رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
شكّل عقد مؤتمر حل الدولتين التاريخي برعاية الأمم المتحدة ورئاسة مشتركة للمملكة العربية السعودية وفرنسا وبمشاركة حوالي 100 دولة حول العالم-وأمين عام الأمم المتحدة ووزراء خارجية عدد كبير من الدول والذي عقد بين 28–29 يوليو 2025-تحت شعار: “المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حل الدولتين جنباً إلى جنب مع إسرائيل». يكتسب المؤتمر أهمية كبيرة نظراً لتدهور وتردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية في غزة. وكذلك بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي خارقاً القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بضم الضفة الغربية، ما دفع المجتمع الدولي لإعادة إطلاق مبادرة سياسية عاجلة لإنقاذ حل الدولتين قبل فوات الأوان.
يهدف المؤتمر لإيجاد خريطة طريق بمراحل زمنية لإنهاء الحرب على غزة التي دخلت شهرها الثاني والعشرين، مع إصرار إسرائيل على استمرار حرب الإبادة برغم فشلها في تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة بالقضاء على حماس والافراج عن الأسرى وتحييد غزة حتى لا تشكل تهديدا مستقبليا لإسرائيل.
كان لافتا مطالبة البيان الختامي بتأسيس دولة فلسطينية مستقلة كنقطة فارقة في الصراع العربي-الفلسطيني-الإسرائيلي بتوقيته ومضمونه وبيانه الختامي. وتزايد عدد الدول ومنها دول رئيسية في النظام العالمي التي أبدت عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر القادم. ما أكسب المؤتمر أهمية خاصة كما ورد في البيان الختامي وحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية.
وكان لافتا رفض ومقاطعة وزارة الخارجية الأمريكية وإسرائيل مؤتمر نيويورك لحل الدولتين ووقف الحرب على غزة. ولاحقا فرضت وزارة الخارجية عقوبات على شخصيات في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بحظر تأشيرات دخول الولايات المتحدة ورفض تدويل القضية الفلسطينية مع ارتفاع عدد الدول الي تعترف بفلسطين وعدم الالتزام بتعهدات السلام والدفع نحو تدويل القضية الفلسطينية في المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
دعا البيان الختامي «إعلان نيويورك» لوقف حرب غزة فوراً وانسحاب القوات الإسرائيلية، وتسليم إدارتها إلى السلطة الفلسطينية وفق مبدأ “حكومة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”. وحدّد البيان الختامي 15 شهرًا لتحقيق دولة فلسطينية موحدة تشمل الضفة الغربية وغزة، ونزع سلاح حماس وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بإشراف قوات دولية. ورفض البيان الختامي توظيف المجاعة كسلاح في الحرب. وطالب بإطلاق جميع الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية. لكن لم يرد في البيان الختامي تقديم أي ضمانات إلى الفلسطينيين بالانسحاب الإسرائيلي من غزة وعدم شن حرب جديدة على غزة وفرض حصار. ولم يُطالب البيان بفرض عقوبات على إسرائيل في حال رفضت وقف الحرب وإدخال مساعدات إنسانية والانسحاب العسكري. وأعلن رئيس الوزراء نتنياهو رفضه عقد المؤتمر بشدة، معتبراً الاعتراف مكافأة للإرهاب ويهدد المصالح الإسرائيلية.
علّق ضباط إسرائيليون سابقون على حرب غزة «بعد 22 شهرا من الحرب نقول هذه الحرب بلا هدف». خاصة مع تفاقم تداعيات فرض المجاعة واستخدام التجويع سلاحا فتاكا-توفي 150 شخصا بينهم حوالي 90 طفلا من سوء التغذية والمجاعة. إضافة لمقتل 1300 فلسطيني أمام مراكز «مؤسسة غزة الإنسانية» التي توزع المساعدات الإنسانية الأربعة لمليوني فلسطيني يتضورون جوعا، حولها الاحتلال لمصائد قتل متعمد بإطلاق الرصاص على المحتشدين الجوعى! في أكبر مأساة مجاعة إنسانية وللمرة الأولى من صنع البشر.
عُقد المؤتمر وسط خلاف علني بين الرئيس ترامب الذي أكد وجود مجاعة في غزة وأرسل ستيف ويتكوف مبعوثه إلى الشرق الأوسط ومفاوضات إسرائيل وحماس إلى غزة مع السفير الأمريكي في القدس المحتلة إلى غزة لتقييم الأوضاع وتعهد بفتح مراكز توزيع غذاء في غزة، بينما ينفي نتنياهو ومسؤولون في ائتلافه المتطرف وجود مجاعة. وسط انتقادات دولية حادة من نواب وأعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي الذين صاروا يصفون جرائم إسرائيل في غزة «بحرب إبادة وتجويع غير مقبول». ووصل الأمر إلى تصويت 27 عضوا في مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي ومستقلين على مشروعي قرار بحظر تزويد إسرائيل بالسلاح حتى ترفع الحظر عن الغذاء والدواء عن غزة وإدخال المساعدات الإنسانية. حتى إن فرنسا وبريطانيا وكندا أعلنوا عزمهم بعد مؤتمر نيويورك الأسبوع الماضي الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر القادم كورقة ضغط على نتنياهو وحكومته لوقف الحرب والسماح بإدخال مساعدات إنسانية وإنهاء المجاعة.
وفي مواقف عنصرية صادمة تعكس حجم التطرف الصهيوني حكوميا وشعبيا، تؤكد استطلاعات الرأي الإسرائيلية-يدعم 82% من الإسرائيليين وجوب طرد الفلسطينيين- بتطهير عرقي لسكان غزة. بينما يدعم 65% من الإسرائيليين عقيدة «العمالقة» في التلمود بوجوب قتل كل الرجال والنساء وحتى الأطفال»! بينما علّق وزير التراث الإسرائيلي الياهو «تقوم الحكومة بمحو غزة. نحمد الله أننا نمسح ذلك الشر»!.
بات واضحا أن هدف حرب إبادة إسرائيل على غزة، أبعد من القضاء على حماس واستعادة الأسرى-إلى جعل الحياة مستحيلة وغير قابلة للحياة ودفع سكان غزة المحاصرين والجائعين والنازحين والذين يفتقدون أبسط مقومات الحياة للهجرة. ثم يصفونها بكل سخرية «الهجرة الطوعية». في مخالفة وخرق صريح للقانون الدولي وواجبات الاحتلال على توفير حياة كريمة للشعب الذي يرزح تحت الاحتلال وهو ما تخرقه إسرائيل بشكل صارخ. وإعادة الاستيطان وبناء المستوطنات حسب ما يطالب المتطرفون في إدارته لتصفية القضية الفلسطينية.
واضح ان إسرائيل المارقة باتت معزولة ومنبوذة مع تصاعد الغضب الشعبي عالمياً، خاصة في الولايات المتحدة، وتخسر رصيد إنجازاتها خلال العقود الماضية، خاصة داخل الكونغرس وشريحة الشباب. وهذه فرصة يجب استثمارها للدفع نحو تنفيذ مخرجات بنود البيان الختامي لمؤتمر نيويورك بحل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تويتر @docshayji
@docshyji
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3573
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025