقة.
نستطيع القول إن ذلك يشبه مرحلة "الشتاء العربي" التي جاءت لإجهاض مسيرة الشرق الأوسط نحو التحول الديمقراطي وامتلاك الإرادة الحرة، وعليه فإن تركيا باتت تمثل الآن "المعقل الأخير"، وجميع الهجمات التي تجري الآن هي من أجل إسقاط هذا المعقل.
إن أردوغان لم يفكر بتغيير المحور الذي تقع فيه تركيا، ولكنه لم يكن قط عبدا يفعل ما يؤمر، هو يتصرف وفق خارطة طريق خاصة ببلده، يعترض من خلالها على ما قد يمس أمنه ومصالحه. وهو الآن يريد خلق توازن بين المحاور، ويرسم إستراتيجية خاصة لتحقيق الأمن ومواجهة الهجمات الخارجية. وهذا ما سيتطرق إليه اجتماع أردوغان مع بوتين.
العلاقة مع الولايات المتحدة
لا تولوا أهمية لما يقولونه حول "هناك إجراءات يجب اتباعها لإعادة غولن إلى تركيا، يجب تقديم أدلة، ويجب تأسيس لجنة لتقييم ذلك"، فإدارة الولايات المتحدة، واللاعبون الفاعلون فيها وراء هذه المحاولة الانقلابية. هم حاليًا يعانون من صدمة فشل المحاولة، ويحاولون كسب المزيد من الوقت، وحياكة مؤامرات جديدة لا أكثر.
فالمجرم المختل غولن، يتم استخدامه من قبلهم ليس فقط في تركيا، بل في أكثر من 160 بلدًا. علاوة على ذلك هم قلقون من إمكانية اعترافه بكل شيء، في حال تم تسليمه إلى تركيا. لذا لن يقوموا بتسليمه أبدًا، ولن يسمحوا له بالانتقال إلى بلدان أخرى أيضًا. لا داعي لأن نكون سذّجًا، فقد ضغطوا حتى على اليونان كي لا تسلم الـ "8 انقلابيين" الذين فروا إليها، وهم أيضًا من مددوا لأولئك فترة المحاكمة شهرًا إضافيًا.
ارتكبت الولايات المتحدة خطأ كبيرًا. حيث حاولت القيام بانقلابٍ في بلد قوي وحيوي ويمتلك مكانة جيوسياسية مثل تركيا. لقد قامت بهذا الفعل مع علمها أن مثل هذه المحاولة ستؤدي إلى زعزعة جميع التوازنات، والعلاقات، والنماذج الفكرية. فهي كانت أمام خيارين، إما وضع يدها على إدارة البلاد أو نشر فوضى عارمة تشلُّ بها حركتنا. وقد تكون الولايات المتحدة قد دعمت هذه المحاولة بموافقة من إدارة أوباما أو دون علمها. لا تفسير آخر لما حدث.
جميع البيانات والتصريحات الرسمية الأمريكية، ستكون دائمًا تؤكد على عمق الصداقة لكن العمليات التي تجري من تحت الطاولة ستبقى مستمرة. وتركيا تنتظر مثل تلك الهجمات الجديدة. أما أردوغان لن يصدق أبدًا تصريحاتهم وبياناتهم الرسمية التي تحض على "السلم والصداقة".
لذا سيجري التحول الأول في العلاقات التركية مع الولايات المتحدة، وستغير تركيا أنماطه الفكرية ووسائل التعامل الخاصة به.
تغيير في النظرة تجاه روسيا
لقد شن الغرب حروبًا إعلامية شعواء، ركزوا من خلالها على فرضية تقول إن "تركيا تنوي الخروج من حلف الأطلسي، وتتجه نحو الدخول بحلف روسيا / آسيا"، لهذا نفهم الآن سبب وقوف طيارين متغلغلين في الجيش التركي ويتبعون لتنظيم الكيان الموازي/ فتح الله غولن ومحور الناتو (حلف الشمال الأطلسي) بإسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية مع سوريا. عملوا على تدمير العلاقات التركية الروسية، ولم يسعوا لمنع تركيا من الانضمام إلى محور روسيا/ آسيا، بل إغراقها في الفوضى والأزمات تمهيدًا لضربها. وللعلم فإن مسألة الطائرة التركية ستكون من القضايا المطروحة على الطاولة في اجتماع أردوغان وبوتين.
تركيا اليوم تناقش أكثر من أي وقت مضى، أهمية عدم التصرف كحليف للولايات المتحدة وأوروبا، وضرورة خلقها توازنًا ضد تلك القوى، وكيفية القيام بذلك.
وللحقيقة، فإن تحولًا جذريًا نحو محور روسيا/ آسيا لا يعتبر أمرًا مناسبًا بالنظر إلى وضع تركيا الجيوسياسي والاجتماعي التقليدي، لكن وفي الوقت نفسه، لا يعتبر مبدأ معاداة محور روسيا/ آسيا ووضع كل البيض في سلة الوحش الأطلسي من مبادئ الحكمة السياسية.
لذا سيتم التوصل إلى اتفاق مع محو روسيا/ آسيا، من أجل عقد علاقات شراكة اقتصادية قوية، بالتأكيد سيطرأ تغييرٌ كبير على النظرة تجاه العلاقات السياسية والاقتصادية وكذلك العسكري مع هذا المحور.
دور دحلان في المحاولة الانقلابية
من المعروف الدور النشط الذي يلعبه محمد دحلان ضد تركيا. وبالمناسبة دحلان الذي تدور إشاعات حول دوره في دعم المحاولة الانقلابية الفاشلة يعرف أيضًا أنه يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة وتربطه علاقة وثيقة بولي عهد أبو ظبي.
وقد كتب الصحفي، ديفيد هيرتس، في مقال له بموقع "عين الشرق الأوسط"، أن دحلان كان ممولًا للانقلاب في تركيا ومستشارًا إستراتيجيا له. تركيا اليوم تناقش هذا الموضوع، وفي حال تم إثبات ارتباط هذا الشخص وعلاقته بالمحاولة الانقلابية فيحتمل وقتها أن تواجه إمارة أبو ظبي أزمة دبلوماسية خطيرة.
السياسة الداخلية والأيديولوجيات والجماعات
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة شهدت تركيا تناميا في روح التضامن والوحدة الوطنية والتركيز على القواسم المشتركة بين التيارات الحزبية والأيديولوجية.
كأنما الإسلاميون والقوميون واليساريون والليبراليون، والقوميون الأكراد، والعلويون قد استيقظوا فجأة من كابوس رهيب، وقالوا "لولا وجود الوطن لما كان أحد منّا هنا الآن". اتحدوا وتصدوا معًا للدبابات.
بدأت في تركيا مرحلة تغيير الأنماط الفكرية، وسنشعر بذلك في كافة المجالات، ولا شك في أن منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ستتأثر أيضًا.
وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
96
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
192
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
261
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4149
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1599
| 02 ديسمبر 2025