رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يمثل عصرنا الحالي الذي نعيشه عصر التقدم التكنولوجي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد شهد العالم خلال العصر الحديث نقلات نوعية كبيرة بفضل التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها. نقلات لم يكن الإنسان ليتصورها خلال مراحل حياته السابقة على هذا العصر، وبعقد مقارنة سريعة بين تصورات الإنسان في الأزمان الغابرة وما آلت إليه حياته الآن، يمكننا تلمس الإخفاق في استشراف مستقبل العصر الحديث، ولا تزال تصوراتنا قاصرة عن إدراك المستقبل قياساً على الحاضر، لا سيما وأن التكنولوجيا لا تزال تحقق قفزات هائلة قد نعجز معها عن تصور ما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً.
من القضايا التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة خلال العصر الصناعي قضية "الأتمتة" والتي تُعرّف بأنها عملية استبدال العمل البشري وإحلال الآلة عوضاً عنه، وهو ما شهد زيادة مضطردة خلال السنوات الأخيرة، فلم يعد الإنسان كما في السابق عنصراً محورياً في عملية الإنتاج، فقد حلت الآلة مكان العمل البشري واقتصر دور الإنسان على برمجتها ومراقبتها والإشراف عليها. وبالنظر لما تقدمه لنا الأتمتة من مزايا كبيرة كمضاعفة الإنتاج وتقليل الجهد وتحقيق الدقة وتقليص التكفلة، ينبغي علينا أن لا نغفل عن الجوانب السلبية لتلك القضية ونهملها.
تشير التقديرات إلى أن انتشار الأتمتة وإحلال الآلة مكان العمل البشري وتقسيم الأدوار بين الآلة والإنسان، سيؤديان إلى زوال نحو 85 مليون وظيفة بحلول عام 2025، وهو الأمر الذي يطرح قضية البطالة في صدارة القضايا المؤرقة مع ما يرافقها من إشكالات اجتماعية وأمنية وتنموية ملحة، كما تطرح تلك القضية سؤالاً جوهريا حول أولويات التقدم التكنولوجي وأهدافه على المدى البعيد وعن مدى استعداد المجتمعات الإنسانية لسيطرة الآلة على كافة مفاصل عملية الإنتاج.
وقد كشف تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي أن الأتمتة سوف تتطلب أن يغير مابين 3 الى 13% من عمال العالم " بحسب مستوى التنمية في البلد" مهنهم أو أن يقوموا بترقية مهاراتهم بحلول عام 2030. وبالنظر للخطط الاستراتيجية للتنمية التي تضعها الدول، نجد أن خطط تأهيل الكادر البشري فيها تصاغ في غالبها وفق تصورات آنيّة دون الأخذ بالاعتبار القفزات الصادمة وغير المتوقعة التي تحققها التكنولوجيا يومياً، الأمر الذي يولد إشكالية تتمثل في جدوى آليات التخطيط الوظيفي ونوعية التخصصات الأكاديمية المبنية على حاجة سوق العمل، وبرامج التأهيل المهني ومدى صمود تلك البرامج ومسايرتها واستيعابها لمستقبل الأتمتة.
من جهة أخرى لا بد لنا من التعريج على جانب آخر من هذه القضية والمتعلق بالملكات التي يتفوق بها الإنسان على الآلة والمتمثلة في "الوعي" وما يرتبط به من مشاعر وإدراك للذات والقدرة على الإحساس والتعاطف، وأهمية إعادة النظر في أولويات التحصيل الأكاديمي المبني على احتياجات سوق العمل، فمتطلبات التنمية تركز في الوقت الراهن وبإفراط على تدريس المعارف التي يتطلبها اقتصاد السوق وآلته الإنتاجية وبما يضمن استمرار عجلة التقدم في الدوران، مع إغفال كبير للجوانب الفكرية والعقلية ودراسة المنطق والفلسفة والفنون والعلوم الاجتماعية عموماً. وفي الغالب يعزى ذلك الإهمال إلى أن تلك المجالات غير ذات مردود مادي، أو انها ذات إسهام متواضع في مساعي التنمية، إلا أنه وكما أشرنا آنفاً فإن رهان المستقبل متوقف على تلك المجالات والحقول الأكاديمية تحديدا التي يتفوق بها الإنسان على غريمته "الآلة".
إن مستقبل الأتمتة يطرح أسئلة كثيرة وكبيرة وإشكاليات أخلاقية تزعج راحتنا وتزعزع أركان الاستقرار الذي وفرته لنا، ومن تلك الإشكاليات قضية الانحياز للآلة أو مايدعى "Automation bias"، والمتمثل في ميل الإنسان لاتخاذ القرارات وترجيح الاقتراحات التي تقدمها له أنظمة صنع القرار الآلية وتجاهل المعلومات التي تناقض اقتراحات تلك الأنظمة حتى وإن كانت صحيحة. بمعنى أن الدقة التي توفرها لنا الآلة والتكنولوجيا جعلت منا أسرى لها وبذلك تخلينا عن ملكة النقد أمام هيمنة الآلات، وهي إشكالية يطلق عليها " إساءة استخدام الأتمتة" والتي قد تؤدي بنا في نهاية المطاف إلى عواقب وخيمة لا تحمد نتائجها.
تمثل تلك القضية تحديداً فضلاً عن قضية تنامي الاعتماد على التكنولوجيا بوجه عام، بدءًا بحفظ أرقام الهواتف إلى القيادة الآلية للطائرات، تحديا كبيراً وتضعنا في مواجهة أسئلة وجودية كبرى تتعلق بتطور العقل البشري، الذي استطاع خلال مسيرته المضنية أن يحقق قفزات هائلة بسبب التحديات التي واجهها والمشكلات التي تطلبت منه إعمالا للملكات العقلية، فتمكن من صنع الأدوات وابتكر الحلول التي حققت للبشرية قفزات كبيرة، إلا أن التكنولوجيا الحديثة، أسهمت بشكل أو بآخر في تعطيل تلك الملكات، فالعقل عندما يستخدم وسائل تكنولوجية هو غير معني بكيفية عملها، ثم تغنيه تلك الوسائل عن إعمال ملكاته في مسائل عديدة سيؤدي ذلك لا محالة إلى اضمحلال تلك الملكات وقد تترتب على تلك المعضلة سلبيات تنسحب على الجنس البشري برمته. ويحق لنا هنا التخوف كذلك من السلبيات التي ستنعكس على عقول الأطفال تحديداً عندما يستخدمون وسائل التكنولوجيا، فبحسب ما توصل له علم الأعصاب فإن للتذكر دورا محوريا في تشكيل بنية الدماغ وإنشاء الروابط العصبية داخل تلك البنية، كما أن التذكر يعد ركيزة أساسية للعملية التعليمية والنمو لدى الطفل وبناءً على ذلك يكون التخوف من سلبيات التكنولوجيا الحديثة امرا مشروعا ومطروحا بلا شك.
إن الجوانب الغامضة التي تكتنف مستقبل الأتمتة كثيرة ولا يسعنا معالجتها بإسهاب في هذا المقال، في الوقت ذاته لايمكننا غض الطرف كليا عنها. عندما تسهم الأتمتة في زيادة الإنتاج وتقليص التكلفة سيؤدي ذلك لا محالة إلى توفير السلع والخدمات بأسعار زهيدة، ولكننا قد نفاجأ بأن غالبية الناس لا تستطيع اقتناء تلك المنتجات بسبب ارتفاع معدلات البطالة وتقليص الوظائف والاستغناء عن العنصر البشري، وهو الوجه الآخر للأتمتة، كما أننا لا نعلم "كما أشرنا سابقا" أي منحى سيسلك مستقبل التكنولوجيا وإلى أي مدى ستسيطر فيه الآلة على البشر، سواء كانت تلك السيطرة كما تصورها لنا أفلام الخيال العلمي عبر امتلاك الآلة للوعي وتمردها على الإنسان! " وهناك من العلماء من أبدى قلقه من هذا السيناريو" أو عبر ما يطلق عليه الانحياز للآلة وسيطرة القرار التقني وسطوته على القرار البشري.
تلك التساؤلات تطلق العنان للخيال ليتصور شكل المستقبل.. فهل سيعيش الإنسان بفضل التكنولوجيا وحلولها محل الإنسان حياة رغيدة يسخّر فيها الجنس البشري الآلات لخدمته وتتغير موازين عجلة التنمية فلا يحتاج إنسان المستقبل للعمل من الأساس وسيكتفي بالخدمات الجليلة التي ستقدمها له التكنولوجيا، بينما يتفرغ هو للتأمل والاهتمام بالفنون والتفكر فيما حوله، أم أن المستقبل أقل إشراقا وربما تنقسم مجتمعات المستقبل إلى طبقات يسيطر فيها أصحاب رؤوس الأموال بمساعدة الآلات على الطبقات الأضعف، ولكن كيف ستكون تلك السيطرة وهم ليسوا في حاجة للعمال أساسا؟ هل ستخلق حاجات جديدة؟ أم سيكون هناك نوع جديد من البطالة المقنعة يتقاضى في ظلها الناس رواتب زهيدة دون مقابل من العمل ليدعموا فقط مسيرة الإنتاج المؤتمتة بالكامل ويشترون إنتاجها الزهيد واللا إنساني؟
فضلا عما سبق فإنه من الضرورة بمكان إعادة النظر في أهداف التنمية بعيدة المدى، وتخطيط الموارد البشرية ووضع أهدافها وفق نظرة بعيدة تأخذ بعين الاعتبار سيطرة الآلة وتمكنها من كافة مناحي الحياة. فوفقاً لقانون مور، "وهو القانون الذي وضعه غوردون مور أحد مؤسسي شركة (إنتل) في عام 1965، بعد أن لاحظ أن عدد الترانزستورات على شريح المعالج يتضاعف كل عامين دون أن يطرأ على سعر الشريحة أي تغيير"، فإن التكنولوجيا الحديثة وقدرة الحواسيب تشهد تضاعفا أسياً كل عامين!! ولنا أن نتخيل القدرة الفائقة لمستقبل تلك التكنولوجيا، فهل نحن مستعدون لذلك اليوم؟، وهل التخصصات الأكاديمية والتأهيل التقني والتدريب المهني المرسوم للمستقبل لرفد سوق العمل بالطاقات البشرية المؤهلة سيكون له موقع من الإعراب، وهل سنفاجأ عندما تلغي الأتمتة الحاجة لكثير من تلك التخصصات والمجالات المهنية؟ وهل سيأتي علينا يوم ستقول لنا الآلة عندما نحصل على مؤهلنا الأكاديمي" أنقعه واشرب ماءه".
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2559
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2298
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2079
| 03 نوفمبر 2025