رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في صباح يوم ممطر من شتاء عام ٢٠١١ دخل ساحة الحرية بمدينة إب رجل قروي مسن يقف بين أغنامه على ظهر سيارة وعندما سأله أحد أفراد لجنة النظام إلى أين تتجه قال مبتهجا: أتيت لأقدم كل ما أملك هدية لهؤلاء الشباب المعتصمين الذين بفضلهم سنخرج من ربقة الفساد والاستئثار بالثروة إلى عدالة الدولة المدنية الحديثة.. عول اليمنيون كثيرا على ثورة ١١ فبراير، كانت كل شوارع اليمن وساحاتها تضج بهتافات من أجل السلام والمدنية والتغيير، وعندما تدخلت دول جوار بمبادرة ظاهرها إيجاد تسوية سلمية للأزمة وباطنها قتل منطق الثورة في النفوس استقبل الشعب السلمي الثائر المبادرة باحترام كونها صدرت من أخوة في العروبة ومنطق الأخوة له مقتضياته الإيجابية.. كان أهم بند تنظيم انتخابات لتزكية رئيس توافقي، حينها تدفق الناس بالملايين على صناديق الاقتراع لينتخبوا بإرادتهم الحرة لأول مرة رئيسا يحكم البلاد خلال مرحلة انتقالية قالت المبادرة الخليجية إنها مزمنة (بفتح الزاي وتشديد الميم) لكنها كانت في حقيقة الأمر مزمنة (بتسكين الزاي وكسر الميم).
أصبح عبد ربه منصور هادي رئيسا للجمهورية بعد ثورة شبابية شعبية سلمية أبهرت القاصي والداني ووجه الإبهار أنها كانت من شعب تتكثف في سمائه الكثير من الانطباعات والأفكار المسبقة السلبية، حصد هادي كل إنجازات الشباب وحظي بدعم غير مسبوق من المجتمع الدولي والجوار الخليجي، كل القوى السياسية والجيش والأمن سلم له خطام الأمر أملا في تغيير وضع سيئ طحن الناس وأذاقهم ضنك المعيشة، سمعت الجماهير المتعطشة لأمل جديد أول خطابات الرئيس المزكى الذي أثار غضب سيبويه وأبي القاسم الشابي لكن اليمنيين غفروا له كل أخطائه اللغوية، رغبة في أن يصدر قرارات تصلح ما اعوج خلال ثلاثة عقود ونيف من حكم الرئيس المخلوع، لكن هادي بين حين وآخر يتلمس الكرسي الذي يجلس عليه ولسان حاله يقول هل أصبحت فعلا رئيسا لبلد ورد ذكره في كل الكتب المقدسة أم أنني مازلت تحت تأثير الروايات البوليسية التي أتسلى بها دائما حتى قبل النوم كما لو كانت أدعية مأثورة.
مرت أشهر عدة من فترة حكمه والناس ينتظرون الإجابة على أسئلة: متى ستتم محاربة الفاسدين؟ متى سيقصى المسؤولون الفاشلون؟ متى ستتم هيكلة الجيش ولم شتاته؟ متى سيضرب هادي بيد من حديد كل المتآمرين على البلد، ومتى سيقطع دابر مخربي خطوط نقل الطاقة الكهربائية ومفجري أنابيب النفط؟ هل سيتمكن هادي من لم شمل أبناء اليمن وإيجاد حلول جذرية لمشكلتي صعدة والجنوب؟ كثيرون كانوا يقولون امنحوا الرجل وقتا فمازال يفكر ويقدر، مازال يدرس ويتدارس مع أهل الرأي كيف يخرج اليمن من عنق الزرافة!، لكن الحال الذي وصلت إليه البلاد في الوقت الراهن كشف بوضوح أن الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يكن هماما ولا قائدا محبوبا أو حتى مهابا لأن مراحل الإذلال النفسي التي عاشها وآخرها نائبا لرئيس امتهن اللعب على رؤوس الثعابين أثرت في شخصيته وجعلته دائما يبحث عن ركن رشيد مرة يراه في السفير الأمريكي وأخرى في سفراء الدول العشر الراعية للانتقال السياسي السلمي وكان دائم الشكوى من خصومه ومن يتمردون على توجيهاته.. حتى اهتدى إلى ركن يدعي أنه يتسم بالقداسة والرعاية الإلهية ومن يدخل في داره فهو آمن من شياطين السياسة فسلم هادي مقاليد أمره للحوثي بمباركة إيران وبواسطة سلطنة عمان، وهنا بدأت تراجيديا رئيس يخذل شعبه بسقوط قلاع وحصون.
لجأ القائد العسكري عبد ربه منصور هادي من اليمن الجنوبية إلى نظام صنعاء بعد أن خسر التناحر على السلطة جناح الرئيس السابق علي ناصر محمد وكانت مجزرة 13 يناير 1986 أسوأ حدث دموي استخدمت فيه أجنحة الحزب الاشتراكي صواريخ عابرة للحارات في مدينة عدن! قتل الآلاف وجرح مثلهم، لكن الضابط الهارب أصبح اليوم رئيسا لكل اليمن بمساحة أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، وبدل أن يستفيد من تجارب الصراع العبثي القاسية التي لا تبني وطنا، راح يجتر الماضي وثقافة (الطغمة والزمرة) التي دمرت عدن ليجعلها واقعا معيشيا، مدينة سام بن نوح اليوم في قبضة الميليشيات، كل الروايات تتفق على أن مؤسسة الرئاسة قدمت تسهيلا من نوع ما لجماعة الحوثي ليفرضوا سيطرتهم على مؤسسات الدولة، هادي مستمر الآن في مراوغاته السياسية وتوسلاته للحوثيين برفع مسلحيهم من العاصمة ومحافظات أخرى، ورغم أن الرئيس اليمني مصر على استخدام " سيف السلم " إلا أن مؤتمر "حكماء اليمن "! الذي دعا إليه السيد عبد الملك الحوثي هدد بتشكيل مجلس إنقاذ وطني إذا لم يشكل هادي حكومة كفاءات خلال عشرة أيام، هنا فقط بدأ الحديث العلني عن انتزاع الكرسي من تحت هادي رغم أنه بذل جهدا كبيرا في الحفاظ عليه كان الثمن تشتيت الجيش وتفتيت الدولة لصالح الحوثي الذي لا يرى الآن في الرئيس سوى دمية.. كان بإمكان اسم عبدربه منصور هادي أن يسجل في سفر التاريخ بطلا قوميا قاد شعبه إلى الأمن والاستقرار والتنمية خاصة أنه تمكن من إنجاز وثيقة الحوار الوطني التي تؤسس بتوافق كل القوى السياسية ودعم الأطراف الدولية لدولة اتحادية لا مركزية تحقق قدرا من العدالة في توزيع السلطة والثروة، لكن هادي اختار أن يكون بيدقا لأجندات داخلية وخارجية لا يهمها استقرار البلد بقدر ما يهمها تغذية نوازع الانتقام والإقصاء وجعل اليمن جمهورية موز، تلاشى إذا كل فعل حضاري وأخلاقي يصنع حياة للناس وبقي التخلف والمرض وعنف السلاح الهمجي الطائفي وصرخات الموت التي تسقط ضحايا كل يوم ربما لن يكون اغتيال الزيدي المعتدل الدكتور محمد عبد الملك المتوكل إلا حلقة في سلسلة تقود البلاد لمصير مجهول، الرئيس المزكى بعد أن كان حلما جميلا دفع ذلك القروي الذي أهدى كل أغنامه للثوار ووضع بصمته حبا في هادي تحول اليوم إلى كابوس يؤرق حياة اليمنيين عندما قادته سياساته غير الرشيدة لأن يعمل لدى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في اليمن السعيد! ولكن مسماه الوظيفي: حامل الأختام.
Bien hecho España
مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد
258
| 27 أكتوبر 2025
التوظيف السياسي للتصوف
لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد
123
| 27 أكتوبر 2025
عن خيبة اللغة!
يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد
276
| 27 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6387
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6357
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025